إشعياء

سفر إشعياء | 45 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلأَرْبَعُون

مضمونه:

انتصار كورش وتوبيخ إسرائيل على تذمرهم وتجديد الأمم وخضوعهم للرب وامتداد الخلاص إلى أقاصي الأرض.

١ «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ ٱلَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَماً، وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ. لأَفْتَحَ أَمَامَهُ ٱلْمِصْرَاعَيْنِ، وَٱلأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ».

ص ٤١: ١٣ ص ٤١: ٢ ودانيال ٥: ٣٠

لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ كانت المسحة في القديم علامة التعيين لإحدى الوظائف المقدسة فكانت للأنبياء والكهنة والملوك. وأما كورش فلقب بمسيح الرب لأن الرب اختاره وعيّنه لخدمة خاصة لشعب إسرائيل. ولم يلقب من ملوك الأمم الذي خاطبه الرب بلا واسطة. فإن الرب كلم أبيمالك وفرعون ونبوخذناصر وغيرهم من ملوك الأمم بأحلام أو بواسطة أنبياء. ويُظن أن دانيال النبي في شيخوخته في بابل دل كورش على هذه النبوءة وأشار إلى اسمه المكتوب فيها أوامر الرب ومواعيده له. ولعل هذه النبوءات أنهضت غيرته فنادى إطاعة لها لليهود بالرجوع إلى أرضهم. ولعل الرب ميّز كورش فخاطبه هكذا لثلاثة أسباب:

  1. أن يعرف أنه الرب.
  2. أن يخدم إسرائيل.
  3. أن يعلم جميع الأمم أن ليس إله غير الرب.

أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ الرب عضده وحفظه وأرشده فكان نجاحه من الرب لا من نفسه ولا من أصنامه.

وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ حل المنطقة علامة الضعف والكسر. قيل في بيلشاصر ملك بابل أنه انحلت خرز حقويه لما نظر الأصابع تكتب على الحائط.

ٱلْمِصْرَاعَيْنِ وُجد مصوراً في الآثار الأشورية مصراعان كبيران لكل باب.

وَٱلأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ كانت أبواب بابل قد تُركت مفتوحة لما دخل كورش حتى وكانت أبواب قصر الملك كذلك.

٢ «أَنَا أَسِيرُ قُدَّامَكَ وَٱلْهِضَابَ أُمَهِّدُ. أُكَسِّرُ مِصْرَاعَيِ ٱلنُّحَاسِ، وَمَغَالِيقَ ٱلْحَدِيدِ أَقْصِفُ».

ص ٤٠: ٤ مزمور ١٠٧: ١٦

وَٱلْهِضَابَ أُمَهِّدُ هضاب الصعوبات كعلو الأسوار وقوتها وقوة أبوابها. فالرب سهل الطريق لكورش فأخذ بابل بقليل من التعب والخسارة.

مِصْرَاعَيِ ٱلنُّحَاسِ تذكر التواريخ أن أبواب بابل المئة كانت من النحاس وربما كانت من خشب وملبّسه بنحاس ولم يُذكر أن كورش كسرها وربما المعنى هو أن الرب فتحها وليس أنه كسرها حقيقة.

وَمَغَالِيقَ ٱلْحَدِيدِ ذكر هيرودتس استعمال الحديد عند البابليين فكان الحديد أقوى من النحاس للمغاليق.

٣ «وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ ٱلظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ ٱلْمَخَابِئِ، لِتَعْرِفَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي يَدْعُوكَ بِٱسْمِكَ، إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ».

ص ٤١: ٢٢ خروج ٢٣: ١٢ و١٧ وص ٤٣: ١ و٤٩: ١

ذَخَائِرَ ٱلظُّلْمَةِ ذخائر مخفية وربما كانت مطمورة في الأرض أو كانت في خزائن أصحابها. قيل أن كورش أخذ من كريسس قيمة مئة ربوة من الليرات.

لِتَعْرِفَ عرف كورش النبوءات وبعد تتميمها عرف أن الرب أعطاه الممالك. ولا نستنتج من هذا القول أن كورش ترك عبادة الأصنام وصار عابداً للرب وحده. وفي الكتابات القديمة نسب كورش نصرته إلى الإله مردوخ.

٤، ٥ «٤ لأَجْلِ عَبْدِي يَعْقُوبَ وَإِسْرَائِيلَ مُخْتَارِي دَعَوْتُكَ بِٱسْمِكَ. لَقَّبْتُكَ وَأَنْتَ لَسْتَ تَعْرِفُنِي. ٥ أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلٰهَ سِوَايَ. نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي».

ص ٤٤: ١ و١تسالونيكي ٤: ٥ تثنية ٤: ٣٥ و٣٩ و٣٢: ٣٩ وص ٤٤: ٨ و٤٦: ٩ ع ١٤ و١٨ و٢١ و٢٢ مزمور ١٨: ٣٢ و٣٩

لأَجْلِ عَبْدِي يَعْقُوبَ أُعطيت النصرة والذخائر لكورش لا لتكون لنفسه بل ليخدم الله بها بخدمته لإسرائيل مختار الرب. وكل عطايا الله للناس ليخدموا بها لا ليفتخروا ويتمجدوا بها ومنفعة الجمع أهم من منفعة الواحد.

إِسْرَائِيلَ مُخْتَارِي كان إسرائيل مختار الله في العهد القديم كالكنيسة في العهد الجديد واختاره الله أولاً ليتسلم الحق ويشهد به ثم أن يسلمه لجميع الأمم.

لَقَّبْتُكَ براعي الرب ومسيحه.

وَأَنْتَ لَسْتَ تَعْرِفُنِي هذه الجملة تفيد أولاً أن الرب دعا كورش ولقبه قبلما وُلد. وثانياً أنه دعاه وعيّنه لخدمة شعب إسرائيل وهو عابد الأصنام لا مؤمن بالرب كما يجب.

نَطَّقْتُكَ حلّ أحقاء الملوك (ع ١) ونطّق كورش أي الرب يعطي القوة لواحد ويمنعها عن آخر كما يشاء.

٦ «لِيَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ».

مزمور ١٠٢: ١٥ وص ٣٧: ٢٠ وملاخي ١: ١١

لِيَعْلَمُوا أي يعرفوا الرب أولاً من هذه النبوة العجيبة التي تذكر اسم كورش وأموره بالتدقيق قبلما وُلد وثانياً من سقوط بابل ورجوع شعب الله إلى بلادهم.

مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا لا في زمان كورش فإنه أذن لليهود بالرجوع إلى أرضهم فقامت عبادة الرب ثانية ودامت حتى أتى المسيح وهو مسيح الرب الحقيقي ومخلّص العالم كله من المشرق إلى المغرب.

٧ «مُصَوِّرُ ٱلنُّورِ وَخَالِقُ ٱلظُّلْمَةِ، صَانِعُ ٱلسَّلاَمِ وَخَالِقُ ٱلشَّرِّ. أَنَا ٱلرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هٰذِهِ».

عاموس ٣: ٦

وَخَالِقُ ٱلشَّرِّ اعتقد الوثنيون وجود آلهة كثيرة بعضها مصدر الخير وبعضها مصدر الشر والمعنى هنا أنه لا يوجد إلا الإله الواحد فالخير منه والشر أيضاً أي لا يحدث شيء من البلايا والمصائب إلا بعلمه وأذنه وأحسن تعزية لشعب الله إيمانهم بأن كل شيء منه وهو إله محبة وكل ما يصيبهم من المصائب فهو للخير ولخلاصهم. غير أن الشر بمعنى الخطية فهو من الإنسان لا من الله وليس الشيطان وجنوده آلهة بل هم ملائكة لم يحفظوا رئاستهم فلا يقدرون أن يعملوا شيئاً إلا بعلم الله وأذنه.

٨ «اُقْطُرِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ، وَلْيُنْزِلِ ٱلْجَوُّ بِرّاً. لِتَنْفَتِحِ ٱلأَرْضُ فَيُثْمِرَ ٱلْخَلاَصُ، وَلْتُنْبِتْ بِرّاً مَعاً. أَنَا ٱلرَّبَّ قَدْ خَلَقْتُهُ».

مزمور ٧٢: ٣ و٨٥: ١١

اُقْطُرِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ… لِتَنْفَتِحِ ٱلأَرْضُ «البر» هنا مشبّه بالمطر النازل من فوق على الأرض المعطشة بعد فصل الصيف فيبرد الهواء وينتعش الناس والبهائم وتنبت الأعشاب والأزهار وهكذا عطش اليهود الأتقياء إلى الله مدة السبي في بابل (مزمور ٤٢ «عطشت نفسي إلى الله» ). ينزل البر من الله وينبت البر من الأرض أيضاً فإن الله يحيي في شعبه قلباً جديداً فيقومون لحياة جديدة. ويُطلب من الأرض أن تنفتح ومن الإنسان أن يقبل نعمة الله.

وَلْتُنْبِتْ بِرّاً مَعاً أي الأرض تُنبت براً فيكون الخلاص والبر معاً لأن الخلاص هو من الخطية والبر هو نتيجة الخلاص الواجبة.

٩ «وَيْلٌ لِمَنْ يُخَاصِمُ جَابِلَهُ. خَزَفٌ بَيْنَ أَخْزَافِ ٱلأَرْضِ. هَلْ يَقُولُ ٱلطِّينُ لِجَابِلِهِ: مَاذَا تَصْنَعُ؟ أَوْ يَقُولُ: عَمَلُكَ لَيْسَ لَهُ يَدَانِ؟».

ص ٦٤: ٨ ص ٢٩: ١٦ وإرميا ١٨: ٦ ورومية ٩: ٢٠

هذا القول لإسرائيل فلا يجوز أن يتذمروا على الرب بقولهم لماذا تأخر خلاصهم ولا بقولهم لماذا خلصهم الرب بواسطة كورش لا بواسطة ملك منهم.

خَزَفٌ بَيْنَ أَخْزَافِ ٱلأَرْضِ الإنسان كخزف:

  1. لأن قيمته قليلة بذاته.
  2. لأنه سهل الانكسار.
  3. لأنه عمل يدي غيره. فلا يليق به أن يحكم على الرب. والعظماء كملوك أشور وبابل ومصر جميعهم خزف وإسرائيل وإن كان مختار الرب هو خزف أيضاً.

١٠ «وَيْلٌ لِلَّذِي يَقُولُ لأَبِيهِ: مَاذَا تَلِدُ؟ وَلِلْمَرْأَةِ: مَاذَا تَلِدِينَ؟».

لا يليق بالإنسان أن يلوم والديه بقوله إن ضعفه وفقره منهما لأن حياته وتربيته منهما. وبالأولى جداً لا يليق به أن يلوم خالقه. فعلينا أن نقبل بالشكر كل ما منحنا الله من الخيرات وبالصبر كل ما أدبنا به وبالإيمان كل ما لا نقدر أن نفهمه.

وأما الإنسان فيختلف عن الطين:

  1. لأنه حر فيختار لنفسه الخير أو الشر وكل إنسان قابل الإصلاح والنمو مهما كان دنيئاً أو فقيراً من أصله.
  2. لأن الرب لا يغلط كما يغلط الفخاري بل يعمل كل شيء بغاية الحكمة والمحبة وهو قدوس إسرائيل.

١١ «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ وَجَابِلُهُ: اِسْأَلُونِي عَنِ ٱلآتِيَاتِ. مِنْ جِهَةِ بَنِيَّ وَمِنْ جِهَةِ عَمَلِ يَدِي أَوْصُونِي».

إرميا ٣١: ٩ ص ٢٩: ٢٣

إسرائيل خزف وهم بنون أيضاً. ليس لهم أن يعترضوا على الرب أو يتذمروا ولكنهم يقدرون أن يسألوه بالتواضع والاحترام كبنين محبوبين.

اِسْأَلُونِي عَنِ ٱلآتِيَاتِ نسأل الرب لأنه لا يعرف الآتيات سواه ومن يسأل غيره عن الآتيات ينفي الإله الحق.

أَوْصُونِي لا يليق بنا أن نوصي الرب بشيء غير أن الله سمح لنا أن نصلي له ووعدنا بأنه يستجيب لنا فنوصيه بصلواتنا ونطلب منه تتميم مشيئته وإتيان ملكوته.

١٢ «أَنَا صَنَعْتُ ٱلأَرْضَ وَخَلَقْتُ ٱلإِنْسَانَ عَلَيْهَا. يَدَايَ أَنَا نَشَرَتَا ٱلسَّمَاوَاتِ، وَكُلَّ جُنْدِهَا أَنَا أَمَرْتُ».

ص ٤٢: ٥ وإرميا ٢٧: ٥ تكوين ١: ٢٦ و٢٧ تكوين ٢: ١

الذي خلق السموات والأرض يقدر أن يخلّص شعبه وله حق أن يخلّصهم كما يريد وعن يد من يختاره وإن كان ذلك بخلاف انتظار اليهود.

جُنْدِهَا النجوم التي يدور كل واحد منها في مداره كما رتب له الرب أو الملائكة وهم خدامه العاملون مرضاته.

١٣ «أَنَا قَدْ أَنْهَضْتُهُ بِٱلنَّصْرِ وَكُلَّ طُرُقِهِ أُسَهِّلُ. هُوَ يَبْنِي مَدِينَتِي وَيُطْلِقُ سَبْيِي، لاَ بِثَمَنٍ وَلاَ بِهَدِيَّةٍ قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ».

ص ٤١: ٢ و٢أيام ٣٦: ٢٢ و٢٣ وعزرا ١: ١ الخ وص ٤٤: ٢٨ ص ٥٢: ٣ ورومية ٣: ١٤

قَدْ أَنْهَضْتُهُ أي كورش وهو بنى أورشليم أي بُنيت بأمره (عزرا ١: ١ – ٤).

لاَ بِثَمَنٍ لم يأخذ كورش شيئاً من اليهود بل أعطاهم آنية بيت الرب التي كان نبوخذناصر جعلها في بيت آلهته وأمر أهل مملكته أن ينجدوا اليهود بالفضة والذهب وكل ما يحتاجون إليه للسفر ولبيت الرب. وكان لكورش غاية دينية بإطلاق شعب الله لأن الرب نبّه روحه وله غاية سياسية أيضاً لأن أورشليم كانت بين مملكته وبلاد مصر فاستحسن إقامة أسوارها وإعانة شعبه.

١٤ «هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: تَعَبُ مِصْرَ وَتِجَارَةُ كُوشٍ وَٱلسَّبَئِيُّونَ ذَوُو ٱلْقَامَةِ إِلَيْكِ يَعْبُرُونَ وَلَكِ يَكُونُونَ. خَلْفَكِ يَمْشُونَ. بِٱلْقُيُودِ يَمُرُّونَ وَلَكِ يَسْجُدُونَ. إِلَيْكِ يَتَضَرَّعُونَ قَائِلِينَ: فِيكِ وَحْدَكِ ٱللّٰهُ وَلَيْسَ آخَرُ. لَيْسَ إِلٰهٌ».

مزمور ٦٨: ٣١ و٧٢: ١٠ و١١ وص ٤٩: ٢٣ و٦٠: ٩ و١٠ و١٤ و١٦ وزكريا ٨: ٢٢ و٢٣ مزمور ١٤٩: ٨ و١كورنثوس ١٤: ٢٥ ع ٥

يذكر النبي ثلاث شعوب بالنيابة عن كل الأمم وانضمامهم إلى الكنيسة. وأورشليم كناية عن الكنيسة المسيحية وهي مشبهة بملك ظافر يأخذ لنفسه ثروة أعدائه ويقود الأسرى وهكذا سيقف الناس أنفسهم وأموالهم لخدمة الكنيسة.

تَعَبُ مِصْرَ اشتهر المصريون بالفلاحة والكوشيون والسبئيون بالتجارة.

ذَوُو ٱلْقَامَةِ (انظر ص ١٨: ٢).

بِٱلْقُيُودِ لا يشير القول إلى الخضوع بواسطة القوة الجسدية بل إلى تسلط الحق على عقول الناس وضمائرهم.

وَلَكِ يَسْجُدُونَ ليس السجود للكنيسة بل للرب الساكن فيها كما كان اليهود المتغربون يصلون نحو أورشليم لأنها المكان الذي أظهر الرب نفسه فيه. وأما تسلط الكنيسة فليس برسومها ولا بنظامها ولا بتسلسلها من الرسل بل بمقدار حياتها الروحية واتحادها بالرب رئيسها وإذا ابتعدت عن الرب لم يبق لها تسلط ولا اعتبار.

١٥ «حَقّاً أَنْتَ إِلٰهٌ مُحْتَجِبٌ يَا إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ ٱلْمُخَلِّصَ».

مزمور ٤٤: ٢٤ وص ٨: ١٧ و٥٧: ١٧

إِلٰهٌ مُحْتَجِبٌ هذا قول النبي. وكان الرب إلهاً محتجباً:

  1. في أمر السبي فإنه ترك شعبه حسب الظاهر وسلّم مدينته وهيكله للوثنيين.
  2. في طول السبي ولا شك في أنه قال كثيرون من الأتقياء لماذا نسينا الرب.
  3. في طريق الخلاص فإنه كان بواسطة ملك وثني.
  4. في مقاصده من جهة الأمم لأن اليهود لم يفهموا أن الخلاص لجميع الشعوب. وكل من يتأمل في أعمال الله يقول «ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء». والأمر الذي نفهمه والذي يثبت إيماننا في ما لا نفهمه هو أن الله هو مخلّص إسرائيل وفهم بعضهم أن هذا القول هو قول المذكورين في (ع ١٤) لا قول النبي فيكون المعنى أنهم لم يعرفوا إله إسرائيل سابقاً بل كان محتجباً عنهم ولكنهم عند رجوع اليهود وإقامة مملكة المسيح يعترفون بأنه إله ومخلّص.

١٦ «قَدْ خَزُوا وَخَجِلُوا كُلُّهُمْ. مَضُوا بِٱلْخَجَلِ جَمِيعاً ٱلصَّانِعُونَ ٱلتَّمَاثِيلَ».

ص ٤٤: ١١

قَدْ خَزُوا الأمم المذكورون في (ع ١٤) ومعهم جميع الصانعي التماثيل خزيهم خلاص إسرائيل وارتفاع الرب على تماثيلهم.

١٧ «أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَيَخْلُصُ بِٱلرَّبِّ خَلاَصاً أَبَدِيّاً. لاَ تَخْزَوْنَ وَلاَ تَخْجَلُونَ إِلَى دُهُورِ ٱلأَبَدِ».

ص ٢٦: ٤ وع ٢٥ ورومية ١١: ٢٦

فَيَخْلُصُ بِٱلرَّبِّ ليس بكورش ولا بقوة أنفسهم ولا من الرب كأنه بعيد عنهم بل بالرب أي بوجوده بينهم أو اتحاده بهم. قال المسيح لتلاميذه «أَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ» (يوحنا ١٤: ٢٠).

خَلاَصاً أَبَدِيّاً لأنه ليس من سبي بابل فقط بل من كل الضيقات ومن الخطية وعواقبها. وإسرائيل الحقيقي أي المؤمنون بالمسيح لا يسقطون كما قال المسيح (يوحنا ١٠: ٢٨) «وَأَنَا أُعْطِيهَا (أي الخراف) حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ». نرى كثيرين يندمون على أعمالهم ولكننا لم نر إنساناً ندم على إيمانه بالمسيح ولا خسارته لأجله ولا يخزون لأن الله لا يتغير بل سيوفي جميع ما وعدهم به.

١٨ «لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: خَالِقُ ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ ٱللّٰهُ. مُصَوِّرُ ٱلأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلاً. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ».

ص ٤٢: ٥ ع ٥

لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ الأرجح أن كلام الرب يبتدئ من «أنا الرب وليس آخر» والنبي في هذه الآية يثبت رجاء إسرائيل بأنهم يرجعون إلى أرضهم فيقولون إن الرب لم يخلق الأرض باطلاً أي الله خلق الأرض لأجل الإنسان فلا يليق بالخالق أن الأرض ومنها أرض اليهود تبقى بلا سكان كما أنه لا يليق بباني البيت أن بيته لا يُسكن أبداً. واليهود يستنتجون من هذا القول أن الأرض ستُسكن بعد القيامة (٢بطرس ٣: ١٣).

١٩ «لَمْ أَتَكَلَّمْ بِٱلْخِفَاءِ فِي مَكَانٍ مِنَ ٱلأَرْضِ مُظْلِمٍ. لَمْ أَقُلْ لِنَسْلِ يَعْقُوبَ: بَاطِلاً ٱطْلُبُونِي. أَنَا ٱلرَّبُّ مُتَكَلِّمٌ بِٱلصِّدْقِ مُخْبِرٌ بِٱلاسْتِقَامَةِ».

تثنية ٣٠: ١١ وص ٤٨: ١٦ مزمور ١٩: ٨ و١١٩: ١٣٧ و١٣٨

لَمْ أَتَكَلَّمْ بِٱلْخِفَاءِ بخلاف عادة كهنة الوثنيين فإن كل أعمالهم كانت بالغش وكان كلامهم من أماكن مظلمة وبألفاظ مبهمة وأما كلام الرب فكان بواسطة أنبيائه الذين تكلموا علانية بألفاظ واضحة وكتبوا كلامهم ليشهد لصدقهم بعد تتميم نبوءاتهم. والمسيح عمل أعماله علانية وتكلم بكلام مفهوم عند الجميع. ونفهم أيضاً من «أرض مظلمة» برية بلا أثمار وبلا طريق والرب لم يكلم شعبه من أرض مظلمة بل أنعم عليهم بخيرات كثيرة ومتنوعة وكان منه الرجاء والإرشاد (إرميا ٢: ٣١) «هَلْ صِرْتُ بَرِّيَّةً لإِسْرَائِيلَ أَوْ أَرْضَ ظَلاَمٍ دَامِسٍ». قيل في (ع ١٥) «أنت إله محتجب» وهنا «لم أتكلم بالخفاء» أي كلام الله في واجبات الإنسان وفي الخلاص والتوبة. والإيمان واضح جداً ومفهوم عند جميع الناس وأما قضاء الله واختياره ورحمته غير المحدودة ومحبته في المسيح ومجده الأزلي والأبدي فهذه تفوق الإدراك.

لَمْ أَقُلْ لِنَسْلِ يَعْقُوبَ نستفيد:

  1. إن الله يسمع الصلاة.
  2. إن أمر الله للناس أن يطلبوه يُعتبر كوعد منه بأنه يخلّصهم.
  3. إن نسل يعقوب هم أولاد يعقوب بالإيمان وتفسير الوعد هو قول المسيح «من يطلب يجد» (متّى ٧: ٨).

٢٠ «اِجْتَمِعُوا وَهَلُمُّوا تَقَدَّمُوا مَعاً أَيُّهَا ٱلنَّاجُونَ مِنَ ٱلأُمَمِ. لاَ يَعْلَمُ ٱلْحَامِلُونَ خَشَبَ صَنَمِهِمْ وَٱلْمُصَلُّونَ إِلَى إِلٰهٍ لاَ يُخَلِّصُ».

ص ٤٤: ١٧ و١٨ و١٩ و٤٦: ٧ و٤٨: ٧ ورومية ١: ٢٢ و٢٣

اِجْتَمِعُوا النبي يخاطب الأمم الذين نجوا من دمار الممالك فإنه كان يجب أن يكونوا قد تعلموا بالاختبار أن الأصنام لا تقدر أن تخلّص عبدتها.

لاَ يَعْلَمُ ٱلْحَامِلُونَ (ص ٤٦: ١ و٢) كانوا يحملون أصنامهم لأنها بلا حياة وبلا قوة وربما القول يشير إلى حمل الأصنام في احتفالاتهم الدينية. ولو كان لهم قليل من العقل لعلموا بطل الاتكال على الخشب.

٢١ «أَخْبِرُوا. قَدِّمُوا. وَلْيَتَشَاوَرُوا مَعاً. مَنْ أَعْلَمَ بِهٰذَا مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ، أَخْبَرَ بِهَا مُنْذُ زَمَانٍ؟ أَلَيْسَ أَنَا ٱلرَّبُّ وَلاَ إِلٰهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلٰهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سِوَايَ».

ص ٤١: ٢٢ و٤٣: ٩ و٤٤: ٧ و٤٦: ١٠ و٤٨: ١٤ ع ٥ و١٤ و١٨ وص ٤٤: ٨ و٤٦: ٩ و٤٨: ٣ الخ

أَخْبِرُوا. قَدِّمُوا (ص ٤١: ٢١) ذكر الرب مراراً في هذه النبوءة أن الإعلان بالأمور المستقبلة ولا سيما أمر كورش وحروبه هو برهان على أنه الإله الحقيقي. ولا شك في أن بيّنة تتميم النبوءات في أيامنا هي من أحسن البيّنات لصدق الديانة المسيحية.

إِلٰهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ بر الله هنا:

(١) كما في (ص ٤١: ١٠) المطابقة بين أعماله ومواعيده فإنه وعد شعبه بالخلاص فخلّصهم.

(٢) المطابقة بين عدل الله ورحمته (رومية ٣: ٢٦) «بَارّاً وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلإِيمَانِ بِيَسُوعَ».

٢٢ «اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَٱخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ لأَنِّي أَنَا ٱللّٰهُ وَلَيْسَ آخَرَ».

مزمور ٢٢: ٢٧ و٦٥: ٥

اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ طلب الرب من الأمم المغلوبين عوضاً عن التصريح بحكم صارم عليهم بهذه المحاكمة أن يقبلوا منه الخلاص. والمتكلم هنا المسيح فنستفيد.

  1. إنه يجب أن نلتفت إلى المسيح وهو المخلّص الوحيد لا إلى الأصنام ولا إلى بني البشر ولا إلى أنفسنا.
  2. إن الالتفات إلى المسيح يتضمن الشعور بالخطية والشقاوة ويتضمن أيضاً الإيمان به وتصديق مواعيده والطاعة له والاتكال عليه كما يلتفت المريض إلى الطبيب والمظلوم إلى الحاكم العادل.
  3. إن نتيجة الالتفات إلى المسيح هي غفران تام لجميع الخطايا وتجديد القلب والاتحاد به ونيل فوائد الفداء.
  4. إن هذا الالتفات أمر هيّن جداً فيمكن جميع الناس الخلاص (انظر حادثة الحيّة عدد ٢١: ٤ – ٩ ويوحنا ٣: ١٤ و١٥).
  5. إن الخلاص المنادى به هو لكل الأرض والرب هو إله كل الأرض باختلاف لغاتهم وأجناسهم (رؤيا ٧: ٩).

٢٣ «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ. خَرَجَ مِنْ فَمِي ٱلصِّدْقُ كَلِمَةٌ لاَ تَرْجِعُ: إِنَّهُ لِي تَجْثُو كُلُّ رُكْبَةٍ. يَحْلِفُ كُلُّ لِسَانٍ».

تكوين ٢٢: ١٦ وعبرانيين ٦: ١٣ رومية ١٤: ١١ وفيلبي ٢: ١٠ تكوين ٣١: ٥٣ وتثنية ٦: ١٣ ومزمور ٦٣: ١١ وص ٦٥: ١٦

أقسم الرب بذاته إذ لم يكن له أعظم يقسم به. والقسم يشير إلى أمر مهم وأمر لا يصدق بدون قسم. فمن كان يصدق أن هذا العالم المملوء من الخطية والشقاوة يصير كله للرب. اقتبس بولس الرسول من هذه النبوءة مرتين ونسبها إلى المسيح (رومية ١٤: ١١ وفيلبي ٢: ١٠) ومضمونها أن كل إنسان سيخضع للمسيح ويبايعه كملكه ويحلف له يمين الطاعة. وتتميم هذا الوعد العظيم يكون بالمستقبل وعلى كنيسة المسيح أن تنتظره وتصلي وتعمل لأجله. ولا نفهم من الكتاب المقدس أنه في الوقت المشار إليه يكون كل إنسان في العالم مؤمناً حقيقاً لأن الزوان سيبقى مع الحنطة إلى وقت الحصاد أي مجيء المسيح الثاني (متّى ١٣: ٣٠) ولكن الكل سيخضعون للمسيح البعض طوعاً والبعض كرهاً. كانت الديانة اليهودية موافقة لليهود فقط وذلك بسبب رسومها وفرائضها الجسدية كالسجود في الهيكل في أورشليم وتقديم ذبائح وقرابين عن يد الكهنة أبناء هارون ولكن هذه الفرائض الجسدية تمت وزالت في المسيح وبقيت الحقائق الروحية والأبدية التي تناسب كل إنسان في كل بلاد وفي كل جيل.

ومن هذه الحقائق ما يأتي:

  1. إنه لا يوجد غير إله واحد فقط وهو روح.
  2. إن الله أعلن إرادته في كتابه.
  3. إن الخلاص هو بواسطة الإيمان بالمسيح.
  4. إن المسيح هو رب وسيّد وعلى جميع الناس أن يطيعوه في كل شيء.

٢٤، ٢٥ «٢٤ قَالَ لِي: إِنَّمَا بِٱلرَّبِّ ٱلْبِرُّ وَٱلْقُوَّةُ. إِلَيْهِ يَأْتِي. وَيَخْزَى جَمِيعُ ٱلْمُغْتَاظِينَ عَلَيْهِ. ٢٥ بِٱلرَّبِّ يَتَبَرَّرُ وَيَفْتَخِرُ كُلُّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ».

إرميا ٢٣: ٥ و١كورنثوس ١: ٣٠ ص ٤١: ١١ ع ١٧ و١كورنثوس ١: ٣١

قَالَ لِي قال الرب للنبي.

بِٱلرَّبِّ ٱلْبِرُّ وَٱلْقُوَّةُ هذا من جهة الرب أنه صادق في كل مواعيده وقادر على وفائها. ومن جهة الإنسان أن برّه بالرب يسوع المسيح الذي حمل خطايانا ومن أجله حسبنا الله أبراراً. وقوة الإنسان أيضاً بالمسيح لأن النعمة اليومية منه وهو يشفع فينا على الدوام فلا يحتاج الإنسان إلى غير البر والقوة أي غفران الخطايا السابقة والنعمة للأعمال الحسنة.

جَمِيعُ ٱلْمُغْتَاظِينَ وهم مميزون عن نسل إسرائيل في (ع ٢٥) أولئك يخزن ويسلمون للمسيح لأنهم ليسوا قادرين على مقاومته. وأما هؤلاء فيفتخرون بغلبة الملك الذي كانوا قد اختاروه بإرادتهم. ونسل يعقوب هم جميع المؤمنين لا نسل يعقوب بالجسد فقط.

فوائد للوعاظ

ويل لمن يخاصم جابله (ع ٩)

التذمر

جهالة التذمر تقوم بما يأتي:

  1. إنه لا ينفع شيئاً لأن الله لا يتغير ولا يغير نواميس الكون لأجلنا. فيأتي المطر والقيظ والحر والبرد والصحة والنجاح بموجب قوانين رضينا أم لم نرض.
  2. إنه طلب خيرات حاضرة ومنظورة بغض النظر عن الخيرات التي هي أفضل بالمستقبل.

خطية التذمر تقوم بما يأتي:

  1. إنه كبرياء وحكم على الله كأنه لا يعرف أن يدبر الكون.
  2. إنه عدم الشكر لله على مراحمه الكثيرة ومحبته الظاهرة بالعناية والفداء.
  3. إنه محبة الذات دون محبة الله والقريب.

اسألوني… أوصوني (ع ١١)

الصلاة

نتأمل في ما يأتي:

  1. تنازل الرب. قال السيد لعبيده «أوصوني».
  2. عظمة الوعد. فإن القول «أوصوني» يفيد أنه يعطي عبيده مهما طلبوا منه.
  3. شرط العطية. الرب ينتظر السؤال من عبيده حتى يعطيهم.

لي تجثو كل ركبة (ع ٢٣)

أساس الرجاء بنصرة الإنجيل ما يأتي:

  1. ما ظهر من نجاح التبشير في كل المسكونة.
  2. مواعيد الله الصادقة.
  3. مناسبة الإنجيل لجميع الناس فإنه يبشرهم بغفران الخطايا. والجميع خطاة. ويقدم لهم نعمة كافية للحياة الروحية والثبات فيها.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى