سفر إشعياء | 66 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلسِّتُّونَ
موضوعه سعادة الإسرائيليين الحقيقيين وعقاب المرتدين. في القسم الثاني من نبوءته (ص ٤٠ – ٦٦) نظر النبي إلى السبي والرجوع منه والسبي الروحي أي عبودية الخطية والخلاص بالمسيح ومستقبل الكنيسة وامتداد الإنجيل في العالم. والأرجح أنه في هذا الأصحاح الأخير نظر إلى العهد الجديد وزوال خدمة الهيكل وانضمام كثيرين إلى الكنيسة ومقاومة اليهود غير المؤمنين وإلى المستقبل البعيد ومجد الكنيسة وغلبتها وتمام انتصارها على كل أعدائها.
١ «هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: ٱلسَّمَاوَاتُ كُرْسِيِّي وَٱلأَرْضُ مَوْطِئُ قَدَمَيَّ. أَيْنَ ٱلْبَيْتُ ٱلَّذِي تَبْنُونَ لِي، وَأَيْنَ مَكَانُ رَاحَتِي؟».
١ملوك ٨: ٢٧ و٢أيام ٦: ١٨ ومتّى ٥: ٣٤ و٣٥ وأعمال ٧: ٤٨ و٤٩ و١٧: ٢٤
أَيْنَ ٱلْبَيْتُ ليس المقصود بهذا السؤال توبيخ اليهود لكونهم لم يبنوا بيتاً للرب لأنهم بنوا له الهيكل قبل السبي وبعد الرجوع من السبي جددوا البيت. ولا يشير هذا السؤال إلى أن الرب لا يطلب منهم أن يبنوا له بيتاً مطلقاً لأن سليمان بنى الهيكل بأمر الرب وجدده اليهود بعد السبي بأمره. فالأرجح أن القول يشير إلى أيام العهد الجديد والوقت الذي أشار إليه المسيح بقوله «تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هٰذَا ٱلْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ… ٱلسَّاجِدُونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ» (يوحنا ٤: ٢١ – ٢٣). وأما اليهود في زمان المسيح وبعده فكانوا يعتبرون الهيكل اعتباراً زائداً وتعليم المسيح ورسله هو أنه يجب أن يرفعوا أفكارهم عن هذه الرموز الجسدية وينظروا إلى رب الهيكل ويقدموا له عبادة روحية حقيقية. انظر خطاب استفانوس (أعمال ٧: ٤٨) وخطاب بولس في أثينا (أعمال ١٧: ٢٤) فكل منهما استنتج من هذا القول في إشعياء زوال الهيكل وخدمته . فلا نعتبر الكنائس التي نجتمع ونسجد فيها كأنها هياكل مثل الهيكل في أورشليم لأنها كثيرة وهي في أماكن كثيرة وغايتها اتحاد شعب الله في تقديم الصلوات والتسبيحات وتلاوة الكتاب المقدس مع تفسيره وليست لتقديم الذبائح والبخور والتقدمات مع أنه يجب أن هذه الكنائس تكون في بنائها وخدمتها كما يليق بعبادة الرب.
٢ «وَكُلُّ هٰذِهِ صَنَعَتْهَا يَدِي، فَكَانَتْ كُلُّ هٰذِهِ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. وَإِلَى هٰذَا أَنْظُرُ: إِلَى ٱلْمِسْكِينِ وَٱلْمُنْسَحِقِ ٱلرُّوحِ وَٱلْمُرْتَعِدِ مِنْ كَلاَمِي».
ص ٥٧: ١٥ و٦١: ١ مزمور ٣٤: ١٨ و٥١: ١٧ عزرا ٩: ٤ و١٠: ٣ وأمثال ٢٨: ١٤ وع ٥
وَكُلُّ هٰذِهِ أي السموات والأرض.
فَكَانَتْ كُلُّ هٰذِهِ يشير إلى الخلق في البدء. قال الله ليكن فكان. والمعنى:
(١) إن الهيكل المصنوع بأيدي الناس كلا شيء بالنسبة إلى السموات والأرض التي صنعها الله.
(٢) إن السموات والأرض أقل اعتباراً عنده من الروح المنسحق لأن الخلائق الروحية تزيد قيمة الخلائق المادية مهما كانت عظيمة وجميلة كما أن للأولاد قيمة عند والديهم أكثر من البيوت والحقول.
ٱلْمِسْكِينِ وَٱلْمُنْسَحِقِ (ص ٥٧: ١٥) وانظر قول بولس (١كورنثوس ٣: ١٦) «إِنَّكُمْ هَيْكَلُ ٱللّٰهِ، وَرُوحُ ٱللّٰهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ» ومعنى القول هنا أنه في العهد الجديد يحل روح الله على كل من المؤمنين في كل مكان ويسكن فيه فلا يحتاج إلى هيكل كهيكل أورشليم ليقدم السجود فيه.
٣ «مَنْ يَذْبَحُ ثَوْراً فَهُوَ قَاتِلُ إِنْسَانٍ. مَنْ يَذْبَحُ شَاةً فَهُوَ نَاحِرُ كَلْبٍ. مَنْ يُصْعِدُ تَقْدِمَةً يُصْعِدُ دَمَ خِنْزِيرٍ. مَنْ أَحْرَقَ لُبَاناً فَهُوَ مُبَارِكٌ وَثَناً. بَلْ هُمُ ٱخْتَارُوا طُرُقَهُمْ، وَبِمَكْرُهَاتِهِمْ سُرَّتْ أَنْفُسُهُمْ».
ص ١: ١١ تثنية ٢٣: ١٨ لاويين ٢: ٢
مَنْ يَذْبَحُ ثَوْراً أشار إلى ذبائح وتقدمات غير مقبولة وهي أولاً المقدمة بلا إيمان ولا طاعة (انظر ص ١: ١١ – ١٦). وربما أشار النبي أيضاً إلى أيام العهد الجديد (انظر متّى ٢٧: ١) «تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ ٱلشَّعْبِ عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ» و(يوحنا ١٨: ٢٨) «لَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ ٱلْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ ٱلْفِصْحَ». وربما أشار أيضاً إلى الذين قدموا ذبائح بعدما أتى المسيح فاحتقروه كأن كفارته ليست كافية.
بَلْ هُمُ ٱخْتَارُوا طُرُقَهُمْ المتجدد في قلبه بفعل روح الله لا يختار الخطية ولا يسر بها غير أنه يسقط أحياناً لعدم الانتباه وبلا قصد فيحزن ويتوب ويرجع إلى الله وأما المذكورون هنا فيختارون الخطية ويسرون بها وهكذا كان البعض في أيام النبي فيذكرهم في (ص ٥٧ و٥٩ و٦٥) وأشار إلى غير المؤمنين في العهد الجديد وفي كل جيل.
٤ «فَأَنَا أَيْضاً أَخْتَارُ مَصَائِبَهُمْ، وَمَخَاوِفَهُمْ أَجْلِبُهَا عَلَيْهِمْ. مِنْ أَجْلِ أَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ يَكُنْ مُجِيبٌ. تَكَلَّمْتُ فَلَمْ يَسْمَعُوا. بَلْ عَمِلُوا ٱلْقَبِيحَ فِي عَيْنَيَّ، وَٱخْتَارُوا مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ».
أمثال ١: ٢٤ وص ٦٥: ١٢ وإرميا ٧: ١٣
فَأَنَا أَيْضاً أَخْتَارُ مَصَائِبَهُمْ يقدر الإنسان أن يختار طرقه في التمرد على الرب والافتراء والظلم ولكنه لا يقدر أن يختار مصائبه فتأتيه الأمراض والأحزان والفقر والضيق كما يريد الرب. يقول الرب للمؤمنين «لا تخافوا» ويقول لغير المؤمنين «مخاوفكم اجلبها عليكم» بأمر المؤمنين أن يسألوا ما أراداو فيعطيهم وينبئ غير المؤمنين بأنه سيدعونه فلا يسمع ويطلبون منه فلا يستجيب وكما فعلوا به يفعل بهم. وهذه المصائب أصابت اليهود على أنواع كثيرة ولا سيما في خراب أورشليم بيد الرومانيين.
٥ «اِسْمَعُوا كَلاَمَ ٱلرَّبِّ أَيُّهَا ٱلْمُرْتَعِدُونَ مِنْ كَلاَمِهِ. قَالَ إِخْوَتُكُمُ ٱلَّذِينَ أَبْغَضُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي: لِيَتَمَجَّدِ ٱلرَّبُّ. فَيَظْهَرُ لِفَرَحِكُمْ، وَأَمَّا هُمْ فَيَخْزَوْنَ».
ع٢ ص ٥: ١٩ و٢تسالونيكي ١: ١٠ وتيطس ٢: ١٣
الكلام هنا للأتقياء من اليهود وإخوتهم الذين أبغضوهم هم الأشرار وغير المؤمنين من اليهود. (انظر أعمال ٢٢: ١) حيث بولس خاطب اليهود المضطهدين كإخوة.
ٱلَّذِينَ أَبْغَضُوكُمْ قال المسيح (يوحنا ١٥: ١٨) «ٱلْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ».
مبغضين لأَجْلِ ٱسْمِي (متّى ٢٤: ٩).
لِيَتَمَجَّدِ ٱلرَّبُّ قول المضطهدين تهكماً كالقول ليخلّصكم الرب فنرى ونصدق أنه معكم.
وَأَمَّا هُمْ فَيَخْزَوْنَ يخزون عندما يرون نجاة إسرائيل من سبي بابل ويخزى أعداء الكنيسة في أيام العهد الجديد عندما يرون نجاحها فيظهر أن مقاومتهم للرب لا لجماعة من الفقراء والضعفاء فقط كما ظنوا.
٦ «صَوْتُ ضَجِيجٍ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ. صَوْتٌ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ. صَوْتُ ٱلرَّبِّ مُجَازِياً أَعْدَاءَهُ».
كانت أورشليم مدينة الرب والهيكل مكان راحته فالنبي رآه في الرؤيا قائماً مثل جبار بضجيج وصوت لينتقم من أعدائه (عاموس ١: ٢ ويوئيل ٣: ١٦ وص ٣٣: ١٤) وأعداء الرب هم اليهود غير المؤمنين المذكورين في (ع ٥). ولعل الخراب المشار إليه هو خراب أورشليم بيد الرومانيين الذي كان مخيفاً ومهما جداً لأنه علامة إلغاء النظام القديم الرمزي.
٧، ٨ «٧ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا ٱلطَّلْقُ وَلَدَتْ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا ٱلْمَخَاضُ وَلَدَتْ ذَكَراً. ٨ مَنْ سَمِعَ مِثْلَ هٰذَا؟ مَنْ رَأَى مِثْلَ هٰذِهِ؟ هَلْ تَمْخَضُ بِلاَدٌ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ تُولَدُ أُمَّةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً؟ فَقَدْ مَخَضَتْ صِهْيَوْنُ، بَلْ وَلَدَتْ بَنِيهَا!».
الخراب المشار إليه في (ع ٦) هو للمدينة والهيكل واليهود غير المؤمنين ولكنه لا يكون خراب شعب الله الحقيقيين.
قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا ٱلطَّلْقُ أورشليم أولاً وفي العهد الجديد شُبهت الكنيسة بوالدة ولكنها ليست كوالدة بما أن الازدياد يكون بغتة كأنه في يوم واحد أو دفعة واحدة. وهكذا كان الرجوع من السبي فإن نحو ٤٢٠٠٠ من رجال شعب إسرائيل أتوا إلى أورشليم في وقت واحد (عزرا ٢: ٦٤) ويوم الخمسين انضم إلى الكنيسة نحو ٣٠٠٠ في يوم واحد ومن يوم الخمسين وصاعداً نمت الكنيسة وامتدت بسرعة عجيبة. كالنمو في الجزائر في أيامنا فإنه عمّد قسيس واحد ١٣٠٠٠ في مدة حياته منهم ٥٠٠٠ في سنة واحدة وفي بعض الجزائر انتقل الشعب كله من الظلمة الوثنية إلى نور الإنجيل حتى لا يوجد واحد منهم يسجد للأصنام وذلك كله في مدة خمسين سنة.
وَلَدَتْ ذَكَراً ربما يشير إلى الفرح الكامل لأنه كان للأولاد الذكور اعتبار خاص عند اليهود. ويظن البعض أن الذكر يشير إلى القوة.
مَنْ سَمِعَ مِثْلَ هٰذَا أي هذا الأمر وهو نمو الكنيسة العجيب.
مَنْ رَأَى مِثْلَ هٰذِهِ أي هذه الأمور كلها وهي تجديد بعض اليهود وانضمام الأمم وامتداد الإنجيل في كل المسكونة الخ.
٩ «هَلْ أَنَا أُمْخَضُ وَلاَ أُوَلِّدُ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، أَوْ أَنَا ٱلْمُوَلِّدُ هَلْ أُغْلِقُ ٱلرَّحِمَ، قَالَ إِلٰهُكِ؟».
الأمر المذكور في العدد السابق هو أمر عجيب نظراً إلى القوة البشرية ولكنه ليس عجيباً نظراً إلى قوة الله وأمانته. وكان أمراً عجيباً لو ابتدأ الرب في عمل ولم يكمله فإنه اختار إسرائيل وخلّصهم من عبودية مصر ومن سبي بابل وأرسل إليهم أنبياء ورسلاً وأخيراً بذل ابنه فمن الضرورة يكون نجاح الكنيسة كما يليق بمن فداها واعتنى بها.
١٠، ١١ «١٠ ٱفْرَحُوا مَعَ أُورُشَلِيمَ وَٱبْتَهِجُوا مَعَهَا يَا جَمِيعَ مُحِبِّيهَا. اِفْرَحُوا مَعَهَا فَرَحاً يَا جَمِيعَ ٱلنَّائِحِينَ عَلَيْهَا ١١ لِتَرْضَعُوا وَتَشْبَعُوا مِنْ ثَدْيِ تَعْزِيَاتِهَا. لِتَعْصِرُوا وَتَتَلَذَّذُوا مِنْ دِرَّةِ مَجْدِهَا».
أورشليم أو الكنيسة المشبهة بوالدة والذين يحبونها والذين ينوحون عليها في مدة ضيقها مشبهون بأولادها فيشتركون معها بتعزيتها وحياتها الروحية. وكان لداود وجميع الأتقياء في العهد القديم محبة عظيمة لأورشليم والهيكل (مزمور ٢٧: ٤ و٤٢: ١ – ٤ و٦٣: ١ و٢ و٦٥: ٤ و٨٤ و١٢٢). ومن الضرورة أن كل من يحب المسيح يحب كنيسته فيفرح بنجاحها ويحزن بضيقاتها ويصلي لأجلها ويحضر اجتماعاتها ويساعدها بالمال والخدمة ويغير لها.
لِتَرْضَعُوا انظر قول بطرس (١بطرس ٢: ٢) «كَأَطْفَالٍ مَوْلُودِينَ ٱلآنَ ٱشْتَهُوا ٱللَّبَنَ ٱلْعَقْلِيَّ ٱلْعَدِيمَ ٱلْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ». واللبن العقلي هو تعليم الكنيسة أي الكتب المقدسة.
تَعْزِيَاتِهَا من تعزيات الكنيسة المواعظ من المنبر وزيارة الرعاة للمرضى والحزانى وشركة الإخوة والصلوات والخدمة المتبادلة.
مِنْ دِرَّةِ مَجْدِهَا كل عضو في الكنيسة مشترك في مجدها ومهما عملت الكنيسة من الأعمال الحسنة نقول «عملنا» فالشهداء والوعاظ والأفاضل في كل الأجيال صاروا رفقاءنا.
١٢ «لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَئَنَذَا أُدِيرُ عَلَيْهَا سَلاَماً كَنَهْرٍ، وَمَجْدَ ٱلأُمَمِ كَسَيْلٍ جَارِفٍ، فَتَرْضَعُونَ، وَعَلَى ٱلأَيْدِي تُحْمَلُونَ وَعَلَى ٱلرُّكْبَتَيْنِ تُدَلَّلُونَ».
ص ٤٨: ١٨ و٦٠: ٥ ص٦٠: ١٦ ص ٤٩: ٢٢ و٦٠: ٤
أُدِيرُ عَلَيْهَا سَلاَماً السلام من الرب وهو يدبره على الكنيسة كما يسقي الإنسان حقله. وكان الرب مستعداً أن يعطيها هذا السلام في القديم لو أصغت لوصاياه (ص ٤٨: ١٨). و«السل الجارف» يشير إلى قوة أشور المهلكة (ص ٨: ٧) فهذه القوة العالمية التي كانت للهلاك تكون لإغناء الكنيسة ومجدها. وهذا السلام كنهر لأنه كثير ومفيد ولا ينقطع.
فَتَرْضَعُونَ جميع المؤمنين هم أبناء الكنيسة من اليهود كانوا أم من الأمم فيتمتعون بمحبتها وتربيتها كأطفال من والدتهم.
١٣ «كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هٰكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا، وَفِي أُورُشَلِيمَ تُعَزَّوْنَ».
أُعَزِّيكُمْ وإن كانت الكنيسة كوالدة تعزيتها ومحبتها ليست منها أصلاً بل من الرب. ومحبة الرب لشعبه تشتمل على كل أنواع المحبة فتكون كمحبة الأب ومحبة الأم أيضاً ومحبة الأم لطفلها ومحبتها لابنها البالغ ومحبة الأم تمتاز عن غيرها بما أن الأم تعرف أولادها أحسن من غيرها فتناسب تعزيتها لكل منهم كما يحتاج. والأم تبذل نفسها في خدمة أولادها وتحتمل لأجلهم آلام وخسارة أكثر من غيرها. وهكذا محبة الله لأولاده.
فِي أُورُشَلِيمَ هذا الوعد يتضمن ما يأتي:
- إنهم سيرجعون إلى وطنهم فيكونون في أورشليم.
- إن أورشليم مسكن الرب ومصدر التعزية وعلى كل من يطلب التعزية أن ينظر إليها وهكذا في العهد الجديد على كل من يطلب التعزية أن يعتبر الكنيسة كمسكن الرب والمكان الذي يظهر نفسه فيه أحسن ظهور.
١٤ «فَتَرَوْنَ وَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَتَزْهُو عِظَامُكُمْ كَٱلْعُشْبِ وَتُعْرَفُ يَدُ ٱلرَّبِّ عِنْدَ عَبِيدِهِ، وَيَحْنَقُ عَلَى أَعْدَائِهِ».
حزقيال ٣٧: ١ الخ
وَتَزْهُو عِظَامُكُمْ كَٱلْعُشْبِ العظام مركز قوة الجسد وشُبهت العظام الصحيحة بالعشب لأن مخها طريءٌ.
وَتُعْرَفُ يَدُ ٱلرَّبِّ سيعرفون أن هذه البركات هي من الرب وإن هلاك أعدائهم كذلك.
١٥، ١٦ «١٥ لأَنَّهُ هُوَذَا ٱلرَّبُّ بِٱلنَّارِ يَأْتِي، وَمَرْكَبَاتُهُ كَزَوْبَعَةٍ لِيَرُدَّ بِحُمُوٍّ غَضَبَهُ، وَزَجْرَهُ بِلَهِيبِ نَارٍ. ١٦ لأَنَّ ٱلرَّبَّ بِٱلنَّارِ يُعَاقِبُ وَبِسَيْفِهِ عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، وَيَكْثُرُ قَتْلَى ٱلرَّبِّ».
ص ٩: ٥ و٢تسالونيكي ١: ٨ ص ٢٧: ١
شُبّه انتقام الرب من أعدائه بقائد جيش كجيش أشور المعروف عند اليهود في عصر إشعياء ومركباته كزوبعة بالسرعة والقوة. وربما أشار السيف إلى الحروب والنار إلى الدمار بقوات طبيعية.
لِيَرُدَّ بِحُمُوٍّ غَضَبَهُ لا يسكّن غضبه بل يشبعه ويظهره بإهلاك أعدائه. والأرجح أن هذه النبوءة المخيفة تمت في خراب أورشليم بيد الرومانيين الذي فيه عملت النار والسيف فكان قتلى كثيرين. يكون أولاً الانتقام من الأعداء وتكون بعده إقامة ملكوت المجد والسلام (انظر ص ٣٤) في ذكر انتقام الرب من أدوم والأصحاح الذي بعده الذي يذكر بركات ملكوت المسيح (وانظر رؤيا ١٩ و٢٠) فإنهما يذكران ملاك الشيطان وجميع أتباعه. و(انظر ص ٢١) الذي يذكر سعادة المؤمنين في أورشليم السماوية لأن ليس في السماء مكان للخطية أو المقاومي الرب.
١٧ «ٱلَّذِينَ يُقَدِّسُونَ وَيُطَهِّرُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي ٱلْجَنَّاتِ وَرَاءَ وَاحِدٍ فِي ٱلْوَسَطِ، آكِلِينَ لَحْمَ ٱلْخِنْزِيرِ وَٱلرِّجْسَ وَٱلْجُرَذَ، يَفْنَوْنَ مَعاً، يَقُولُ ٱلرَّبُّ».
ص ٦٥: ٣ و٤
وَرَاءَ وَاحِدٍ فِي ٱلْوَسَطِ يشير إلى عبادة منظمة أي إلى عبّاد مجتمعين ولهم كاهن ورئيس. وكان في عصر إشعياء عبادة وثنية كالمذكورة هنا وأما في زمان المسيح فلم توجد. ولكن لما خرب الرومانيون أورشليم جازى الرب ذلك الجيل بآثام آبائهم (ص ٦٥: ٧ ومتّى ٢٣: ٣١). وقال المسيح «إن الفريسيين أبناء قتلة الأنبياء» أي خطاياهم وخطايا آبائهم هي جوهر واحد وإن كانت مختلفة في الصور الخارجية. والنبي يصف خطايا الأجيال القادمة باستعمال ألفاظ مأخوذة من الخطايا المعروفة في أيامه. والمظنون أن الجُرذ كالخنزير كان يقدم للأصنام في العبادة وأكل العبّاد إياه كان علامة الاتحاد بين الصنم وعبّاده.
١٨ «وَأَنَا أُجَازِي أَعْمَالَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ. حَدَثَ لِجَمْعِ كُلِّ ٱلأُمَمِ وَٱلأَلْسِنَةِ، فَيَأْتُونَ وَيَرَوْنَ مَجْدِي».
أَعْمَالَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ الرب يعرف الأفكار فيجازي عليها كما يجازي على الأعمال.
حَدَثَ أي حدث الوقت لجميع كل الأمم كقول حزقيال (حزقيال ٧: ٧ و١٢) «بلغ الوقت».
يَرَوْنَ مَجْدِي أي مجد الرب في الخلاص وفي المجازاة والذين يأتون ويرون هم الأمم الذين ينضمون إلى الكنيسة عوضاً عن اليهود غير المؤمنين.
١٩ «وَأَجْعَلُ فِيهِمْ آيَةً، وَأُرْسِلُ مِنْهُمْ نَاجِينَ إِلَى ٱلأُمَمِ، إِلَى تَرْشِيشَ وَفُولَ وَلُودَ ٱلنَّازِعِينَ فِي ٱلْقَوْسِ. إِلَى تُوبَالَ وَيَاوَانَ، إِلَى ٱلْجَزَائِرِ ٱلْبَعِيدَةِ ٱلَّتِي لَمْ تَسْمَعْ خَبَرِي وَلاَ رَأَتْ مَجْدِي، فَيُخْبِرُونَ بِمَجْدِي بَيْنَ ٱلأُمَمِ».
لوقا ٢: ٣٤ ملاخي ١: ١١
وَأَجْعَلُ فِيهِمْ آيَةً الآيات والعجائب التي بها شهد الله مع الرسل (عبرانيين ٢: ٤ ومرقس ١٦: ١٧ وأعمال ٢: ٤٣) والبعض فهموا أن المسيح نفسه هو الآية (لوقا ٢: ٣٤).
وَأُرْسِلُ مِنْهُمْ نَاجِينَ إِلَى ٱلأُمَمِ أي اليهود المؤمنين الذين نجوا من المجازاة المذكورة انظر قول بطرس (أعمال ٢: ٤٠) «ٱخْلُصُوا مِنْ هٰذَا ٱلْجِيلِ ٱلْمُلْتَوِي». وأرسلهم الرب إلى كل العالم ليبشروا الوثنيين بالمسيح فيخبروا بمجد الله. «ترشيش» في أسبانيا و«فول» (أو فوط حزقيال ٢٧: ١٠) و«لود» قبيلتان في إفريقية إلى جهة الجنوب من مصر. كان اللوديون مشهورين باستعمال القوس كما يظهر من الكتابات القديمة. «توبال» قبيلة مسكنها بين البحر الأسود وبحر قزوين. و«ياوان» هم سكان بلاد اليونان.
ٱلْجَزَائِرِ ٱلْبَعِيدَةِ النبي ميّز بين القبائل القريبة التي كانت قد سمعت ورأت مجد الرب والجزائر البعيدة التي لم تسمع ولا رأت. وهذه القبائل البعيدة مذكورة بالنيابة عن كل الأمم فإن ترشيش كانت في أقصى الغرب وفوط ولود في أقصى الجنوب وتوبال في أقصى الشمال.
٢٠ «وَيُحْضِرُونَ كُلَّ إِخْوَتِكُمْ مِنْ كُلِّ ٱلأُمَمِ تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ عَلَى خَيْلٍ وَبِمَرْكَبَاتٍ وَبِهَوَادِجَ وَبِغَالٍ وَهُجُنٍ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي أُورُشَلِيمَ قَالَ ٱلرَّبُّ، كَمَا يُحْضِرُ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقْدِمَةً فِي إِنَاءٍ طَاهِرٍ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ».
رومية ١٥: ١٦
وَيُحْضِرُونَ البعض يفهمون أن المؤمنين من الأمم سيحضرون اليهود المشتتين كما في (ص ١٤: ٢ و٤٩: ٢٢ و٦٠: ٩) فيقدمون هؤلاء اليهود تقدمة للرب. وأما البعض فيفهمون إن المرسلين المشار إليهم في (ع ١٩) «وَأُرْسِلُ مِنْهُمْ نَاجِينَ إِلَى ٱلأُمَمِ» سيحضرون مؤمنين من الأمم إلى أورشليم أي إلى الكنيسة وهؤلاء المؤمنين سموا إخوة اليهود أي إخوتهم بالإيمان لا بالجسد وهم تقدمة للرب كما قال بولس الرسول (رومية ١٥: ١٦) «حَتَّى أَكُونَ خَادِماً لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لأَجْلِ ٱلأُمَمِ، مُبَاشِراً لإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ كَكَاهِنٍ، لِيَكُونَ قُرْبَانُ ٱلأُمَمِ مَقْبُولاً مُقَدَّساً».
عَلَى خَيْلٍ ذكر النبي أحسن وسائط السفر المعروفة في يومه. ولا نفهم حقيقة أنهم يحضرون إلى أورشليم بل إنهم يدخلون الكنيسة وإن الرب يدبر أحسن الوسائط لانتشار الإنجيل وفي عصرنا الوسائط هي المدارس وتوزيع الكتاب المقدس والمستشفيات وما أشبه ذلك ويسافر المبشرون اليوم على سكك حديدية أو على مراكب بخارية. والتقدمة تكون مقبولة كتقدمة بني إسرائيل في إناء طاهر إلى بيت الرب.
٢١ «وَأَتَّخِذُ أَيْضاً مِنْهُمْ كَهَنَةً وَلاَوِيِّينَ قَالَ ٱلرَّبُّ».
خروج ١٩: ٦ وص ٦١: ٦ و١بطرس ٢: ٩ ورؤيا ١: ٦
مِنْهُمْ من مؤمني الأمم.
كَهَنَةً كل المؤمنين كهنة من جهة الصلاة والتسبيح ولكن المعنى هنا هو أن الرب يتخد من الأمم أناساً يكونون متوظفين في الكنيسة قسوساً ومعلمين.
٢٢ «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلْجَدِيدَةَ وَٱلأَرْضَ ٱلْجَدِيدَةَ ٱلَّتِي أَنَا صَانِعٌ تَثْبُتُ أَمَامِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ، هٰكَذَا يَثْبُتُ نَسْلُكُمْ وَٱسْمُكُمْ».
ص ٦٥: ١٧ و٢بطرس ٣: ١٣ ورؤيا ٢١: ١
يَثْبُتُ نَسْلُكُمْ وَٱسْمُكُمْ اليهود يفهمون أن هذا الوعد لهم كنسل إبراهيم بالجسد والأرجح أن الوعد للكنيسة المشتملة على جميع المؤمنين يهوداً وأمماً. قال الرب (ص ٦٥: ١٥) إنه يسمي عبيده «اسماً آخر» وهنا يقول «يثبت اسمكم». أي بالنظام اليهودي أشياء ثبتت وأشياء بطلت والأمر كأمر الإنسان وثيابه فإن الإنسان يثبت وأما ثيابه فتبلى والنسل الذي يثبت هو النسل الروحي لا النسل الجسدي والاسم الذي يثبت هو اسم شعب الله لا اسم شعب إسرائيل فليس لليهود المؤمنين في عصر إشعياء عندما يسمعون هذه النبوءات أن يحزنوا على زوال نسلهم واسمهم لأن نسل المؤمنين لا ينقطع واسم شعب الله لا يبطل.
٢٣، ٢٤ «٢٣ وَيَكُونُ مِنْ هِلاَلٍ إِلَى هِلاَلٍ وَمِنْ سَبْتٍ إِلَى سَبْتٍ، أَنَّ كُلَّ ذِي جَسَدٍ يَأْتِي لِيَسْجُدَ أَمَامِي قَالَ ٱلرَّبُّ. ٢٤ وَيَخْرُجُونَ وَيَرَوْنَ جُثَثَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ عَصَوْا عَلَيَّ، لأَنَّ دُودَهُمْ لاَ يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لاَ تُطْفَأُ، وَيَكُونُونَ رَذَالَةً لِكُلِّ ذِي جَسَدٍ».
زكريا ١٤: ١٦ مزمور ٦٥: ٢ ع ١٦ مرقس ٩: ٤٤ و٤٦ و٤٨
هذا لا يتم حقيقة فإنه لا يمكن أن كل ذي جسد يحضر إلى أورشليم في السبوت والأعياد. وهكذا من جهة الجثث والدود والنار. وخاتمة هذه النبوءة كخاتمة الكتاب المقدس كله (رؤيا ٢١: ٨) أي في اليوم الأخير يكون انفصال وتقوم المدينة المقدسة أي أورشليم الجديدة وضمنها شعب الله المجموع من كل أمة يقدم عبادة دائمة وخارج المدينة يكون الخائفون وغير المؤمنين والرجسة والقتلة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني.
فوائد للوعاظ
إلى هذا انظر إلى المسكين والمنسحق الروح (ع ٢)
نتعلم من هذا:
- لا يكتفي اعتبار الرب للهيكل وأماكن الصلاة. لأنها ظرف للجوهر والجوهر هو السجود القلبي.
- اعتبار الرب للقلب المنسحق. السماء لا تسعه ولكنه يسكن مع المنسحق (ص ٥٧: ١٥) وذلك لأسباب:أولاً: أن لنفس الإنسان قيمة أكثر من جميع الماديات.
ثانياً: إن القلب المنسحق هو القلب التائب عن الخطية والخالي من الكبرياء فيكون موافقاً لحلول الله فيه.
- ينتج من سكنى الرب في القلب ما يأتي:أولاً: الجواب للصلاة «قبلما يدعون أنا أجيب».
ثانياً: التعزية كتعزية الأم.
ثالثاً: الأثمار الجيدة «الذي ثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير».
رابعاً: الفرح الكامل.
العذاب الأبدي والسعادة الأبدية (ع ٢٢ و٢٣)
نتعلم من هذا:
- إن الكتاب المقدس جعل قدامنا الحياة والموت (تثنية ٣٠: ١٩) وأما الإنسان فيريد لو أمكن أن ينكر وجود العذاب الأبدي فيسكن خوفه بقوله إن الله لا يهلك أحداً مهما كانت خطاياه فإن الله جمع الخطية والموت ولا يقدر الإنسان أن يفصل بينهما.
- لا يلزم ضرورة اعتقاد أن السعادة والعقاب هما في الأمور المادية فالنهر والأشجار والحجارة الكريمة هي أمثلة أفراح روحية وكذلك النار والكبريت أمثلة عذاب روحي ولا شك في أن أعظم فرح يكون بالاقتراب إلى الله ورضاه وأعظم عذاب يكون بالابتعاد عنه وبغضبه.
- لا تكون سعادة المفديين جميعهم سواء لأن للبعض استعداداً أكثر من البعض وكذلك عذاب الهالكين (لوقا ١٢: ٤٧ و٤٨ و١٩: ١٧ و١٩).
- الله محبة والله عادل ولا نقدر أن نفهم جميع طرقه ولكننا سنفهم ما لا نفهمه الآن.
السابق |