سفر ناحوم | 03 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر ناحوم
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
١ – ٣ «١ وَيْلٌ لِمَدِينَةِ ٱلدِّمَاءِ. كُلُّهَا مَلآنَةٌ كَذِباً وَخَطْفاً. لاَ يَزُولُ ٱلٱفْتِرَاسُ. ٢ صَوْتُ ٱلسَّوطِ وَصَوْتُ رَعْشَةِ ٱلْبَكَرِ، وَخَيْلٌ تَخُبُّ وَمَرْكَبَاتٌ تَقْفِزُ، ٣ وَفُرْسَانٌ تَنْهَضُ، وَلَهِيبُ ٱلسَّيْفِ وَبَرِيقُ ٱلرُّمْحِ، وَكَثْرَةُ جَرْحَى وَوَفْرَةُ قَتْلَى، وَلاَ نِهَايَةَ لِلْجُثَثِ. يَعْثُرُونَ بِجُثَثِهِمْ».
حزقيال ٢٤: ٦ و٩ ص ٢: ٣ و٤ وأيوب ٣٩: ٢٣ – ٢٥ وإرميا ٤٧: ٣ حبقوق ٣: ١١ إشعياء ٣٤: ٣ و٦٦: ١٦ إشعياء ٣٧: ٣٦ وحزقيال ٣٩: ٤
سمّى النبي نينوى مدينة الدماء (١) لكثرة الخطف والظلم فيها فإن الغني إذا ظلم الفقير وأخذ منه معاشه كأنه قتله (٢) لكثرة حروبها التي فيها قتلوا ألوف وربوات. امتاز الأشوريون بعدم الشفقة والقساوة كما يظهر من الكتابات والصور. فإنهم كانوا يسلخون بعض أسراهم وهم لا يزالون أحياء وكانوا يقطعون رؤوس البعض ويعلقونها بعنق الأحياء وكانوا يضعون أسرى من الأمراء في أقفاص ليتفرج الناس عليهم ويسخروا بهم.
لاَ يَزُولُ ٱلٱفْتِرَاسُ الخ لا يشبع الطماع ومهما أخذ لا يزال يطلب. وأحياناً الشبعان أكثر طمعاً من الفقير.
صَوْتُ ٱلسَّوطِ الخ (ع ٢) يشير إلى مركبات الماديين والنبي يصف القتال بعبارات مختصرة ومؤثرة تشخص أمامنا تماماً ذلك القتال الهائل.
٤ – ٧ «٤ مِنْ أَجْلِ زِنَى ٱلزَّانِيَةِ ٱلْحَسَنَةِ ٱلْجَمَالِ صَاحِبَةِ ٱلسِّحْرِ ٱلْبَائِعَةِ أُمَماً بِزِنَاهَا وَقَبَائِلَ بِسِحْرِهَا. ٥ هَئَنَذَا عَلَيْكِ، يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ، فَأَكْشِفُ أَذْيَالَكِ إِلَى فَوْقِ وَجْهِكِ، وَأُرِي ٱلأُمَمَ عَوْرَتَكِ وَٱلْمَمَالِكَ خِزْيَكِ. ٦ وَأَطْرَحُ عَلَيْكِ أَوْسَاخاً، وَأُهِينُكِ وَأَجْعَلُكِ عِبْرَةً. ٧ وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَرَاكِ يَهْرُبُ مِنْكِ وَيَقُولُ: خَرِبَتْ نِينَوَى، مَنْ يَرْثِي لَهَا: مِنْ أَيْنَ أَطْلُبُ لَكِ مُعَزِّينَ؟»
إشعياء ٢٣: ١٧ وحزقيال ١٦: ٢٥ – ٢٩ ورؤيا ١٧: ١ و ٢ إشعياء ٤٧: ٩ و١٢ و١٣ رؤيا ١٨: ٣ ص ٢: ١٣ وإرميا ٥٠: ٣١ وحزقيال ٢٦: ٣ إرميا ١٣: ٢٦ حزقيال ١٦: ٣٧ أيوب ٩: ٣١ أيوب ٣٠: ٨ وملاخي ٢: ٩ إشعياء ١٤: ١٦ وإرميا ٥١: ٣٧ ص ٢: ٨ وإرميا ٥١: ٩ ص ١: ١ و٢: ٨ وصفنيا ٢: ١٣ إشعياء ٥١: ١٩ وإرميا ١٥: ٥
ٱلزَّانِيَةِ ٱلْحَسَنَةِ أشبهت زانية (١) لأنهم سجدوا للأصنام وعملوا بحسب شهواتهم مع أن معرفة الله ظاهرة فيهم (رومية ١: ١٩) (٢) لأنهم غشوا الشعوب بمعاهدات كاذبة وتظاهروا بالمحبة لأجل غايات نفسانية كمحبة زانية. انظر كلام سنحاريب ملك أشور عن يد القائد ربشاقي (إشعياء ٣٦: ١٦ و١٧) «ٱعْقِدُوا مَعِي صُلْحاً، وَٱخْرُجُوا إِلَيَّ وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ… حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ مِثْلِ أَرْضِكُمْ، أَرْضِ حِنْطَةٍ الخ» (انظر ٢ملوك ١٨: ١٤) قال حزقيا لملك أشور «ٱرْجِعْ عَنِّي، وَمَهْمَا جَعَلْتَ عَلَيَّ حَمَلْتُهُ» فدفع له فضة وذهباً. و(انظر إشعياء ٣٣: ٨) «نَكَثَ ٱلْعَهْدَ. رَذَلَ ٱلْمُدُنَ. لَمْ يَعْتَدَّ بِإِنْسَانٍ» (٣) وأشبهت زانية حسنة نظراً إلى غناها وعظمتها وموقعها. وربما السحر المذكور يشير إلى الحيل والغش.
هَئَنَذَا عَلَيْكِ (ع ١٥) فماذا يعمل الإنسان مهما كان عظيماً وغنياً إذا كان الله عليه. ولو خلصوا من الماديين الرب يقدر أن يقيم عليهم غيرهم وليس لهم قوة للحرب إلا بما كانوا أخذوه من الرب.
فَأَكْشِفُ أَذْيَالَكِ المدينة مشبّهة بسيدة أصابها أعظم إهانة. وأعظم عار للإنسان كشف خطاياه السرّية. كان أشور مفتخراً بقوته ولكن لما سقط انكشف ضعفه.
٨ – ١١ «٨ هَلْ أَنْتِ أَفْضَلُ مِنْ نُوَ أَمُونَ ٱلْجَالِسَةِ بَيْنَ ٱلأَنْهَارِ، حَوْلَهَا ٱلْمِيَاهُ ٱلَّتِي هِيَ حِصْنُ ٱلْبَحْرِ، وَمِنَ ٱلْبَحْرِ سُورُهَا؟ ٩ كُوشٌ قُوَّتُهَا مَعَ مِصْرَ وَلَيْسَتْ نِهَايَةٌ. فُوطٌ وَلُوبِيمُ كَانُوا مَعُونَتَكِ. ١٠ هِيَ أَيْضاً قَدْ مَضَتْ إِلَى ٱلْمَنْفَى بِٱلسَّبْيِ، وَأَطْفَالُهَا حُطِّمَتْ فِي رَأْسِ جَمِيعِ ٱلأَزِقَّةِ، وَعَلَى أَشْرَافِهَا أَلْقُوا قُرْعَةً، وَجَمِيعُ عُظَمَائِهَا تَقَيَّدُوا بِٱلْقُيُودِ. ١١ أَنْتِ أَيْضاً تَسْكَرِينَ. تَكُونِينَ خَافِيَةً. أَنْتِ أَيْضاً تَطْلُبِينَ حِصْناً بِسَبَبِ ٱلْعَدُوِّ».
إرميا ٤٦: ٢٥ وحزقيال ٣٠: ١٤ – ١٦ إشعياء ١٩: ٦ – ٨ إشعياء ٢٠: ٥ تكوين ١٠: ٦ وإرميا ٤٦: ٩ وحزقيال ٢٧: ١٠ و٣٠: ٥ و٣٨: ٥ و٢أيام ١٢: ٣ و١٦: ٨ إشعياء ١٩: ٤ و٢٠: ٤ هوشع ١٣: ١٦ يوئيل ٣: ٣ وعوبديا ١١ إشعياء ٤٩: ٢٦ وإرميا ٢٥: ٢٧ ص ١: ٨ وإشعياء ٢: ١٠ و١٩ وهوشع ١: ٨
نُوَ أَمُونَ أي مدينة ثيبة في جنوبي مصر وعلى بعد نحو ٤٠٠ ميل من القاهرة.
ٱلأَنْهَارِ في مصر نهر واحد فقط أي النيل والأنهار هي السواقي الكثيرة الخارجة من النيل وتسمى النيل «بحراً» نظراً إلى عظمته. وكان النيل كحصن وسور لثيبة كما كان نهر دجلة وفروعه لنينوى. وقول النبي هو أن نينوى ليست أفضل من ثيبة وكما سقطت تلك هكذا ستسقط نينوى. كان سقوط ثيبة عن يد أشور. وأما الذي خرب سيخرب وأمون اسم الإله الذي سجدوا له ونو اسم المدينة. وكانت ثيبة عاصمة مملكة عظيمة امتدت إلى ما بين النهرين وكانت نينوى خاضعة لها. وكوش هي ما كان جنوبي مصر وفوط ولوبيم شعوب في شمالي أفريقيا. قيل أنه كان لثيبة مئة باب ولها عشرون ألف مركبة مع خيلها وعساكرها. وعرض وادي النيل عند ثيبة نحو عشرة أميال أي أعرض من معدله وعرض النيل هنا نحو سبع مئة ذراع. وأسماء القرى الموجودة اليوم في موضع ثيبة لقصر والكرنك وقرنو ومدينة أبو الآثار الموجودة اليوم عظيمة جداً. كان ١٨ تمثالاً للملوك ومنها تمثالان قائمان وعرضه بين الكتفين ٨ أذرع والتمثال من حجر واحد وزنه نحو ٣٥٠٠ قنطار والحجر صلب جداً وأصله من مكان بعيد واندهش المهندسون في أيامنا من حذاقة المهندسين في القديم الذين نقلوا الحجارة ونقشوها. ويوجد في الكرنك هيكل طوله ١٥٠ ذراعاً وعرضه ٨٠ ذراعاً وفيه مكتوبة أسماء الملوك على مدة ألفي سنة ويوجد فيه ١٢ عموداً على علو ٣٠ ذراعاً و٦٦ عموداً على علو ٢٠ ذراعاً.
هِيَ أَيْضاً قَدْ مَضَتْ إِلَى ٱلْمَنْفَى (ع ١٠) الأرجح أن هذا صار عن يد أشور بانيبال ملك أشور.
أَنْتِ أَيْضاً تَسْكَرِينَ (ع ١١) النبي يكلم أشور فتسكر هي من كأس غضب الله.
١٢ – ١٩ «١٢ جَمِيعُ قِلاَعِكِ أَشْجَارُ تِينٍ بِٱلْبَوَاكِيرِ، إِذَا ٱنْهَزَّتْ تَسْقُطُ فِي فَمِ ٱلآكِلِ. ١٣ هُوَذَا شَعْبُكِ نِسَاءٌ فِي وَسَطِكِ. تَنْفَتِحُ لأَعْدَائِكِ أَبْوَابُ أَرْضِكِ. تَأْكُلُ ٱلنَّارُ مَغَالِيقَكِ. ١٤ اِسْتَقِي لِنَفْسِكِ مَاءً لِلْحِصَارِ. أَصْلِحِي قِلاَعَكِ. ٱدْخُلِي فِي ٱلطِّينِ وَدُوسِي فِي ٱلْمِلاَطِ. أَصْلِحِي ٱلْمِلْبَنَ. ١٥ هُنَاكَ تَأْكُلُكِ نَارٌ. يَقْطَعُكِ سَيْفٌ. يَأْكُلُكِ كَٱلْغَوْغَاءِ. تَكَاثَرِي كَٱلْغَوْغَاءِ. تَعَاظَمِي كَٱلْجَرَادِ. ١٦ أَكْثَرْتِ تُجَّارَكِ أَكْثَرَ مِنْ نُجُومِ ٱلسَّمَاءِ. ٱلْغَوْغَاءُ جَنَّحَتْ وَطَارَتْ. ١٧ رُؤَسَاؤُكِ كَٱلْجَرَادِ، وَوُلاَتُكِ كَحَرْجَلَةِ ٱلْجَرَادِ ٱلْحَالَّةِ عَلَى ٱلْجُدْرَانِ فِي يَوْمِ ٱلْبَرْدِ. تُشْرِقُ ٱلشَّمْسُ فَتَطِيرُ وَلاَ يُعْرَفُ مَكَانُهَا أَيْنَ هُوَ. ١٨ نَعِسَتْ رُعَاتُكَ يَا مَلِكَ أَشُّورَ. ٱضْطَجَعَتْ عُظَمَاؤُكَ. تَشَتَّتَ شَعْبُكَ عَلَى ٱلْجِبَالِ وَلاَ مَنْ يَجْمَعُ. ١٩ لَيْسَ جَبْرٌ لٱنْكِسَارِكَ. جُرْحُكَ عَدِيمُ ٱلشِّفَاءِ. كُلُّ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ خَبَرَكَ يُصَفِّقُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَيْكَ، لأَنَّهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَمُرَّ شَرُّكَ عَلَى ٱلدَّوَامِ؟».
إشعياء ٢٨: ٤ وحبقوق ١: ١٠ إشعياء ١٩: ١٦ وإرميا ٥١: ٣٠ ص ٢: ٦ وإشعياء ٤٥: ١ و٢ و٢أيام ٣٢: ٣ و٤ و١١ ص ٢: ١ ع ١٣ وص ٢: ١٣ وإشعياء ٦٦: ١٥ و١٦ يوئيل ١: ٤ إشعياء ٢٣: ٨ إرميا ٥١: ٢٧ مزمور ٧٦: ٥ و٦ وإشعياء ٥٦: ١٠ وإرميا ٥١: ٥٧ ص ٢: ٥ و١ملوك ٢٢: ١٧ وإشعياء ١٣: ١٤ إرميا ٤٦: ١١ وميخا ١: ٩ إرميا ٣٠: ١٢ إيوب ٢٧: ٢٣ ومراثي ٢: ١٥ ع ٤ وإشعياء ٣٧: ١٨
قِلاَعِكِ أَشْجَارُ تِينٍ كما يهزُّ الإنسان شجرة تين فيسقط التين حالاً هكذا تنهز قلاع أشور فيسقط غناها وقوتها.
أَبْوَابُ أَرْضِكِ (ع ١٣) الطرقات التي تؤدي إلى نينوى من كل الجهات والحصون التي كانت حول المدينة لحفظها. وجبابرة البأس كالنساء في الضعف والخوف.
تَأْكُلُ ٱلنَّارُ مَغَالِيقَكِ العاديات تدل على احتراق الأبنية وربما كانت المغاليق من خشب كما هي الحالة في بعض جهات سورية إلى اليوم.
اِسْتَقِي لِنَفْسِكِ (ع ١٤) النبي يخاطب نينوى وهي كسيدة كانت تستخدم الناس ولكنها تكون كعبدة تستقي ماء وتدخل في الطين وتدوس في الملاط استعداداً للحصار.
كَٱلْغَوْغَاءِ (ع ١٥) كانت نينوى كالغوغاء نظراً إلى عظمة جيوشها وشراستهم فإن جيشها سلب العالم وتجارها استغنوا من السلب. ولكن أعداء نينوى كالغوغاء أيضاً وكما سلبوا يُسلبون وكما خربوا يُخربون.
نَعِسَتْ رُعَاتُكَ (ع ١٨) أي ماتوا ومات عظماؤه وتشتت شعبه (انظر ٢أيام ١٨: ١٦) لأن ليس لهم رعاة.
لَيْسَ جَبْرٌ لٱنْكِسَارِكَ (ع ١٩) مدينة نينوى بعدما سقطت لم تقم أيضاً بل بقيت هكذا خربة من أيام الماديين إلى أيامنا هذه بلا سكان والشعوب صفقوا بأيديهم عليها ولم يكن من يحبها محبة حقيقية أو يحزن عليها. وهكذا سقوط كل من يعيش لنفسه.
ومن فوائد هذه النبوة بطل الاتكال على عظمة الجيوش والحصون والتجارة والمال. والقوة الحقيقية هي في الاتكال على الرب وحفظ وصاياه «طُوبَى لِلأُمَّةِ ٱلَّتِي ٱلرَّبُّ إِلٰهُهَا، ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي ٱخْتَارَهُ مِيرَاثاً لِنَفْسِهِ» (مزمور ٣٣: ١٢).
السابق |