سفر إشعياء | 47 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُون
مضمونه:
في الأصحاح السابق نبوءة بسقوط آلهة بابل وعجزها عن خلاص المتكلين عليها وفي هذا الأصحاح نبوءة بسقوط بابل نفسها وهي تكني عن جميع أعداء الله. ومدينة بابل مشبهة بسيدة صارت خادمة محتقرة والنبي يصف سقوط المدينة مع ذكر الخطايا التي كانت سببه وهي الكبرياء والتنعم والاتكال على المال والحكمة البشرية والخرافات.
١ «اِنْزِلِي وَٱجْلِسِي عَلَى ٱلتُّرَابِ أَيَّتُهَا ٱلْعَذْرَاءُ ٱبْنَةَ بَابِلَ. ٱجْلِسِي عَلَى ٱلأَرْضِ بِلاَ كُرْسِيٍّ يَا ٱبْنَةَ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ، لأَنَّكِ لاَ تَعُودِينَ تُدْعَيْنَ نَاعِمَةً وَمُتَرَفِّهَةً».
إرميا ٤٨: ١٨ ص ٣: ٢٦
ٱلْعَذْرَاءُ تشبيه مدينة بابل بعذراء يشير إلى جمالها وتنعمها ولا تفيد أنها لم تُفتح قط لأن الأشوريين كانوا فتحوها مرات عديدة.
بِلاَ كُرْسِيٍّ عند افتتاح بابل عن يد كورش سقطت عن مقامها كعاصمة الممالك وفي مدة سلطة ملوك فارس كانت مدينة سوسن العاصمة غير أن الملوك قضوا قسما من كل سنة في بابل. وفي مدة سلطة السلوكيين انحطت بابل حتى وصلت إلى درجة الدمار التام.
ٱبْنَةَ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ مدينتهم أي بابل. ومدينة بابل كناية عن كل قوة عالمية تقاوم الله كما كانت أورشليم كناية عن شعب الله على الأرض ومكانهم في المجد في السماء. وأول سفر من الكتاب المقدس يعرفنا في بابل كمركز الكبرياء والتجديف (تكوين ١١) والسفر الأخير يسمى قوة العالم الشرير بابل (رؤيا ١٤: ٨).
نَاعِمَةً وَمُتَرَفِّهَةً كانت بابل بهاء الممالك وزينة فخر الكلدانيين ومولعة بالسكر والخلاعة وانقلبت هذه الحال عند سقوطها.
٢ «خُذِي ٱلرَّحَى وَٱطْحَنِي دَقِيقاً. ٱكْشِفِي نُقَابَكِ. شَمِّرِي ٱلذَّيْلَ. ٱكْشِفِي ٱلسَّاقَ. ٱعْبُرِي ٱلأَنْهَارَ».
خروج ١: ٥ وقضاة ١٦: ٢١ ومتّى ٢٤: ٤١
ٱلرَّحَى كان الطحن بالرحى عملاً متعباً ودنيئاً ومعتبراً من أعمال النساء الفقيرات والعبدات.
ٱكْشِفِي ٱلسَّاقَ كان لبس النقاب من عوائد السيدات المترفهات وأما الفقيرات وصاحبات الأشغال الشاقة فلا يمكنهن لبسه.
ٱعْبُرِي ٱلأَنْهَارَ إشارة إلى سقوط بابل وسبي أهلها وعبورهم الأنهار بسفرهم إلى بلاد بعيدة أو إشارة إلى خدمة العبدات التي تجبرهن على كشف الساق وعبور الأنهار.
٣ «تَنْكَشِفُ عَوْرَتُكِ وَتُرَى مَعَارِيكِ. آخُذُ نَقْمَةً وَلاَ أُصَالِحُ أَحَداً».
ص ٣: ١٧ و٢٠: ٤ وإرميا ١٣: ٢٢ و٢٦ وناحوم ٣: ٥ رومية ١٢: ١٩
آخُذُ نَقْمَةً وَلاَ أُصَالِحُ أَحَداً كلام الرب يشير إلى غضبه العظيم وعدم الرجاء بالمغفرة وسبب الغضب هو ظلم البابليين شعب الله في مدة السبي. في الكتاب المقدس أقوال كثيرة في رحمة الله وغفران الخطايا وأقوال أيضاً في قداسة الله وعدله فلا يمكن الغفران لغير التائبين ولا بعد الموت. وكثيرون وهم في قيد الحياة قد أماتوا ضمائرهم فلا يمكنهم التوبة والرجوع إلى الله. وغفران الخطايا من الفوائد الحاصلة للمؤمنين من موت المسيح.
٤ «فَادِينَا رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ. قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ».
ص ٤٣: ٣ و١٤ وإرميا ٥٠: ٣٤
كلام النبي بالنيابة عن إسرائيل والقول يفيد:
- إن إسرائيل شعب الله وهو إلههم وفاديهم (ص ٤٤: ٢٤).
- إنه صادق في كل أقواله وقدوس ولا يقدر أن يغض النظر عن خطية بابل في اضطهاد شعبه.
- إنه رب الجنود ويقدر أن يجري أحكامه حتى على أعظم مملكة في العالم.
٥ «ٱجْلِسِي صَامِتَةً وَٱدْخُلِي فِي ٱلظَّلاَمِ يَا ٱبْنَةَ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ، لأَنَّكِ لاَ تَعُودِينَ تُدْعَيْنَ سَيِّدَةَ ٱلْمَمَالِكِ».
١صموئيل ٢: ٩ ع ٧ وص ١٣: ١٩ ودانيال ٢: ٢٧
الصمت يشير إلى الخراب فلا يكون بائع ولا مشتر ولا فاعل ولا صانع ولا بان ولا فلاح. والظلام يشير إلى الحزن وعدم الرجاء بالإصلاح.
لاَ تَعُودِينَ تُدْعَيْنَ سَيِّدَةَ ٱلْمَمَالِكِ لا تكون عاصمة المملكة والمملكة أيضاً لا تكون رأس الممالك.
٦ «غَضِبْتُ عَلَى شَعْبِي. دَنَّسْتُ مِيرَاثِي وَدَفَعْتُهُمْ إِلَى يَدِكِ. لَمْ تَصْنَعِي لَهُمْ رَحْمَةً. عَلَى ٱلشَّيْخِ ثَقَّلْتِ نِيرَكِ جِدّاً».
٢صموئيل ٢٤: ١٤ و٢أيام ٢٨: ٩ وزكريا ١: ١٥ ص ٤٣: ٢٨ تثنية ٢٨: ٥٠
غَضِبْتُ عَلَى شَعْبِي لم يقدر البابليون أن يعتذروا بقولهم إن إسرائيل أخطأ فاستحق ما أصابه لأنه لم تكن غايتهم في محاربة أورشليم إجراء مقاصد الرب بل طمعهم في زيادة مملكتهم ولم تكن معاملتهم المسبيين في بابل على نوع التأديب بل بالقساوة. كما أن إخوة يوسف أخطأوا في بيعه للعرب مع أنه استبقى حياة في مصر وأخطأ الذين صلبوا المسيح مع أن صلبه كان بموجب مشيئة الله وصار واسطة لخلاص العالم.
دَنَّسْتُ مِيرَاثِي لم يدخل أحد القدس إلا الكهنة ولم يدخل قدس الأقداس إلا رئيس الكهنة وذلك مرة فقط بالسنة وكان في قدس الأقداس التابوت وكروبا المجد مظللين الغطاء ولما رأى إشعياء الرب في الرؤيا (ص ٦) «هٰذَا نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ ٱلأَرْضِ». وأما الكلدانيون الوثنيون فدخلوا وسلبوا ونجسوا ذلك المكان المقدس ولم يردّهم الرب.
لَمْ تَصْنَعِي لَهُمْ رَحْمَةً نستنتج من أقوال الكتاب المقدس أن البعض من اليهود المسبيين كانوا مرحومين وناجحين في الأمور الجسدية فبنوا بيوتاً وغرسوا بساتين وتعاطوا التجارة (إرميا ٢٩: ٥) ولكن أكثرهم استُعبدوا في أشغال شاقة واحتملوا قساوة وظلماً. ولنا صور من الآثار القديمة يُرى فيها ملك بيده رمح يقلع عيني يهودي راكع أمامه ويداه مربوطتان وراء ظهره. ويُرى فيها أيضاً يهودي بأنفه حلقة وبالحلقة مرسة والمرسة بيد إنسان يقود اليهودي كدابة. ويُرى أيضاً يهود حاملون أحمالاً ثقيلة كالحجارة والطين وعليهم مسخرون بأيديهم أسواط. فيظهر من هذه الصور أن البابليين عملوا هذه الأعمال وإنهم افتخروا فيها أيضاً.
عَلَى ٱلشَّيْخِ ثَقَّلْتِ نِيرَكِ جِدّاً وأما الشيخ فيستحق الاعتبار الخصوصي:
- بسبب ضعفه الجسدي.
- بسب حكمته واختباره.
- لأنه خدم العالم مدة عمره الطويل.
- لأن الباقي من حياته قليل فلا يبقى لنا فرص أن نعمل معه خيراً.
٧ «وَقُلْتِ: إِلَى ٱلأَبَدِ أَكُونُ سَيِّدَةً حَتَّى لَمْ تَضَعِي هٰذِهِ فِي قَلْبِكِ. لَمْ تَذْكُرِي آخِرَتَهَا».
ع ٥ ورؤيا ١٨: ٧ ص ٤٦: ٨ تثنية ٣٢: ٢٩
اتكل البابليون على غناهم في مزروعاتهم وتجارتهم واتكلوا أيضاً على أسوار مدينتهم العالية وأبوابها من النحاس وكثرة جنودها وأسلحتها فظنوا أن هذا الغنى وهذه القوة تبقى إلى الأبد (ص ٥٦: ١٢). غير ان الخطية ليست باقتناء المال بل بالاتكال عليه وعدم استعماله في عمل الخير والرحمة لمجد الله (مزمور ١٠: ٢٤).
لَمْ تَضَعِي هٰذِهِ فِي قَلْبِكِ تشير كلمة «هذا» إلى الخطايا المذكورة سابقاً أي القساوة والاتكال على المال والقوة الجسدية وإنكار الرب.
آخِرَتَهَا عواقب خطاياها ومنها عواقب طبيعية وهي:
- النفور بين أصحاب المال والصنّاع الناتج عن قساوة أصحاب المال فنتج من هذا النفور خراب الهيئة الاجتماعية لأن الجنسين لا يستغنيان عن بعضهما بل أصحاب المال يحتاجون إلى خدمة الصناع كما أن الصناع يحتاجون إلى تدبير أصحاب المال.
- الغفلة الناتجة عن الكبرياء والاتكال على القوة الجسدية ففاجأهم الهلاك. وأما آخرة خطاياهم أي عقابها الأخير فلا يكون في هذا العالم بل لها عقاب من الله في العالم العتيد. حتى الأمم الذين لا يعرفون الله من إعلانه في الكتاب المقدس عليهم غضب الله لأنهم لم يسلكوا بموجب الإعلان في الخليقة وشريعة الله المكتوبة في ضمائرهم.
٨ «فَٱلآنَ ٱسْمَعِي هٰذَا أَيَّتُهَا ٱلْمُتَنَعِّمَةُ ٱلْجَالِسَةُ بِٱلطُّمَأْنِينَةِ، ٱلْقَائِلَةُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا وَلَيْسَ غَيْرِي. لاَ أَقْعُدُ أَرْمَلَةً وَلاَ أَعْرِفُ ٱلثَّكَلَ».
ع ١٠ وصفنيا ٢: ١٥ رؤيا ١٨: ٧
ٱلْجَالِسَةُ بِٱلطُّمَأْنِينَةِ الطمأنينة الوهمية. قال هيرودتس إن البابليين لم يهتموا عند حصار المدينة بل قضوا الوقت بالسكر والرقص.
أَنَا وَلَيْسَ غَيْرِي معنى قول بابل إنه لم يوجد مدينة أو مملكة مثلها فبهذا القول جدفت على الله القادر على كل شيء والديّان لكل بشر.
لاَ أَقْعُدُ أَرْمَلَةً ليس للنساء حالة يُرثى لها أكثر من حالة الأرملة والمثكلة وقول بابل يشير إلى ثقتها بأنها لا تخسر قوتها وغناها فتصير مثل أرملة ولا تخلى من سكانها فتصير مثل مثكلة. وما أعظم محبة بابل لنفسها فلم تهتم بغيرها بل اكتفت أن تكون مرتاحة وحدها.. قابل تعليم الإنجيل «فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ ٱلأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ ٱلضُّعَفَاءِ، وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا» (رومية ١٥: ١).
٩ «فَيَأْتِي عَلَيْكِ هٰذَانِ ٱلاثْنَانِ بَغْتَةً فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ: ٱلثَّكَلُ وَٱلتَّرَمُّلُ. بِٱلتَّمَامِ قَدْ أَتَيَا عَلَيْكِ مَعَ كَثْرَةِ سُحُورِكِ، مَعَ وُفُورِ رُقَاكِ جِدّاً».
ص ٥١: ١٩ و١تسالونيكي ٥: ٣ ناحوم ٣: ٤
فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كان سقوط بابل رويداً على مدة ٢٠٠ سنة والمراد هنا أن كل مصائبها ابتدأت من اليوم الذي فيه دخلها كورش وفي ذلك اليوم انقطع رجاؤها وصدر الأمر من العلي بخرابها المخيف وأتاهم ذلك اليوم بغتة.
كَثْرَةِ سُحُورِكِ كان النبي ذكر قساوة بابل وكبرياءها وهنا يذكر الثالثة من الخطايا التي سببت سقوطها وهي السحر. اشتهر علماء بابل بعلم الفلك وهو علم حقيقي غير أنهم زادوا عليه التنجيم أي الادعاء بعلاقة بين النجوم وأمور بني البشر فقالوا إن لكل إنسان نجمة تظهر أولاً في ساعة ولادته ومن سير هذه النجمة تُعرف أمور حياته المستقبلة. وقالوا إنه يوجد أيام سعد فينجح كل ما يُعمل فيها وأيام نحس لا يجوز فيها شروع عمل. وادعى المنجمون بأنهم يقدرون أن يستدلوا من النجوم على الأوقات ويعرفوا أيام السعد وأيام النحس. وكانوا يكتبون كلمات سحرية على حجارة صغيرة أو ألواح من الفخار وكان الناس يلبسونها بزعمهم أنها تحفظهم من العين والجن والأمراض وغيرها من المخاطر الوهمية والحقيقية. وكانوا يعلّمون الناس بعض ألفاظ سحرية ليلفظوها عند وقوعهم في خطر فتخلّصهم (أستير ٣: ٧ وحزقيال ٢١: ٢١ و٢٢).
١٠ «وَأَنْتِ ٱطْمَأْنَنْتِ فِي شَرِّكِ. قُلْتِ: لَيْسَ مَنْ يَرَانِي. حِكْمَتُكِ وَمَعْرِفَتُكِ هُمَا أَفْتَنَاكِ، فَقُلْتِ فِي قَلْبِكِ: أَنَا وَلَيْسَ غَيْرِي».
مزمور ٥٢: ٧ ص ٢٩: ١٥ وحزقيال ٨: ١٢ و٩: ٩ ع ٨
وَأَنْتِ ٱطْمَأْنَنْتِ فِي شَرِّكِ كانت الخرافات والأباطيل المذكورة تطمنهم وتغشهم بالوعد بأنهم يقدرون أن يبقوا كما هم في خطاياهم ويخلصوا من عقابها. وهكذا جميع الأديان الفاسدة تطمن الناس وهم باقون في شرورهم وأما الدين الحقيقي فهو يوضح الخلاص هو من الخطية وليس من عقابها فقط وبداءة الخلاص هي في هذه الحياة وليست في الآخرة.
قُلْتِ: لَيْسَ مَنْ يَرَانِي أي قُررت بخطيتها لأنها أرادت أن تخفي ما كانت عملته وهنا برهان على أنه للوثنيين ضمير وإنهم يعرفون واجباتهم وإن كانوا لا يعرفون طريق الخلاص.
حِكْمَتُكِ وَمَعْرِفَتُكِ الخرافات المذكورة وليست حكمة حقيقية.
١١ «فَيَأْتِي عَلَيْكِ شَرٌّ لاَ تَعْرِفِينَ فَجْرَهُ، وَتَقَعُ عَلَيْكِ مُصِيبَةٌ لاَ تَقْدِرِينَ أَنْ تَصُدِّيهَا، وَتَأْتِي عَلَيْكِ بَغْتَةً تَهْلُكَةٌ لاَ تَعْرِفِينَ بِهَا».
١تسالونيكي ٥: ٣
شَرٌّ لاَ تَعْرِفِينَ فَجْرَهُ أي شر لا خلاص منه وليس له نهاية كليل لا يليه صباح. ادعت بابل بأنها عرفت الأمور المستقبلة فيأتيها شر لم تعرفه ولا تنتظره ولا تقدر أن تخلص منه. وليس نبوءة بترجيع بابل.
بَغْتَةً أي المصيبة التي وقعت عليها لم تعرفها قبل وقوعها فكيف تقدر أن تدعي بالمعرفة بالمستقبلات.
١٢ «قِفِي فِي رُقَاكِ وَفِي كَثْرَةِ سُحُورِكِ ٱلَّتِي فِيهَا تَعِبْتِ مُنْذُ صِبَاكِ. رُبَّمَا يُمْكِنُكِ أَنْ تَنْفَعِي. رُبَّمَا تُرْعِبِينَ».
قِفِي فِي رُقَاكِ تهكم من النبي كقول إيليا لأنباء البعل (١ملوك ١٨: ٢٧).
ٱلَّتِي فِيهَا تَعِبْتِ تعب أهل بابل في سحورهم لأن كهنتهم كانوا حاكمين عليهم في كل أمورهم وليس فقط في الأمور الدينية فلم يقدروا أن يبنوا ولا يسافروا ولا يحاربوا ولا يعملوا شيئاً بدون إذن منهم وكانت هذه العبودية تصغر العقل وتميت الضمير وفوق ذلك أنفقوا مبلغاً عظيماً من المال على المعابد والتماثيل ومعاشات الكهنة وكثيراً ما توقف أشغالهم وأحياناً وقع اختلاف بين الكهنة والملوك فكان الكهنة يقاومون الملك ويعملون تشويشاً بينه وبين رعيته. فكان من أسباب سقوط بابل:
- القساوة على العبيد والشعوب المحكوم عليهم.
- التنعم والترفه.
- سلطة العلماء والسحرة.
مُنْذُ صِبَاكِ منذ تأسيس المدينة.
١٣ «قَدْ ضَعُفْتِ مِنْ كَثْرَةِ مَشُورَاتِكِ. لِيَقِفْ قَاسِمُو ٱلسَّمَاءِ ٱلرَّاصِدُونَ ٱلنُّجُومَ، ٱلْمُعَرِّفُونَ عِنْدَ رُؤُوسِ ٱلشُّهُورِ، وَيُخَلِّصُوكِ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْكِ».
ص ٥٧: ١٠ ص ٤٤: ٢٥ ودانيال ٢: ٢
قَدْ ضَعُفْتِ مِنْ كَثْرَةِ مَشُورَاتِكِ يضعف عقل الإنسان وضميره من عدم اتكاله عليهما. وكان البابليون تركوا الله واتكلوا على غيره وحسب اعتقادهم لم يتوقف النجاح في عمل ما على الرأي المصيب والاجتهاد فيه ولا على الحق بل على مجرد الصدفة والحظ.
قَاسِمُو ٱلسَّمَاءِ قسم العلماء السماء إلى اثني عشر برجاً وسموا كل برج باسم كالسرطان والجدي والتيس الخ وغايتهم التسهيل في تسمية النجوم أفراداً ورصدها.
ٱلْمُعَرِّفُونَ عِنْدَ رُؤُوسِ ٱلشُّهُورِ كان العلماء ينشرون في أول كل شهر زيجاً أو مطبوخاً يخبر عن أمور فلكية ويتنبأ بأمور بني البشر المستقبلة كما ادعوا. ووُجد بين الآثار القديمة كتاب مركب من سبعين قرميدة في علم الفلك وتاريخ هذا الكتاب منذ ألفين وخمس مئة سنة قبل المسيح.
١٤ «هَا إِنَّهُمْ قَدْ صَارُوا كَٱلْقَشِّ. أَحْرَقَتْهُمُ ٱلنَّارُ. لاَ يُنَجُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ يَدِ ٱللَّهِيبِ. لَيْسَ هُوَ جَمْراً لِلاِسْتِدْفَاءِ وَلاَ نَاراً لِلْجُلُوسِ تُجَاهَهَا».
ناحوم ١: ١٠ وملاخي ٤: ١
علماؤهم وكهنة دينهم كالقش اليابس الذي لا يرد النار بل يزيدها قوة ويتلاشى منها حالاً وهكذا علماء بابل لا يقدرون أن ينجوا أنفسهم ولا مدينتهم بل كانوا يعجلون قدوم يوم الهلاك.
لِيْسَ هُوَ جَمْراً لِلاِسْتِدْفَاءِ لا تكون مصيبتهم مصيبة جزئية كجمرة نار بل تكون دماراً كاملاً كحريق عظيم لا يترك شيئاً.
١٥ «هٰكَذَا صَارَ لَكِ ٱلَّذِينَ تَعِبْتِ فِيهِمْ. تُجَّارُكِ مُنْذُ صِبَاكِ قَدْ شَرَدُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهِهِ وَلَيْسَ مَنْ يُخَلِّصُكِ».
رؤيا ١٨: ١١
تُجَّارُكِ وهم مستوطنون فقط في بابل فليس لهم محبة لها كوطنهم بل يسألون عن مصالحهم الشخصية فقط فيهربون حالاً كل واحد في طريقه. وبالإجمال ليست قوة المدينة بأسوارها وأبراجها ولا بالمدافع والبوارج الحربية بل برجالها. وكانت بابل ضعيفة لأن البعض من أهلها كانوا عبيداً والبعض كهنة والبعض تجاراً أجنبيين فلم يهتم أحدهم بصالح المدينة والنفع العمومي. وأما الشرور التي كانت بابل تكنى عنها فهي في العالم اليوم أي الكبرياء والكفر ومحبة المال ومحبة الذات والظلم والقساوة. وبابل الروحية هذه لم تزل تقاوم ملكوت الله.
فوائد للوعاظ
كيف نعمل بما وكلنا الله عليه (ع ٦).
- كثيراً ما نهمل الصلاة ونعمل بحسب حكمتنا وإرادتنا وننسى أن عملنا هو عمل الرب.
- كثيراً ما نخدم الناس كفرض لازم ونعمل المطلوب منا فقط بلا زيادة ونعمله بلا محبة قلبية.
- كثيراً ما نعمل لغاية مجد أنفسنا فلا نحتمل التوبيخ ولا نطلب نجاح غيرنا.
أنت اطمأننت في شرك (ع ١٠)
الاطمئنان الباطل يحتوي على:
- غض النظر عن المستقبل وقدوم الموت ويوم الدينونة.
- الاتكال على الذات وقوة الجسد وحذاقة العقل.
- الاتكال على الأباطيل كالسحر والدين الفاسد.
- الاتكال على الكفر وإنكار الله والأبدية وعواقب الخطية.
وعقاب الاطمئنان الباطل عدم الاستعداد ليوم الدينونة كمن لا يستعد بالصيف لفصل الشتاء أو كمن يستدين ويصرف ولا يفكر بوفاء الدَين.
قد ضعفت (ع ١٣)
أسباب الضعف
- كثرة المشورات. فإن الطريق المستقيم واحد ولكن طرق الضلال كثيرة. إذا استدعينا طبيباً حقيقياً يصف لنا أحسن دواء فإذا تركناه ونظرنا إلى الدجالين نرى أن لكل منهم رأي يختلف عن رأي الآخر.
- كثرة اللذات الجسدية. فإن الجسد يضعف من الأكل والشرب بشراهة أكثر من الأكل القليل. ومن يقضي كل وقته بالتسلية تصير له التسلية شغلاً متعباً أكثر من الشغل الجائز.
- كثرة الراحة. كما يضعف الجسد من عدم العمل تضعف النفس أيضاً من عدم المحبة وعدم الخدمة.
السابق |
التالي |