إشعياء

سفر إشعياء | 42 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ

مضمون هذا الأصحاح عبد الرب وخلاص شعب الله والاسم «عبد الرب» مخصص أولاً للمسيح (ع ١ – ١٧) ثم الصعوبات الواقعة في طريق هذا الخلاص منها عدم إيمان إسرائيل وهو عبد الرب في هذا القسم من الأصحاح (ع ١٨ – ٢٥).

١ «هُوَذَا عَبْدِي ٱلَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي ٱلَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ ٱلْحَقَّ لِلأُمَمِ».

ص ٤٣: ١٠ و٤٩: ٣ و٦ و٥٢: ١٣ و٥٣: ١١ ومتّى ١٢: ١٨ و١٩ و٢٠ وفيلبي ٢: ٧ متّى ٣: ١٧ و١٧: ٥ وأفسس ١: ٦ ص ١١: ٢ ويوحنا ٣: ٣٤

هُوَذَا عَبْدِي النبي استدعى نظر العالم من اليهود والأمم إلى الكلام الآتي فإنه كان أثبت أن آلهة الأمم كلهم باطل وأعمالهم عدم (ص ٤١: ٢٩) وهنا اجتذب النظر إلى عبد الرب الحقيقي المستحق كل العبادة والإكرام.

عَبْدِي القسم الثاني من إشعياء يذكر عبد الرب مرات كثيرة والمفسرون قد بحثوا كثيراً في معنى هذه الكلمة واتفق الأكثرون على ما يأتي:

  1. في بعض الآيات عبد الرب هو شعب إسرائيل كله (ع ١٩ و٤٣: ١٠).
  2. في بعض الآيات عبد الرب هو المختارون من شعب الله (ص ٤١: ٨ و٩ و٤٤: ١ و٢ و٢١).
  3. في بعض الآيات عبد الرب هو المسيح (ع ١ – ٨ و٤٩: ١ – ٩ و٥٠: ٤ – ١٠ و٥٢: ١٣ – ٥٣: ١٢). ولا منافاة بين المعاني الثلاثة لأن المسيح هو رأس الكنيسة وهي متحدة به كجسد واحد. فنقول إن المسيح نور العالم والكنيسة أيضاً نور العالم (ص ٤٢: ٦). المسيح مهان النفس مكروه الأمة عبد المتسلطين (ص ٤٩: ٧) والكنيسة كذلك. فإذاً إذا وجدنا وصفاً لا يوافق المسيح كأعمى وأصم نقول إن عبد الرب هو إسرائيل. وإذا وجدنا وصفاً لا يوافق غير المسيح كمضمون (ص ٥٣) نقول إن المسيح هو عبد الرب. وإذا رأينا ما يوافق الجهتين نقول إن عبد الرب هو الكنيسة والمسيح كرأسها وهما جسد واحد. وهنا في العدد الأول عبد الرب هو المسيح.

ٱلَّذِي أَعْضُدُهُ (يوحنا ٥: ٢٦) «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذٰلِكَ أَعْطَى ٱلابْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ».

سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي هكذا شهد الله للمسيح حين المعمودية وعلى جبل التجلي ومتّى خصص هذا الكلام كله بالمسيح (متّى ١٢: ٧ – ٢١) «وضعت روحي عليه» ولما اعتمد يسوع نزل روح الله عليه (انظر أيضاً يوحنا ٣: ٣٤).

فَيُخْرِجُ ٱلْحَقَّ لِلأُمَمِ لا يكون المسيح لليهود فقط بل منه ومن الكنيسة كجسده يخرج الحق إلى أقصى الأرض أي التعليم والعدل والإنصاف.

٢ «لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي ٱلشَّارِعِ صَوْتَهُ».

لاَ يَصِيحُ النبي يصف المسيح كأنه سمعه ورآه كأحد المبشرين والمعنى أن المسيح لا يستعمل القوة الجسدية ولا يحارب الناس كالملوك بل يُسمع صوته في التعليم فقط والتعزية. وبهذا الأمر تميز المسيح عن كل المعلمين الكذبة لأنهم بالإجمال يطلبون الشهرة وأما المسيح فكان يوصي الناس أن لا يظهروه.

٣ «قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى ٱلأَمَانِ يُخْرِجُ ٱلْحَقَّ».

قَصَبَةً مَرْضُوضَةً يشير إلى حنو المسيح على الضعفاء فلا يرفض المؤمن لكونه ضعيفاً بل يقوي إيمانه. ربما يوجد في كل إنسان شيء من الخير وعلى راعي النفوس أن يفتش عنه ويقويه.

يُخْرِجُ ٱلْحَقَّ كأن الحق كان مخفىً والظلام غالب في العالم وأما المسيح فيخرج الحق ويثبته ويديمه. قال متّى البشير «إلى النصرة» لأنه اقتبس من الترجمة السبعينية ولا فرق جوهري في المعنى.

٤ «لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ ٱلْحَقَّ فِي ٱلأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ ٱلْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ».

تكوين ٤٩: ١٠

لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ كان المسيح حسب الظاهر ضعيفاً جداً والأشرار فعلوا به كما أرادوا مع ذلك لم يكل ولا انكسر لا من تجارب إبليس ولا من تعييرات الفريسيين ولا من الموت بل تمم مقاصده في عمل الفدى وأسس كنيسته ووضع الحق في الأرض. وكلمة «الحق» تتضمن التعليم الحقيقي والحكم الحقيقي أيضاً.

وَتَنْتَظِرُ ٱلْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ أكثر الأمم لا يعرفون حالتهم التعيسة وأكثرهم لا يطلبون التبشير ولا يقبلونه ولكنهم ينتظرون شريعة المسيح بالمعنى أنهم محتاجون وهالكون ولا يمكنهم الخلاص إلا بإنجيل المسيح.

٥ «هٰكَذَا يَقُولُ ٱللّٰهُ ٱلرَّبُّ خَالِقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ ٱلأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي ٱلشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً وَٱلسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحاً».

ص ٤٤: ٢٤ وزكريا ١٢: ١ مزمور ١٣٦: ٦ أعمال ١٧: ٢٥

هٰكَذَا يَقُولُ ٱللّٰهُ الكلام الآتي كلام الرب وليس كلام النبي فقط.

خَالِقُ… نَاشِرُهَا… بَاسِطُ… مُعْطِي هذه الصفات تدل على العمل في الزمان الحاضر لا في الماضي فقط أي الرب خلق كل شيء في البداءة ولم يزل يعمل في العالم وهو الآن حامل كل الأشياء بكلمة قدرته.

٦ «أَنَا ٱلرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِٱلْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ».

ص ٤٣: ١ ص ٤٩: ٨ ص ٤٩: ٦ ولوقا ٢: ٣٢ وأعمال ١٣: ٤٧

أَنَا ٱلرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ الذي خلق كل شيء ويعتني بكل شيء قد دعا المسيح فيعتني به كما يعتني بالكون كله.

بِٱلْبِرِّ البر هنا بمعنى صدق الله وأمانته لأنه وفى بمواعيده للعالم بإرسال المخلص ومواعيده للمسيح بأنه يعضده ويحفظه.

إن كلمة «بر» مستعملة كثيراً في هذا القسم من النبوءة ولها معان مختلفة وهي:

  1. بر الله بمعنى أنه لا يبارك الأشرار ولا يعاقب الصالحين ولا يسمح للأقوياء في العالم أن يظلموا الضعفاء.
  2. بر الله بمعنى الصدق والأمانة في تتميم مواعيده.
  3. بر الناس بمعنى العدل والاستقامة والأعمال الصالحة.
  4. بر المؤمنين بالمسيح بمعنى الخلاص من الدينونة بغفران خطاياهم.

وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ العهد الجديد أو عهد النعمة. إن المسيح هو العهد أو وسيط العهد بين الله وبين الشعوب وبه يعاهدهم الله ويعطيهم الخلاص بشرط الإيمان به (إرميا ٣١: ٣١ – ٣٤).

لِلشَّعْبِ شعب العهد أي جميع المؤمنين بالمسيح من اليهود ومن الأمم.

وَنُوراً لِلأُمَمِ النور يشير إلى المعرفة ولا سيما المعرفة بطريق الخلاص.

٧ «لِتَفْتَحَ عُيُونَ ٱلْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ ٱلْحَبْسِ ٱلْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ ٱلسِّجْنِ ٱلْجَالِسِينَ فِي ٱلظُّلْمَةِ».

ص ٣٥: ٥ ص ٦١: ١ ولوقا ٤: ١٨ و٢تيموثاوس ٢: ٢٦ وعبرانيين ٢: ١٤ و١٥ ص ٩: ٢

لِتَفْتَحَ عُيُونَ ٱلْعُمْيِ المسيح هو النور الخارجي والنور الداخلي أيضاً أي هو كالشمس التي تُظهر كل ما في العالم وهو يعطي الإنسان قوة البصر التي بدونها لا ينفعه نور الشمس. لأن الإنسان يفتقر إلى الوسائط الخارجية وإلى فتح عيني قلبه لكي يفهم ويستعمل هذه الوسائط ولا شك أن غاية المسيح في عجائبه كانت أولاً خلاص الناس من ضعفاتهم الجسدية وفوق ذلك أن يمثل لهم الخلاص من الخطية.

لِتُخْرِجَ مِنَ ٱلْحَبْسِ ٱلْمَأْسُورِينَ المأسورين بعبودية الخطية وظلمة الهلاك لا المأسورين بالجسد فقط. والمسيح لا يقتصر على فتح الأبواب بل يخرج المأسورين أيضاً بنعمته في قلوب السامعين يميله لكي يقبلوا الخلاص والكنيسة وهي تحت رياسة المسيح نور للعالم لفتح عيون العمي وإخراج المأسورين. وعلى كل من يتبع المسيح أن يعرف قيمة المخلوق على صورة الله فيشفق على كل ضعيف.

٨ «أَنَا ٱلرَّبُّ هٰذَا ٱسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لِآخَرَ، وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ».

ص ٤٨: ١١

أَنَا ٱلرَّبُّ كل رجاء شعب الله مبني على هذا القول ومعناه (١) الله لا يتغير ولا يغير قوله.

(٢) هو إله غيور فلا يعطي مجده للآخر. فلا بد من انتصار الحق وانحطاط كل ما يقاومه.

٩ «هُوَذَا ٱلأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَٱلْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أُعْلِمُكُمْ بِهَا».

ٱلأَوَّلِيَّاتُ أي النبوءات التي قد تمت كالنبوءات بخصوص سنحاريب والنبوءة بخصوص السبي في (ص ٣٩: ٥ – ٧).

ٱلْحَدِيثَاتُ حوادث مستقبلة لا يعرف أحد بها غير الله.

قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أي تاريخ هذه النبوءة كان قبل زمان كورش بمدة طويلة وفي تاريخها لم يوجد شيء يدل على حدوث الأمور المنبإ بها. أحياناً الحاذقون بالأمور السياسية يتنبأون بما سيحدث في المستقبل القريب كوقوع حرب بين مملكتين بناء على وجود اختلاف بينهما أو يتنبأون بغلبة المملكة الواحدة على الأخرى بناء على ما ظهر فيها من القوة والاستعداد وأحياناً تصدق هذه النبوءات وأحياناً لا تصدق. ولكن الرب أخبر بما سيحدث في المستقبل البعيد كنهوض كورش وتجسد المسيح وأخبر بما يفوق حذاقة أرباب السياسة كخروج اليهود من بابل بإذن الملك وبالمساعدة منه بخلاف الخروج من مصر في القديم.

نبوءة بفرح يعم كل المسكونة بسبب خلاص الرب ع ١٠ إلى ١٣

١٠ – ١٣ «١٠ غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى ٱلأَرْضِ. أَيُّهَا ٱلْمُنْحَدِرُونَ فِي ٱلْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَٱلْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، ١١ لِتَرْفَعِ ٱلْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، ٱلدِّيَارُ ٱلَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. ١٢ لِيُعْطُوا ٱلرَّبَّ مَجْداً وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي ٱلْجَزَائِرِ. ١٣ ٱلرَّبُّ كَٱلْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ».

مزمور ٣٣: ٣ و٤٠: ٣ و٩٨: ١ مزمور ١٧: ٢٣ ص ٢١: ١٦ قضاة ١: ٣٦ وص ١٦: ١ ص ٣١: ٤

أُغْنِيَةً جَدِيدَةً يغنون أغنية جديدة لأن مراحم الرب جديدة وأعظم من أعماله السابقة. وتكون هذه الأغنية للأمم في كل الأرض لا لليهود فقط.

قِيدَارُ بلاد العرب.

سَالِعَ اسمها اليوم بترا وكانت عاصمة أدوم وغاية النبي أن يصف التسبيح العام فيذكر الجزائر أي البلاد البعيدة إلى جهة الغرب عبر البحر وبلاد العرب وأدوم أي البلاد الشرقية.

كَرَجُلِ حُرُوبٍ النبي يصف أعمال الله بتشابيه مأخوذة من الحروب القديمة. وعرفنا من العهد الجديد أن انتشار الإنجيل في العالم يكون بوسائط روحية وإظهار الحق والجندي الصالح للمسيح لا يضرب ولا يقتل بل يحتمل الضربات والاضطهادات حتى الموت غير أن الرب هو إله الحروب الجسدية أيضاً بمعنى أنه يحط كل قوة جسدية تقاوم الحق وإنه يجعل حروب الناس وإن كانت بذاتها شراً عظيماً تؤول إلى امتداد ملكوته.

يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ الله لا يتغير وغيرته لا تزداد ولا تنقص ولكنه ترك شعبه ليتألموا ويتضايقوا في بابل إلى مدة محدودة لسبب خطاياهم فيكون التغيير فيهم وفي الأزمنة والأوقات وليس في الرب.

١٤ «قَدْ صَمَتُّ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ. سَكَتُّ. تَجَلَّدْتُ. كَٱلْوَالِدَةِ أَصِيحُ. أَنْفُخُ وَأَنْخِرُ مَعاً».

قَدْ صَمَتُّ الله صمت بمعنى أنه لم يستجب للصلاة ولا خلّص شعبه.

مُنْذُ ٱلدَّهْرِ مدة السبي والضيقات التي قبلها. وهذه المدة وإن كانت سبعين سنة فقط كانت «كدهر» عند الرب وذلك بسب محبته لشعبه وغيرته في خلاصهم.

كَٱلْوَالِدَةِ كأنه لا يقدر أن يضبط نفسه وربما هذا التشبيه يشير إلى ولادة شعبه بعد السبي لحياة جديدة وعبادة روحية وتجديد قلوب المؤمنين في كل جيل. «يَا أَوْلاَدِي ٱلَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضاً إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ» (غلاطية ٤: ١٩). إننا لا نقدر أن نقول إن الله يتألم ولكنه كامل بكل صفاته. ومن صفات بني البشر الممدوحة إنكار الذات والصبر والثبات في احتمال الآلام فالجندي الذي يحارب ويبذل نفسه لأجل الوطن له مدح أكثر من الملك الذي أرسله وبقي في قصره. قال المسيح «ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه». فلا بد من وجود هذه الصفات كلها في اللاهوت وهي قد ظهرت بكمالها في تجسد المسيح وآلامه فلا يجب أن ننسى أن المحبة التي ظهرت في آلام المسيح كانت في اللاهوت قبل التجسد وإن كان التوفيق بين القدرة غير المحدودة وآلام المحبة فوق إدراكنا وسبب هذه الآلام ليس ضيقات شعبه فقط بل خطاياهم بالأولى.

١٥ «أَخْرِبُ ٱلْجِبَالَ وَٱلآكَامَ وَأُجَفِّفُ كُلَّ عُشْبِهَا، وَأَجْعَلُ ٱلأَنْهَارَ يَبَساً وَأُنَشِّفُ ٱلآجَامَ».

أَخْرِبُ ٱلْجِبَالَ الجبال والآكام والأنهار والآجام تشير إلى ممالك وقوات وكل ما يرتفع على الله وفي القديم الجبال كانت مملكة بابل وعبادة الأصنام وفي أيامنا الكفر والطمع والتعاليم الكاذبة ولنا هذا الوعد أن الله سيخرب هذه الجبال كلها.

١٦ «وَأُسَيِّرُ ٱلْعُمْيَ فِي طَرِيقٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا. فِي مَسَالِكَ لَمْ يَدْرُوهَا أُمَشِّيهِمْ. أَجْعَلُ ٱلظُّلْمَةَ أَمَامَهُمْ نُوراً وَٱلْمُعْوَجَّاتِ مُسْتَقِيمَةً. هٰذِهِ ٱلأُمُورُ أَفْعَلُهَا وَلاَ أَتْرُكُهُمْ».

وَأُسَيِّرُ ٱلْعُمْيَ اليهود وهم عمي بسبب خطاياهم ورفضهم النور وكل بني البشر عمي بمعنى أنهم لا يعرفون المستقبل ولا يدركون مقاصد الله فيكون الوعد لجميع العمي أن الله يسيرهم. والطريق التي لا يعرفونها بل يسلكون فيها بالخوف والحزن ستظهر أخيراً أنها طريق الله وأحسن طريق. فعلينا التسليم لإرشاده والرجاء لخلاصه.

١٧ «قَدِ ٱرْتَدُّوا إِلَى ٱلْوَرَاءِ. يَخْزَى خِزْياً ٱلْمُتَّكِلُونَ عَلَى ٱلْمَنْحُوتَاتِ، ٱلْقَائِلُونَ لِلْمَسْبُوكَاتِ: أَنْتُنَّ آلِهَتُنَا!».

مزمور ٩٧: ٧ وص ١: ٢٩ و٤٤: ١١ و٤٥: ١٦

قَدِ ٱرْتَدُّوا يخزى عبدة الأوثان عند خلاص شعب الله وإتمام مواعيده ونبوءاته.

١٨ «أَيُّهَا ٱلصُّمُّ ٱسْمَعُوا. أَيُّهَا ٱلْعُمْيُ ٱنْظُرُوا لِتُبْصِرُوا».

الرب يكلم شعبه إسرائيل وهم صمّ وعمي لأنهم لا يسمعون كلام الله ولا يفهمون وذلك من قساوة قلوبهم وولوعهم بالخطية والرب يأمرهم أن يسمعوا ويبصروا لأنهم عمي وصمّ بإرادتهم.

١٩، ٢٠ «١٩ مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي، وَأَصَمُّ كَرَسُولِي ٱلَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَٱلْكَامِلِ، وَأَعْمَى كَعَبْدِ ٱلرَّبِّ؟ ٢٠ نَاظِرٌ كَثِيراً وَلاَ تُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ ٱلأُذُنَيْنِ وَلاَ يَسْمَعُ».

ص ٤٣: ٨ وحزقيال ١٢: ٢ ويوحنا ٩: ٣٩ و٤١ رومية ٢: ٢١

مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي عبد الرب هنا إسرائيل كأمة لأن الوصف لا يوافق المسيح ولا المختارون. وعبد الرب يجب أن يسمع ويفهم أكثر من كل الناس ولكنه أعمى أكثر من الكل حتى أنه يُسمى بالأعمى كأنه لا يوجد غيره.

كَرَسُولِي إسرائيل مرسل من الله لتنوير الأمم وهو نفسه محتاج إلى التنوير.

كَٱلْكَامِلِ إسرائيل كامل من جهة الدعوة والاختيار. والرب أعطاه الشريعة الكاملة والأنبياء حتى لا يوجد شيء يُصنع لإسرائيل والرب لم يصنعه وله قدرة كافية ومعرفة كافية ومواعيد ثابتة. غير أنه ناقص من جهة نفسه وغير كامل في الإيمان والسلوك.

٢١ «ٱلرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ. يُعَظِّمُ ٱلشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا».

ٱلرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ (رومية ٣: ٣) «فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ أَمَانَتِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ ٱللّٰهِ» أي الرب لا يخلصهم لأنه سر بهم كأنهم أبرار بل يخلصهم من أجل بره أي أمانته في تتميم مواعيده.

يُعَظِّمُ ٱلشَّرِيعَةَ ليس شريعة موسى فقط التي استلمها في جبل سيناء بل شريعة الرب الإجمال وهي الشريعة المذكورة في (ع ٤) «تنتظر الجزائر شريعته» فعظمها وأكرمها بانتشارها في العالم وخلاص النفوس ونجاح الكنيسة وإن كان شعبه اليهود غير مؤمنين.

٢٢ «وَلَكِنَّهُ شَعْبٌ مَنْهُوبٌ وَمَسْلُوبٌ. قَدِ ٱصْطِيدَ فِي ٱلْحُفَرِ كُلُّهُ، وَفِي بُيُوتِ ٱلْحُبُوسِ ٱخْتَبَأُوا. صَارُوا نَهْباً وَلاَ مُنْقِذَ، وَسَلْباً وَلَيْسَ مَنْ يَقُولُ: رُدَّ!».

يذكر مشقات الشعب التي أصابتهم على سبيل التأديب ويذكرها بألفاظ تدل على حنو الرب وشفقته عليهم.

٢٣ – ٢٥ «٢٣ مَنْ مِنْكُمْ يَسْمَعُ هٰذَا؟ يَصْغَى وَيَسْمَعُ لِمَا بَعْدُ؟ ٢٤ مَنْ دَفَعَ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلسَّلْبِ وَإِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلنَّاهِبِينَ؟ أَلَيْسَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ وَلَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْلُكُوا فِي طُرُقِهِ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِشَرِيعَتِهِ. ٢٥ فَسَكَبَ عَلَيْهِ حُمُوَّ غَضَبِهِ وَشِدَّةَ ٱلْحَرْبِ، فَأَوْقَدَتْهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ، وَأَحْرَقَتْهُ وَلَمْ يَضَعْ فِي قَلْبِهِ».

٢ملوك ٢٥: ٩ هوشع ٧: ٩

يكلم كل السامعين كلام الرب وهو طالب منهم الحكم من جهة إسرائيل. وإرميا (ص ٤٤: ١٧ – ١٩) يذكر قول اليهود الساكنين في مصر أنهم كانوا شبعوا من الخبز لما سجدوا لملكة السماوات أي عشتورث أو الزهرة ولما كفوا عن التبخير لها احتاجوا إلى كلٍّ وفنوا بالسيف والجوع. وقولهم هذا دليل على أنهم احتاجوا إلى هذا التعليم من إشعياء وهو أن مصائبهم هي من الرب فأصابتهم لانهم تركوه.

أَخْطَأْنَا النبي يقر بأنه اشترك معهم في خطاياهم.

فَأَوْقَدَتْهُ أي الحرب أوقدت إسرائيل ويشير إلى ما جاء في (٢ملوك ٢٥: ٨ – ١٠) حيث قيل أن الكلدانيين أحرقوا بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم.

فوائد للوعاظ

لا يصيح (ع ٢)

العمل بالهدوء

  1. الله يعمل بالهدوء في الطبيعة وأمثلة ذلك سيارات الأجرام السماوية والنمو في النباتات وفعل الشمس والندى.
  2. الله يعمل بالهدوء في الإنسان. مثلاً نمو جسمه من الطفولية إلى البلوغ ونمو قواه العقلية.
  3. الله يعمل بالهدوء في تخليص الإنسان فإن الكلمة تنغرس في القلب وتنمو والناس نيام (مرقس ٤: ٢٦) والحياة مقدمة للناس حتى يختاروها والوعاظ يطلبون من الناس أن يتصالحوا مع الله وأكثر نجاح التبشير يكون بالكلام الهادئ مع الناس أفراداً.

لتفتح عيون العمي (ع ٧)

العمى الروحي

  1. البعض يبصرون ولا ينتبهون كما أننا كثيراً ما نمشي في طريق وأعيننا مفتوحة غير أننا لا ننتبه ونكون كأننا لا نرى.
  2. البعض يرون ما يريدون أن يروه فقط مثلاً لا يرون في أعدائهم إلا النقائص ولا يرون في أصدقائهم إلا الفضائل غير أنه يوجد في الأعداء فضائل ويوجد في أصدقائهم نقائص وكذلك في البحث لا يرون إلا ما يثبت اعتقادهم الأصلي.
  3. العمى الروحي لا يكون إلا بإرادة الإنسان فيكون خطية بخلاف العمى الجسدي فيحتاج إلى فعل روح الله في قلبه.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى