سفر إشعياء | 58 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلْخَمْسُونَ
في هذا الأصحاح أمر الرب النبي أن يوبخ الشعب على الرياء واتكالهم على مجرد حفظهم الرسوم الخارجية كالصوم وبيّن لهم أن الصوم الذي اختاره الرب هو فعل الرحمة والحق ووعدهم بأنه إذا عملوا هذه الواجبات يرضى عنهم ويشبعهم ويبنيهم. ووعدهم بهذه البركات أيضاً إذا حفظوا السبت كما يجب. ومضمون هذا الأصحاح يشبه مضمون الأصحاح الأول وهنا أتى كما أتاه في الأصحاح السابق من أنه ينظر بالأكثر إلى أهل عصره لا إلى المستقبل البعيد فإن من وظيفة النبي أن يوبخ ويرشد ويظهر إرادة الرب لا أن يقتصر على إعلان بعض أمور المستقبل.
١ «نَادِ بِصَوْتٍ عَالٍ. لاَ تُمْسِكْ. اِرْفَعْ صَوْتَكَ كَبُوقٍ وَأَخْبِرْ شَعْبِي بِتَعَدِّيهِمْ وَبَيْتَ يَعْقُوبَ بِخَطَايَاهُمْ».
يدل الصوت العالي:
- على كلام مسموع لأن الشعب كانوا غير منتبهين.
- على خطاب لجميع الناس.
- على غضب الله الشديد على خطاياهم.
لاَ تُمْسِكْ فلا يجوز للنبي أن يقول ما يستحسنه هو بل ما يأمره الرب بالتكلم به ولا أن يقول بعض كلام الرب فقط ويترك الآخر ولا أن يخاف من الشعب إذا وبخهم ولا أن يستعفي من التكلم بحجة أنهم لا يسمعون منه.
كَبُوقٍ يغلب استعمال البوق في الحرب وللتحذير. وهكذا غاية النبي هي تحذير الشعب من غضب الله لسبب خطاياهم.
٢ «وَإِيَّايَ يَطْلُبُونَ يَوْماً فَيَوْماً، وَيُسَرُّونَ بِمَعْرِفَةِ طُرُقِي كَأُمَّةٍ عَمِلَتْ بِرّاً وَلَمْ تَتْرُكْ قَضَاءَ إِلٰهِهَا. يَسْأَلُونَنِي عَنْ أَحْكَامِ ٱلْبِرِّ. يُسَرُّونَ بِٱلتَّقَرُّبِ إِلَى ٱللّٰهِ».
خطيتهم العظيمة الرياء فإنهم كانوا يصلُّون ويصومون ويجتعمون ويسمعون المواعظ كأنهم أتقياء. وكان برهم في الفرائض الجسدية فقط كتقديم الذبائح وحفظ الأعياد والتمييز بين الطاهر والنجس الخ ولكن البر المطلوب منهم هو فعل الرحمة والعدل.
يَسْأَلُونَنِي عَنْ أَحْكَامِ ٱلْبِرِّ أي يتظاهرون بالرغبة في استماع كلام الله والسؤال عن المطلوب منهم حتى يكونوا أبراراً عند الرب.
٣، ٤ «٣ يَقُولُونَ: لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ، ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟ هَا إِنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً، وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ. ٤ هَا إِنَّكُمْ لِلْخُصُومَةِ وَٱلنِّزَاعِ تَصُومُونَ، وَلِتَضْرِبُوا بِلَكْمَةِ ٱلشَّرِّ. لَسْتُمْ تَصُومُونَ كَمَا ٱلْيَوْمَ لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِي ٱلْعَلاَءِ».
ملاخي ٣: ١٤ لاويين ١٦: ٢٩ و٣٦ و٢٣: ٢٧ و١ملوك ٢١: ٩ و١٢ و١٣
لِمَاذَا صُمْنَا الصوم المشار إليه هو المختص بيوم الكفارة (لاويين ١٦: ٢٩ – ٣١) فإنه لا يوجد في العهد القديم وصية أخرى بصوم رسمي في أوقات معلومة وهذه الوصية لا تقول «صوموا» بل «ذللوا نفوسكم».
وَلَمْ تَنْظُرْ حسبوا أن صومهم يجبر الرب على أن ينظر إليهم ويخلصهم.
تُوجِدُونَ مَسَرَّةً أي مسرتكم. وكانت مسرتهم بالخطية فهي ليست كمسرة الرب وهم كأناس في أيامنا يصومون عن بعض المأكولات وفي النهار نفسه يسكرون ويلعنون ونتيجة صومهم هذا الخصومة والنزاع. والفرق الجوهري بين عبدة الرب الحقيقيين وغيرهم هو أن عبدة الرب يسألون عن مسرته فيعملونها وأما غيرهم فلا يعملون إلا ما يسر أنفسهم.
تُسَخِّرُونَ قيل في يوم الكفارة «وَكُلَّ عَمَلٍ لاَ تَعْمَلُونَ: ٱلْوَطَنِيُّ وَٱلْغَرِيبُ» (لاويين ١٦: ٢٩). والظاهر أن خطية اليهود كانت في أمرين الأول أنهم سخّروا الفقير والغريب بلا رحمة. والثاني أنهم سخّروهم يوم الكفارة فكانوا يفتخرون بحفظهم الوصية ولكنهم أجبروا خدامهم أن يخالفوها.
لِلْخُصُومَةِ وَٱلنِّزَاعِ تَصُومُونَ «مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ» (متّى ٧: ٢٠) الذين صاموا كما ذُكر عملوا هذه الأعمال الردية فيستنتج أن صومهم لم يكن صوماً حقيقياً ومن شوائب صومهم:
- الاتكال على الأمور الجسدية كأن الأكل أو عدم الأكل يغني عن التوبة والتجديد الروحي وجميع المتكلين على الفرائض الجسدية يتكاسلون في الروحيات والأدبيات.
- الافتخار والكبرياء كأنهم خلصوا أنفسهم واستحقوا أجراً من الله مع أن الخلاص بالمسيح وبالنعمة.
لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِي ٱلْعَلاَءِ أي في السماء عند الرب.
ونستنتج من هذا القول:
- إن الله لا يسمع صلاة غير التائبين مع أنه يسمع صلاة الخطأة الطالبين الخلاص من خطاياهم.
- إنه على كل من يصلي أن يعمل الأعمال التابعة الصلاة. فإن من يطلب الخلاص من الخطية عليه أن يتركها ومن يطلب الجعالة عليه أن يسعى نحوها ومن يطلب خلاص النفوس عليه أن يجتهد في تخليصها الخ.
٥، ٦ «٥ أَمِثْلُ هٰذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟ يَوْماً يُذَلِّلُ ٱلإِنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ، يُحْنِي كَٱلأَسَلَةِ رَأْسَهُ، وَيَفْرِشُ تَحْتَهُ مِسْحاً وَرَمَاداً. هَلْ تُسَمِّي هٰذَا صَوْماً وَيَوْماً مَقْبُولاً لِلرَّبِّ؟ ٦ أَلَيْسَ هٰذَا صَوْماً أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ ٱلشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ ٱلنِّيرِ، وَإِطْلاَقَ ٱلْمَسْحُوقِينَ أَحْرَاراً، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ».
زكريا ٧: ٥ لاويين ١٦: ٢٩ أستير ٤: ٣ وأيوب ٢: ٨ ودانيال ٩: ٣ ويونان ٣: ٦ نحميا ٥: ١٠ و١١ و١٢ إرميا ٣٤: ٩
أَمِثْلُ هٰذَا أي الرب لا يطلب من الإنسان أن يذلل نفسه ويحني رأسه ويتظاهر بالحزن وهو باق في الخطية. والصائمون كما ذُكر يهينون الرب لأنهم يقولون بفعلهم أن الرب لا يعرف القلوب والنيات ولا يسأل عن أعمال الساجدين له ولا يهمه ظلم الضعفاء وتسخير الفقراء.
قُيُودِ ٱلشَّرِّ القيود التي قيّد بها الأشرار الضعفاء والمساكين.
فَكَّ عُقَدِ ٱلنِّيرِ أي ترك مطالبة الدين (نحميا ١: ٣١) ورد الرهن (حزقيال ١٨: ٧). ونستفيد من هذا:
- إن من يطلب غفران خطاياه عليه أن يغفر للمخطئين إليه ومن يطلب الرحمة من الله عليه أن يرحم رفقاءه بين البشر.
- إن إنكار الذات في خدمة المحتاجين أفضل من تذليل النفس بلا رحمة.
٧ «أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ ٱلْمَسَاكِينَ ٱلتَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَاناً أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ».
حزقيال ١٨: ٧ و١٦ ومتّى ٢٥: ٣٥ أيوب ٣١: ١٩ تكوين ٢٩: ١٤ ونحميا ٥: ٥
الصدقة مقترنة بالصوم وقيل أن الصدقة والصوم جناحا الصلاة. ومن يعطي خبزه للجائع أفضل من الذي يمتنع عن أكل خبزه أي الصائم. وربما القول «خبزك» يشير إلى أفكار الطماع والبخيل الذي يقول الخبز خبزي والبيت بيتي فلماذا أعطيهما لغيري. وكثيرون يعطون خبزاً لفقير عند الباب أو صدقة لفقير على الطريق ولكن قليلون يستحسنون أن يدخلوا المساكين والتائهين إلى بيوتهم.
وَلاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ أي أقربائك. قال لابان ليعقوب «أَنْتَ وَلَحْمِي» (تكوين ٢٩: ١٤). واليهود كلهم أقرباء بعضهم لبعض لأنهم من أصل واحد والمسيح علّم في مثَل السامري الصالح أن كل محتاج يأتينا بعناية الله فهو قريبنا.
٨ «حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ ٱلصُّبْحِ نُورُكَ وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعاً، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ».
أيوب ١١: ١٧ خروج ١٤: ١٩ وص ٥٢: ١٢
تتضمن هذه الآية جواب سؤالهم في الآية الثالثة أي إذا عملوا العدل والرحمة ينظر الرب إليهم.
يَنْفَجِرُ مِثْلَ ٱلصُّبْحِ نُورُكَ النور كناية عن الفرح والنجاح والمجد والليل كناية عن الضيق والحزن.
صِحَّتُكَ شبّه الضيق بمرض والخلاص بالصحة.
يَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ برّهم هو تتميم الواجبات المذكورة سابقاً أي حل قيود الشر وفك عُقد النير الخ وهذا البر يسبق إظهار مجد الرب (انظر في ص ١: ١ – ٢٠) قول الرب إنه لا يُسر بذبائحهم ولا يسمع صلواتهم لأن أيديهم ملآنة دماً فعليهم أولاً أن يغتسلوا ويتنقوا ويعزلوا شر أفعالهم ويتعلموا فعل الخير. ثم يقول الرب إنه يغفر لهم خطاياهم فيأكلون خير الأرض (انظر أيضاً ص ٥٢: ١١ و١٢). وأما برّهم هذا فهو من الرب لأنه يدعوهم إلى التوبة ويجدد قلوبهم ويمنحهم نعمة بها يعملون الأعمال الصالحة وذلك كله يكون إكراماً للمسيح. فيصح أيضاً قول إرميا (إرميا ٢٣: ٦) «الرب برّنا». وقال بعضهم إن البر هنا هو برّ الرب أي صدقه في مواعيده الذي يظهر في خلاص شعبه.
وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ الرب أمامهم لأن برّهم منه وهو يعمل فيه بنعمته وهو وراءهم أيضاً بقوته المجيدة فيعتني بهم.
٩، ١٠ «٩ حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ ٱلرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: هَئَنَذَا. إِنْ نَزَعْتَ مِنْ وَسَطِكَ ٱلنِّيرَ وَٱلإِيمَاءَ بِٱلإِصْبِعِ وَكَلاَمَ ٱلإِثْمِ ١٠ وَأَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ وَأَشْبَعْتَ ٱلنَّفْسَ ٱلذَّلِيلَةَ، يُشْرِقُ فِي ٱلظُّلْمَةِ نُورُكَ وَيَكُونُ ظَلاَمُكَ ٱلدَّامِسُ مِثْلَ ٱلظُّهْرِ».
مزمور ١٢: ٢
«الإيماء بالأصبع» هو إشارة معناها الاحتقار (أمثال ٦: ١٣) . و«كلام الإثم» هو المؤامرات الشريرة.
وَأَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ أي إنفاق النفس لا إنفاق المال فقط فلا يكفي الفقراء أن نعطيهم من مالنا لأنهم محتاجون أيضاً إلى التعزية والإرشاد والمحبة.
يُشْرِقُ فِي ٱلظُّلْمَةِ (مزمور ١١٢: ٤) يزول الضيق والحزن فيأتيهم الفرج والفرح. وقيل «نورك» أي الرب يكون نوراً لهم. والوعد ليس بمجرد تحسين أحوالهم بل بالتغيير الكلي كالانتقال من الظلام الدامس إلى ضوء الظهر.
١١، ١٢ «١١ وَيَقُودُكَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلدَّوَامِ، وَيُشْبِعُ فِي ٱلْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيَّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ. ١٢ وَمِنْكَ تُبْنَى ٱلْخِرَبُ ٱلْقَدِيمَةُ. تُقِيمُ أَسَاسَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ، فَيُسَمُّونَكَ مُرَمِّمَ ٱلثُّغْرَةِ، مُرْجِعَ ٱلْمَسَالِكِ لِلسُّكْنَى».
ص ٦١: ٤
وَيَقُودُكَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلدَّوَامِ قيادة الرب من أعظم البركات فيقود شعبه كمرشد يعرف كل شيء والمستقبل كالحاضر ويقودهم كقائد قدير به يظفرون في كل حين ويقودهم المسيح كسابق تألم ومات وقام وفتح لشعبه طريق الحياة الأبدية. وقيادة الرب على الدوام أي في كل شيء وكل الأيام. والمطلوب من شعبه أن يتبعوه ويتكلوا عليه كل الاتكال. ويقودهم بواسطة كتابه المقدس وروحه في قلوبهم وعنايته بهم.
فِي ٱلْجَدُوبِ أي في أوقات اليأس والضيق.
كَجَنَّةٍ رَيَّا يشير:
- إلى الجمال والبهاء.
- إلى الخصب أي الأعمال الصالحة.
- إلى الإقبال في كل حين.
وَمِنْكَ تُبْنَى ٱلْخِرَبُ أي من عندك يخرج أناس يبنون الخرب لا مجرد المدن والقرى الخربة بل الأدب والدين والهيئة الاجتماعية الخربة أيضاً. ولعل القول يشير إلى إرسال مبشرين إلى الأمم.
تُقِيمُ أَسَاسَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ أي الخرب القديمة والمعنى أنه سيقيم إسرائيل المتجدد أساسات المدن التي كانت خربة منذ دور فدرو.
مُرْجِعَ ٱلْمَسَالِكِ لِلسُّكْنَى أي إصلاح المساكن فتُسكن الأرض.
١٣، ١٤ «١٣ إِنْ رَدَدْتَ عَنِ ٱلسَّبْتِ رِجْلَكَ، عَنْ عَمَلِ مَسَرَّتِكَ يَوْمَ قُدْسِي، وَدَعَوْتَ ٱلسَّبْتَ لَذَّةً، وَمُقَدَّسَ ٱلرَّبِّ مُكَرَّماً، وَأَكْرَمْتَهُ عَنْ عَمَلِ طُرُقِكَ وَعَنْ إِيجَادِ مَسَرَّتِكَ وَٱلتَّكَلُّمِ بِكَلاَمِكَ، ١٤ فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ بِٱلرَّبِّ، وَأُرَكِّبُكَ عَلَى مُرْتَفَعَاتِ ٱلأَرْضِ، وَأُطْعِمُكَ مِيرَاثَ يَعْقُوبَ أَبِيكَ، لأَنَّ فَمَ ٱلرَّبِّ تَكَلَّمَ».
ص ٥٦: ٢ أيوب ٢٢: ٢٦ تثنية ٣٢: ١٣ و٣٣: ٢٩ ص ١: ٢٠ و٤٠: ٥ وميخا ٤: ٤
إِنْ رَدَدْتَ عَنِ ٱلسَّبْتِ رِجْلَكَ أي عن دوسه برجلك انظر قول الرب لموسى «ٱخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ» (خروج ٣: ٥). فإن تدنيس السبت بأعمالنا العالمية كالدوس بالأحذية على أرض مقدسة.
مَسَرَّتِكَ أي مسرّة الإنسان وهو في حال الخطية والعصيان فيعمل في يوم الرب المقدس كما يريد هو وليس كما يريد الرب (ص ٥٦: ٢ و٦). وحفظ السبت ما دام الإنسان على هذه الحالة ثقيل لأنه لا يلذ له كلام الله وعبادته. وأما البار فمسرته في ناموس الرب وهو يشتاق إلى بيت الله وعبادته. والرب ينظر إلى عواطف قلوبنا ويطلب منا حفظ السبت بلذة ومن لا يحفظ السبت لا يحب الرب. يظهر من (إرميا ١٧: ١٩ – ٢٧) أن اليهود كانوا قد تغافلوا عن حفظ السبت.
أَكْرَمْتَهُ عَنْ عَمَلِ طُرُقِكَ الناس يدنسون السبت إذا عملوا العالميات أو صرفوا النهار بالكسل أو التنزهات أو تكلموا أو افتكروا فيها. وبما إننا لا نقدر أن نقعد بلا عمل وبلا كلام فعلينا أن نجد أعمالاً جائزة وكلاماً لائقاً يشغل أفكارنا وأفكار الذين تحت إدارتنا. ويجب أن يكون التعليم والعبادة على سبيل يناسب جميع المشتركين فيهما كباراً وصغاراً.
حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ كثيراً ما يحفظ الإنسان السبت أو غيره من وصايا الله ليس لأنه يلتذ بحفظ الوصية بل لأنه يرى ذلك واجب ولكن إذا حفظها وثبت فيها وجد في آخر الأمر لذة.
أُرَكِّبُكَ كملك ظافر.
مُرْتَفَعَاتِ ٱلأَرْضِ يعطيه الرب مقام مرتفع بين الشعوب ولم تتم النبوة حرفياً لأن اليهود وإن رجعوا إلى بلادهم بعد السبي لم يصيروا شعباً عظيماً سياسياً ولكنهم ارتفعوا فوق جميع الشعوب بما أن المسيح أتى منهم ومملكته عظمت جداً وستملأ الأرض كلها.
وَأُطْعِمُكَ أعطيك فتلتذ بما أعطيك وهو.
مِيرَاثَ يَعْقُوبَ (تكوين ٢٨: ١٣ – ١٥) أي الأرض ونسلاً كثيراً وإن يكون بركة لجميع قبائل الأرض ورضى الله وحفظه إياه على الدوام. واليهود لم يقتنوا هذا الميراث لعدم إيمانهم ولكن مواعيد الرب ثابتة وقد تمت للكنيسة وستتم لليهود أيضاً عند رجوعهم إلى الرب وإيمانهم بالمسيح.
فوائد للوعاظ
أليس هذا صوماً اختاره (ع ٦)
- ذكر الكتاب المقدس الصوم ولكن ما فيه من أمر به فنصوم كما يرشدنا ضميرنا ولكننا لا نأمر غيرنا بأن يصوموا.
- الأكل أو عدم الأكل لا يقربنا إلى الله لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً. والفرائض الجسدية تعبر عن الانفعالات القلبية فلها قيمة ولكن ليس لها قيمة بذاتها. والرب يطلب من الإنسان القلب النقي والأعمال الصالحة.
- لا يلزم الإنسان أن يؤدب نفسه بواسطة الصوم أو غيره من الآلام والأتعاب الجسدية بل يكفيه أن يقبل بالصبر تأديب الرب وذلك بواسطة أمراض أو فقر أو خدمة أو غيرها كما يحسن الرب.
- الخلاص بواسطة المسيح وحده. ودمه يكفر كل خطية. فلا نقدر أن نتكل على أعمالنا الصالحة أو آلامنا كأنها تكفر الخطية.
السابق |
التالي |