إشعياء

سفر إشعياء | 31 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاَثُونَ

إن موضوع هذا الأصحاح كموضوع الأصحاح السابق بتشبيهات جديدة.

١ «وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَنْزِلُونَ إِلَى مِصْرَ لِلْمَعُونَةِ، وَيَسْتَنِدُونَ عَلَى ٱلْخَيْلِ وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى ٱلْمَرْكَبَاتِ لأَنَّهَا كَثِيرَةٌ، وَعَلَى ٱلْفُرْسَانِ لأَنَّهُمْ أَقْوِيَاءُ جِدّاً، وَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ وَلاَ يَطْلُبُونَ ٱلرَّبَّ».

ص ٣٠: ٢ و٣٦: ٦ وحزقيال ١٧: ١٥ مزمور ٢٠: ٧ وص ٣٦: ٩ دانيال ٩: ١٣ وهوشع ٧: ٧

كانت مصر وأشور المملكتين العظيمتين في العالم فكان من الطبع أن المملكة الضعيفة الواقعة بينهما كيهوذا تلتجئ إلى الواحدة أو الأخرى منها. ولكن الرب أعلن لليهود أن ذلك محظور عليهم ووعدهم بأنه يخلّصهم بدون مساعدة مصر. فأخطأ اليهود باتكالهم على الحكمة البشرية وعدم الإيمان بما أعلنه الرب.

وَيَسْتَنِدُونَ عَلَى ٱلْخَيْلِ قال أوميروس الشاعر اليوناني إنه كان لمدينة ثيبة في مصر مئة باب يخرج من كل منها مئتا محارب بخيل ومركبات. وكان القدماء يستندون كثير الاستناد على الخيل في الحرب (٢أيام ١٢: ٣). وكان لأشور خيل كثيرة فظن اليهود أنه لا بد لهم من الخيل ليقاوموهم. وكما ظن اليهود قديماً أن الاتحاد بمصر ضروري يعتقد اليوم كثيرون أن الاتفاق مع العالم ضروري وإن الغش قد يكون ضرورياً وإن لهم عذراً إذا ارتكبوا هذه الخطايا ولكن تعليم هذا الأصحاح وسائر تعليم الكتاب هو أنه يجب الاتكال على الرب وحفظ وصاياه ولو نشأ عن ذلك خسارة كل شيء وترك كل شيء. وللرب طرق كثيرة للخلاص لا نعرفها نحن.

٢ «وَهُوَ أَيْضاً حَكِيمٌ وَيَأْتِي بِٱلشَّرِّ وَلاَ يَرْجِعُ بِكَلاَمِهِ، وَيَقُومُ عَلَى بَيْتِ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ وَعَلَى مَعُونَةِ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ».

عدد ٢٣: ١٩

وَهُوَ أَيْضاً حَكِيمٌ إن البعض لا يذكرون الله إلا وقت العبادة. ولكن هذا الأصحاح يعلّمنا أن الرب يعرف كل شيء ويهتم بالأمور السياسية كما يهتم بالأمور الدينية فعلى الناس أن يطلبوا إرشاده ويسلموا لأوامره في كل حياتهم وأمورهم أجسدية كانت أم روحية. والنبي يوبخ الذين يفضلون رأيهم على رأي الرب كأنهم أحكم منه. وجميع الخطأة يقولون بلسان أعمالهم إن الرب ليس بحكيم.

يَأْتِي بِٱلشَّرِّ أي الأرزاء والنكبات. وهي من الله وعقاب على الخطية.

وَلاَ يَرْجِعُ بِكَلاَمِهِ الرب لا يغلط فلا يتغير وأما الإنسان فيتغير وإذا رجع عن خطيته يغفر الرب له (حزقيال ١٨: ٢٥ – ٢٨).

فَاعِلِي ٱلشَّرِّ اليهود المتمردين وفاعلي الإثم هم المصريون فلا يبارك الرب على الاستعانة بهم.

٣ «وَأَمَّا ٱلْمِصْرِيُّونَ فَهُمْ أُنَاسٌ لاَ آلِهَةٌ، وَخَيْلُهُمْ جَسَدٌ لاَ رُوحٌ. وَٱلرَّبُّ يَمُدُّ يَدَهُ فَيَعْثُرُ ٱلْمُعِينُ وَيَسْقُطُ ٱلْمُعَانُ وَيَفْنَيَانِ كِلاَهُمَا مَعاً».

مزمور ١٤٦: ٣ و٥

جَسَدٌ لاَ رُوحٌ اعتقد قدماء المصريين أن ملوكهم آلهة فبيّن أنهم ليسوا سوى بشر فقط وأنهم عرضة للتعب والضعف والموت فلا يجوز لليهود أن يتكلوا عليهم الاتكال الذي يحق للرب وحده.

٤، ٥ «٤ لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ لِي ٱلرَّبُّ: كَمَا يَهِرُّ فَوْقَ فَرِيسَتِهِ ٱلأَسَدُ وَٱلشِّبْلُ (ٱلَّذِي يُدْعَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ ٱلرُّعَاةِ وَهُوَ لاَ يَرْتَاعُ مِنْ صَوْتِهِمْ وَلاَ يَتَذَلَّلُ لِجُمْهُورِهِمْ) هٰكَذَا يَنْزِلُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ لِلْمُحَارَبَةِ عَنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَعَنْ أَكَمَتِهَا. ٥ كَطُيُورٍ مُرِفَّةٍ هٰكَذَا يُحَامِي رَبُّ ٱلْجُنُودِ عَنْ أُورُشَلِيمَ. يُحَامِي فَيُنْقِذُ. يَعْفُو فَيُنَجِّي».

هوشع ١١: ١٠ وعاموس ٣: ٨ ص ٤٢: ١٣ تثنية ٣٢: ١١ ومزمور ٩١: ٤ مزمور ٣٧: ٤٠

الأسد هو الرب والرعاة الأشوريون والفريسة أورشليم. والأسد مشهور بين الوحوش بالقوة والشجاعة ويسمى ملك الوحوش. فالرب هو القادر على كل شيء وهو ثابت الرأي فلا يمكن أنه يسلم أورشليم للأشوريين. والأمر واضح أن هذا التشبيه لا يوافق المطلوب من كل وجه لأن الأسد يمسك الفريسة ليمزقها ويهلكها وأما الرب فيحفظ حياة شعبه ولذلك النبي أتى بتشبيه آخر لإظهار حنوّ الرب ومحبته لشعبه.

كَطُيُورٍ مُرِفَّةٍ المراد بهذا التشبيه أن الرب يحب شعبه كمحبة الأم لأولادها. إن من صفات الرجل القوة والثبات والشجاعة ومن صفات المرأة اللطف والرقة والحنو. والرب يسوع المسيح لكونه إنساناً تاماً بلا خطية يجمع في نفسه هذه الصفات كلها فيوجد فيه القوة والثبات والحنوّ أيضاً والرأفة فلا نحتاج إلى وسيط كمريم العذراء فيها الرقة والحنوّ لأن المسيح حنون ورقيق القلب أكثر من النساء (متّى ٢٣: ٣٧).

٦ – ٨ «٦ اِرْجِعُوا إِلَى ٱلَّذِي ٱرْتَدَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَنْهُ مُتَعَمِّقِينَ. ٧ لأَنْ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَرْفُضُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَوْثَانَ فِضَّتِهِ وَأَوْثَانَ ذَهَبِهِ ٱلَّتِي صَنَعَتْهَا لَكُمْ أَيْدِيكُمْ خَطِيئَةً. ٨ وَيَسْقُطُ أَشُّورُ بِسَيْفِ غَيْرِ رَجُلٍ، وَسَيْفُ غَيْرِ إِنْسَانٍ يَأْكُلُهُ، فَيَهْرُبُ مِنْ أَمَامِ ٱلسَّيْفِ، وَيَكُونُ مُخْتَارُوهُ تَحْتَ ٱلْجِزْيَةِ».

هوشع ٩: ٩ ص ٢: ٢٠ و٣٠: ٢٢ و١ملوك ١٢: ٣٠ و٢ملوك ١٩: ٣٥ و٣٦ وص ٣٧: ٣٦

مُتَعَمِّقِينَ كانوا قد أخطأوا عمداً وقصداً وربما أشارت الكلمة أيضاً إلى مقاصدهم السرّية.

يَرْفُضُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَوْثَانَ فِضَّتِهِ الإصلاح الحقيقي هو أن يفحص كل واحد أولاً عما في قلبه وحياته فينزع منهما الخطية قبلما ينظر إلى خطايا غيره. ويرجع الإنسان عن أعماله الشريرة لا لمجرد كونها خطأ سياسياً بل لأنها إساءة إلى الله أيضاً.

صَنَعَتْهَا لَكُمْ أَيْدِيكُمْ وكل خطيئة صنع أيدينا لأننا نختارها ونعملها ونحبها ونسلم بمسؤوليتها فنحمل عقابها.

بِسَيْفِ غَيْرِ رَجُلٍ سقط أشور بسيف الرب (ص ٣٧: ٣٦) وربما كان سقوطه بوبإ أو بعاصفة شديدة.

تَحْتَ ٱلْجِزْيَةِ إن مملكة أشور صارت أخيراً تحت الجزية لمملكة بابل فما أعجب هذه النبوءة إن أعظم مملكة في العالم أخافت إسرائيل وكل الممالك تصير تحت الجزية.

٩ «وَصَخْرُهُ مِنَ ٱلْخَوْفِ يَزُولُ، وَمِنَ ٱلرَّايَةِ يَرْتَعِبُ رُؤَسَاؤُهُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي لَهُ نَارٌ فِي صِهْيَوْنَ، وَلَهُ تَنُّورٌ فِي أُورُشَلِيمَ».

ص ٣٧: ٣٧

وَصَخْرُهُ صخر أشور ملكهم وظنوه صخراً لكونه ثاقب الرأي وشديد الثبات ووافر الشجاعة وأما صخر إسرائيل فهو الرب القادر على كل شيء الحكيم وحده غير المتغير.

مِنَ ٱلرَّايَةِ يَرْتَعِبُ أي من راية يهوذا.

لَهُ نَارٌ فِي صِهْيَوْنَ أي أورشليم الموضع الذي اختاره الرب لعبادته وفيها نار المحرقات ومن أورشليم يخرج لإهلاك أعدائه فتكون لهم ناراً آكلة أو قوية كنار تنور (انظر خروج ١٤: ٢٠) كان عمود السحاب ظلاماً للمصريين ونوراً لإسرائيل كما كان الرسل رائحة موت للهالكين ورائحة حياة للخالصين (٢كورنثوس ٢: ١٦).

فوائد للوعاظ

جهالة الاتكال على البشر (ع ١) تظهر ما يأتي:

  1. إن الإنسان ضعيف المعرفة. يقصد شيئاً اليوم وغداً يسمع خبراً جديداً فيغيّر قصده.
  2. إن الإنسان ضعيف القوة. هو جسد والجسد عرضة للأمراض والموت وآلات حربه جسدية فتُكسر سريعاً. انظر مدرعات الملوك اليوم وهي مكان الخيل والمركبات في القديم فإنها تظهر قوية جداً ولكن بعد مرور عشر سنين تكون قيمتها كقيمة الحديد العتيق فقط.
  3. إن الإنسان ضعيف الخلاص. لو نجحت مصر في محاربة أشور وخلصت اليهود كان اليهود أصبحوا تحت حكم مصر وربما كانت تلك الحال شراً من الخصوع لأشور. فإن مصر لا تعين غيرها إن لم يكن لنفع نفسها.
  4. إن الإنسان لا يقدر أن يقاوم الرب.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى