سفر إشعياء | 56 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْخَمْسُونَ
مضمونه:
في الأصحاح السابق مواعيد الخلاص وبمجيء الرب القريب وهنا (ع ١ – ٨) يقول الرب إنه على الذين لهم هذه المواعيد وينتظرون هذا الخلاص أن يحفظوا الناموس ولا سيما تقديس السبت وعمل البر. وللخصيان وللغرباء تعزية ورجاء بوعد الرب أنه يعطيهم في بيته نصيباً فيكون بيته بيت الصلاة لكل الشعوب.
١، ٢ «١ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: ٱحْفَظُوا ٱلْحَقَّ وَأَجْرُوا ٱلْعَدْلَ. لأَنَّهُ قَرِيبٌ مَجِيءُ خَلاَصِي وَٱسْتِعْلاَنُ بِرِّي. ٢ طُوبَى لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ هٰذَا، وَلابْنِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ، ٱلْحَافِظِ ٱلسَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسَهُ، وَٱلْحَافِظِ يَدَهُ مِنْ كُلِّ عَمَلِ شَرٍّ».
ص ٤٦: ١٣ ومتّى ٣: ٢ و٤: ١٧ ورومية ١٣: ١١ و١٢ ص ٥٨: ١٣
الخلاص المشار إليه هو الخلاص من سبي بابل. واستعلان برّ الرب هو خلاص شعبه لأن برّه يظهر في إتمام مواعيده وإنقاذ المؤمنين به ومجازاة الظالمين. ويقول الرب للمسبيين إنه يجب عليهم أن يستنظروا هذا الخلاص ويكونوا مستعدين له. والاستعداد المطلوب هو حفظ الحق وإجراء العدل. فاذكر قول الرب في شأن الشعب عند مجيئه في جبل سيناء «قَدِّسْهُمُ ٱلْيَوْمَ وَغَداً، وَلْيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ» (خروج ١٩: ١٠). فانظر قوله لهم قبل عبورهم الأردن (يشوع ٣: ٥) وقبلما أخذوا أريحا (يشوع ٥: ٧) ولما قاموا للرجوع إلى أورشليم (عزرا ٨: ٢١ – ٢٣) وعند مجيء المسيح بالجسد (متّى ٣: ٢ و٤: ١٧). والتوبة مقترنة بالإيمان (أعمال ٢٠: ٢١) وإصلاح السلوك من شروط الاقتراب إلى الله في العبادة والصلاة (مزمور ١٥ و٦٦: ١٨ ومتّى ٥: ٨ وعبرانيين ١٢: ٤ و١تيموثاوس ٢: ٨).
طُوبَى لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ هٰذَا، وَلابْنِ ٱلإِنْسَانِ الكلام موجه لجميع الناس والمواعيد لكل من يحفظ هذه الشروط. وكلمة «هذا» تشير إلى ما يأتي ذكره أي حفظ السبت والامتناع عن كل شرّ. ومن كل الفرائض والوصايا الرب خصص حفظ السبت لما يأتي:
- لأن عبادة الله وحفظ الوصايا كلها متعلقة بحفظ السبت والذين يتركونه يتركون الدين كله.
- لأن السبت تذكاراً للخليقة (خروج ٢٠: ١١) ولتعيين إسرائيل كشعب الله (حزقيال ٣١: ١٣) وللخلاص من مصر (تثنية ٥: ١٥).
- لأنه بعد خراب أورشليم عن يد نبوخذناصر لم تكن ممارسة كل الرسوم المعروفة بالطقوس وأما حفظ السبت فلم يزل مطلوباً وكان من أحسن العلامات لحافظي عهد الرب (نحميا ١٣: ١٥ – ٣١ وإرميا ١٧: ١٩ – ٢٧ وحزقيال ٢٠: ١١ – ٢١).
٣ – ٨ «٣ فَلاَ يَتَكَلَّمِ ٱبْنُ ٱلْغَرِيبِ ٱلَّذِي ٱقْتَرَنَ بِٱلرَّبِّ قَائِلاً: إِفْرَازاً أَفْرَزَنِي ٱلرَّبُّ مِنْ شَعْبِهِ. وَلاَ يَقُلِ ٱلْخَصِيُّ: هَا أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ. ٤ لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ لِلْخِصْيَانِ ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي، وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي: ٥ إِنِّي أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي نُصُباً وَٱسْماً أَفْضَلَ مِنَ ٱلْبَنِينَ وَٱلْبَنَاتِ. أُعْطِيهِمِ ٱسْماً أَبَدِيّاً لاَ يَنْقَطِعُ. ٦ وَأَبْنَاءُ ٱلْغَرِيبِ ٱلَّذِينَ يَقْتَرِنُونَ بِٱلرَّبِّ لِيَخْدِمُوهُ وَلِيُحِبُّوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ لِيَكُونُوا لَهُ عَبِيداً، كُلُّ ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ ٱلسَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسُوهُ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي، ٧ آتِي بِهِمْ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي، وَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ صَلاَتِي، وَتَكُونُ مُحْرَقَاتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، لأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ ٱلصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ ٱلشُّعُوبِ. ٨ يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ جَامِعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ: أَجْمَعُ بَعْدُ إِلَيْهِ، إِلَى مَجْمُوعِيهِ».
تثنية ٢٣: ١ و٢ و٣ وص ١٤: ٣ وأعمال ٨: ٢٧ و١٠: ١ و٢ و٣٤ و١٧: ٤ و١٨: ٧ و١بطرس ١: ١ و١تيموثاوس ٣: ١٥ يوحنا ١: ١٢ و١يوحنا ٣: ١ ص ٢: ٢ و١بطرس ١: ١ و٢ رومية ١٢: ١ وعبرانيين ١٣: ١٥ و١بطرس ٢: ٥ متّى ١١: ١٣ ومرقس ١١: ١٧ ولوقا ١٩: ٤٦ ملاخي ١: ١١ مزمور ١٤٧: ٢ وص ١١: ١٢ يوحنا ١٠: ١٦ وأفسس ١: ١٠ و٢: ١٤ و١٥ و١٦
(انظر تثنية ٢٣: ١ – ٨) الخصي لا يدخل في جماعة الرب والعموني والموآبي لا يدخلان أبداً وغيرهم من الغرباء في الجيل الثالث يدخلون. وأما هنا فيقول الرب إنه ألغى هذا القانون فيكون لهم مكاناً في بيته وتكون ذبائحهم مقبولة ويدعى بيته بيت الصلاة لكل الشعوب. ونتعلم هنا التمييز بين العرضي والجوهري في الدين فإن الفرائض الجسدية عرضية ووقتية وأمثلة ذلك التمييز بين الطاهر والنجس وحصر العبادة في أمة واحدة أو مدينة واحدة أو بيت واحد والذبائح والأعياد. ومن أمثلة الأمور الجوهرية والدائمة حفظ السبت أو حفظ الأحد بعده وبقية الوصايا العشر التي خلاصتها محبة الله والقريب. قال الرب (ص ١: ١٣) إنه لم يرض بحفظ السبت كما حفظه اليهود بل يجب أن يكون حفظه من القلب بعبادة روحية وحقيقية لا بالأمور الجسدية والطقسية فقط. كان إشعياء قد تنبأ بأنه يكون من نسل حزقيا خصيان في قصر ملك بابل (٢ملوك ٢٠: ١٨) وهكذا كان دانيال ورفقاؤه.
مَا يَسُرُّنِي قال إرميا (إرميا ٩: ٢٤) إن ما يسر الرب رحمة وقضاء وعدلاً. وقال هوشع (هوشع ٦: ٦) إن الرب يريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من المحرقات.
وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي (ع ٤) أي بالطاعة والإيمان.
فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي (ع ٥) (انظر أفسس ٢: ١٩) «فَلَسْتُمْ إِذاً بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ ٱللّٰهِ».
ٱسْماً أَفْضَلَ مِنَ ٱلْبَنِينَ كدانيال والوزير الحبشي وبولس الرسول الذي بإرادته امتنع عن الزواج. فإنهم أتوا بالناس إلى المسيح وبواسطتهم وُلد الناس من فوق ولادة ثانية روحية وهكذا صار لهم اسم أفضل من بنين وبنات متناسلين منهم تناسلاً جسدياً.
بَيْتِي بَيْتَ ٱلصَّلاَةِ يُدْعَى (ع ٧) كان الهيكل بيت صلاة (١ملوك ٨: ٢٩) غير أنه مكان ذبائح أيضاً. وللذبائح ذكر في العهد القديم أكثر مما للصلاة وقول النبي هنا يشير إلى الأيام الأخيرة أي زمان الإنجيل حيث تكون الذبائح قد تمت وزالت وبيت الرب صار بيت الصلاة على نوع خاص. وهنا الأهمية للقول «لكل الشعوب» لأن الهيكل كان بيت الصلاة لليهود فقط ولكن في أيام الإنجيل صار بيت الرب أي الكنيسة بيت الصلاة لليهود والأمم أجمعين.
أَجْمَعُ بَعْدُ إِلَيْهِ (ع ٨) الله يجمع منفيي إسرائيل وفوق ذلك يجمع الأمم أيضاً ويضمهم إليه.
٩ – ١٢ «٩ يَا جَمِيعَ وُحُوشِ ٱلْبَرِّ تَعَالَيْ لِلأَكْلِ. يَا جَمِيعَ ٱلْوُحُوشِ ٱلَّتِي فِي ٱلْوَعْرِ. ١٠ مُرَاقِبُوهُ عُمْيٌ كُلُّهُمْ. لاَ يَعْرِفُونَ. كُلُّهُمْ كِلاَبٌ بُكْمٌ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَنْبَحَ. حَالِمُونَ مُضْطَجِعُونَ، مُحِبُّو ٱلنَّوْمِ. ١١ وَٱلْكِلاَبُ شَرِهَةٌ لاَ تَعْرِفُ ٱلشَّبَعَ. وَهُمْ رُعَاةٌ لاَ يَعْرِفُونَ ٱلْفَهْمَ. ٱلْتَفَتُوا جَمِيعاً إِلَى طُرُقِهِمْ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى ٱلرِّبْحِ عَنْ أَقْصَى. ١٢ هَلُمُّوا آخُذُ خَمْراً وَلْنَشْتَفَّ مُسْكِراً، وَيَكُونُ ٱلْغَدُ كَهٰذَا ٱلْيَوْمِ عَظِيماً بَلْ أَزْيَدَ جِدّاً».
إرميا ١٢: ٩ متّى ١٥: ١٤ و٢٣: ١٦ فيلبي ٣: ٢ ميخا ٣: ١١ حزقيال ٣٤: ٢ و٣ مزمور ١٠: ٦ وأمثال ٢٣: ٣٥ وص ٢٢: ١٣ ولوقا ١٢: ١٩ و١كورنثوس ١٥: ٣٢
اعتاد إشعياء أن ينتقل بغتة من الزمان الحاضر إلى المستقبل البعيد وهنا انتقل من المستقبل البعيد إلى المستقبل القريب فإنه كان قد ذكر مواعيد الله بالخلاص مجاناً لكل من يطلبه وإلغاء الفرائض الجسدية وبيت الله كبيت الصلاة لكل الشعوب فكان كأنه نظر إلى قمة جبل بعيد ثم وقع نظره على ما بينه وبين ذلك الجبل فذكر أنه يكون قبل الوصول إلى البركات الموعود بها ضيقات وحروب كخراب أورشليم عن يد نبوخذناصر.
يَا جَمِيعَ وُحُوشِ (ع ٩) أعداء إسرائيل خاطبهم النبي حسب اصطلاح الشعر ومعناه أنهم يأتون بعلم الرب وإذنه تأديباً لشعبه.
مُرَاقِبُوهُ (ع ١٠) هم الأنبياء والكهنة والرؤساء وهم عمي لما فيهم من الجهل والكسل فلا يرون شيئاً ولا يعرفون شيئاً. وهذا العمى الروحي خطية لأنه بإرادتهم فإنهم أحبوا الظلمة أكثر من النور وخطية عظيمة لأنهم ادعوا أنهم قادة في الروحيات. وعماهم ناتج أولاً عن إهمال مطالعة الكتب المقدسة ومن المحتمل أنهم كانوا متقنين علم اللاهوت وغيره من علوم البشر مع جهلهم كتاب الله وثانياً عن إهمال الخدمة وعدم المحبة والغيرة والاهتمام بخلاص النفوس فكانوا كأطباء دجالين لا يعرفون المرض ولا الدواء.
كِلاَبٌ بُكْمٌ لا ينبهون الشعب على واجباتهم أو الخطر المقبل عليهم. والسكوت خطية في الذين يُطلب منهم التكلم كالرقيب عند قدوم العدو (حزقيال ٣: ١٧ – ٢١) وهكذا الوالدون والمعلمون والمبشرون. و«الحالمون» هم الناظرون إلى ما ليس له حقيقة والمتكاسلون في ما هو حقيقي وهكذا الرؤساء في القديم والفريسيون في زمان المسيح وبعض المبشرين في أيامنا ممن يهتمون بالمال والمجد لأنفسهم ولا يهتمون بحالة المحتاجين والهالكين حولهم.
وَٱلْكِلاَبُ شَرِهَةٌ (ع ١١) أي الرؤساء الطماعون ومحبو الرشوة والظلم. وهنا ذكر خطية أخرى فإن النبي قال أولاً إن الرؤساء «عمي وكلاب بكم» أي أنهم تاركون واجباتهم وقال هنا إنهم مخطئون أيضاً بالفعل. كان الأنبياء قديماً يأخذون هدايا وهكذا بلعام (عدد ٢٢: ٧) وصموئيل (١صموئيل ٩: ٧) وأخيا (١ملوك ١٤: ٣) ولكن غيرهم لم يستحسنوا أن يأخذوا هدية كأليشع (٢ملوك ٥: ١٦ انظر حزقيال ١٣: ١٩ وميخا ٣: ٣ ومتّى ١٠: ٨). وأما المسيح وهو الراعي الصالح فافتقر لأجلنا وهو غني لكي نستغني بفقره وبذل نفسه عن الخراف وهكذا كل راع فيه روح المسيح لا يطلب لنفسه المال أو المجد أو الراحة ببذل نفسه في تخليص رعيته.
وَهُمْ رُعَاةٌ شبّه الرؤساء أحياناً بالرعاة وأحياناً بكلاب الرعاة ولعل النبي لمح بذلك إلى أن هؤلاء الرعاة ككلابهم لا فرق.
ٱلْتَفَتُوا جَمِيعاً إِلَى طُرُقِهِمْ لم يسأل أحد عن واجباته للشعب ولا عن مسؤوليته لله بل كل واحد طلب مصلحة نفسه فقط.
عَنْ أَقْصَى بلا استثناء وإلى أقصى درجة.
هَلُمُّوا (ع ١٢) هكذا يقول بعض الرؤساء لبعض. وهنا ذكر خطية ثالثة وهي خطية السكر وهي خطية فظيعة ولا سيما في رؤساء الدين (ص ٢٨: ٧).
ٱلْغَدُ يقصدون السكر والخلاعة ويستعدون لها. وهكذا قضى الرؤساء أيامهم على أنهم مراقبون ورعاة ومن شأنهما أن يعرفوا الخطر من بعيد ويحذروا الشعب منه.
فوائد للوعاظ
من الخطايا المذكورة تعرف الواجبات المطلوبة من الرعاة (ع ٩ – ١٢) ومنها:
- المعرفة. فإنه يجب على كل راع أن يمتاز بمعرفته الكتاب المقدس ثم يحكم بقدر الإمكان العلوم العالمية فلا يكون كمراقب أعمى.
- الكلام. فلا يجوز أن يتعلم لنفسه فقط بل يجب أن يستعمل كل علومه لبنيان رعيته فلا يكون ككلاب بكم.
- القناعة والسخاء. فيكون قدوة لرعيته باتكاله على الله واهتمامه بالروحيات أكثر من الجسديات فلا يكون ككلاب شرهة.
- الصحو وعياف المسكر والاعتدال في استعمال الخيرات الجائزة والامتناع عن كل ما يضر الصحة الجسدية والعقلية.
- المسيح هو الراعي الصالح ومثال لجميع الرعاة فإنه لم يقتصر على القيام بهذه الواجبات بل أتى فوق ذلك أنه أحب الرعية وبذل نفسه عنها.
السابق |
التالي |