إشعياء

سفر إشعياء | 38 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاَثُونَ

مضمونه:

هذا الأصحاح على وفق ما قيل في (٢ملوك ٢٠: ١) بزيادة كتابة حزقيا بعد شفائه (ع ٩ – ٢٠) والباقي من الأصحاح مختصر ما جاء في سفر الملوك.

١ «فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا لِلْمَوْتِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ ٱلنَّبِيُّ وَقَالَ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَوْصِ بَيْتَكَ لأَنَّكَ تَمُوتُ وَلاَ تَعِيشُ».

٢ملوك ٢٠: ١ الخ و٢أيام ٣٢: ٢٤ و٢صموئيل ١٧: ٢٣

فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ (انظر تفسير ص ٣٦: ١).

لِلْمَوْتِ لعل مرضه كان الطاعون (انظر ع ٢١) «الدّبل» أي نتيجة المرض الطبيعية كانت الموت لولا شفاؤه العجيب. انظر قول يونان لأهل نينوى (يونان ٣: ٤) بعد أربعين يوماً تنقلب نينوى إن لم يتوبوا. أي الانقلاب نتيجة خطاياهم إن لم يتوبوا.

أَوْصِ بَيْتَكَ انظر ما فعله داود لما قربت أيام وفاته (١ملوك ٢: ١ – ٩) والظاهر أنه لم يكن لحزقيا ابن لأن منسى وُلد بعد ما شفي حزقيا من مرضه فكان على حزقيا أن يدبر أمور المملكة ويعيّن خليفته. كان النبي أميناً للملك في هذا التنبيه وهكذا يجب على كل واحد ولا سيما راعي النفوس أن يخبر المشرفين على الموت بحالتهم لكي يدبروا أمورهم الجسدية ويستعدوا للانتقال. وهذا التنبيه واجب في وقت المرض الشديد وفي وقت الصحة الكاملة أيضاً لأن حال الصحة الجسدية والعقلية توافق الاستعداد للأبدية أكثر من حال المرض.

٢، ٣ «٢ فَوَجَّهَ حَزَقِيَّا وَجْهَهُ إِلَى ٱلْحَائِطِ وَصَلَّى: ٣ آهِ يَا رَبُّ، ٱذْكُرْ كَيْفَ سِرْتُ أَمَامَكَ بِٱلأَمَانَةِ وَبِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَفَعَلْتُ ٱلْحَسَنَ فِي عَيْنَيْكَ. وَبَكَى حَزَقِيَّا بُكَاءً عَظِيماً».

نحميا ١٣: ١٤

فَوَجَّهَ حَزَقِيَّا وَجْهَهُ إِلَى ٱلْحَائِطِ لأجل البكاء والصلاة الانفرادية. جاء في المزامير «رِجَالُ ٱلدِّمَاءِ وَٱلْغِشِّ لاَ يَنْصُفُونَ أَيَّامَهُمْ» (مزمور ٥٥: ٢٣). وكان القدماء يعتقدون أن من لا ينصف أيامه يكون من الأشرار فاحتج حزقيا بأنه لم يكن من رجال الدماء والغش ولا من عبدة الأوثان فلماذا يُقطع في نصف أيامه.

بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أي أن قلبه كان كله للرب فلم يمل قط إلى عبادة الأصنام.

وَفَعَلْتُ ٱلْحَسَنَ فِي عَيْنَيْكَ لا يجوز للصالح أن يتكل على أعماله الحسنة كأنها تخلّصه بل يجوز ذكرها كدليل على الإيمان الحي. وحزقيا لم يحسب نفسه كاملاً لأنه يذكر خطاياه في (ع ١٧) غير أنه كان متكلاً على الرب وحفظ وصاياه (٢ملوك ١٨: ٣ – ٦). وقول هذا كقول المريض الذي يلتجئ إلى الطبيب ويقول له «إني حفظت كل أوامرك واتكلت عليك وحدك فأرجو الشفاء منك» أي أنه يقر بأنه مريض وأن الشفاء من الطبيب لا منه ولو حفظ أوامره واتكل عليه.

وَبَكَى حَزَقِيَّا أسباب بكائه ما يأتي:

  1. إنه كان ابن ٣٩ سنة فقط.
  2. إنه ليس له ولد.
  3. إنه كان آخذاً في إصلاح شؤون المملكة.
  4. إنه كان على المملكة أخطار عظيمة من الداخل ومن الخارج فيحتاج إلى ملك كحزقيا يخاف الرب.
  5. إنه ليس له ولا لغيره من القدماء معرفة جلية بحالة المؤمنين بعد الموت.

٤ «فَصَارَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِشَعْيَاءَ».

فَصَارَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ (انظر ٢ملوك ٢٠: ٤) حيث قيل إن إشعياء لم يخرج إلى المدينة الوسطى حتى كان كلام الرب إليه أي استجاب لصلاة حزقيا حالاً.

٥ «ٱذْهَبْ وَقُلْ لِحَزَقِيَّا: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ دَاوُدَ أَبِيكَ: قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ. هَئَنَذَا أُضِيفُ إِلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً».

دَاوُدَ أَبِيكَ كان حزقيا ابن داود بالتناسل الجسدي وبصفاته الروحية معاً.

قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ لا شك في أن كثيرين في أيامنا يشفون من أمراض يستحيل الشفاء منها بحسب الظاهر إجابة لصلاة الإيمان وأحياناً لا يستجيب لنا الرب كما نريد نحن لعلمه أن الوفاة أفضل.

قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ دليل على محبة الله الأبوية.

خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً كان له نحو ١٤ سنة ملكاً وسنه حينئذ ٣٩ سنة فتكون مدة ملكه بزيادة ١٥ سنة ٢٩ سنة ومدة حياته ٥٤ سنة فتكون حياته أطول من حياة أكثر ملوك يهوذا. والعمر الطويل ليس لأنفسنا لنستريح فيه بل لخدمة طويلة نافعة. ربما لم يعرف أحد غير حزقيا يوم موته وخير لنا أن لا نعرفه لئلا نكسل في أول المدة المعيّنة لأن الموت بعيد ونضطرب في آخرها لأن الموت قريب فالأولى بنا أن نسهر دائماً ونكون مستعدين للوفاة في كل حين.

٦ «وَمِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ أُنْقِذُكَ وَهٰذِهِ ٱلْمَدِينَةَ. وَأُحَامِي عَنْ هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ».

ص ٣٧: ٣٥

يظهر من هذا الوعد أن مرض حزقيا كان قبل حادثة سنحاريب.

٧، ٨ «٧ وَهٰذِهِ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ عَلَى أَنَّ ٱلرَّبَّ يَفْعَلُ هٰذَا ٱلأَمْرَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ: ٨ هَئَنَذَا أُرَجِّعُ ظِلَّ ٱلدَّرَجَاتِ ٱلَّذِي نَزَلَ فِي دَرَجَاتِ آحَازَ بِٱلشَّمْسِ عَشَرَ دَرَجَاتٍ إِلَى ٱلْوَرَاءِ. فَرَجَعَتِ ٱلشَّمْسُ عَشَرَ دَرَجَاتٍ فِي ٱلدَّرَجَاتِ ٱلَّتِي نَزَلَتْهَا».

٢ملوك ٢٠: ٨ الخ وص ٧: ١١

وَهٰذِهِ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ (٢ملوك ٢٠: ٨ – ١١) الرب وعد حزقيا أنه يصعد إلى بيت الرب في اليوم الثالث «وأخذوا قرص تين ووضعوه على الدّبل فبرئ» أي أضافوا إلى الصلاة استعمال الوسائط الطبيعية. آحاز لم يطلب آية (٧: ١١) لأنه لم يؤمن ولم يرد أن يعمل كما قال له الرب وحزقيا طلب آية لأنه آمن وطلب ما يزيد إيمانه والنبي خيّره في أمرين إما أن يسير الظل إلى الأمام عشر درجات أو أن يرجع إلى الوراء كذلك وحزقيا اختار رجوع الظلّ.

دَرَجَاتِ آحَازَ (انظر آحاز في قاموس الكتاب). قال هيرودتس إن المزولة (الساعة الشمسية) اختراع البابليين ويحتمل أن الأشوريين عرفوها من البابليين وآحاز رآها لما زار تغلث فلاسر في دمشق (٢ملوك ١٦: ١٠) وعمل لنفسه هذه المزولة أو الدرجات في أورشليم والظاهر أنها كانت سلّماً عملها آحاز وعلى رأس السلم عمود وللسلّم درجات نازلة من العمود إلى جهة الغرب ودرجات أخرى نازلة من العمود إلى جهة الشرق وكان يقع ظل العمود إلى جهة الغرب قبل الظهر وإلى جهة الشرق بعد الظهر ويصعد وينزل على الدرجات كما صعدت ونزلت الشمس وهكذا يعيّن الوقت. والأرجح أن هذه العجيبة تمت في انعكاس أشعة الشمس على طريقة غريبة ولا يلزم القول بأن الأرض وقفت عن دورانها والبرهان على ذلك هو أن ملك بابل أرسل ليسأل عن الأعجوبة التي كانت في الأرض (٢أيام ٣٢: ٣١) أي أنها حدثت في محل واحد فقط ومعنى الأعجوبة أنه كما رجع ظل الشمس هكذا رجعت شمس حياة حزقيا التي كانت قد اقتربت من المغيب.

٩ «كِتَابَةٌ لِحَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا إِذْ مَرِضَ وَشُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ».

إن حزقيا تأثر جداً من اقتراب الموت ومن رحمة الله له وعرف قيمة الحياة وأهمية الاستعداد للأبدية وكتب هذا الكلام لإفادة غيره وخوفاً على نفسه لئلا ينسى مقاصده الصالحة. وفي هذه الكتابة أمران (١) وصف آلامه مدة المرض. و(٢) ذكر رحمة الله بشفائه.

١٠ «أَنَا قُلْتُ: فِي عِزِّ أَيَّامِي أَذْهَبُ إِلَى أَبْوَابِ ٱلْهَاوِيَةِ. قَدْ أُعْدِمْتُ بَقِيَّةَ سِنِيَّ».

عِزِّ أَيَّامِي كانت سنه ٣٩ سنة.

ٱلْهَاوِيَةِ مكان الأموات والذهاب إلى أبواب الهاوية هو الدخول إلى هذا المكان.

١١ «قُلْتُ لاَ أَرَى ٱلرَّبَّ فِي أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ. لاَ أَنْظُرُ إِنْسَاناً بَعْدُ مَعَ سُكَّانِ ٱلْفَانِيَةِ».

مزمور ٢٧: ١٣ و١١٦: ٩

لاَ أَرَى ٱلرَّبَّ كان حزقيا يرى الرب بالإيمان في خدمة الهيكل وكان يلتذ بالصلوات والتسبيحات وجميع فرائض الهيكل لأنه أحب الرب ورآه في هذه الفرائض وأحب الناس أيضاً والاجتماع معهم فاستصعب ترك هذه الأفراح التي عرفها والدخول إلى ما لا يعرفه. لأن القدماء لم يعرفوا حالة المؤمنين بعد الموت كما نعرفها نحن من العهد الجديد فإن الرب يسوع المسيح هو الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل.

١٢ «مَسْكَنِي قَدِ ٱنْقَلَعَ وَٱنْتَقَلَ عَنِّي كَخَيْمَةِ ٱلرَّاعِي. لَفَفْتُ كَٱلْحَائِكِ حَيَاتِي. مِنَ ٱلنَّوْلِ يَقْطَعُنِي. ٱلنَّهَارَ وَٱللَّيْلَ تُفْنِينِي».

أيوب ٧: ٦

يشبّه حياته بخيمة الراعي التي تبقى في مكانها مدة قليلة فقط.

وَٱنْتَقَلَ عَنِّي أشار إلى موت الجسد مع بقاء النفس (٢كورنثوس ٥: ١ – ٤).

لَفَفْتُ كَٱلْحَائِكِ شبّه نفسه بحائك وحياته بنسيج قطعه الرب من النول والنسيج لم يتم.

تُفْنِينِي يخاطب هنا الرب.

١٣، ١٤ «١٣ صَرَخْتُ إِلَى ٱلصَّبَاحِ. كَٱلأَسَدِ هٰكَذَا يُهَشِّمُ جَمِيعَ عِظَامِي. ٱلنَّهَارَ وَٱلَّلَيْلَ تُفْنِينِي. ١٤ كَسُنُونةٍ مُزَقْزِقةٍ هٰكَذَا أَصِيحُ. أَهْدِرُ كَحَمَامَةٍ. قَدْ ضَعُفَتْ عَيْنَايَ نَاظِرَةً إِلَى ٱلْعَلاَءِ. يَا رَبُّ قَدْ تَضَايَقْتُ. كُنْ لِي ضَامِناً».

ص ٥٩: ١١

يصف آلامه الشديدة. في الليل لم يسترح وكان ذلك من يد الرب الثقيلة عليه وكان الرب كأسد يهشم عظامه.

كَسُنُونةٍ من الآلام والضعف كان صوته كصوت السنونة أو الحمامة. قال إرميا (إرميا ٨: ٧) «وَٱلْيَمَامَةُ وَٱلسُّنُوْنَةُ ٱلْمُزَقْزِقَةُ حَفِظَتَا وَقْتَ مَجِيئِهِمَا» أي الطيور تهاجر عند إقبال أيام البرد إلى أرض الجنوب وهكذا نفس المؤمن عند الموت تترك الجسد وتصعد إلى السعادة الأبدية.

قَدْ ضَعُفَتْ عَيْنَايَ أي نظر إلى الرب وطلب منه النجاة حتى ضعفت عيناه من الانتظار.

كُنْ لِي ضَامِناً شبّه نفسه بمديون محكوم عليه بالحبس ولا يرجو الخلاص من السجن إلا بمن يكفله فالتجأ إلى الرب وطلب منه أن يكفله (أيوب ١٧: ٣ ومزمور ١١٩: ١٢٢) ويسوع المسيح بموته عنا صار ضامناً لنا عند الله.

١٥ «بِمَاذَا أَتَكَلَّمُ، فَإِنَّهُ قَالَ لِي وَهُوَ قَدْ فَعَلَ. أَتَمَشَّى مُتَمَهِّلاً كُلَّ سِنِيَّ مِنْ أَجْلِ مَرَارَةِ نَفْسِي».

أيوب ٧: ١١ و١٠: ١

استجاب له الرب فأرسل إليه إشعياء (ع ٤ – ٨) قائلاً «قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ. هَئَنَذَا أُضِيفُ إِلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً» فغيّر حزقيا نفس كلامه وترك ذكر الآلام وابتدأ في الشكر والتسبيح.

بِمَاذَا أَتَكَلَّمُ يكاد لا يقدر أن يعبّر عن انفعالاته.

وَهُوَ قَدْ فَعَلَ لعله شعر بأن جسمه شُفي من مرضه.

أَتَمَشَّى مُتَمَهِّلاً بالتواضع والتسليم للرب وكمن يعرف الخطر الذي حوله وكمن نظر إلى الأبدية فلا يجري وراء لذّات هذا العالم ومجده.

مِنْ أَجْلِ مَرَارَةِ نَفْسِي هذا السلوك بالتقوى والإيمان هو نتيجة تأديب الرب. وعلى كل مؤمن أن يتذكر أيام الضيق وأيام العصيان والخطية فيسلك متمهلاً كل الأيام الباقية له في هذا العالم.

١٦ «أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ، بِهٰذَا يَحْيَوْنَ، وَبِهَا كُلُّ حَيَاةِ رُوحِي فَتَشْفِينِي وَتُحْيِينِي».

بِهٰذَا يَحْيَوْنَ أي بمواعيد الله ومراحمه يحيا الناس (انظر تثنية ٨: ٣) «لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱلرَّبِّ». حزقيا شكر الله على رجوعه إلى الصحة الجسدية ولكن رضا الله أفضل من الحياة للجسد وهو الحياة الحقيقية. ومن لم يختبر تأديب الرب لا يعرف الحياة الحقيقية لأنه بالتأديب يقترب الإنسان إلى الله ويشعر بمحبته ويتحرر من عبودية الخطية ويرفع نظره عن الخيرات الجسدية ويتعلم قيمة الروحيات وقيمة الحياة الحاضرة كفرصة لخدمة الله والاستعداد للأبدية.

١٧ «هُوَذَا لِلسَّلاَمَةِ قَدْ تَحَوَّلَتْ لِيَ ٱلْمَرَارَةُ، وَأَنْتَ تَعَلَّقْتَ بِنَفْسِي مِنْ وَهْدَةِ ٱلْهَلاَكِ، فَإِنَّكَ طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ».

هُوَذَا لِلسَّلاَمَةِ (انظر عبرانيين ١٢: ٥ – ١١) «أَمَّا أَخِيراً فَيُعْطِي ٱلَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَمِ».

تَعَلَّقْتَ بِنَفْسِي مِنْ وَهْدَةِ ٱلْهَلاَكِ كان حزقيا عرف شيئاً من محبة الله له لما كان في حال الصحة والنجاح ولكنه لم يعرفها حق المعرفة حتى سقط في وهدة الهلاك فأحبه الرب في الضيق ونزل إلى الأعماق ورفعه وخلّصه.

طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ غُفرت خطاياه والرب لا يذكرها وهي كأنها لم تكن. قال أحد المفسرين «إذا طرحنا خطايانا وراء ظهورنا فالرب يضعها أمام وجهه وإذا وضعنا خطايانا أمام وجوهنا (أي نعترف بها) فالرب يطرحها وراء ظهره».

١٨ «لأَنَّ ٱلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. ٱلْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو ٱلْهَابِطُونَ إِلَى ٱلْجُبِّ أَمَانَتَكَ».

مزمور ٦: ٥ و٣٠: ٩ و٨٨: ١١ و١١٥: ١٧ وجامعة ٩: ١٠

لأَنَّ ٱلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ كان حزقيا من أفضل الأتقياء في العهد القديم وكان إشعياء مرشداً له على أن كلامه هذا وإن دلّ على إيمانه بالرب وغيرته في عبادته يدل أيضاً على قلة معرفته بحال المؤمنين بعد الموت ولكن بولس الرسول قال «لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح» وهكذا قال كثيرون من المؤمنين في كل جيل ولكنهم لم يحصلوا على هذه الثقة إلا بموت المسيح وقيامته. وحزقيا لم يعرف هذه الأمور إلا معرفة جزئية بواسطة المرموز والنبوءات. قيل «الاستعداد للموت لا يقربه بل يسهله» وليس من مستعد للحياة إن لم يكن مستعداً للموت.

١٩ «ٱلْحَيُّ ٱلْحَيُّ هُوَ يَحْمَدُكَ كَمَا أَنَا ٱلْيَوْمَ. ٱلأَبُ يُعَرِّفُ ٱلْبَنِينَ حَقَّكَ».

تثنية ٤: ٩ و٦: ٧ ومزمور ٧٨: ٣ و٤

الحي يحمد الرب ويعلّم أولاده أن يحمدوه أيضاً فيكون حفظ حياة التقي رحمة عظيمة لأولاده. وقول حزقيا هو في الوالدين عموماً فلا يثبّت أن له أولاداً.

٢٠ «ٱلرَّبُّ لِخَلاَصِي. فَنَعْزِفُ بِأَوْتَارِنَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِنَا فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ».

فَنَعْزِفُ قصد حزقيا أن يشترك مع اللاويين في تسبيحاتهم في الهيكل وربما استعملوا تسبيحة حزقيا هذه. وجميع الأتقياء إلى اليوم يعبرون عن انفعالاتهم في وقت المرض وفي وقت الشفاء بهذه التسبيحة. ويقول «أوتارنا» لأن أبوه آحاز كان قد قطع آنية بيت الله وأغلق أبواب بيت الرب (٢أيام ٢٨: ٢٤). وأما حزقيا فجدد الخدمة وقال للاويين أن يسبحوا الرب بكلام داود وآساف.

٢١، ٢٢ «٢١ وَكَانَ إِشَعْيَاءُ قَدْ قَالَ: لِيَأْخُذُوا قُرْصَ تِينٍ وَيُضَمِّدُوهُ عَلَى ٱلدَّبْلِ فَيَبْرَأَ. ٢٢ وَحَزَقِيَّا سَأَلَ: مَا هِيَ ٱلْعَلاَمَةُ أَنِّي أَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ؟».

٢ملوك ٢٠: ٧ و٢ملوك ٢٠: ٨

تكميل الحديث كأن المؤرخ كان قد نسي هذا الأمر فرجع وذكره. وليس في التين قوة الشفاء ولا سيما في مثل مرض حزقيا ولكن الله يستعمل أحياناً مع العجيبة وسائط طبيعية كما طرح أليشع الملح في النبع في أريحا (٢ملوك ٢: ٢٠) وطلى يسوع عيني الأعمى بطين (يوحنا ٩: ٦) فتعلمنا هذه الحوادث أن نطلب الشفاء من الرب ونستعمل أيضاً الوسائط الطبيعية الواجبة.

فوائد للوعاظ

وصلى الرب (ع ٢)

فوائد للصلاة السرية:

  1. يجب أن يكون لكل إنسان مكان وزمان للصلاة السرّية «اغلق بابك» (متّى ٦: ٦). صلى المسيح في البراري والجبال وفي الليل.
  2. يجب أن نطلب كل ما نحتاج إليه كبيراً وصغيراً روحياً وجسدياً.
  3. يجب الصدق في الصلاة فلا نخفي شيئاً ولا نخفف خطايانا.
  4. يجب الثقة بأن الله يسمع ويستجيب.
  5. تجب اللجاجة. وكثيراً ما ينتظر الله اللجاجة في صلواتنا حتى يعطينا مطلوبنا. ولا بد من الإجابة فيعطينا إما مطلوبنا أو ما هو أفضل ويعطينا في وقته لا في وقتنا.

الحي الحي هو يحمدك (ع ١٩)

للحياة قيمة عظيمة لأسباب:

  1. إن نهايتها غير معروفة. فلنعمل اليوم ما نريد عمله قبلما نموت.
  2. إنها قصيرة. إننا لا نقدر أن نعمل كل ما نريد عمله فعلينا أن نميز الأمور المتخالفة (فيلبي ١: ١٠) ونهتم أولاً بما يختص بملكوت الله فينا وحولنا.
  3. إنها فرصة للاستعداد للآخرة. كما يكون الإنسان هنا على الأرض هكذا يكون في الآخرة «مَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ» (رؤيا ٢٢: ١١).
  4. إنها فرصة لتربية أولادنا الذين سيكونون في مكاننا.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى