إشعياء

سفر إشعياء | 43 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلأَرْبَعُون

مضمونه:

لم يترك الله شعبه إسرائيل. وحين يؤدبهم يكون هو معهم وبعد التأديب يزيدهم فيكونون له شهوداً ويخلصهم من بابل وهذه البركات ليست لاستحقاق فيهم بل من نعمته ولإجراء مقاصده السامية.

١ «وَٱلآنَ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ خَالِقُكَ يَا يَعْقُوبُ وَجَابِلُكَ يَا إِسْرَائِيلُ: لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِٱسْمِكَ. أَنْتَ لِي».

ع ٧ ع ٢١ وص ٤٤: ٢ و٢١ و٢٤ ص ٤٤: ٦ ص ٤٢: ٦ و٤٥: ٤

كلمة «الآن» تشير إلى علاقة هذا الأصحاح بالأصحاح السابق فإن الرب وإن سكب حمو غضبه على شعبه (ص ٤٢: ٢٥) قال «لا تخف لأني فديتك». كما قال بولس (رومية ٥: ٢٠) «حَيْثُ كَثُرَتِ ٱلْخَطِيَّةُ ٱزْدَادَتِ ٱلنِّعْمَةُ».

خَالِقُكَ الله خلقهم كأمّة لما أخرجهم من مصر ونظمهم وعاهدهم وجعل مسكنه بينهم.

فَدَيْتُكَ يشير إلى فداء الأبكار (عدد ٣: ١١ – ١٣) فإن بني إسرائيل كانوا كأبكار جميع الشعوب وكما افتُدي إسرائيل بدمار ممالك كمصر وبابل وكما كان اللاويون مخصصين للرب بدل الأبكار (عدد ٣: ١٢) هكذا كان إسرائيل شعباً خاصاً للرب امتيازاً عن غيره من الشعوب.

دَعَوْتُكَ بِٱسْمِكَ دعوة خصوصية لإسرائيل وهي غير الدعوة العمومية لكل الشعوب. وكانت هذه الدعوة الخصوصية لاستلام أقوال الله وحفظ الفرائض وانتشار الحق في العالم.

أَنْتَ لِي إسرائيل للرب لأنه خلقه ودعاه وفداه. وبما أنه خاصة الرب فالرب يحبه ويعتني به إلى الأبد.

٢ «إِذَا ٱجْتَزْتَ فِي ٱلْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي ٱلأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي ٱلنَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَٱللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ».

مزمور ٦٦: ١٢ و٩١: ٣ الخ تثنية ٣١: ٦ و٨ دانيال ٣: ٢٥ و٢٧

لا يقول الرب إنه يحفظهم من المياه أو من النار لأنهم احتاجوا إلى التأديب وهو يتمجد فيهم إذا احتملوا التأديب بالصبر والإيمان. بل يقول إنه يكون معهم في الضيقات. وهكذا كان العمود مع بني إسرائيل لما اجتازوا البحر الأحمر وكان التابوت معهم لما عبروا الأردن. وكان الرب مع شدرخ وميشخ وعبدنغو في أتون النار. والرب يسوع المسيح صار جسداً وأشبه إخوته في كل شيء وتألم مجرباً في كل شيء مثلهم بلا خطية.

٣ «لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ مُخَلِّصُكَ. جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَتَكَ، كُوشَ وَسَبَا عِوَضَكَ».

أمثال ١١: ٨ و٢١: ١٨

مُخَلِّصُكَ (انظر ٢صموئيل ٢٢: ٣) حيث دعا داود الرب مخلصاً ودعا إشعياء الرب بهذا الاسم كثيراً في القسم الثاني من نبوءته. وغلب استعمال هذا الاسم للأقنوم الثاني يسوع المسيح ولكن الله الآب هو مخلص أيضاً والروح القدس مخلص. والله واحد والمخلص واحد.

جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَتَكَ يذكر الرب ثلاث ممالك وهي مصر وكوش وسبا وهي متجاورة كناية عن كل الشعوب والمعنى أن الله اختار إسرائيل وفضّله على كل الشعوب وجعل مسكنه في وسطه دون غيره من الشعوب. كإنسان يفك قطعة أرض مرهونة بدفع قطعة أخرى من الأرض.

والبعض يفهمون من كلمة «جعلت» حادثة في الزمان الماضي أي موت أبكار المصريين واستبقاء أبكار إسرائيل وهلاك جيش المصريين في البحر الأحمر وخلاص جيش إسرائيل. والبعض يفهمون من كلمة «جعلت» ما سيحدث أي أن الرب عيّن فيعطي لكورش الممالك المذكورة تعويضاً عن إطلاقه بني إسرائيل. فإن كمبيس بن كورش أخذ الممالك المذكورة. وكوش إلى جنوبي مصر وتحتوي على نوبيا وسنار وكردوفان وشمالي الحبش وكانت أحياناً تُطلق على كل أفريقية الواقعة جنوبي مصر. ويُظن أن سبا شمالي بلاد الحبش.

٤ «إِذْ صِرْتَ عَزِيزاً فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّماً، وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ. أُعْطِي أُنَاساً عِوَضَكَ وَشُعُوباً عِوَضَ نَفْسِكَ».

إن الله اختار إسرائيل دون غيره من الشعوب:

  1. لقضائه المطلق أي له حق أن يعمل كما يشاء.
  2. اختار إسرائيل كخادم لكل الأرض.
  3. لبني إسرائيل بعض صفات تؤهلهم لهذه الرتبة منها ميلهم إلى الدين وقبولهم التعليم وتمسكهم به وبجنسهم. والله ميّز إسرائيل عن كل الشعوب بأمرين وهما الفداء والإعلان.

٥، ٦ «٥ لاَ تَخَفْ فَإِنِّي مَعَكَ. مِنَ ٱلْمَشْرِقِ آتِي بِنَسْلِكَ وَمِنَ ٱلْمَغْرِبِ أَجْمَعُكَ. ٦ أَقُولُ لِلشِّمَالِ: أَعْطِ وَلِلْجَنُوبِ: لاَ تَمْنَعْ. اِيتِ بِبَنِيَّ مِنْ بَعِيدٍ وَبِبَنَاتِي مِنْ أَقْصَى ٱلأَرْضِ».

ص ٤١: ١ و١٤ و٤٤: ٢ وإرميا ٣٠: ١٠ و١١ و٤٦: ٢٧ و٢٨

مِنَ ٱلْمَشْرِقِ (يوحنا ١١: ٥٢ ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد). والمعنى ليس فقط أن الله يجمع اليهود المشتتين في كل الجهات ويرده إلى بلادهم بل أيضاً أنه يجمع شعبه المختار يهوداً وأمماً من كل الجهات ومن أقصى الأرض إلى الإيمان الواحد.

اِيتِ بِبَنِيَّ شيّعهم الأمم في رجوعهم (عزرا ٨: ٢٢ و٣١ ونحميا ٢: ٧ و٨).

بَنَاتِي قال هذا إكراماً للجنس الضعيف لأن محبة الله واختياره لبناته كما لبنيه.

٧ «بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِٱسْمِي وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ».

ص ٦٣: ١٩ ويعقوب ٢: ٧ مزمور ١٠٠: ٣ وص ٢٩: ٢٣ ويوحنا ٣: ٣ و٥ و٢كورنثوس ٥: ١٧ وأفسس ٢: ١٠ ع ١

بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِٱسْمِي الله اختار الناس ودعاهم أفراداً.

وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ الله اختار الناس لمجده وبحسب مشيئته لا بناء على أعمالهم.

خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ أي العمل كله لله من أوله إلى آخره.

٨ «أَخْرِجِ ٱلشَّعْبَ ٱلأَعْمَى وَلَهُ عُيُونٌ، وَٱلأَصَمَّ وَلَهُ آذَانٌ».

ص ٦: ٩ و٤٢: ١٩ وحزقيال ١٢: ٢

ٱلشَّعْبَ ٱلأَعْمَى هو إسرائيل وهم عمي لعدم إدراكهم الروحي وقساوة قلوبهم (ص ٤٢: ١٩) ومع ذلك لهم عيون أي يعرفون كل ما عمله الله لأجلهم في القديم فيطلب الرب إخراجهم كشهود له بالمحاكمة بينه وبين الأصنام. ويقول البعض أن المعنى هو أن إسرائيل كانوا عمياً ولكنهم سينتبهون ويبصرون فيكونون شهوداً للرب.

٩ «اِجْتَمِعُوا يَا كُلَّ ٱلأُمَمِ مَعاً وَلْتَلْتَئِمِ ٱلْقَبَائِلُ. مَنْ مِنْهُمْ يُخْبِرُ بِهٰذَا وَيُعْلِمُنَا بِٱلأَوَّلِيَّاتِ؟ لِيُقَدِّمُوا شُهُودَهُمْ وَيَتَبَرَّرُوا. أَوْ لِيَسْمَعُوا فَيَقُولُوا: صِدْقٌ».

ص ٤١: ٢١ و٢٢ و٢٦

الرب دعا الأمم ليجتمعوا للمحاكمة بينه وبين الأصنام. ويكون الامتحان بالأوليات أي بالنبوءات التي قد تمت. وطلب منهم أن يقدموا شهودهم ليشهدوا إن كانت أصنامهم تنبأت بشيء من الحوادث قبل حدوثه تبرروا أي أثبتوا ادعاءهم أنها آلهة وإلا فعليهم أن يسمعوا شهود الرب ويسلموا بأن شهادتهم صادقة.

١٠ «أَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَعَبْدِي ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلٰهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ».

ص ٤٤: ٨ ص ٤٢: ١ و٥٥: ٤ ص ٤١: ٤ و٤٤: ٦

أَنْتُمْ شُهُودِي الرب خاطب إسرائيل لأن عندهم الكتب المقدسة وكانوا يقدرون أن يثبتوا منها إتمام نبوءات قديمة كنبوءة موسى في (تثنية ٢٨: ٤٩ – ٥٧) «يَجْلِبُ ٱلرَّبُّ عَلَيْكَ أُمَّةً مِنْ بَعِيدٍ الخ» ونبوءة النبي الذي أتى من يهوذا إلى بيت إيل «سَيُولَدُ لِبَيْتِ دَاوُدَ ٱبْنٌ ٱسْمُهُ يُوشِيَّا الخ» (١ملوك ١٣: ٢). ونبوءة ناثان (٢صموئيل ٧: ١٣) «أَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى ٱلأَبَدِ». وكان يجب أن يشهدوا أيضاً بأعمال الله العجيبة ومحبته وعنايته بهم. وعلى جميع المؤمنين أن يشهدوا هكذا بما اختبروه من جودة الرب وشهادتهم تكون بسلوكهم الحسن لا بمجرد كلامهم.

وَعَبْدِي عبد الرب هنا بمعنى إسرائيل.

لِكَيْ تَعْرِفُوا هذه الشهادة مفيدة للشهود كما هي نافعة للسامعين. فإن الذي يعلّم غيره يعلّم نفسه أيضاً والذي يقوي إيمان غيره يقوي إيمان نفسه أيضاً. والغاية العظمى في هذه المحاكمة تقوية إيمان إسرائيل لا مجرد إقناع عبدة الأصنام.

قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلٰهٌ قال الكلدانيون إن الآلهة تصوروا قبلما تصور الإنسان أي سلموا بقولهم هذا أن آلهتهم ليسوا منذ الأزل.

١١ «أَنَا أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ».

ص ٤٥: ٢١ وهوشع ١٣: ٤

وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ الدليل الواحد على الألوهية هو الخبر بالحوادث المستقبلة والدليل الآخر هو القدرة غير المحدودة في إجراء المقاصد. فالرب ليس المخبر فقط بأن شعبه سيخلصون بل هو المخلص أيضاً. ومعنى هذا القول الكامل ظهر في الرب يسوع المسيح المخلص الوحيد.

١٢، ١٣ «١٢ أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. وَأَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأَنَا ٱللّٰهُ. ١٣ أَيْضاً مِنَ ٱلْيَوْمِ أَنَا هُوَ، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِي. أَفْعَلُ، وَمَنْ يَرُدُّ؟»

تثنية ٣٢: ١٦ ومزمور ٨١: ٩ ص ٤٤: ٨ وع ١٠ مزمور ٩٠: ٢ ويوحنا ٨: ٥٨ أيوب ٩: ١٢ وص ١٤: ٢٧

وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ أي إله غريب. الرب أخبر بأنه سيخلّص شعبه من سنحاريب فخلصهم ولم يكن بينهم عبادة ظاهرة للأصنام فكان الخبر والخلاص من الرب وحده.

أَيْضاً مِنَ ٱلْيَوْمِ أي منذ الآن وصاعداً.

١٤ «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ فَادِيكُمْ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: لأَجْلِكُمْ أَرْسَلْتُ إِلَى بَابِلَ وَأَلْقَيْتُ ٱلْمَغَالِيقَ كُلَّهَا وَٱلْكِلْدَانِيِّينَ فِي سُفُنِ تَرَنُّمِهِمْ».

أَرْسَلْتُ إِلَى بَابِلَ لا نستنتج من الفعل الماضي أن تاريخ هذه النبوءة كان بعد السبي لأن الأنبياء كثيراً ما يذكرون حادثة مستقبلة كأنها ماضية. والمرسل هو كورش.

وَأَلْقَيْتُ ٱلْمَغَالِيقَ اتكل البابليون على أسوارهم العالية وظنوا أن أعداءهم لا يقدرون أن يدخلوا مدينتهم غير أن الدخول إلى المدينة يكون من الأبواب وفتح الأبواب يكون برفع المغاليق فإذاً كلمة «مغاليق» هنا كناية عن قوة المدينة.

سُفُنِ تَرَنُّمِهِمْ كانت بابل على نهر الفرات وكان تُرع بين الفرات ودجلة فكانت سفن بابل تسير في هذه الترع والأنهار وتصل إلى خليج العجم. قيل أنه كان للملك سميراميس الذي أسس مدينة بابل ثلاثة آلاف سفينة تسير في النهر وقيل أن الملك مردوخ بلادان أعد سفناً ليهرب فيها إذا انكسر بحروبه مع أشور وقيل أيضاً إن البابليين اشتهروا بالترنم والظاهر أنهم استعملوا سفنهم للتسلية وترنموا بها. فيكون معنى الآية أن الرب سيزيل المغاليق أي قوة المدينة وقوة أهلها معاً فيهربون في سفنهم التي كانت لهم سفن ترنم.

١٥ «أَنَا ٱلرَّبُّ قُدُّوسُكُمْ، خَالِقُ إِسْرَائِيلَ مَلِكُكُمْ».

الرب إثباتاً لوعده ذكر صفاته أي القداسة والقدرة وحقه في إسرائيل كشعبه الخاص.

١٦، ١٧ «١٦ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْجَاعِلُ فِي ٱلْبَحْرِ طَرِيقاً وَفِي ٱلْمِيَاهِ ٱلْقَوِيَّةِ مَسْلَكاً. ١٧ ٱلْمُخْرِجُ ٱلْمَرْكَبَةَ وَٱلْفَرَسَ، ٱلْجَيْشَ وَٱلْعِزَّ. يَضْطَجِعُونَ مَعاً لاَ يَقُومُونَ. قَدْ خَمِدُوا. كَفَتِيلَةٍ ٱنْطَفَأُوا».

خروج ١٤: ١٦ و٢٢ ومزمور ٧٧: ١٩ وص ٥١: ١٠ يشوع ٣: ١٣ و١٦ خروج ١٤: ٤ إلى ٩ و٢٥

الرب ذكّر إسرائيل بخلاصهم من مصر ولا سيما فتحه طريقاً لهم في البحر وهلاك المصريين فالبحر صار طريقاً لإسرائيل وقبراً لأعدائهم.

ٱلْمُخْرِجُ ٱلْمَرْكَبَةَ المصريون خرجوا بإرادتهم ولتتميم مقاصدهم والرب أخرجهم لتتميم مقاصده.

كَفَتِيلَةٍ تنطفئ الفتيلة من نفس الإنسان عليها أو من هواء خفيف والرب يبيد أعداءه بنفخة فمه.

١٨ «لاَ تَذْكُرُوا ٱلأَوَّلِيَّاتِ، وَٱلْقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأَمَّلُوا بِهَا».

إرميا ١٦: ١٤ و٢٣: ٧

ثم قال لهم أن لا يذكروا الأوليات أي خلاصهم من مصر في القديم لأنه سيعمل أعمالاً أعظم منها ومن هذه الأعمال المستقبلة الرجوع من بابل (انظر إرميا ٢٣: ٧ و٨) «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَلاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. بَلْ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ وَأَتَى بِنَسْلِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ ٱلشِّمَالِ». ونظر النبي أيضاً إلى الخلاص الروحي فقال (إرميا ٣١: ٣١) «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْداً جَدِيداً».

ويجب علينا أن نتذكر أعمال الله القديمة كخلاص شعبه من مصر ومن بابل وأعمال المسيح ورسله وحلول الروح القدس يوم الخمسين. غير أنه يجب أن لا نكتفي بها كأن أعمال الله انتهت بل أن ننتظر أعمالاً جديدة أعظم من الأعمال القديمة (يوحنا ١٤: ١٢).

١٩ «هَئَنَذَا صَانِعٌ أَمْراً جَدِيداً. ٱلآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ طَرِيقاً، فِي ٱلْقَفْرِ أَنْهَاراً».

٢كورنثوس ٥: ١٧ ورؤيا ٢١: ٥ خروج ١٧: ٢ وعدد ٢٠: ١١ وتثنية ٨: ١٥ ومزمور ٧٨: ١٦ وص ٣٥: ٦ و٤١: ١٨

ٱلآنَ يَنْبُتُ كان الرجوع من السبي بعد عصر إشعياء بمدة طويلة ولكنه يذكره كأنه قريب. وهكذا تكلم عن ولادة المسيح (ص ٧: ١٤) ها العذراء تحبل كأنه عن قريب يحدث أي هذه الأمور المستقبلة كانت قريبة للنبي في الرؤيا فرآها كأنها حاضرة.

٢٠ «يُمَجِّدُنِي حَيَوَانُ ٱلصَّحْرَاءِ، ٱلذِّئَابُ وَبَنَاتُ ٱلنَّعَامِ، لأَنِّي جَعَلْتُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ مَاءً، أَنْهَاراً فِي ٱلْقَفْرِ، لأَسْقِيَ شَعْبِي مُخْتَارِي».

ص ٤٨: ٢١

أَنْهَاراً فِي ٱلْقَفْرِ ليست أنهاراً حقيقية بل المعنى أن الرب سيُظهر قوته غير المحدودة لخلاص شعبه وعند الله كل شيء مستطاع. وإذا قلنا لسنا قادرين على العمل الذي أمامنا يقول الرب إنه يفتح لنا طريقاً ولو في قفر هذه الصعوبات. وإذا قلنا أمامنا قفر الضيق فماذا نأكل وبماذا نكتسي يقول الرب إنه يجعل في هذا القفر أنهار خيرات. والقول إن الحيوان غير الناطق يمجد الله دليل على كثرة الخيرات لأنها تكفي شعبه وذلك الحيوان أيضاً.

٢١ «هٰذَا ٱلشَّعْبُ جَبَلْتُهُ لِنَفْسِي. يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي».

يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي (عزرا ٣: ٩ – ١١ ونحميا ١٢: ٢٧) حيث ذُكر تسبيحات بني إسرائيل بعد رجوعهم من السبي. والله اختار إسرائيل وفداه لمجده لا بناء على استحقاق إسرائيل ومن أعظم العجائب تجديد إسرائيل.

٢٢ «وَأَنْتَ لَمْ تَدْعُنِي يَا يَعْقُوبُ حَتَّى تَتْعَبَ مِنْ أَجْلِي يَا إِسْرَائِيلُ».

ملاخي ١: ١٣

لَمْ تَدْعُنِي أي بالعبادة والسجود. والظاهر أن الأكثرين كانوا قد تركوا عادة الصلاة مدة السبي وإن كان البعض ظلوا عليها كدانيال.

٢٣، ٢٤ «٢٣ لَمْ تُحْضِرْ لِي شَاةَ مُحْرَقَتِكَ، وَبِذَبَائِحِكَ لَمْ تُكْرِمْنِي. لَمْ أَسْتَخْدِمْكَ بِتَقْدِمَةٍ وَلاَ أَتْعَبْتُكَ بِلُبَانٍ. ٢٤ لَمْ تَشْتَرِ لِي بِفِضَّةٍ قَصَباً، وَبِشَحْمِ ذَبَائِحِكَ لَمْ تُرْوِنِي. لٰكِنِ ٱسْتَخْدَمْتَنِي بِخَطَايَاكَ وَأَتْعَبْتَنِي بِآثَامِكَ».

عاموس ٥: ٢٥ خروج ٣٠: ٢٣ ونشيد الأنشاد ٤: ١٤ ص ١: ١٤ وملاخي ٢: ١٧

المحرقة والذبائح والتقدمة واللبان تجمع كل التقدمات الموسوية.

لَمْ تُحْضِرْ لِي شَاةَ يشير إلى زمان آحاز الذي أغلق أبواب بيت الرب وأبطل التقدمات. أو إلى تقديم تقدمات بلا عبادة قلبية فكانت كأنها لم تقدّم. والأرجح أن القول يشير إلى إبطال التقدمات في زمان السبي وكان الإسرائيليون معذورين لعدم إمكانهم فلا يلومهم الرب بل يقول «لم أستخدمك» أي لم يطلب منهم ما لا يقدرون أن يقدموه. ولكنهم عوضاً عن ذلك أن يقدموا له ذبيحة التسبيح ثمر شفاه معترفة باسمه (عبرانيين ١٣: ١٥) استخدموه بخطاياهم فكانت الخطايا عوضاً عن الخدمة وما يغيظ الرب عوضاً عما يرضيه.

قَصَباً كانوا يركبون من القصب الدهن المقدس لمسح خيمة الاجتماع وآنيتها والكهنة (خروج ٣٠: ٢٣) والقصب يُجلب من الهند وبلاد العرب فقيل «لم تشتر لي بفضة قصباً».

لٰكِنِ ٱسْتَخْدَمْتَنِي بِخَطَايَاكَ أي أحزنوا الرب برفضهم إياه وعبادتهم للأصنام ووضعوا عليه عمل الخلاص من بابل وعمل الفداء من الخطية والأصحاح ٥٣ يُظهر لنا عبد الرب أي المسيح الذي حمل آثامنا وضُرب من أجل ذنب شعبه.

٢٥ «أَنَا أَنَا هُوَ ٱلْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا».

ص ٤٤: ٢٢ و٤٨: ٩ وإرميا ٥٠: ٢٠ وأعمال ٣: ١٩ حزقيال ٣٦: ٢٢ الخ ص ١: ١٨ وإرميا ٣١: ٣٤

الرب يذكر خطاياهم هنا ليفهموا أن اختيارهم ليس مبنياً على أعمالهم. كأن تلميذاً عمل عملاً على لوحه وقدمه لمعلمه وكله غلط فمحا المعلم الكل وقال إنك لا تستحق الجائزة ولكني أعطيك إياها كهبة. وتكرار كلمة «أنا» هو للتشديد لأنه لا يوجد غير الله يغفر هكذا. ويتضح من ص ٥٣ أن هذا الغفران التام المجاني يكون بواسطة المسيح الذي قد وضع الرب عليه إثم جميعنا.

٢٦ «ذَكِّرْنِي فَنَتَحَاكَمَ مَعاً. حَدِّثْ لِكَيْ تَتَبَرَّرَ».

ذَكِّرْنِي الرب يعرف كل شيء فلم يقدروا أن يذكروه بشيء كان نسيه. وليس لهم عذر في خطاياهم وليس لهم أعمال صالحة فيذكرونها أمام الرب. فتكون المحاكمة قد كملت ولا يُنتظر بعد إلا الحكم النهائي. ولكنهم يقدرون أن يذكروا الرب بمواعيده وبمجد اسمه. وهكذا كانت صلاة يعقوب وموسى وداود وجميع الأتقياء.

٢٧، ٢٨ «٢٧ أَبُوكَ ٱلأَوَّلُ أَخْطَأَ، وَوُسَطَاؤُكَ عَصَوْا عَلَيَّ. ٢٨ فَدَنَّسْتُ رُؤَسَاءَ ٱلْقُدْسِ، وَدَفَعْتُ يَعْقُوبَ إِلَى ٱللَّعْنِ، وَإِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلشَّتَائِمِ».

ملاخي ٢: ٧ و٨ ص ٤٧: ٦ ومراثي ٢: ٢ و٦ و٧ مزمور ٧٩: ٥ وإرميا ٢٤: ٩ ودانيال ٩: ١١ وزكريا ٨: ١٣

أَبُوكَ ٱلأَوَّلُ يجوز أن يكون آدم أو إبراهيم والأرجح أنه يعقوب لأن الآب الذي أخذ اليهود اسمهم منه «إسرائيليون» أو «بنو إسرائيل». وخطية يعقوب الخصوصية هي أخذه البركة من أبيه إسحاق بالخديعة. وعواقب هذه الخطية ظهرت في كل حياته لأنه بسببها وقع عداوة بينه وبين أخيه عيسو وهرب إلى فدان آرام وخدم خاله لابان وفي شيخوخته خدعه أولاده في أمر ابنه المحبوب يوسف.

وُسَطَاؤُكَ الأنبياء والكهنة (إرميا ٢٣: ١١).

رُؤَسَاءَ ٱلْقُدْسِ الكهنة (١أيام ٢٤: ٥) والرب دنسهم لما سلمهم للسبي.

فوائد للوعاظ

أنت لي (ع ١)

نحن لله

  1. لأنه خلقنا وأعطانا قوانا الجسدية والعقلية.
  2. لأنه حفظنا واعتنى بنا ودبر حياتنا من ولادتنا إلى اليوم.
  3. لأنه افتدانا واشترانا بدمه.

ويكون بما أننا له

  1. إنه يحبنا كأولاده.
  2. إنه يحامي عنا كخاصته.
  3. إنه يطلب منا المحبة والثقة به والطاعة له.

تعزية في الضيق (ع ٢)

  1. الضيق لا يمنع التقدم. «اجتزت في المياه» أي المياه لا تقدر أن تردك ولا تقدر أن توقف سيرك. والضيق وقتي فقط كعبور نهر.
  2. الضيق يقربنا إلى المسيح. فإنه مع المجتازين في المياه وهو تجرب وتألم. ويمكننا أن نجد المسيح نوعاً في الضيقات.
  3. الضيق لا يميت . فإن غاية الرب في التأديب حياتنا لا موتنا وخلاصنا لا هلاكنا. والضيقات مما ينشئ ويقوي الحياة الروحية.

الشهود (ع ٨ إلى ١١)

أولاً: الشهود للرب ومنهم

  1. شعب الله القديم فإنهم شهدوا أن الله واحد فقط وهو خالق الكل والقادر على كل شيء والقدوس وهو روح لا يُرى.
  2. الكنيسة المسيحية فإنها تشهد بعمل الفداء وعمل الروح القدس وهكذا يكمل الثالوث الأقدس. وهي تشهد أيضاً لمحبة الله الظاهرة في المسيح ومحبته لكل العالم.
  3. المسيح فإنه شهد للآب بكلامه وسلوكه بلا خطية وطاعته.

ثانيا: الشهود على الرب ومنهم

  1. الوثنيون. فإنهم يمثلونه بالناس والبهائم والأصنام.
  2. الكفار وجميع الذين ينكرون وجود الله بكلامهم أو بسلوكهم وينكرون كتابه أو يحرّفونه.
  3. المسيحيون بالاسم فقط الذين لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها (٢تيموثاوس ٣: ٥).
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى