إشعياء

سفر إشعياء | 53 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْخَمْسُونَ

١ «مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ ٱسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ ٱلرَّبِّ؟».

يوحنا ١٢: ٣٨ ورومية ١٠: ١٦ ص ٥١: ٩ ورومية ١: ١٦ و١كورنثوس ١: ١٨

النبي هو المتكلم وللفظة «خبر» تفسيران:

  1. الخبر الذي سمعه النبي ومضمونه آلام المسيح فيقول النبي بالنيابة عن شعب اليهود إنهم لم يصدقوا الخبر وقوله هذا على سبيل الاعتراف بالخطية.
  2. الخبر الذي أخبر الناس به وهم لا يصدقونه فالقول يطابق ما قاله الرب على شعب اليهود في ما سبق (ص ٦: ٩) إنهم لم يؤمنوا. وزادت خطية اليهود على خطايا الأمم لأن الأمم لم يسمعوا الخبر (ص ٥٢: ١٥) وأما اليهود فسمعوا ولم يؤمنوا. وعدم الإيمان من أسباب مختلفة فإن اليهود لم يصدقوا أن المسيح الموعود به يتألم لأنهم انتظروا ملكاً ظافراً له قوة جسدية كملوك الأرض. وبعض العلماء في عصرنا هذا يقولون إنهم لا يقدرون أن يصدقوا ما يفوق عقولهم كاتحاد اللاهوت والناسوت في المسيح وولادته من عذراء وعجائبه وقيامته. والواقع أن الناس لا يريدون أن يؤمنوا لأنهم يحبون الخطية ولا يريدون أن يخلصوا منها ولا أن يقبلوا المسيح معلماً وسيداً لهم. وذراع الرب قوته وظهرت قوة الرب في المسيح بانتصاره على الخطية والموت ولكن «ذراع الرب» لا تُرى إلا بعين الإيمان والإيمان لقليلين لأن أكثر الناس عندما يرون حوادث عصرهم ويقرأون في التواريخ خبر الحوادث الماضية لا يرون فيها يد الرب وقليلون من معاصري المسيح آمنوا به فكانوا كأنهم لم يبصروا.

٢ «نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ».

ص ١١: ١ ص ٥٢: ١٤ ومرقس ٩: ١٢

نَبَتَ قُدَّامَهُ نبت المسيح قدام الرب (انظر لوقا ٢: ٤٠) «وَكَانَ ٱلصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِٱلرُّوحِ، مُمْتَلِئاً حِكْمَةً، وَكَانَتْ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ عَلَيْهِ». وصيغة الماضي تدل على ما تم بمقاصد الله الأزلية (أعمال ٢: ٢٣).

كَفَرْخٍ (انظر ص ١١: ١) «وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى».

أَرْضٍ يَابِسَةٍ هي الطبيعة البشرية التي أخذها يسوع لنفسه بالتجسد وأمة اليهود والجيل الذي وُلد فيه والقرية التي تربى فيها ووالداه الفقيران.

لاَ صُورَةَ لَهُ الأرجح أن النبي لا يشير إلى جسد المسيح كأنه بلا جمال أو منظر حسن بل إلى أحواله فإنه كان فقيراً ومظلوماً وليس كالملك المجيد المنتظر من اليهود. والعين كالقلب فإن الذي نحبه نراه جميلاً والذي نبغضه نراه قبيحاً. ولا شك أنه كان في وجه يسوع جمال المحبة والشفقة والتواضع وانعكاس مجد الآب الذي كان ينظر إليه على الدوام فكان للمؤمنين به أجمل من كل بني البشر. ولكن أعداءه لم يروا إلا رجلاً محتقراً ومكروهاً عندهم لأنه وبخهم على خطاياهم.

٣ «مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ ٱلنَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ ٱلْحُزْنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ».

مزمور ٢٢: ٦ وص ٤٩: ٧ عبرانيين ٤: ١٥ يوحنا ١: ١٠ و١١

مُحْتَقَرٌ احتقروه بقلة اعتبارهم لتعليمه وأهانوه لما وقف أمام قيافا وبيلاطس ولما صُلب.

مَخْذُولٌ قال أيوب (أيوب ١٩: ١٤) «أقاربي خذلوني» لما كان يسوع طفلاً طلب الملك هيرودس أن يقتله ولما صار معلماً اعتزله الرؤساء والفريسيون وكان المؤمنون به في مدة حياته على الأرض قليلين. وكثيرون من تلاميذه عثروا من كلامه ورجعوا إلى الوراء ولم يمشوا معه بعد (يوحنا ٦: ٦٦). والبعض لم يأتوا إليه إلا ليلاً. وفي آخر حياته رفضه الشعب قائلين «ليس هذا بل باراباس» و«ليس لنا ملك إلا قيصر» و«صرخوا قائلين اصلبه». وفي الليلة الأخيرة تركه الجميع حتى االرسل. ولم يخذلوه لسبب حقيقي لأن كل ما عمله وتكلم به كان موافقاً للنبوءات المقبولة عند اليهود وكانت المعجزات التي عملها تشهد له ولم يعمل خطية حتى أن أعداءه لم يقدروا أن يجدوا فيه علة.

يقول البعض في أيامنا لو شاهدنا المسيح بأعيننا لآمنّا به ولكنهم ينسون أن الإيمان بالمسيح وهو بالجسد أصعب من الإيمان به وهو في المجد وأكثر معاصري المسيح لم يؤمنوا به ليس لأنهم لم يبصروه بل لأنهم أبصروه ولم يجدوه كما أرادوا.

رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ ٱلْحُزْنِ كانت الأوجاع والأحزان أوجاع وأحزان غيره. قال متّى (متّى ٨: ١٧) «لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا» أي يسوع خدم الناس بالشفاء والتعزية وكانت في هذه الخدمة أتعاب وآلام وخسارة لنفسه. وحزننا على المصابين هو على قدر محبتنا لهم فإننا نحزن على مصيبة أولادنا أو إخوتنا أكثر مما على الغريب والبعيد. فما أعظم حزن المسيح على المصابين لأنه يحب كل واحد منهم أكثر من محبة الأم لابنها وما أعظم مجموع الأوجاع والأحزان التي حملها.

اللص الغير التائب مات على الصليب كما مات يسوع وتألم في الجسد كما تألم يسوع ولكن بين آلام يسوع وآلام اللص بُعدٌ لا يُقاس لأن نفس يسوع قابلة الآلام أكثر من نفس اللص وتشعر بشر الخطية أكثر منه وكان عليه خطايا العالم واحتمل وقتياً حجب وجه الآب الذي قال فيه «انا والآب واحد».

وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا يتكلم النبي بالنيابة عن شعب اليهود ويعتبر نفسه واحداً منهم ومسؤولاً في خطيتهم وكان المسيح هكذا محتقراً عند الناس حتى اعتبروه كأبرص فستروا وجوههم عنه. واعتقاد اليهود أن المصائب علامة غضب الله على المصاب بها وهكذا قال أصحاب أيوب «مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَأَيْنَ أُبِيدَ ٱلْمُسْتَقِيمُونَ» (أيوب ٤: ٧). وانظر سؤال التلاميذ «مَنْ أَخْطَأَ: هٰذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى» (يوحنا ٩: ٢). فلما رأوا آلام يسوع وموته على الصليب حسبوه مصاباً من الله أي مصاباً لأجل خطاياه ولم يفهموا أنه مصاب لأجل خطايا غيره وهو نفسه بريء من كل خطية. ولم يعترف في وقت الصلب إلا واحد فقط وهو من الأمم بأن يسوع بار (لوقا ٢٣: ٤٧).

وفي هذا الأصحاح اثنتا عشرة جملة تفيد أن المسيح تألم لأجلنا. وهذا التعليم هو في العهد القديم كله غير أن المتضمن في هذا الأصحاح واضح جداً. ومن الأقوال الكثيرة في هذا الموضوع «وَإِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَسَمِعَ صَوْتَ حَلْفٍ وَهُوَ شَاهِدٌ يُبْصِرُ أَوْ يَعْرِفُ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ حَمَلَ ذَنْبَهُ» (لاويين ٥: ١). «قَالَ ٱلرَّبُّ لِهَارُونَ: أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَيْتُ أَبِيكَ مَعَكَ تَحْمِلُونَ ذَنْبَ ٱلْمَقْدِسِ» (عدد ١٨: ١) وقيل في العازار وإيثامار إنهما يحملان إثم الجماعة تكفيراً عنهم أمام الرب أي يمكن أن واحداً يحمل خطية غيره. والذبائح كلها كانت ترمز إلى المسيح المزمع أن يموت عن الشعب ويحمل خطاياهم. ومن أقوال العهد الجديد «لِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متّى ٢٠: ٢٨). وقول قيافا «إِنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ ٱلشَّعْبِ» (يوحنا ١١: ٥٠ انظر رومية ٣: ٢٥ و٥: ٦ و٢كورنثوس ٥: ١٨ – ٢١ وغلاطية ٣: ١٣ وأفسس ١: ٧ و١بطرس ٢: ٢٤).

٤ – ٦ «٤ لٰكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ ٱللّٰهِ وَمَذْلُولاً. ٥ وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. ٦ كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا».

متّى ٨: ١٧ وعبرانيين ٩: ٢٨ و١بطرس ٢: ٢٤ رومية ٤: ٢٥ و١كورنثوس ١٥: ٣ و١بطرس ٣: ١٨ مزمور ٣٨: ٥ و١بطرس ٢: ٢٤ مزمور ١١٩: ١٧٦ و١بطرس ٢: ٢٥

أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا اقتبس متّى هذا القول بالنظر إلى شفاء الأمراض الجسدية (متّى ٨: ١٧) وهو من الفوائد الثانوية الناتجة عن مجيء المسيح وأما الاعتبار الأول هو لخلاص النفوس وهبة الحياة الأبدية ورفع الخطية التي منها جميع الأحزان والأوجاع.

وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً لم يفهم اليهود أن المسيح حمل خطاياهم بل حسبوه مصاباً بمعصيته.

تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ التأديب الذي غايته ونتيجته السلام.

بِحُبُرِهِ شُفِينَا ضُرب يسوع بالكف (متّى ٢٦: ٦٧) وبالقصبة (متّى ٢٧: ٣٠) وبالسوط (متّى ٢٧: ٢٦) و«الخبر» هي آثار هذه الضربات. ومن الأمور الغريبة أن «الشفاء» يكون بواسطة ضربات وأن شفاء الواحد يكون بواسطة ضربات احتملها غيره. كان بنو إسرائيل قد تألموا بسبب خطاياهم وعلى طرق كثيرة. ومن ذلك سبى بابل ولكن قول النبي هو أنهم لم يُشفوا بآلامهم بل بآلام المسيح لأن التأديب ينبه الخاطئ ويحذره ويأتي به إلى التوبة ولكنه لا يكفر الخطية.

مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ يتكلم النبي بالنيابة عن شعب إسرائيل وعن كل بني البشر لأن الجميع ضلوا وجوهر كل خطية أن الإنسان يسلك في طريقه وليس في طريق الرب فينتج من ذلك أننا نبعد بعضنا عن بعض ونبعد عن الله. وطريق كل واحد يمشي كما يريد هو بدون اعتبار مشيئة الرب تؤدي إلى الشقاء والهلاك.

وَضَعَ عَلَيْهِ الآب وضع على الابن إثم الجميع وكان ذلك بإرادة الابن. فقال يسوع في جثسيماني «ليس كما أريد بل كما تريد أنت» (انظر أيضاً يوحنا ١٠: ١٧ و١٨).

إِثْمَ جَمِيعِنَا الجميع ضلوا والهلاك عام وكذلك الخلاص للجميع لأن دم المسيح كافٍ لتكفير خطايا العالم كله غير أن الإنسان يقدر أن يرفض هذا الخلاص فيهلك بعدم الإيمان.

٧ «ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ».

متّى ٢٦: ٦٣ و٢٧: ١٢ و١٤ ومرقس ١٤: ٦١ و١٥: ٥ و١بطرس ٢: ٢٣ أعمال ٨: ٣٢

بعدما أبان النبي سبب آلام المسيح أخذ يصف صبره في احتمالها.

ظُلِمَ أشار بهذا إلى ضعفه وإلى احتماله آلاماً لم يستحقها وإلى قساوة الذين حكموا عليه كبيلاطس وهيرودس وقيافا وكانت محاكمته كلها ظلماً فإن الشهود كانوا شهود زور ورئيس الكهنة أجبره أن يشهد على نفسه وتغير الشكوى لأنه كان أولاً أنه جدف ثم أنه جعل نفسه ملكاً عوضاً عن قيصر وكان الحكم بسرعة غير لائقة وغلب صراخ الجمع على رأي الحاكم ومع ذلك كله تذلل أي سلّم نفسه للظلم.

لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ سكت يسوع أمام قيافا وأمام بيلاطس الوالي «ولم يجبه ولا عن كلمة واحدة».

كَشَاةٍ تُسَاقُ ربما كانت هذه النبوءة في بال يوحنا المعمدان لما شهد ليسوع (يوحنا ١: ٢٩) ولم ينتج سكوته عن العجز ولا عن قلة المعرفة بل سكت لأنه بإرادته سلّم نفسه للموت وسكت لأنه عرف ظالميه القساة وعزمهم على قتله كيف كان. وكثيراً ما يكون السكوت علامة الاتكال على الله ومسامحة المعتدين فيكون من الواجبات المسيحية ومما يدل على القوة الروحية والحكم على الذات. وسلوك الإنسان وأعماله تتكلم بصوت أقوى من صوت لسانه.

٨ «مِنَ ٱلضُّغْطَةِ وَمِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟».

دانيال ٩: ٢٦

مِنَ ٱلضُّغْطَةِ الشدة والضيق والمشقة وكانت هذه حالة المسيح إلى آخر حياته ولم يتبرر ولم تتحسن حالته بل أُخذ وهو فيها أي من الضغظة أُخذ إلى الصلب والموت.

مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ من دينونة قيافا ومن دينونة بيلاطس الظالمة أُخذ إلى الموت.

وَفِي جِيلِهِ الخ أهل عصره لم يفهموا أنه قُطع من أرض الأحياء من أجل ذنب شعبه بل ظنوا أن موته كان مصيبته أو بسبب خطيته.

شَعْبِي اليهود وهم شعب النبي لأنه تكلم بالنيابة عنهم وليس من أجل اليهود فقط لأن محبة الله للعالم وبذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به.

٩ «وَجُعِلَ مَعَ ٱلأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ».

متّى ٢٧: ٥٧ و٥٨ و٦٠ و١بطرس ٢: ٢٢ ويوحنا ٣: ٥

كان المصلوبون يُطرحون بلا دفن وإذا دُفنوا كان الدفن في مقبرة مختصة بالمذنبين ولما حكم بيلاطس على يسوع بالصلب بنفس هذا الحكم جعل قبره مع الأشرار وأما حكم الله فليس كحكم الناس وبعنايته تعالى طلب يوسف وهو رجل غنيّ من الرامة جسد يسوع ودفنه في قبره (متّى ٢٧: ٥٧ – ٦٠).

عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً العهد الجديد كله يشهد للمسيح بأنه بلا خطية وبما أنه لا يوجد غيره بلا خطية يثبت بالضرورة أن «عبد الرب» المذكور في هذا الأصحاح هو المسيح.

١٠ «أَمَّا ٱلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِٱلْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ».

٢كورنثوس ٥: ٢١ و١بطرس ٢: ٢٤ رومية ٦: ٩ أفسس ١: ٥ و٢تسالونيكي ١: ١١

إن آلام المسيح وإن كانت عن يد الناس كانت بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق. والرب «سحقه» أي الله بذل ابنه وأما الابن فبذل نفسه أيضاً والآب سر بطاعته وبعمل الفداء وخلاص الإنسان.

إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ المسيح جعل نفسه ونفسه هي حياته.

ذَبِيحَةَ إِثْمٍ المسيح هو الذبيحة الوحيدة والمشار إليها في كل ذبائح العهد القديم. قيل في عبرانيين ١: ٤ «لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا» فإن الذبائح كلها كانت رموزاً إلى المسيح والأتقياء في العهد القديم قدموها إطاعة لأمر الرب وعلامة لإيمانهم بالمسيح المزمع أن يأتي.

يَرَى نَسْلاً شعب الله المؤمنون هم نسل المسيح الروحي. قال بولس لأهل غلاطية المؤمنين «يَا أَوْلاَدِي ٱلَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ» (غلاطية ٤: ١٩).

تَطُولُ أَيَّامُهُ الضمير في «أيامه» يرجع إلى كلمة «نسل» والمعنى أن الكنيسة ستبقى إلى الأبد وملكوت المسيح لا يزول كما تزول ممالك العالم (مزمور ٨٩: ٣٦ و٣٧). المسيح جعل نفسه ذبيحة فأُثبت بنسله الروحي ودوام عمل الفداء ونجاح ذلك العمل.

مَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ مسرّة الرب هي بخلاص الناس وتمّ هذا الخلاص بواسطة المسيح. ومضمون الآية كلها:

  1. مصدر آلام المسيح وهو مسرة الرب.
  2. غاية الآلام وهي تكفير خطايا شعبه.
  3. نتيجة الآلام الحياة الأبدية.

١١ «مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي ٱلْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا».

ص ٤٢: ١ و٤٩: ٣ و١يوحنا ٢: ١ ويوحنا ١٧: ٣ و٢بطرس ١: ٣ رومية ٥: ١٨ و١٩ ع ٤ و٥

مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى يرى أجر تعبه وهو خلاص النفوس. كان التعب قبل الأجر والصليب قبل الإكليل ولا يجوز لتلاميذ المسيح أن ينتظروا أجراً بلا تعب ولا إكليلاً بلا صليب.

وَيَشْبَعُ من كثرة المؤمنين. وهم جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده.

بِمَعْرِفَتِهِ كثيرون يتبررون بمعرفة المسيح معرفة حقيقية قلبية ينتج منها الإيمان والطاعة. وقال بعضهم إن المعرفة المشار إليها هي المعرفة التي للمسيح فإنه عرف الآب فعرف الناس به ليؤمنوا ويخلصوا فالعبارة تشير إلى وظيفة المسيح بالنظر إلى كونه نبياً ومعلماً.

يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ ليس المعنى هنا التقديس بل التبرير كما يظهر من الجملة التابعة «وآثامهم هو يحملها» أي بر المسيح محسوب لهم وآثامهم محسوبة للمسيح. والمسيح قدم نفسه مرة واحدة ذبيحة عن الخطية ولكنه قام وصعد إلى السماء وهو الآن جالس عن يمين الآب يشفع في شعبه. وشفاعته هي على الدوام فنصلي له ونطلب منه كل يوم غفران خطايانا وهو كل يوم يغفر لنا بناء على تلك الذبيحة الواحدة.

١٢ «لِذٰلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ ٱلأَعِزَّاءِ وَمَعَ ٱلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي ٱلْمُذْنِبِينَ».

مزمور ٢: ٨ وفيلبي ٢: ٩ كولوسي ٢: ١٥ مرقس ١٥: ٢٨ ولوقا ٢٢: ٣٧ لوقا ٢٣: ٣٤ ورومية ٨: ٣٤ وعبرانيين ٧: ٢٥ و٩: ٢٤ و١يوحنا ٢: ١

أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ ٱلأَعِزَّاءِ الأعزاء ملوك الأرض الأقوياء كملوك أشور وبابل الذين قهروا ممالك وأخضعوا الأرض كلها لهم. وهكذا أعطى الله المسيح أن يكون ملكاً يخضع الناس لنفسه غير أن ملكوت المسيح أعظم جداً من ممالك العالم لكونه ملكوتاً روحياً وعاماً وأبدياً.

سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ أي كانت آلامه بإرادته وكانت هذه الآلام شديدة جداً حتى الموت.

وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ (مرقس ١٥: ٢٨) غير أنه لم يحصَ مع اللصين فقط بل مع كل الأثمة أيضاً.

وَشَفَعَ فِي ٱلْمُذْنِبِينَ قال لما صُلب «اغفر لهم» وهو الآن عن يمين الآب يشفع فينا.

ويتضح من مراجعة الأصحاح كله أن آلام المسيح وموته ضروريان بمعنى أنه بدونهما لا يمكن خلاص البشر.

فوائد للوعاظ

لا صورة له ولا جمال (ع ٢)

المكروه والمقبول في صورة المسيح:

  1. المكروه. إنه كان من عائلة فقيرة ومن أمة محتقرة وتربى في قرية صيتها رديء ولم يتعلم علوم الفريسيين والكتبة ولم يأت بالمجد والقوة الجسدية ولم يراع شهوات الناس وأميالهم.
  2. المقبول. إنه كان كاملاً بجميع صفاته كالصبر واللطف والمحبة والنعمة والحنو والسلوك الطاهر وإنه في تعليمه قدم للناس غفران الخطايا وراحة الضمير وحياة مفيدة على الأرض والحياة الأبدية.

رجل أوجاع (ع ٣)

لا أحد من بني البشر تألم كما تألم يسوع وليس ذلك من نفس الآلام لأن كثيرين ضُربوا وظُلموا والبعض صُلبوا ولكن آلامه أعظم من آلامهم لأن طبيعته أعلى من طبيعتهم وله شعور بالآلام أكثر مما لهم.

ومن أوجاع يسوع ما عدا أوجاعه الجسدية ما يأتي:

  1. انفراده. لأن الناس لم يعرفوه حق المعرفة حتى أن تلاميذه لم يفهموا تماماً أفكاره وغاياته.
  2. مقاومة أعدائه.
  3. ضعف إيمان تلاميذه وخيانة يهوذا وإنكار بطرس.
  4. رفض أمة اليهود إياه.
  5. مشاهدة أحزان الناس وخطاياهم.

ومن تعزية يسوع نذكر ما يأتي:

  1. اتحاده بالآب.
  2. محبة بعض تلاميذه إياه.
  3. شكر بعض الذين شفوا من أمراضهم له.
  4. ضميره الصالح.
  5. تيقنه الانتصار على الخطية والموت وإقامة ملكوته وخلاص الخطاة.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى