سفر إشعياء | 39 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
١، ٢ «١ فِي ذٰلِكَ ٱلزَّمَانِ أَرْسَلَ مَرُودَخُ بَلاَدَانَ بْنُ بَلاَدَانَ مَلِكُ بَابِلَ رَسَائِلَ وَهَدِيَّةً إِلَى حَزَقِيَّا، لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ مَرِضَ ثُمَّ صَحَّ. ٢ فَفَرِحَ بِهِمْ حَزَقِيَّا وَأَرَاهُمْ بَيْتَ ذَخَائِرِهِ: ٱلْفِضَّةَ وَٱلذَّهَبَ وَٱلأَطْيَابَ وَٱلزَّيْتَ ٱلطَّيِّبَ وَكُلَّ بَيْتِ أَسْلِحَتِهِ وَكُلَّ مَا وُجِدَ فِي خَزَائِنِهِ. لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ لَمْ يُرِهِمْ إِيَّاهُ حَزَقِيَّا فِي بَيْتِهِ وَفِي كُلِّ مُلْكِهِ».
٢ملوك ٢٠: ١٢ الخ و٢أيام ٣٢: ٣١
كانت بابل تحت حكم أشور غير أن مردوخ بلادان كان قد عصى سرجون ملك أشور قبل تاريخ هذه الحادثة فملك في بابل ١٢ سنة ثم حاربه سرجون وعزله وبعد أربع سنين من ذلك مات سرجون وعصى مردوخ بلادان ابنه سنحاريب فملك ثانية في بابل ثمانية أشهر ثم عُزل ثانية وهرب إلى عيلام. وغايته في الرسائل والهدية لحزقيا أولاً التهنئة له بشفائه وثانياً الاستخبار عن عجيبة رجوع الظل لأن البابليين كانوا من الراغبين في علم الفلك وثالثاً المعاهدة مع حزقيا في محاربة سنحاريب فوبخ إشعياء حزقيا لأنه أراه ذخائره وأسلحته مما يدل على الافتخار وعلى الاتحاد بملوك الأمم. وكانت هذه الرسالة في السنة العاشرة من مردوخ بلادان.
والظاهر أن حزقيا أخطأ في قضية أخرى لأن هؤلاء الرسل أتوا من بابل ليستخبروا عن العجيبة فكان له فرصة أن يبين لهم قدرة إله إسرائيل ورحمته استجابة للصلاة وكان قد قال في كتابته (ص ٣٨: ١٩) «ٱلْحَيُّ هُوَ يَحْمَدُكَ كَمَا أَنَا ٱلْيَوْمَ» ولكن روح الافتخار غلبه. قيل في (٢أيام ٣٢: ٢٥) «وَلٰكِنْ لَمْ يَرُدَّ حَزَقِيَّا حَسْبَمَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ لأَنَّ قَلْبَهُ ٱرْتَفَعَ» ولعله خير له لو لم يعرف أجله تماماً. ونستفيد من أمر حزقيا أن الإنسان أحياناً يتقوى في الروحيات بواسطة الضيقات والآلام ويضعف في الروحيات في وقت الصحة والأمان غير أن الخيرات الجسدية تقدس بكلمة الله والصلاة فلا تكون للخطية. وقيل في (٢أيام ٣٢: ٣١) «تَرَكَهُ ٱللّٰهُ لِيُجَرِّبَهُ لِيَعْلَمَ كُلَّ مَا فِي قَلْبِهِ» وربما المعنى أن الله لم يرسل إليه نبياً ليعلّمه واجباته أو يحذره من التجارب وبموجب عقله وضميره بلا إعلان خاص من الله. ولا يدل ذلك على غضب الله عليه لأن الخدمة العقلية مرضية عند الله أكثر من الطاعة بلا تمييز كعادة الأطفال. كما أن النبوءات والإعلانات كانت ضرورية في طفولية الكنيسة كان انقطاعها اليوم مما يدل على نموها.
٣ «فَجَاءَ إِشَعْيَاءُ ٱلنَّبِيُّ إِلَى ٱلْمَلِكِ حَزَقِيَّا وَسَأَلَهُ: مَاذَا قَالَ هٰؤُلاَءِ ٱلرِّجَالُ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا إِلَيْكَ؟ فَقَالَ حَزَقِيَّا: جَاءُوا إِلَيَّ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ بَابِلَ».
فَجَاءَ إِشَعْيَاءُ لم يطلبه الملك ولكنه جاء ووبخه بلا خوف لأنه نبي ومرسل من الرب إلى الملك ومن واجبات وظيفته توبيخ الملوك باسم الرب إذا أخطأوا. وهكذا ناثان وبخ داود (٢صموئيل ١٢: ١ – ١٢). وجاد (٢صموئيل ٢٤: ١١ – ١٤). وحنان وبخ آسا (٢أيام ١٦: ٧ – ٩). وياهو وبخ يهوشافاط (٢أيام ١٩: ٢ و٣) وهم من الملوك الصالحين وكان إشعياء قد وبخ آحاز الملك الشرير (ص ٧: ١ – ١٧).
مَاذَا قَالَ هٰؤُلاَءِ ٱلرِّجَالُ يشير إلى احتقار النبي لسفراء ملك بابل. وسؤال إشعياء بيّن عدم خوفه من الملك وثقته بأنه يسمع ويقبل التوبيخ. وكان إشعياء قد حذّر اليهود من الاتكال على مصر (ص ٣١) وهنا حذر الملك من الاتكال على بابل.
مِنْ أَيْنَ جَاءُوا لم يسأل هذا السؤال ليستخبر لأنه عرف وجميع أهل أورشليم عرفوا من أين جاءوا ولكن قصده بالسؤال هو أن حزقيا يقول إنهم جاءوا من بابل فيتنبأ إشعياء بسبي بابل. والظاهر أن حزقيا افتخر بمجيء سفراء من أرض بعيدة إليه لكونه ملكاً عظيماً.
٤، ٥ «٤ فَسَأَلَ: مَاذَا رَأَوْا فِي بَيْتِكَ؟ فَقَالَ حَزَقِيَّا: رَأَوْا كُلَّ مَا فِي بَيْتِي. لَيْسَ فِي خَزَائِنِي شَيْءٌ لَمْ أُرِهِمْ إِيَّاهُ. ٥ فَقَالَ إِشَعْيَاءُ لِحَزَقِيَّا: ٱسْمَعْ قَوْلَ رَبِّ ٱلْجُنُودِ».
ٱسْمَعْ قَوْلَ رَبِّ ٱلْجُنُودِ لم يخف النبي من الملك لكونه ملكاً ولا لكونه صديقه فكان أميناً في أمرين لا يوجد أصعب منهما وهما أنه عرفه إقبال موته (ص ٣٨: ١) وإنه وبخه على خطيته. وبما أن هذا القول من رب الجنود كان يجب على النبي أن يتكلم وعلى الملك أن يسمع.
٦، ٧ «٦ هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ وَمَا خَزَنَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ إِلَى بَابِلَ. لاَ يُتْرَكُ شَيْءٌ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٧ وَمِنْ بَنِيكَ ٱلَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْكَ ٱلَّذِينَ تَلِدُهُمْ يَأْخُذُونَ، فَيَكُونُونَ خِصْيَاناً فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ».
إرميا ٢٠: ٥ دانيال ١: ٢ و٣ و٧
تنبأ موسى بسبي (لاويين ٢٦: ٣٣) وبرجوع (تثنية ٣٠: ٣). وقال أخيا (١ملوك ١٤: ١٥) «ويبددهم إلى عبر النهر». وقال عاموس (عاموس ٥: ٢٧) «فأسبيكم إلى ما وراء دمشق». وقال ميخا (ميخا ٤: ١٠) «وتأتين إلى بابل». وكان ميخا في عصر إشعياء ولا نعرف أيهما نطق بنبوءته أولاً. ولكن نبوءة إشعياء هذه هي أول نبوءة واضحة بسبي بابل لأنه ذكُر فيها نقل كل خزائن بيت الملك واستعباد نسله في قصر ملك بابل وفي زمن هذه النبوءة وهي قبل سبي بابل بنحو ١٢٤ سنة كانت بابل مملكة ضعيفة وبعد زمن النبوءة بنحو سنتين حارب سرجون مردوخ بلادان وأخضع بابل فرجعت إلى ما كانت عليه فصارت ولاية من مملكة أشور. فلم يكن في عصر هذه النبوءة ما يدل على عظمة بابل ورسالة ملكها إلى حزقيا مما يدل على ضعفها. فتكون نبوءة إشعياء هذه وتمامها برهاناً قاطعاً على أنه تكلم بالوحي وأعلن ما لا يعرفه أحد غير الله وحده.
نشر حزقيا أمام الرب رسائل سنحاريب وكان خيراً له نشر أمامه رسائل مردوخ بلادان أيضاً فلم يسقط بسببها ويجب علينا أن نطلب من الرب أن يعتني بنا ويحفظنا في الأمور التي تظهر لنا أنها بسيطة كما نسأله ذلك في الأمور التي تظهر أنها صعبة.
ولا نستلزم هذه النبوءة أن سبي بابل كان نتيجة خطية حزقيا لأنه كان عقاباً على خطايا كثيرة من ملوك كثيرين ولا سيما منسى (٢ملوك ٢٤: ٣ و٤) ومن عموم الشعب أيضاً. وأما ذكر سبي بابل في هذا الوقت فكان على سبيل التوبيخ لحزقيا على خطيته بالافتخار أمام الرسل من بابل. انظر ما جاء في سفر الملوك الثاني وأخبار الأيام الثاني في منسى ويهوياقيم ويهوياكين. وذكر دانيال (دانيال ١: ٣ و٤) إن من نسل ملوك يهوذا من عُينوا للوقوف في قصر ملك بابل والأرجح أن هؤلاء كانوا خصياناً حسب العادة القديمة. وتقضى على الملك يهوياكين نحو ٣٧ سنة أسيراً في بابل.
يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ لا يقول ما في قلبك أي الكنوز المخزونة على الأرض تفنى وتزول وأما الكنوز الروحية المخزونة في قلب المؤمن فلا تزول ولا أحد يقدر أن يأخذ من حزقيا إيمانه ورجاءه بالله.
٨ «فَقَالَ حَزَقِيَّا لإِشَعْيَاءَ: جَيِّدٌ هُوَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ. وَقَالَ: فَإِنَّهُ يَكُونُ سَلاَمٌ وَأَمَانٌ فِي أَيَّامِي».
١صموئيل ٣: ١٨
جَيِّدٌ هُوَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ والمعنى أمران (١) أنه اعترف بخطيته وقبل التوبيخ. و(٢) أنه شكر الله إذ سمح له وللمملكة بالراحة والسلام في أيامه. ولا نستنتج أنه لم يهتم بحالة المملكة بعد موته بل أنه في هذا الأمر سلم لإرادة الرب.
والحادثة المذكورة في هذا الأصحاح خاتمة موافقة للقسم الأول من سفر إشعياء (ص ١ – ص ٣٩) ومقدمة موافقة للقسم الثاني منه (ص ٤٠ إلى آخره) الذي موضوعه التعزية للشعب في مدة السبي والمواعيد برجوعهم وإقامة ملكوت المسيح.
فوائد للوعاظ
ماذا رأوا في بيتك (ع ٤)
ما جهات رؤية الضيف في بيتنا. هي ما يأتي:
- جهة الترتيب والنظافة.
- جهة طاعة الأولاد للوالدين.
- جهة محبة كل من الوالدين للآخر ومحبتهما لأولادهما ومحبة كل من الأولاد للآخر.
- جهة محبتنا للجيران وعموم أهل المدينة.
- جهة الصلاة البيتية والتكلم في الروحيات وعدم الكلام الباطل.
تأتي أيام (ع ٦)
الهموم وعلاجها:
- إن الناس يهتمون بصحتهم فيخافون من المرض والموت وبمالهم فيخافون من الخسارة وبأولادهم ولا سيما الغائبين وبخطاياهم فيخافون من جهة الخلاص.
- إن علاج الهموم هو الإيمان بأن الله هو القادر على كل شيء وهو يحبنا ويغفر لنا خطايانا وقبول مواعيده الصالحة وبذل نفوسنا في خدمته.
السابق |
التالي |