سفر إشعياء | 46 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلأَرْبَعُون
مضمونه:
المقابلة بين الرب وآلهة بابل فإن الآلهة مغلوبة ومحمولة إلى السبي وأما الرب فهو حامل شعبه منذ البدء وإلى النهاية وأظهر علمه السابق بنبوءاته في كورش وسيظهر بره أي صدقه بخلاص شعبه.
١، ٢ «١ قَدْ جَثَا بِيلُ، ٱنْحَنَى نَبُو. صَارَتْ تَمَاثِيلُهُمَا عَلَى ٱلْحَيَوَانَاتِ وَٱلْبَهَائِمِ. مَحْمُولاَتُكُمْ مُحَمَّلَةٌ حِمْلاً لِلْمُعْيِي. ٢ قَدِ ٱنْحَنَتْ. جَثَتْ مَعاً. لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُنَجِّيَ ٱلْحِمْلَ، وَهِيَ نَفْسُهَا قَدْ مَضَتْ فِي ٱلسَّبْيِ».
ص ٢١: ٩ وإرميا ٥٠: ٢ و٥١: ٤٤ إرميا ١٠: ٥ إرميا ٤٨: ٧
بِيلُ اسم إله من آلهة بابل مثل بعل عند الكنعانيين وهو رمز إلى الشمس. والاسم «بيل» دخل في أسماء كثيرة كبيلشاصر.
نَبُو إله آخر من آلهة بابل وهو إله العلوم. والاسم «نبو» يقرب من كلمة نبي وجاء في بعض الأسماء المركبة كنبوخذنصر. وهذان الإلهان هما أعظم آلهة بابل وأشهرها وكان لهما هياكل عظيمة ولا سيما هيكل بيل وهو ثمانية أبراج برج فوق برج وكان البرج الأعلى معبد وفي داخله تمثال من ذهب خالص وآنية هذا المعبد كالموائد والكراسي والمذابح كلها من ذهب. والنبي يصور فتوح بابل عن يد كورش وخلفائه غير أن سلب الهياكل لم يكن من كورش الذي سمى نفسه خادماً لبيل وطلب منه النجاح والعمر الطويل. ولكن العالم فهم عند سقوط بابل أن آلهتها ليست قادرة على حفظها فابتدأ اعتبارها يقل من أيام كورش وصاعداً وتم سقوط آلهة بابل في زمان زركسيس الملك الذي دخل معبد بيل وقتل الكاهن وأخذ التمثال الذهبي.
جَثَا بِيلُ كان يجثو الناس له ولكنهم سينزلونه عن كرسيه ويُخفضون رأسه حتى يخرج من الباب وهو لا يقدر أن يخلّص نفسه ولا أحداً من الذين كانوا يسجدون له ويتكلون عليه.
تَمَاثِيلُهُمَا ميّز النبي بين الإله وبين تمثاله لأن عبدة الأصنام في يومه ربما اعتذروا بقولهم أن سجودهم ليس للخشب أو المعدن بل للروح الحال فيه أو المرموز إليه فيقول النبي «هي نفسها قد مضت إلى السبي» أي الآلهة لا تماثيلها فقط.
مَحْمُولاَتُكُمْ كان الناس يحملون هذه التماثيل على أكتافهم في احتفالاتهم وأما هنا فقيل أنها حُملت على البهائم وصارت قيمتها قيمة معدنها فقط.
حِمْلاً لِلْمُعْيِي أي الحمل ثقيل والسفر طويل.
٣ – ٥ «٣ اِسْمَعُوا لِي يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ وَكُلَّ بَقِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، ٱلْمُحَمَّلِينَ عَلَيَّ مِنَ ٱلْبَطْنِ، ٱلْمَحْمُولِينَ مِنَ ٱلرَّحِمِ. ٤ وَإِلَى ٱلشَّيْخُوخَةِ أَنَا هُوَ، وَإِلَى ٱلشَّيْبَةِ أَنَا أَحْمِلُ. قَدْ فَعَلْتُ، وَأَنَا أَرْفَعُ، وَأَنَا أَحْمِلُ وَأُنَجِّي. ٥ بِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي وَتُسَوُّونَنِي وَتُمَثِّلُونَنِي لِنَتَشَابَهَ؟».
خروج ١٩: ٤ وتثنية ١: ٣١ و٣٢: ١١ ومزمور ٧١: ٦ وص ٦٣: ٩ مزمور ١٠٢: ٢٧ وملاخي ٣: ٦ مزمور ٤٨: ١٤ و٧١: ١٨ ص ٤٠: ١٨ و٢٥
كُلَّ بَقِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الباقون في بابل الذين خلصوا من الحروب والمصائب.
ٱلْمُحَمَّلِينَ عَلَيَّ الوثنيون يحملون آلهتهم وأما الرب فهو يحمل إسرائيل.
وَإِلَى ٱلشَّيْخُوخَةِ الأم تحمل ابنها مدة الطفولية فقط وأما الرب فيحمل شعبه إلى الشيخوخة أي إلى الأبد «ٱلإِلٰهُ ٱلْقَدِيمُ مَلْجَأٌ، وَٱلأَذْرُعُ ٱلأَبَدِيَّةُ مِنْ تَحْتُ» (تثنية ٣٣: ٢٧). وللمتقدمين في الأيام هذه الفائدة أن الرب يحملهم حين يحتاجون إلى من يحملهم لسبب ضعفهم الجسدي والعقلي وقلة أصدقائهم وعجزهم عن الأعمال والأفراح العادية فيكونون عرضة للخوف واليأس. فيحملهم الرب كما تحمل الأم طفلها بالمحبة والحنوّ.
والرب يحمل شعبه بما يأتي:
- مواعيده الثابتة ووصاياه الصادقة كما تحملنا الأرض التي لا تتزعزع تحت أرجلنا.
- غفران خطايانا إذ حملها المسيح على الصليب.
- جعل الرجاء فينا والنشاط في وقت الضعف واليأس.
- احتماله إيانا بمحبته العظيمة لأنه طويل الروح وكثير الرحمة ولا يجازينا حسب أعمالنا.
يظن البعض أن الدين حمل ثقيل والواقع عكس ذلك فإن الدين الحق ليس حملاً بل هو يحمل جميع الذين يتمسكون به في كل حين وإلى الأبد. فيجدر بالإنسان أن لا يسأل أيقدر أن يحتمل الدين بل أن يحسب أنه لا يقدر أن يستغني عنه. وأما المال فيجب على كل من يطلبه أن يسأل هل يقدر أن يحتمل تجاربه وإلا فلا يطلبه.
قَدْ فَعَلْتُ، وَأَنَا أَرْفَعُ الرب خلقنا ووضعنا في هذا العالم وهو عيّن لكل إنسان نصيبه ورتب لكل واحد ظروفه فلا يمكن الإله العادل أن يتركه بل يعطي كل إنسان النعمة ليعمل الواجبات المطلوبة منه والقوة ليحتمل المشقات المعيّنة له.
٦ «اَلَّذِينَ يُفْرِغُونَ ٱلذَّهَبَ مِنَ ٱلْكِيسِ، وَٱلْفِضَّةَ بِٱلْمِيزَانِ يَزِنُونَ. يَسْتَأْجِرُونَ صَائِغاً لِيَصْنَعَهَا إِلٰهاً. يَخُرُّونَ وَيَسْجُدُونَ!».
ص ٤٠: ١٩ و٤١: ٦ و٤٤: ١٢ و١٩ وإرميا ١٠: ٣
لا يوجد من يشبه الرب. والنبي كرر كلامه المذكور سابقاً بخصوص بُطل الأصنام أي أنها صنعة أيدي الناس ولا تعمل شيئاً ولا تتحرك.
يُفْرِغُونَ ٱلذَّهَبَ ينفق الوثنيون مبالغ من المال على أصنامهم فيجب أن يخجل المسيحيون من قلة تقدماتهم للرب بالنسبة إلى تقدمات الوثنيين إلى أصنامهم.
٧ «يَرْفَعُونَهُ عَلَى ٱلْكَتِفِ. يَحْمِلُونَهُ وَيَضَعُونَهُ فِي مَكَانِهِ لِيَقِفَ. مِنْ مَوْضِعِهِ لاَ يَبْرَحُ. يَزْعَقُ أَحَدٌ إِلَيْهِ فَلاَ يُجِيبُ. مِنْ شِدَّتِهِ لاَ يُخَلِّصُهُ».
إرميا ١٠: ٥ ص ٤٥: ٢٠
يَرْفَعُونَهُ عَلَى ٱلْكَتِفِ أي من المعمل إلى هيكله.
يَزْعَقُ أَحَدٌ إِلَيْهِ يعلّي صوته ولكن الصنم لا يسمع ولا يجيب ولا يخلّص.
٨ «اُذْكُرُوا هٰذَا وَكُونُوا رِجَالاً. رَدِّدُوهُ فِي قُلُوبِكُمْ أَيُّهَا ٱلْعُصَاةُ».
ص ٤٤: ١٩ و٤٧: ٧
وَكُونُوا رِجَالاً من صفات الرجال ما يأتي:
- الاستماع. فكان أهل بيرية (أعمال ١٧: ١١) رجالاً لأنهم قبلوا الكلمة بكل نشاط فاحصين الكتب.
- الثبات. أما الأولاد فيتغيرون كل ساعة ولأسباب زهيدة يفرحون أو يبكون.
- الشجاعة. وهي تظهر في أوقات الضيق والخوف.
- القوة. وليس فقط القوة الجسدية بل القوة في احتمال المشقات وانتظار وقت الفرج.
- الإيمان. فإن الأولاد ينظرون إلى الأمور الحاضرة فقط وأما الرجال فينظرون إلى المستقبل وأمور لا تُرى. واحتاج بنو إسرائيل إلى هذا الإنذار في مدة السبي.
أَيُّهَا ٱلْعُصَاةُ العصاة الذين يختارون الخطية ويستغنون عن خدمة الله. وليست خدمة الله إلا السلوك بموجب العقل وبموجب الضمير المتنور بواسطة كتاب الله وكل من يعتمد على أن يسلك هذا السلوك دائماً وبكل الظروف ومهما تعب أو خسر فهو المطيع للرب ومن يسلك بخلاف ذلك فهو العاصي على الرب.
٩ «اُذْكُرُوا ٱلأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ لأَنِّي أَنَا ٱللّٰهُ وَلَيْسَ آخَرُ. ٱلإِلٰهُ وَلَيْسَ مِثْلِي».
تثنية ٣٢: ٧ ص ٤٥: ٥ و٢١
ٱلأَوَّلِيَّاتِ هي النبوءات التي تكلم بها رجال الله منذ القديم وكانت النبوءات بما لم يُفعل ولا يُظن أنه يُفعل والرب يذكرهم على نوع خاص ما أخبرهم به من الخير أي مواعيده.
١٠ «مُخْبِرٌ مُنْذُ ٱلْبَدْءِ بِٱلأَخِيرِ وَمُنْذُ ٱلْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ، قَائِلاً: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي».
ص ٤٥: ٢١ مزمور ٣٣: ١١ وأمثال ١٩: ٢١ و٢١: ٣٠ وأعمال ٥: ٣٩ وعبرانيين ٦: ١٧
رَأْيِي يَقُومُ رأي الرب بدعوة كورش. ورأي الرب يتضمن:
(١) خلاص شعبه من جميع أعدائهم ومن كل خطية وامتدادهم في كل المسكونة.
(٢) خلاص المؤمنين أفراداً لأنه لم يخلق أحداً عبثاً بل قصد لكل واحد عملاً يمجد الله به فلا بد من قيام رأي الرب وإن كنا ضعفاء بأنفسنا وحولنا تجارب وأمامنا صعوبات. غير أن كلاً من المؤمنين حر في كل ما يعمله (فيلبي ٢: ١٢ و١٣). وعلينا أن نفرح بقيام رأي الرب لأنه أحسن رأي لكل بني البشر.
١١ «دَاعٍ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ ٱلْكَاسِرَ. مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ رَجُلَ مَشُورَتِي. قَدْ تَكَلَّمْتُ فَأُجْرِيهِ. قَضَيْتُ فَأَفْعَلُهُ».
ص ٤١: ٢ و٢٥ ص ٤٤: ٢٨ و٤٥: ١٣ عدد ٢٣: ١٩
ٱلْكَاسِرَ أو الغراب وهو طائر من الجوارح قيل أنه ملك الطيور. وكورش سُمي بهذا الاسم لشراسته وشدته وسرعته في الحروب.
١٢، ١٣ «١٢ اِسْمَعُوا لِي يَا أَشِدَّاءَ ٱلْقُلُوبِ ٱلْبَعِيدِينَ عَنِ ٱلْبِرِّ. ١٣ قَدْ قَرَّبْتُ بِرِّي. لاَ يَبْعُدُ وَخَلاَصِي لاَ يَتَأَخَّرُ. وَأَجْعَلُ فِي صِهْيَوْنَ خَلاَصاً. لإِسْرَائِيلَ جَلاَلِي».
مزمور ٧٦: ٥ رومية ١٠: ٣ ص ٥١: ٥ ورومية ١: ١٧ و٣: ٢١ حبقوق ٢: ٣ ص ٦٢: ١١
قَدْ قَرَّبْتُ بِرِّي كلمة «بر» هنا بمعنى الخلاص أي عندما يخلّص الرب شعبه يظهر صدقه في مواعيده وعدله في مجازاة الأشرار. والبعيدون عن البر هم بعيدون عن الخلاص أيضاً وذلك لعصيانهم ورفضهم الخلاص بإرادتهم.
لإِسْرَائِيلَ جَلاَلِي الرب يجعل جلاله لإسرائيل أي أنه يُظهر مجده عندما يخلّص شعبه ويُظهر جلاله فيهم على الدوام والرب يتمجد في كنيسته.
- لأنها شاهدة لعمل الفداء وهو عمل الرب لأجلها.
- لأنها شاهدة لفعل الروح القدس الذي يجدد القلوب ويحوّل الأشرار إلى قديسين وهو عمل الله فيها.
- لأنها شاهدة لفعلية الصلاة والتبشير بكلمة الله أي عمل الله بواسطتها.
فوائد للوعاظ
حاملون ومحمولون (ع ١)
- حاملون الأصنام. يحب الناس أن يُحملوا على الخيل والعربات ومراكب البحر والمراكب الهوائية ولا يحبون أن يَحمِلوا. وكثيرون يطلبون أصدقاء لكي يُحملوا أي يصير لهم مساعدة منهم وهكذا يطلبون المال والوظائف لكي يتكلوا عليها ويستريحوا بواسطتها ولكنهم يجدون عكس ما ينتظرون فإن الأصدقاء يثقلون ولا يساعدون والمال والوظائف لا تريح أصحابها بل تجعل فيهم الكدر والهمّ والتعب والحسد أي هذه الخيرات هي أصنام محملة حملاً للمعيي.
- محمولون من الرب. الرب أقوى منا فيقدر أن يحملنا والرب يحبنا فيريد أن يحملنا كما تحب الأم أن تحمل ابنها والرب لا يتغير بل يحملنا من طفوليتنا إلى شيخوختنا. والرب يحمل نفوسنا وليس فقط في الأمور الجسدية لأنه يريحنا من حمل الخطية ومن حمل الهموم ويخلصنا من اليأس والدموع والهلاك ويجعل فينا الرجاء.
- متمثلون بالرب. الرب يحملنا ويقوينا ويعزينا ويحبنا لنحمل نحن الضعفاء ونعزي الحزانى ونحب جميع الناس كما أحبنا ونساعدهم كما ساعدنا.
السابق |
التالي |