إشعياء

سفر إشعياء | 62 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلسِّتُّونَ

موضوعه الصلاة لأجل خلاص صهيون والنبوءة باستعلان مجدها.

١ «مِنْ أَجْلِ صِهْيَوْنَ لاَ أَسْكُتُ وَمِنْ أَجْلِ أُورُشَلِيمَ لاَ أَهْدَأُ، حَتَّى يَخْرُجَ بِرُّهَا كَضِيَاءٍ وَخَلاَصُهَا كَمِصْبَاحٍ يَتَّقِدُ».

الأرجح أن المتكلم هنا والمتكلم في العدد العاشر من الأصحاح السابق هو الكنيسة لكن ذهب بعضهم إلى أنه المسيح. وإذا قلنا إن المتكلم الكنيسة أو النبي بالنيابة عنها يكون المعنى أن الكنيسة تصلي بلجاجة لأجل الخلاص انظر قول داود (مزمور ١٢٢: ٦) «اسألوا سلامة أورشليم». والقول (مزمور ١٣٧: ٦) «لِيَلْتَصِقْ لِسَانِي بِحَنَكِي إِنْ لَمْ أَذْكُرْكِ! إِنْ لَمْ أُفَضِّلْ أُورُشَلِيمَ عَلَى أَعْظَمِ فَرَحِي» والصلاة لأجل الكنيسة باللجاجة ما يدل على المحبة للكنيسة وللمسيح رأسها والإيمان بالصلاة. ومن يصلي لأجل الكنيسة يخدمها أيضاً. ولفظة «صهيون» ولفظة «أورشليم» بمعنى واحد أي أورشليم الحقيقية في الأول ثم الكنيسة. اليهود أحبوا الأماكن المقدسة كبيت إيل والأردن ولا سيما أورشليم والأتقياء بينهم أحبوا هذه الأماكن لعلاقتها بعبادة الله واستعلان مجده وأما الأتقياء في هذه الأيام الإنجيلية فيحبون عبادة الله وخدمته بلا التفات إلى الأماكن.

حَتَّى يَخْرُجَ بِرُّهَا لفظة «برّ» هنا بمعنى الخلاص فيتبرر الشعب عندما يخرجون من بابل كما يتبرر المذنب عندما يمضي الزمان المحكوم عليه ويخرج من سجنه والشعب لا يكفون عن الصلاة حتى ينالوا الخلاص التام ولهم أن يثقوا بأن الرب يقدر أن يستجيب لهم وأنه راض أيضاً غير أنه هكذا رسم أن الخلاص يكون متوقفاً على أمانة الكنيسة في الصلاة باللجاجة وفي انتشار الإنجيل في العالم.

كَضِيَاءٍ أي ضياء الصبح بعد ليلة الذل والحزن.

كَمِصْبَاحٍ يَتَّقِدُ يطلبون أن خلاص صهيون يكون خلاصاً ظاهراً أمام الأمم كمصباح.

٢ «فَتَرَى ٱلأُمَمُ بِرَّكِ، وَكُلُّ ٱلْمُلُوكِ مَجْدَكِ، وَتُسَمَّيْنَ بِٱسْمٍ جَدِيدٍ يُعَيِّنُهُ فَمُ ٱلرَّبِّ».

ص ٦٠: ٣ ع ٤ و١٢ وص ٦٥: ١٥

لا نعرف ما هذا الاسم. والاسم الجديد يدل:

  1. على حالة جديدة كما إذا دخل أحد الديانة المسيحية من ديانة وثنية وعليه اسم أحد الأصنام أو أحد المعلمين الكذبة فيبدل اسمه باسم يوافق إيمانه الجديد.
  2. على نسبة جديدة كما أن العروس تأخذ اسم عريسها لأنها صارت له فهو يعتني بها أو يحامي عنها. وكون هذا الاسم الجديد معيّن من الرب يؤكد أنه يكون اسماً حقيقياً فتكون صهيون كاسمها (رؤيا ٢: ١٧ و٣: ١٢).

٣ «وَتَكُونِينَ إِكْلِيلَ جَمَالٍ بِيَدِ ٱلرَّبِّ، وَتَاجاً مَلَكِيّاً بِكَفِّ إِلٰهِكِ».

زكريا ٩: ١٦

شُبهت الكنيسة بإكليل لأنها أجمل وأمجد شيء من خلائق الله وكون هذا الإكليل بيد الرب يفيد (١) إن الكنيسة له لأن المسيح اشتراها بدمه. (٢) إن الرب يحفظها على الدوام فلا يخطفها أحد من يده.

٤ «لاَ يُقَالُ بَعْدُ لَكِ «مَهْجُورَةٌ» وَلاَ يُقَالُ بَعْدُ لأَرْضِكِ «مُوحَشَةٌ» بَلْ تُدْعَيْنَ «حَفْصِيبَةَ» وَأَرْضُكِ تُدْعَى «بَعُولَةَ». لأَنَّ ٱلرَّبَّ يُسَرُّ بِكِ، وَأَرْضُكِ تَصِيرُ ذَاتِ بَعْلٍ».

هوشع ١: ١٠ و١بطرس ٢: ١٠ ص ٤٩: ١٤ و٥٤: ٦ و٧ ص ٥٤: ١ و٢ملوك ٢١: ١

مَهْجُورَةٌ كان الرب قد ترك شعبه لُحيظة (ص ٥٤: ٧) وربما سماهم أعداؤهم احتقاراً لهم «مهجورة». وكانت الأرض موحشة زمان السبي والمدن خربة والأرض بلا ساكن.

حَفْصِيبَةَ أي مسرتي بها. وهذا اسم امرأة حزقيا (٢ملوك ٢١: ١).

بَعُولَةَ أي ذات بعل أو متزوجة والأرض المتزوجة هي أرض مخصبة ومسكونة. والرب بعل شعبه لأنه يحميهم ويعتني بهم ويكرمهم ولا يتركهم إلى الأبد.

٥ «لأَنَّهُ كَمَا يَتَزَوَّجُ ٱلشَّابُّ عَذْرَاءَ يَتَزَوَّجُكِ بَنُوكِ. وَكَفَرَحِ ٱلْعَرِيسِ بِٱلْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلٰهُكِ».

ص ٦٥: ١٩

كَمَا يَتَزَوَّجُ ٱلشَّابُّ عَذْرَاءَ يأخذها ويحامي عنها ولا يتركها ولا يريد أن يتركها لأنه يحبها. ويقدر أن يحامي عنها لأنه شاب.

يَتَزَوَّجُكِ بَنُوكِ الزوج هو البعل أو المالك والمعنى هنا أن البنين لا الغرباء يمتلكون الأرض.

يَفْرَحُ بِكِ إِلٰهُكِ بما أن الكلام كله مجاز فالقول إن الرب يفرح شعبه كفرح العريس بالعروس لا ينفي القول الأول إن بنيها يتزوجونها وهذا التشبيه يفيد أن صهيون للرب. وليس كالمُلك لصاحبه ولا كالعبدة لسيدها بل كعروس لعريسها يحبها ويكرمها ويعتني بها ويفرح بها فرحاً قلبياً.

٦، ٧ «٦ عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاساً لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ ٱلنَّهَارِ وَكُلَّ ٱللَّيْلِ عَلَى ٱلدَّوَامِ. يَا ذَاكِرِي ٱلرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا ٧ وَلاَ تَدَعُوهُ يَسْكُتُ، حَتَّى يُثَبِّتَ وَيَجْعَلَ أُورُشَلِيمَ تَسْبِيحَةً فِي ٱلأَرْضِ».

حزقيال ٣: ١٧ و٣٣: ٧ ص ٦١: ١١ وصفنيا ٣: ٢٠

الرب المتكلم والحراس (ص ٥٢: ٨) هم الأنبياء أو الكهنة أو الأتقياء بين الشعب ويقول المفسرون من اليهود وغيرهم إنهم الملائكة (دانيال ٤: ١٣ و١٧ و٢٣) وإذا قلنا إن الحراس هم الأنبياء والكهنة في العهد القديم وإنهم المبشرون في العهد الجديد نفهم أن النبي يخاطبهم ويطلب منهم أن يصلوا بلجاجة لأجل أورشليم لتكون تسبيحة في الأرض. الرب لا ينسى شيئاً وهو قاصد خلاص شعبه ولكنه عيّن أن الخلاص يكون استجابة للصلاة وهو يجب أن يذكره شعبه علامة لمحبتهم له واتكالهم عليه. ونستفيد من هذا:

  1. إن أهمية الصلاة لأجل الكنيسة ليست أقل من أهمية الكلام والخدمة.
  2. إنه يجب أن تكون الصلاة بلجاجة كصلاة من يشعر بشقاء العالم وبشر الخطية والدينونة المخيفة ويشعر أيضاً بأن الله وحده يقدر أن يخلّص العالم وإنه يستجيب الصلاة (لوقا ١١: ٥ – ٨ و١٨: ١ – ٨).

٨, ٩ «٨ حَلَفَ ٱلرَّبُّ بِيَمِينِهِ وَبِذِرَاعِ عِزَّتِهِ قَائِلاً: إِنِّي لاَ أَدْفَعُ بَعْدُ قَمْحَكِ مَأْكَلاً لأَعْدَائِكِ، وَلاَ يَشْرَبُ بَنُو ٱلْغُرَبَاءِ خَمْرَكِ ٱلَّتِي تَعِبْتِ فِيهَا. ٩ بَلْ يَأْكُلُهُ ٱلَّذِينَ جَنَوْهُ وَيُسَبِّحُونَ ٱلرَّبَّ، وَيَشْرَبُهُ جَامِعُوهُ فِي دِيَارِ قُدْسِي».

تثنية ٢٨: ٣١ الخ وإرميا ٥: ١٧ تثنية ١٢: ١٢ و١٤: ٢٣ و٢٦ و١٦: ١١ و١٤

اليمين والذراع يدلان على القوة فالرب يحلف بقوته غير المحدودة إنه لا يترك شعبه بعد للأعداء. وليس آية أخرى في الكتاب المقدس تذكر أن الرب حلف بيمينه وذراعه. في مدة السبي وقبل السبي أيضاً كان الإسرائيليون قد تعبوا وأعداؤهم أكلوا أثمار أتعابهم فوعدهم الرب بأنهم سيخلصون من ذلك الظلم. قال الجامعة (جامعة ١: ٢) في خدمة العالم «بَاطِلُ ٱلأَبَاطِيلِ ٱلْكُلُّ بَاطِلٌ» وأما بولس الرسول فقال في خدمة الرب (١كورنثوس ١٥: ٥٨) «تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي ٱلرَّبِّ». فانتقال الإنسان من خدمة العالم أي الخطية إلى خدمة الرب يكون كخلاص فلاحين مظلومين من ظالميهم وحصولهم على الحرية التامة فيأكلون من تعب أيديهم.

فِي دِيَارِ قُدْسِي (تثنية ١٤: ٢٣) وعدهم الرب بأنهم يستريحون من الظلم والسلب ويأكلون خيرات أرضهم بالشكر لله. وهذه الألفاظ مستعارة من أحوال اليهود في العهد القديم وهي تصف مستقبل الكنيسة بمعنى أنها تستريح من أعدائها وتنال كل خير وبركة بالشكر والتسبيح.

١٠ «اُعْبُرُوا ٱعْبُرُوا بِٱلأَبْوَابِ. هَيِّئُوا طَرِيقَ ٱلشَّعْبِ. أَعِدُّوا أَعِدُّوا ٱلسَّبِيلَ. نَقُّوهُ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ. ٱرْفَعُوا ٱلرَّايَةَ لِلشَّعْبِ».

ص ٤٠: ٣ و٥٧: ١٤ ص ١١: ١٢

أمر النبي للمسبيين في بابل أن يخرجوا منها كما في (ص ٤٨: ٢٠ و٥٢: ١١). وهو يأمر بعضهم أن يسبقوا إخوتهم ويعدّوا الطريق ويرفعوا الراية.

١١ «هُوَذَا ٱلرَّبُّ قَدْ أَخْبَرَ إِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ، قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مُخَلِّصُكِ آتٍ. هَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَجِزَاؤُهُ أَمَامَهُ».

زكريا ٩: ٩ ومتّى ٢١: ٥ ويوحنا ١٢: ١٥ ص ٤٠: ١٠ ورؤيا ٢٢: ١٢

ٱلرَّبُّ قَدْ أَخْبَرَ (انظر ص ٤٨: ٢٠) ففيه أنه يُطلب من الشعب أن يخبروا إلى أقصى الأرض وهنا قيل إن الرب يخبر فإنه يجعل الناس كالأنبياء وغيرهم في أن يشيعوا الخبر إلى أقصى الأرض. وأهمية الخبر قائمة بما يأتي:

  1. إنه خبر خلاص لا خراب.
  2. إنه خبز خلاص شعب الله.
  3. إنه خبر فعل الرب. والنبي يصور الأمم آتين ليقولوا لابنة صهيون «هوذا مخلصك» أي ليهنئوها ويظهروا اشتراكهم في فرحها.

أُجْرَتُهُ مَعَهُ أي أجرة المخلص الذي خلصهم بأتعابه وآلامه وهم أجرته فإنه بذل نفسه حباً لهم وإذ نجح عمله حُسب ذلك النجاح أجرة كافية (انظر تفسير ص ٤٠: ١٠).

١٢ «وَيُسَمُّونَهُمْ شَعْباً مُقَدَّساً، مَفْدِيِّي ٱلرَّبّ. وَأَنْتِ تُسَمَّيْنَ ٱلْمَطْلُوبَةَ، ٱلْمَدِينَةَ غَيْرَ ٱلْمَهْجُورَةِ».

ع ٤

وَيُسَمُّونَهُمْ أي أناس يسمون هؤلاء المفديين من الأمم شعباً مقدساً.

وَأَنْتِ أولاً صهيون ثم الكنيسة.

ٱلْمَطْلُوبَةَ بانضمام الأمم إليها وإتيان مخلصها. وكل مسيحي يجب أن يكون مطلوباً من بابل وترميم أسوار أورشليم نرى أن النبوءات لم تتم كل التمام بتلك الحوادث ولا بدخول المسيح إلى أورشليم المذكور في الإنجيل فنفهم أن تتميمها الكامل يكون بالمستقبل. وإذا رأينا في أيامنا شيئاً من هذه البركات العظيمة ننتظر بركات أعظم في المستقبل وفي ذلك الوقت لا تقول الكنيسة إن النبوءات حملتها على أن تنتظر أكثر مما حدث بل بالعكس أن الله أعطاها أكثر جداً مما كانت تنتظر أو تفتكر.

فوائد للوعاظ

أهمية الأسماء (ع ٢ و٤ و١٢)

لاحظ ما يأتي:

  1. أسماء الله كيهوه والرب والآب. وأسماء يسوع كالمسيح والفادي وابن الإنسان وابن الله. وأسماء الروح القدس كالمعزي والمرشد الخ فإن كلا من هذه الأسماء يعلّمنا شيئاً مما يتعلق بصفات الله ونسبته إلى بني البشر.
  2. أسماء الناس فإنها في القديم كانت ذات معنى فكانت تدل على صفات أصحابها كإبراهيم ويشوع وإشعياء.
  3. أسماء الأماكن فإنها للدلالة في المسميات كبيت إيل وبيت آون وأورشليم وأرائيل وحفصيبة الخ.
  4. إنه كان تغيير الاسم يدل على تغيير في الشخص أو في أحواله كأبرام وإبراهيم ويعقوب وإسرائيل وشاول وبولس والاسم الجديد للمؤمنين (رؤيا ٢: ١٧ و٣: ١٢).

نقوه من الحجارة (ع ١)

صعوبات في طريق التبشير ورفعها

ومن الصعوبات:

  1. الصعوبات الخارجية كالكفر والأديان الفاسدة.
  2. الصعوبات الداخلية كفتور المسيحيين وخطاياهم.

رفع الصعوبات يكون:

  1. بالصلاة باللجاجة.
  2. بامتحان النفس.
  3. بالصبر والاجتهاد في العمل المطلوب من كل واحد.

غير المهجورة (ع ١٢)

الكنيسة تظن أنها مهجورة:

  1. حين تنظر إلى خطاياها وتظن من كثرتها وعظمتها أنها لا تُغفر.
  2. حين تنظر إلى قوّة المقاومين من الخارج وقّوة التجارب من الداخل.
  3. حين تتأمل في قلة النمو وعدم نجاح العمل.

والكنيسة تتيقن أنها غير مهجورة:

  1. حين تنظر إلى مواعيد الله كالوعد في الموضوع وغيره.
  2. حين تنظر إلى الرب يسوع الذي تجسد واشتراها بدمه وهو الرأس وهي الجسد وهو العريس وهي العروس وهو الراعي الصالح وشعبه خرافه.
  3. حين تتأمل في أقوال المسيح إذ سمى تلاميذه أحباءه وإخوته.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى