إشعياء

سفر إشعياء | 40 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَرْبَعُونَ

من ص ٤٠ إلى نهاية السفر قسم جديد من إشعياء والأرجح أنه كتبه في آخر حياته في أيام منسى بن حزقيا الذي عمل الشر وعاد فبنى المرتفعات وأقام مذابح للبعل وبنى مذابح لكل جند السماء في داري بيت الرب وسفك دماً بريئاً كثيراً جداً حتى ملأ أورشليم. وربما كانت أحوال إشعياء في آخر حياته مثل أحوال يوحنا الرسول في شيخوخته لأن يوحنا كان منفياً في جزيرة بطمس من أجل كلمة الله فرأى في رؤيا الأمور المختصة بشعب الله إلى انقضاء الدهر والكنيسة المجيدة في السماء. وهكذا اضطر إشعياء في شيخوخته أن ينفرد عن العالم ورفع نظره عن رجاسات الملك وشعب اليهود فرأى في رؤيا الأمور المذكورة في هذا القسم من نبوءاته وكتبها لإفادة الأجيال القادمة. وبسبب هذه الأحوال غير الموافقة لم يذكر الملك ولا غيره شيئاً من حوادث عصره فتكلم كأنه ليس في الجسد بل قد انتقل بالروح إلى المستقبل البعيد.

في القسم الأول من نبوءات إشعياء نبوءات متنوعة مختلفة باختلاف أحوال المكان والزمان كالنبوءات بخصوص أورشليم والسامرة وبابل وموآب الخ. وأما القسم الثاني من إشعياء فكله كلام مرتب ومتصل كأنه خطاب واحد. والكلام في ذاته لا يوجد أسمى منه وهو مفيد لكل جيل وفيه تعزية وتنشيط لشعب الله اليوم كما كان في أيام إشعياء ومواضيع هذا القسم من النبوءة ما يأتي:

  1. الله أي لا يوجد إلا إله واحد فقط وهو الإله الحي الحقيقي. والنبي قابل الرب بالأصنام ووصف قدرته ومعرفته وقداسته بأفصح العبارات وأبان حقارة الأصنام صنعة أيدي الناس وجهالة الذين يسجدون لها. وفي مدة السبي تأمل الشعب في هذا التعليم وانتبهوا له بسبب الضيق ولم يسجدوا بعد السبي للأصنام.
  2. الشعب كان منهم مؤمنون والأكثرون غير مؤمنين فللمؤمن تعزية ومواعيد بالخلاص لا من سبي بابل فقط بل من الخطية أيضاً. والرجوع من بابل مثال وعربون الخلاص الأعظم. وللأشرار إنذار ليتركوا طرقهم ويتوبوا إلى الرب فيرحمهم.
  3. المخلص في حال اتضاعه وفي حال ارتفاعه.
  4. الكنيسة أي الدين الحقيقي لا ينحصر في أورشليم ولا في الهيكل ورسومه فإنهم وجدوا الله في بابل وهناك سمع صلواتهم وقبل عبادتهم مع كونها بلا هيكل ولا ذبائح وتعلموا أن الله هو إله كل بني البشر فالكنيسة المستقبلة تعم الأمم أيضاً ويمتد خلاص الله إلى أقصى الأرض. وهذا كله تعليم جديد لليهود لأنهم قبل السبي لم يفهموا كما يجب السجود لله بالروح والحق بل نظروا إلى وسائط السجود الجسدية والوقتية كالهيكل والذبائح ولم يفهموا عموم الخلاص وانضمام الأمم.

انظر مقدمة فصل ١٢ في صدق نسبة هذه الأصحاحات إلى إشعياء.

ومضمون الأصحاح الأربعين هو أن الرب آت إلى شعبه فعليهم أن يعزوا بعضهم ويهيئوا الطريق له وهو الإله الحقيقي والقادر على كل شيء والصادق في كل أقواله.

١ «عَزُّوا عَزُّوا شَعْبِي يَقُولُ إِلٰهُكُمْ».

عَزُّوا عَزُّوا التكرار للتأكيد كقوله «لأرئيل لأرئيل» (ص ٢٩: ١) وقوله «الرب الرب الرب» (ص ٣٣: ٢٢) وقوله «الحي الحي» (ص ٣٨: ١٩) وقوله «انهضي انهضي» (ص ٥١: ١٧). والمخاطَبون معلمو الشعب أي الأنبياء والكتبة. والشعب أيضاً يعزون بعضهم بعضاً وأحسن تعزية هي كلمة «شعبي» أي لم يزل الله يقبلهم كشعبه. وكلمة «إلهكم» أي لم يزل الله إلههم. وهذه التعزية في مقدمة القسم الثاني من النبوءة توافق خاتمة القسم الأول منها وهي نبوءة صريحة بسبي بابل (ص ٣٩: ٦ و٧).

٢ «طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمَلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا».

طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ ليس الساكنون في أورشليم في تاريخ النبوءة في آخر ملك حزقيا أو في ملك منسى القساة القلوب الذين كان السبي مقبلاً عليهم لأن النبي لا يقول لهؤلاء «جهادكم قد كمل» بل شعب الله في مدة السبي وفي كل زمان. والقلب مركز الأفكار السرية والعواطف والانفعالات كالخوف والرجاء والحزن والفرح فتعزية الله ليست مقصورة على تحسين الأحوال الخارجية.

جِهَادَهَا قَدْ كَمَلَ رأى النبي في الرؤيا أنه قد كمل غير أن المخاطبين هم الساكنون في بابل مدة السبي وفي القول تعزية كأنه قال عن قريب يكمل جهادكم والباقي من زمان الضيق قليل وكلا شيء. وكان المسبيون في بابل محتاجين إلى التعزية لأنهم كانوا بعيدين عن وطنهم وكانت مدينتهم خربة وهيكلهم مهدوماً وكان عليهم في بابل أعمال شاقة وتعييرات الأمم وكانوا حسب الظاهر مرفوضين من إلههم.

ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا ليس المراد أن آلامهم مهما كانت شديدة تكفر عن الخطية بل هو ما يأتي:

  1. إن التأديب المعيّن لهم من الله قد كمل.
  2. إن دم المسيح يكفر خطايا المؤمنين تماماً مهما كانت عظيمة. كأن الإنسان دفع المطلوب منه مرتين لا واحدة فلا يطالب أيضاً والقول للتأكيد. والأمر المهم هنا غفران خطايا شعب الله ورجوع الله إليهم لا مجرد رجوع اليهود من بابل.

٣، ٤ «٣ صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي ٱلْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلٰهِنَا. ٤ كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ ٱلْمُعَوَّجُ مُسْتَقِيماً وَٱلْعَرَاقِيبُ سَهْلاً».

متّى ٣: ٣ ومرقس ١: ٣ ولوقا ٣: ٤ ويوحنا ١: ٢٣ ملاخي ٣: ١ مزمور ٦٨: ٤ وص ٤٩: ١١ ص ٤٥: ٢

مثّل النبي الرب راجعاً مع شعبه إلى أورشليم كملك سائر أمام جيشه والملك يرسل أمامه سابقاً ليعد أمامه الطريق. وتمت هذه النبوءة في يوحنا المعمدان الذي كان سابقاً للمسيح.

صَوْتُ نسمع صوتاً ولا نرى أحداً. أي الأهمية للقول لا للقائل.

ٱلْقَفْرِ القفر بين بابل وأورشليم وبرية اليهودية أيضاً حيث كرز يوحنا المعمدان. وهكذا على كل من يطلب خلاص نفسه أن يؤمن بأن الله يغفر الخطايا وإنه يغفرها إكراماً للمسيح ثم عليه أن يعد طريق الرب ويدفع الكسل والفتور ويدوس الكبرياء ويقوّم أعماله المعوجّة.

٥ «فَيُعْلَنُ مَجْدُ ٱلرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً، لأَنَّ فَمَ ٱلرَّبِّ تَكَلَّمَ».

أعلن مجد الرب في الرجوع من بابل وفي تجسد المسيح أيضاً وحياته على الأرض وموته وهذا الإعلان لكل بشر لا لليهود فقط. كان مجد الرب خفياً في مدة السبي كما تحجب الشمس من غيم وأُعلن في يوم الخلاص.

٦ – ٨ «٦ صَوْتُ قَائِلٍ: نَادِ. فَقَالَ: بِمَاذَا أُنَادِي؟ كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ، وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ ٱلْحَقْلِ. ٧ يَبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلزَّهْرُ، لأَنَّ نَفْخَةَ ٱلرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ. حَقّاً ٱلشَّعْبُ عُشْبٌ! ٨ يَبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلٰهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى ٱلأَبَدِ».

أيوب ١٤: ٢ ومزمور ٩٠: ٥ و١٠٢: ١١ و١٠٣: ١٥ ويعقوب ١: ١٠ و١بطرس ١: ٢٤ مزمور ١٠٣: ١٦ يوحنا ١٢: ٣٤ و١بطرس ١: ٢٥

سمع النبي صوتاً قائلاً «ناد» ثم قال النبي «بماذا أنادي» فقال الصوت «كل جسد عشب الخ» وتشير كلمة «عشب» إلى ضعف الإنسان وقصر أيامه وربما كان في ذلك إشارة إلى أن ممالك أشور وبابل وغيرهما لا تبقى إلى الأبد والذين توفوا من بني إسرائيل في مدة السبي وهم القسم الأكبر لأن مدة السبي كانت ٧٠ سنة وقد مضى جيل وقام آخر ولكن مواعيد الله لا تتغير.

جَمَالِهِ أي جمال الإنسان الجسدي وكل ما للجسد كالملبوسات والأبنية وآلات أعماله وحروبه وكذلك علومه وقواه العقلية.

نَفْخَةَ ٱلرَّبِّ كما أن العشب يبس أمام الريح الشرقية هكذا الإنسان بيد الرب فيأخذ منه حياته وخيراته متى شاء. يقصر الناس عن وفاء مواعيدهم لقصر أيامهم فيموتون قبل إتمام الوعد أو من ضعفهم أو فقرهم أو من وقوع حوادث غير منتظرة أو ضعف عقولهم فينسون المواعيد أو يندمون عليها ولكن ليس الرب كإنسان فمواعيده ثابتة إلى الأبد.

٩، ١٠ «٩ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ ٱصْعَدِي يَا مُبَشِّرَةَ صِهْيَوْنَ. ٱرْفَعِي صَوْتَكِ بِقُوَّةٍ يَا مُبَشِّرَةَ أُورُشَلِيمَ. ٱرْفَعِي لاَ تَخَافِي. قُولِي لِمُدُنِ يَهُوذَا: هُوَذَا إِلٰهُكِ. ١٠ هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ».

ص ٤١: ٢٧ و٥٢: ٧ ص ٥٩: ١٦ ص ٦٢: ١١ ورؤيا ٢٢: ١٢ ص ٤٩: ٤

يَا مُبَشِّرَةَ صِهْيَوْنَ مثّل النبي مبشرة مرسلة إلى صهيون. يقول في (ص ٤١: ٢٧ وفي ص ٥٢: ٧) «مبشراً» أي التبشير أمر موافق للجنسين للرجل وللمرأة أيضاً (ففي مزمور ٦٨: ١١) «ٱلْمُبَشِّرَاتُ بِهَا جُنْدٌ كَثِيرٌ». إن مريم المجدلية كانت أول من بشر بقيامة المسيح. وعلى هذه المبشرة أن تصعد على جبل عال وترفع صوتها أي هذه البشارة مهمة وهي لجميع اليهود. وليس عليها خوف من جهة تتميم النبوءة أو صحة البشارة لأن الرب يأتي بقوة.

مُبَشِّرَةَ أُورُشَلِيمَ هكذا المسيح بشر اليهود وأمر تلاميذه أن يبتدئوا من أورشليم واليهودية.

لِمُدُنِ يَهُوذَا كانت جميع مدن يهوذا خربة لا أورشليم وحدها. والمبشرة تبشر هذه المدن الخربة أنها ستُبنى وتُسكن. ومضمون هذه البشارة أن الرب يأتي.

ذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ أي أنه يحكم بالقوة.

أُجْرَتُهُ مَعَهُ رأى بعضهم أن الأجرة هي البركات التي يعطيها لشعبه عند مجيئه ولكن الأرجح أن الأجرة هي التي يأخذها الرب لا التي يعطيها فبموجب هذا التفسير أجرة الرب شعبه المفديون كما أن أجرة الراعي هي القطيع الماشي أمامه كقطعان يعقوب التي اشتراها بتعبه وخدمته في فدان آرام وأخذها إلى أرض كنعان. وهكذا المسيح يأخذ المفديين إلى كنعان السماوية (انظر أعمال ٢٠: ٢٨ كنيسة الله التي اقتناها بدمه).

١١ «كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ ٱلْحُمْلاَنَ وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا، وَيَقُودُ ٱلْمُرْضِعَاتِ».

ص ٤٩: ١٠ وحزقيال ٣٤: ٢٣ و٣٧: ٢٤ ويوحنا ١٠: ١١ وعبرانيين ١٣: ٢٠ وبطرس ٢: ٢٥ و٥: ٤ ورؤيا ٧: ١٧

كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ الرب يأتي كراع لا كملك فقط والراعي يجمع في نفسه القوة والحنو. فالقوة لكي يحامي عن القطيع. والحنو لكي يربضه في مراع خضر ويورده إلى مياه الراحة ويرحم الضعيف كالحملان والمرضعات وأحسن مثال لذلك الرب يسوع المسيح الذي تحنن على الجموع واحتضن الأولاد وبذل نفسه عن خرافه. وعلى كل راعي نفوس أن يشفق على كل الصغار كالضعفاء والفقراء والمرضى والحزانى والأولاد والضعفاء بالمعرفة والإيمان ويجمع الحملان المشتتة الضائعة أي الذين تاهوا عن الرب بالجهل والخطية.

١٢ «مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ ٱلْمِيَاهَ، وَقَاسَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِٱلشِّبْرِ، وَكَالَ بِٱلْكَيْلِ تُرَابَ ٱلأَرْضِ، وَوَزَنَ ٱلْجِبَالَ بِٱلْقَبَّانِ وَٱلآكَامَ بِٱلْمِيزَانِ؟».

أمثال ٣٠: ٤

من هذه الآية إلى آخر الأصحاح يصف النبي الرب القادر على كل شيء والعارف كل شيء والرحيم الرؤوف بألفاظ وتشبيهات لا يوجد أعلى منها. وغاية الكلام البيان أن الرب قارد أن يتمم كل ما وعدهم به وأنه يعطي قوة لشعبه. وأفضل شيء لإسرائيل هو أن يعرفوا الله كما هو والرجوع إليه أفضل من الرجوع إلى أرضهم. كان اليهود في بابل قد نظروا هياكل عظيمة وجميلة وأصنامها من الذهب ومن الفضة ومنه هيكل البعل وهو ثمانية أبراج الواحد فوق الآخر وفيه تمثال البعل من الذهب الخالص. ونظروا كثرة الساجدين لهذه الأصنام وعظمة مدينتهم وغناهم فكان بعض اليهود تركوا الله الذي لم يروه ولجأوا إلى الأصنام التي كانت أمامهم والنبي يكلمهم أولاً (ع ١٢ – ١٦) ثم (ع ٢٧ – ٣١) يكلم الذين لم يتركوا الرب تماماً ولكنهم شكوا في قدرته ومحبته لهم كأنه كان قد تركهم.

المكاييل المذكورة هنا كلها صغيرة «الكف والشبر والكيل» ومع ذلك كف الرب يسع البحار وشبر الرب يقيس السماوات وكيل الرب يكيل كل تراب الأرض وميزانه يزن الجبال. والمراد بهذه التشبيهات:

  1. إن الله هو الخالق العظيم وأعظم مخلوقاته كالبحار والجلَد والجبال كلا شيء عنده.
  2. إن الله ضابط الكل ولكل شيء ميزان وقياس ونظام وترتيب فلا ينسى شيئاً ولا أحداً.

والنبي يذكر ذراع الرب وكفه وشبره غير أن الرب يفوق الأصنام ويفوق بني البشر بما لا يقاس لأنه روح جسد وخالق غير مخلوق.

١٣ – ١٥ «١٣ مَنْ قَاسَ رُوحَ ٱلرَّبِّ، وَمَنْ مُشِيرُهُ يُعَلِّمُهُ؟ ١٤ مَنِ ٱسْتَشَارَهُ فَأَفْهَمَهُ وَعَلَّمَهُ فِي طَرِيقِ ٱلْحَقِّ، وَعَلَّمَهُ مَعْرِفَةً وَعَرَّفَهُ سَبِيلَ ٱلْفَهْمِ.؟ ١٥ هُوَذَا ٱلأُمَمُ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ، وَكَغُبَارِ ٱلْمِيزَانِ تُحْسَبُ. هُوَذَا ٱلْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّةٍ!».

أيوب ٢١: ٢٢ و٣٦: ٢٢ و٢٣ ورومية ١١: ٣٤ و١كورنثوس ٢: ١٦

لا أحد يقدر أن يقيس قدرة الرب فيقول أنه قادر على كذا وكذا وليس قادر على كذا وكذا وهكذا لا أحد يقدر أن يقيس معرفة الرب فيذكر ما يعرفه وما لا يعرفه.

رُوحَ ٱلرَّبِّ لا يشير إلى الأقنوم الثالث باللاهوت بل إلى قوة الرب في المعرفة والإدراك كالعقل في الإنسان.

مَنْ مُشِيرُهُ أي لا أحد يقدر أن يزيد على معرفته شيئاً.

هُوَذَا ٱلأُمَمُ كَنُقْطَةٍ الخ الذي يستقي ماء لا يشعر إذا سقطت قطرة ماء من الدلو. وكذلك الغبار لا يرجح الميزان وهكذا الأمم وهم ملايين من الناس وجيوش الأمم المسلحة للحرب جميعها كلا شيء عند الرب. غير أننا لا نستنتج من ذلك أن الرب يحتقر الإنسان لأنه أرسل ابنه إلى العالم ليخلصه وهو يسمع ويستجيب لكل فرد من المؤمنين.

ٱلْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّةٍ جاءت كلمة جزائر كثيراً في هذا السفر ومعناها جزائر البحر وشطوط البحر وممالك الأمم عبر البحر أي إلى جهة الغرب ولا شك في أن روح الرب نظر إلى أيامنا حيث امتد الإنجيل كثيراً إلى جهة الغرب أي في قارة أوربا وقارة أميركا.

١٦، ١٧ «١٦ وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِياً لِلإِيقَادِ، وَحَيَوَانُهُ لَيْسَ كَافِياً لِمُحْرَقَةٍ. ١٧ كُلُّ ٱلأُمَمِ كَلاَ شَيْءٍ قُدَّامَهُ. مِنَ ٱلْعَدَمِ وَٱلْبَاطِلِ تُحْسَبُ عِنْدَهُ».

دانيال ٤: ٣٥ مزمور ٦٢: ٩

وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِياً لِلإِيقَادِ الرب كان يرضى بالمحرقات والذبائح من اليهود ولكن كان ذلك نظراً إلى قلوب الذين قدموها لا إلى قيمتها بذاته لأنه خلق كل شيء والناس لا يقدرون أن يقدموا له إلا مما له.

١٨ – ٢٠ «١٨ فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ ٱللّٰهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ ١٩ اَلصَّنَمُ يَسْبِكُهُ ٱلصَّانِعُ، وَٱلصَّائِغُ يُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ وَيَصُوغُ سَلاَسِلَ فِضَّةٍ. ٢٠ ٱلْفَقِيرُ عَنِ ٱلتَّقْدِمَةِ يَنْتَخِبُ خَشَباً لاَ يُسَوِّسُ، يَطْلُبُ لَهُ صَانِعاً مَاهِراً لِيَنْصُبَ صَنَماً لاَ يَتَزَعْزَعُ!».

ع ٢٥ وص ٤٦: ٥ وأعمال ١٧: ٢٩ ص ٤١: ٦ و٧ و٤٤: ١٢ الخ وإرميا ١٠: ٣ الخ ص ٤١: ٧ وإرميا ١٠: ٤

فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ ٱللّٰهَ سأل النبي هذه السؤال ثم ذكر جواب الوثنيين لسؤاله وأبان غباوة الذين يشبهون الله بأصنامهم. وذكر نوعين من الأصنام الواحد من معدن مغشى بالذهب والثاني من الخشب لكون صانعه فقيراً. فيظهر من المقابلة بين الرب والأصنام.

  1. إن الرب واحد والأصنام كثيرة.
  2. الرب صنع كل شيء والأصنام صنعة أيدي الناس.
  3. إن الرب قادر على كل شيء والأصنام تحتاج إلى أن تُنصب وتُربط بسلاسل لئلا تتزعزع.
  4. إن الرب منذ الأزل وإلى الأبد والصنم ولو كان من المعدن أو من الخشب لا يأكله السوس له نهاية كما له بداءة.

٢١ «أَلاَ تَعْلَمُونَ؟ أَلاَ تَسْمَعُونَ؟ أَلَمْ تُخْبَرُوا مِنَ ٱلْبَدَاءَةِ؟ أَلَمْ تَفْهَمُوا مِنْ أَسَاسَاتِ ٱلأَرْضِ؟».

مزمور ١٩: ١ وأعمال ١٤: ١٧ ورومية ١: ١٩ و٢٠

أَلاَ تَعْلَمُونَ كأن النبي لم يقدر أن يضبط نفسه فيقول لماذا نكثر الكلام في عظمة الله وبطل الأصنام فإن جميع الناس حتى الجهال يعرفون هذا الأمر. ألا تعلمون وأنتم شعب الله الخاص. ومصادر معرفتهم:

  1. إعلانات الرب المتضمنة في الكتب المقدسة وموضوع هذه الإعلانات أعمال الله منذ البداءة أي من حين وضع أساسات الأرض وصاعداً.
  2. الخليقة والوثنيون أيضاً يجب أن يعرفوا الله من المصنوعات (رومية ١: ٢٠).

٢٢ «ٱلْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ ٱلأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَٱلْجُنْدُبِ. ٱلَّذِي يَنْشُرُ ٱلسَّمَاوَاتِ كَسَرَادِقَ، وَيَبْسُطُهَا كَخَيْمَةٍ لِلسَّكَنِ».

أيوب ٩: ٨ ومزمور ١٠٤: ٢ وص ٤٢: ٥ و٤٤: ٢٤ و٥١: ١٣ وإرميا ١٠: ١٢

كُرَةِ ٱلأَرْضِ الفلك كنصف كرة أو قبة والله جالس في أعلاه.

وَسُكَّانُهَا كَٱلْجُنْدُبِ كأصغر شيء وأضعف شيء من المخلوقات.

كَسَرَادِقَ غطاء من نسيج ناعم فوق الخيمة (وفي كتب اللغة العربية الفسطاط الذي يمد فوق صحن البيت).

كَخَيْمَةٍ أي السماوات وهي أعظم ما نراه من المخلوقات هي كخيمة عند الناس.

٢٣ – ٢٥ «٢٣ ٱلَّذِي يَجْعَلُ ٱلْعُظَمَاءَ لاَ شَيْئاً، وَيُصَيِّرُ قُضَاةَ ٱلأَرْضِ كَٱلْبَاطِلِ. ٢٤ لَمْ يُغْرَسُوا بَلْ لَمْ يُزْرَعُوا وَلَمْ يَتَأَصَّلْ فِي ٱلأَرْضِ سَاقُهُمْ. فَنَفَخَ أَيْضاً عَلَيْهِمْ فَجَفُّوا، وَٱلْعَاصِفُ كَٱلْعَصْفِ يَحْمِلُهُمْ. ٢٥ فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟ يَقُولُ ٱلْقُدُّوسُ».

أيوب ١٢: ٢١ ومزمور ١٠٧: ٤٠ تثنية ٤: ١٥ الخ وع ١٨

كان النبي قابل الرب بالخليقة والأمم والأصنام وهنا قابله بالعظماء كالملوك الذين في القديم كان لهم من السلطة والمجد أكثر ما يمكن لبني البشر.

لَمْ يُغْرَسُوا المعنى (١) أن الملوك بشر فيموتون وممالكهم أيضاً تخرب كالأشوريين والكلدانيين.

(٢) الملوك لا يقدرون أن يقاوموا الرب ولا يجروا مقاصدهم بل هم كالعصف تحمله الريح.

ٱلْقُدُّوسُ معنى هذه الكلمة الأصلي «المفروز وحده» أي لا أحد يساويه بالقدرة والمجد والقداسة.

٢٦ «ٱرْفَعُوا إِلَى ٱلْعَلاَءِ عُيُونَكُمْ وَٱنْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ هٰذِهِ؟ مَنِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟ لِكَثْرَةِ ٱلْقُوَّةِ وَكَوْنِهِ شَدِيدَ ٱلْقُدْرَةِ لاَ يُفْقَدُ أَحَدٌ».

مزمور ١٤٧: ٤

ٱرْفَعُوا إِلَى ٱلْعَلاَءِ النجوم مشبهة بجند والرب قائدهم. وعدد النجوم ونظامها وحركاتها فوق إدراك البشر وكلما تقدم الناس في علم الفلك يزدادون عجباً من عظمة الخالق ولا شك أن المسبيين في بابل تذكروا هذا الكلام وكانوا يتعزون به كلما رفعوا عيونهم إلى العلاء. لم يروا على الأرض إلا شدة وضيقاً. لم يروا رجاء ولا تعزية ولكم كلمتهم نجوم السماء وقالت لهم إن الله موجود ولا يتغير وهو يرى كل شيء وهو القادر على كل شيء. وهذه النجوم التي كان أهل بابل يعبدونها هي خلائق الله وكلها في يده.

يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ بواسطة المرقب (النظارة الفلكية) تُرى نجوم كثيرة لا تُرى بالعين وحدها وصنع حديثاً مرقب عظيم جداً كشف عن ستين ألف نجم لم تُر سابقاً. فما أعظم عدد النجوم كلها لا يقدر أحد أن يعدها ولا يُعطي كلا منها اسماً ولكن الرب يدعوها بأسماء. فكم بالحري يعرف كل بني البشر أفراداً ويدعو كلاً منهم باسمه (يوحنا ١٠: ٣).

٢٧ «لِمَاذَا تَقُولُ يَا يَعْقُوبُ وَتَتَكَلَّمُ يَا إِسْرَائِيلُ: قَدِ ٱخْتَفَتْ طَرِيقِي عَنِ ٱلرَّبِّ وَفَاتَ حَقِّي إِلٰهِي؟».

يَعْقُوبُ… إِسْرَائِيلُ بمعنى واحد.

ٱخْتَفَتْ طَرِيقِي أي حياتهم ومصائبهم وضيقاتهم فظنوا أن الرب لا يعرف أو أنه لا يهتم بهم فيقول لهم النبي إن الذي يوقد جيوش السماء يقدر أن يخلص شعبه من جيوش بابل والذي يدعو النجوم بأسماء فلا يُفقد أحد هو يعرف أحوال شعبه ولا ينسى أحداً منهم.

وَفَاتَ حَقِّي إِلٰهِي كانوا مظلومين في بابل ولا أحد سأل عنهم أو قضى لهم ومن ضعف إيمانهم ظنوا الرب أيضاً تركهم.

٢٨ «أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلٰهُ ٱلدَّهْرِ ٱلرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ».

مزمور ١٤٧: ٥ ورومية ١١: ٣٣

لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا الناس يكلون من طول الزمان وظهر لليهود بعد مرور سبعين سنة أن الرب كلّ فلم يحبهم ولا اعتنى بهم كما في القديم. والناس يعيون من عظمة العمل وظهر لليهود أن الخلاص من العبودية والرجوع إلى أورشليم صارا من الأمور المستحيلة.

لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ لم يقدر بنو إسرائيل أن يدركوا أعمال الله ولا أن يفهموا مقاصده في تأديبهم فلا يجب أن يشكوا في قدرته وحكمته ومحبته.

٢٩ «يُعْطِي ٱلْمُعْيِيَ قُدْرَةً وَلِعَدِيمِ ٱلْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً».

يُعْطِي ٱلْمُعْيِيَ الرب لا يخلص شعبه كمن يحمل طفلاً بلا عمل منهم بل يعطيهم قدرة وشدة فيمشون. وهكذا منتظرو الرب يجددون قوة لأن الرب لا يعمل لهم فقط بل أيضاً يعمل فيهم. إن الرب قادر على كل شيء فالذين ينتظرونه يستطيعون كل شيء بقوّته. ويجددون قوة لأن القوة الروحية تشبه القوة الجسدية لأنها إن لم تتجدد تفنى. وكما أن التجارب التي تصيب المؤمنين تتجدد يومياً كذلك يحتاجون تجديد القوة يومياً.

٣٠، ٣١ «٣٠ اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَٱلْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّراً. ٣١ وَأَمَّا مُنْتَظِرُو ٱلرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَٱلنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ، يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ».

مزمور ١٠٣: ٥

إن الله أعلن لشعبه المستقبل البعيد فكانوا ينظرون إليه كما ينظر الناس إلى جبل بعيد عنهم بينهم وبينه أودية عميقة جداً فلا يصل إليه إلا النسور.

يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَٱلنُّسُورِ يشير إلى إيمانهم الذي به ينظرون المواعيد ويصدقونها ويحيّونها.

يَرْكُضُونَ يدل على غيرتهم لأنهم يقدمون أنفسهم لخدمة الله من كل قلوبهم وبأعمالهم وصلواتهم يطلبون سرعة مجيء الرب. وهذه الغيرة ليست وقتية لأنهم لا يتعبون.

يَمْشُونَ يدل على الثبات لأن الإيمان الحي والغيرة الحقيقية يظهران في الأمانة والاجتهاد في تتميم الواجبات الصغيرة واليومية وذلك على الدوام. فالثبات في الإيمان والغيرة تكملة ما يُطلب من كل مسيحي.

فوائد للوعاظ

عزوا عزوا شعبي يقول الرب (ع ١)

  1. شروط التعزية وهي ترك الخطية والاعتراف بها والصلاة فلا يعزينا الرب إلا تحت هذه الشروط.
  2. وسائط التعزية. وهي أصدقاؤنا ومرشدونا في الرب ومطالعة الكتاب المقدس وفعل الروح القدس في قلوبنا.
  3. نتائج التعزية. وهي الفرح والشكر وزيادة الغيرة في خدمة الرب وتعزية المحزونين.

كراع يرعى قطيعه (ع ١١)

  1. يحب قطيعه. وهو خاصته «أَنَا لِحَبِيبِي وَإِلَيَّ ٱشْتِيَاقُهُ» (نشيد الأنشاد ٧: ١٠).
  2. يرعى قطيعه. في مراع خضر. يقدم لهم نفسه وهو خبز الحياة.
  3. يقود قطيعه. بتعليمه وقدوته وروحه.
  4. يحامي عن قطيعه. لا ينعس ولا ينام. وهو القدير.
  5. يطلب ويخلص الضالين.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى