سفر إشعياء | 30 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّلاَثُونَ
مضمونه:
- الويل للمتكلين على مصر.
- ميل اليهود إلى العصيان والكذب.
- رحمة الله لشعبه في إبادة أشور فكان ذلك برهاناً لليهود على أنه لا حاجة إلى الاتكال على مصر.
١ «وَيْلٌ لِلْبَنِينَ ٱلْمُتَمَرِّدِينَ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، حَتَّى أَنَّهُمْ يُجْرُونَ رَأْياً وَلَيْسَ مِنِّي، وَيَسْكُبُونَ سَكِيباً وَلَيْسَ بِرُوحِي، لِيَزِيدُوا خَطِيئَةً عَلَى خَطِيئَةٍ».
ص ٢٩: ١٥ تثنية ٢٩: ١٩
لِلْبَنِينَ الرب سمى اليهود بنين فبيّن لهم محبته الأبوية وعنايته بهم وواجباتهم له كأب لهم وفظاعة خطيئتهم بعصيانهم.
ٱلْمُتَمَرِّدِينَ كان النبي قد بيّن لهم ضعف مصر (ص ١٨ – ٢٠) ولكنهم رفضوا مشورة الرب وطلبوا محالفة مصر على أشور.
وَيَسْكُبُونَ سَكِيباً إشارة إلى عادة الوثنيين فإنهم كانوا يسكبون سكيبة من الزيت والخمر لآلهتهم لتصديق العهد.
وَلَيْسَ بِرُوحِي حسب الحكمة البشرية كان رأي اليهود صائباً لأن مصر كانت أقوى أمة في العالم بعد أشور ولها استعداد كافٍ للحرب وهي مشاركة لليهود في الخطر العام من أشور ولكن كان رأيهم هذا الخطاء الأساسي وهو اتحادهم وهم شعب الله بالوثنيين.
لِيَزِيدُوا خَطِيئَةً عَلَى خَطِيئَةٍ كانت خطيئتهم الأولى تركهم الرب وكان بعد ذلك كل خطوة في طريقهم زيادة ابتعاد عن الرب.
٢، ٣ «٢ ٱلَّذِينَ يَذْهَبُونَ لِيَنْزِلُوا إِلَى مِصْرَ وَلَمْ يَسْأَلُوا فَمِي، لِيَلْتَجِئُوا إِلَى حِصْنِ فِرْعَوْنَ وَيَحْتَمُوا بِظِلِّ مِصْرَ. ٣ فَيَصِيرُ لَكُمْ حِصْنُ فِرْعَوْنَ خَجَلاً، وَٱلاِحْتِمَاءُ بِظِلِّ مِصْرَ خِزْياً».
ص ٣١: ١ عدد ٢٧: ٢١ ويشوع ٩: ١٤ و١ملوك ٢٢: ٧ وإرميا ٢١: ٢ و٤٢: ٢ و٢٠ ص ٢٠: ٥ وإرميا ٣٧: ٥ و٧
يَذْهَبُونَ لِيَنْزِلُوا إِلَى مِصْرَ ربما كان رسل اليهود ذاهبين في تاريخ هذه النبوءة أو رآهم النبي ذاهبين في رؤيا.
وَلَمْ يَسْأَلُوا فَمِي بعض الناس لا يسألون الرب لمعرفتهم أن رأيهم لا يرضيه وهكذا كان اليهود في زمان إشعياء وبعضهم لا يسألون لأنهم واثقون بصحة رأيهم فلا يرون من حاجة إلى سؤال الرب وهكذا فعل بنو إسرائيل في أمر جبعون (يشوع ٩: ١٤). وأما تعليم الكتاب المقدس فهو أن السؤال من الرب واجب في كل أمر صغيراً كان أو كبيراً. وهكذا فعل جميع الأفاضل في القديم وهكذا يفعل الأتقياء في أيامنا. وكان السؤال من الرب في القديم بواسطة رئيس الكهنة (عدد ٢٧: ٢١) أو بواسطة نبي (٢ملوك ٢٢: ١٤) واليوم يكون بواسطة الصلاة باسم المسيح ومطالعة الكتاب المقدس ومشاورة الإخوة المؤمنين. ويظهر من كلام ربشاقي إلى رسل حزقيا أن اليهود كانوا متكلين على مصر (٢ملوك ١٨: ٢١).
بِظِلِّ مِصْرَ كان يجب أن يبيتوا في ظل القدير فلما التجأوا إلى مصر جعلوا مصر في مكان الرب.
فَيَصِيرُ لَكُمْ حِصْنُ فِرْعَوْنَ خَجَلاً لأن خلاصهم من أشور يكون من الرب لا من فرعون.
٤، ٥ «٤ لأَنَّ رُؤَسَاءَهُ صَارُوا فِي صُوعَنَ، وَبَلَغَ رُسُلُهُ إِلَى حَانِيسَ. ٥ قَدْ خَجِلَ ٱلْجَمِيعُ مِنْ شَعْبٍ لاَ يَنْفَعُهُمْ. لَيْسَ لِلْمَعُونَةِ وَلاَ لِلْمَنْفَعَةِ، بَلْ لِلْخَجَلِ وَلِلْخِزْيِ».
ص ١٩: ١١ إرميا ٢: ٣٦
رُؤَسَاءَهُ أي رؤساء يهوذا وهم المرسلون إلى مصر ليطلبوا المساعدة من ملك مصر على ملك أشور.
صُوعَنَ (ص ١٩: ١٣) مدينة في مصر السفلى وكانت حانيس في أواسط مصر وربما كانت صوعن عاصمة ملك مصر وحانيس عاصمة ملك كوش.
قَدْ خَجِلَ لعل الرسل لم يخجلوا في الحال بل سروا بكلام المصريين ووعودهم ولكن شعب اليهود خجلوا بعد ذلك لعدم وفاء المصريين بالوعود.
٦، ٧ «٦ وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَهَائِمِ ٱلْجَنُوبِ: فِي أَرْضِ شِدَّةٍ وَضِيقَةٍ، مِنْهَا ٱللَّبْوَةُ وَٱلأَسَدُ، ٱلأَفْعَى وَٱلثُّعْبَانُ ٱلسَّامُّ ٱلطَّيَّارُ، يَحْمِلُونَ عَلَى أَكْتَافِ ٱلْحَمِيرِ ثَرْوَتَهُمْ، وَعَلَى أَسْنِمَةِ ٱلْجِمَالِ كُنُوزَهُمْ، إِلَى شَعْبٍ لاَ يَنْفَعُ. ٧ فَإِنَّ مِصْرَ تُعِينُ بَاطِلاً وَعَبَثاً، لِذٰلِكَ دَعَوْتُهَا رَهَبَ ٱلْجُلُوسِ».
ص ٥٧: ٩ وهوشع ٨: ٩ و١٢: ١ تثنية ٨: ١٥ إرميا ٣٧: ٧ أيوب ٩: ١٣ وص ٥١: ٩
النبي يصور أتعاب هؤلاء الرسل بوصف أتعاب بهائمهم لأن سفرهم كان في أرض شدة وضيق أرض وحوش وحرارة لا ماء فيها وهي الأرض الفاصلة بين اليهودية ومصر.
ٱلثُّعْبَانُ ٱلسَّامُّ ٱلطَّيَّارُ أفاعي صحارى الشرق المشهورة بسرعة الوثب.
يَحْمِلُونَ ثَرْوَتَهُمْ هدايا من اليهود للمصريين.
رَهَبَ اسم شعري لمصر (أيوب ٩: ١٣ ومزمور ٨٧: ٤ و٨٩: ١٠ وإشعياء ٥١: ٩) ومعنى الكلمة الأصلي الشراسة والوقاحة والتكبر. ومصر رهب الجلوس لأنها لم تفعل شيئاً ولا نفعت المتكلين عليها بل كان كل قوتها في الكلام والوعد بلا فعل.
٨، ٩ «٨ تَعَالَ ٱلآنَ ٱكْتُبْ هٰذَا عِنْدَهُمْ عَلَى لَوْحٍ وَٱرْسِمْهُ فِي سِفْرٍ، لِيَكُونَ لِزَمَنٍ آتٍ لِلأَبَدِ إِلَى ٱلدُّهُورِ. ٩ لأَنَّهُ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ، أَوْلاَدٌ كَذَبَةٌ، أَوْلاَدٌ لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا شَرِيعَةَ ٱلرَّبِّ».
حبقوق ٢: ٢ تثنية ٣٢: ٢٠ وص ١: ٤ وع ١
ٱكْتُبْ هٰذَا ربما كان كلام النبي بصوت في دار الهيكل أو مجتمع آخر فيقول له الرب أن يكتبه لزمان آت وربما كان المكتوب على اللوح كلاماً وجيزاً بأحرف كبيرة ليراه المارون على الطريق والمكتوب في السفر بالتفصيل لأجل الحفظ إلى الأبد مع أسفار الكتاب المقدس القانونية. وهذا دليل على أن الأسفار المقدسة لجميع الناس وإنها إلى الأبد والحكم في هذه المسائل الدينية للشعب أجمعين لا للملك وأرباب السياسة فقط.
شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ تظاهروا بالتقوى ومع ذلك لم يريدوا أن يسمعوا كلام الله فكتب النبي نبوءته لتكون شاهداً عليهم.
١٠ – ١٢ «١٠ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لِلرَّائِينَ: لاَ تَرَوْا وَلِلنَّاظِرِينَ: لاَ تَنْظُرُوا لَنَا مُسْتَقِيمَاتٍ. كَلِّمُونَا بِٱلنَّاعِمَاتِ. ٱنْظُرُوا مُخَادِعَاتٍ. ١١ حِيدُوا عَنِ ٱلطَّرِيقِ. مِيلُوا عَنِ ٱلسَّبِيلِ. ٱعْزِلُوا مِنْ أَمَامِنَا قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ. ١٢ لِذٰلِكَ هٰكَذَا يَقُولُ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: لأَنَّكُمْ رَفَضْتُمْ هٰذَا ٱلْقَوْلَ وَتَوَكَّلْتُمْ عَلَى ٱلظُّلْمِ وَٱلاِعْوِجَاجِ وَٱسْتَنَدْتُمْ عَلَيْهِمَا».
إرميا ١١: ٢١ وعاموس ٢: ١٢ و٧: ١٣ وميخا ٢: ٦ و١ملوك ٢٢: ١٣ وميخا ٢: ١١
ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لا بالكلام بل بالأعمال. سمى المسيح أورشليم «قاتلة الأنبياء» (متّى ٢٣: ٣٧) وقال استفانوس لليهود (أعمال ٧: ٥٢) «أي الأنبياء لم يضطهده أباؤكم». إنه في الأمور العالمية يميل الناس جميعاً إلى أن يسمعوا كلاماً صادقاً ولكن في الأمور الروحية يغتصب القلب الفاسد الرئاسة التي تليق بالعقل. فإنه من واجبات النبي الصادق أن يظهر للناس خطاياهم فيخجلوا ويقول لهم أن يتركوا الخطايا التي يحبونها وينذرهم بالعقاب إن لم يرجعوا عنها فينزعجوا من كلامه ولذلك كان التعليم الديني المستقيم يقاوم في كل جيل والناس يقبلون بالسرور كلام التمليق الذي يوافق شهواتهم ويزيد عجبهم بأنفسهم ويسكن ضمائرهم وخوفهم من الدينونة العتيدة أن تكون (انظر نبأ الملك آخاب والنبي ميخا ٢أيام ١٨).
حِيدُوا عَنِ ٱلطَّرِيقِ الشعب يقول للأنبياء أن يحيدوا عن طريق الصدق والإنذار.
قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ استعمل إشعياء هذا الاسم كثيراً في مواعظه (ذكر في سفر إشعياء ٢٤ مرة) والمراد به إن الرب قدوس فلا يطيق الإثم وقدوس إسرائيل فيلاحظ نوعاً خطاياهم ولكن الشعب المتمرد ضجر منه وقال له كف عن ذكر قدوس إسرائيل فكان جواب النبي تكرار قوله «قدوس إسرائيل» (ع ١٢ و١٥) وعلى كل واعظ أن يكون أميناً وعظه ويقول ما يرضي الرب قبلما يرضى الناس.
١٣، ١٤ «١٣ لِذٰلِكَ يَكُونُ لَكُمْ هٰذَا ٱلإِثْمُ كَصَدْعٍ مُنْقَضٍّ نَاتِئٍ فِي جِدَارٍ مُرْتَفِعٍ، يَأْتِي هَدُّهُ بَغْتَةً فِي لَحْظَةٍ. ١٤ وَيُكْسَرُ كَكَسْرِ إِنَاءِ ٱلْخَزَّافِينَ، مَسْحُوقاً بِلاَ شَفَقَةٍ، حَتَّى لاَ يُوجَدُ فِي مَسْحُوقِهِ شَقْفَةٌ لأَخْذِ نَارٍ مِنَ ٱلْمَوْقَدَةِ، أَوْ لِغَرْفِ مَاءٍ مِنَ ٱلْجُبِّ».
مزمور ٦٢: ٣ ص ٢٩: ٥ مزمور ٢: ٩ وإرميا ١٩: ١١
كَصَدْعٍ مُنْقَضٍّ الصدع يكون قبل هدم الجدار ويكون فيه وليس خارجاً ويزداد رويداً رويداً غير أن هدم الجدار يكون دفعة واحدة بغتة وهكذا يكون سقوط يهوذا ولكن من أسباب قديمة داخلية. ونظر النبي إلى حالة يهوذا كما ينظر الإنسان إلى حائط منقض ويقول أنه معيب وأنه بعد قليل يسقط.
كَكَسْرِ إِنَاءِ ٱلْخَزَّافِينَ الرب خلصهم من الأشوريين ولكنهم لم ينتبهوا ولا استفادوا من هذه الرحمة فكان الكسر التام في سبي بابل.
١٥ «لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: بِٱلرُّجُوعِ وَٱلسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِٱلْهُدُوءِ وَٱلطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ. فَلَمْ تَشَاءُوا».
ص ٧: ٤ وع ٧ متّى ٢٣: ٣٧
لم يزل النبي يقول «قدوس إسرائيل» الذي لم يريدوا أن يسعوا ذكره. فإن الإنسان الضعيف لا يقدر أن يطرد الخالق من الكون ولا يسكّت صوته في أنبيائه وفي كتابه المقدس. ولو سكّت الخاطئ صوت الله في ضميره ما كان ذلك إلا إلى حين فيأتي وقت فيه لا يقدر أن يغمض عينيه ويسد أذنيه.
بِٱلرُّجُوعِ وَٱلسُّكُونِ الرجوع عن خطاياهم ولا سيما خطية الاتكال على مصر. والسكون لأن الخلاص من الله لا منهم فما عليهم إلا أن يطيعوه ويتكلوا عليه.
بِٱلْهُدُوءِ وَٱلطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ الجندي المتمرن جداً لا يتقدم نحو العدو ولا يضرب حتى يسمع أمر القائد فتكون قوة الجيش في الهدوء والطمأنينة في وقت انتظارهم الأمر بالعمل. قد يكون الامتناع عن العمل أصعب من العمل والسكوت أصعب من التكلم والحكم على الذات أصعب من الحكم على غيرها. ولا يمكن الإنسان أن يستعمل قواه أحسن استعمال إن لم يكن هادئاً والخائف والمضطرب لا يقدران أن يعملا عملهما كما يجب.
١٦، ١٧ «١٦ وَقُلْتُمْ: لاَ بَلْ عَلَى خَيْلٍ نَهْرُبُ. لِذٰلِكَ تَهْرُبُونَ. وَعَلَى خَيْلٍ سَرِيعَةٍ نَرْكَبُ. لِذٰلِكَ يُسْرِعُ طَارِدُوكُمْ. ١٧ يَهْرُبُ أَلْفٌ مِنْ زَجْرَةِ وَاحِدٍ. مِنْ زَجْرَةِ خَمْسَةٍ تَهْرُبُونَ، حَتَّى أَنَّكُمْ تَبْقُونَ كَسَارِيَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، وَكَرَايَةٍ عَلَى أَكَمَةٍ».
لاويين ٢٦: ٨ وتثنية ٢٨: ٢٥ و٣٢: ٣٠ ويشوع ٢٣: ١٠
عَلَى خَيْلٍ نَهْرُبُ اشتهرت مصر قديماً بالخيل. فالملك سليمان أخذ خيلاً ومركبات منها. ولعل بعضهم أمل أنه بواسطة اتحادهم بمصر تأتيهم خيل فيخلصون بواسطتها إذا سقطت مدينتهم. فقال الرب إنهم يهربون ولا يخلصون ويكون طاردوهم أسرع منهم ويرهب جيشهم ولو كان كبيراً من أمام جيش العدو ولو كان صغيراً.
كَسَارِيَةٍ شجرة وحيدة باقية بعد قطع كل ما سواها من الأشجار. والراية على الأكمة هي راية في مكان ظاهر تبقى بعد تشتت الجنود عبرة للجميع.
١٨، ١٩ «١٨ وَلِذَلِكَ يَنْتَظِرُ ٱلرَّبُّ لِيَتَرَأَّفَ عَلَيْكُمْ. وَلِذَلِكَ يَقُومُ لِيَرْحَمَكُمْ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهُ حَقٍّ. طُوبَى لِجَمِيعِ مُنْتَظِرِيهِ. ١٩ لأَنَّ ٱلشَّعْبَ فِي صِهْيَوْنَ يَسْكُنُ فِي أُورُشَلِيمَ. لاَ تَبْكِي بُكَاءً. يَتَرَأَّفُ عَلَيْكَ عِنْدَ صَوْتِ صُرَاخِكَ. حِينَمَا يَسْمَعُ يَسْتَجِيبُ لَكَ».
مزمور ٢: ١٢ و٣٤: ٨ وأمثال ١٦: ٢٠ وإرميا ١٧: ٧ ص ٦٥: ٩
لِذَلِكَ كانوا تركوا الرب واتكلوا على مصر فكانت نتيجة خطيتهم الهلاك لو عاملهم الله بالعدل ولكنهم لما كانوا شعبه لم يسرع إلى إهلاكهم تماماً بل انتظر حتى يتوبوا ويرجعوا إليه فيترأف عليهم.
إِلٰهُ حَقٍّ فلا يقاصهم أكثر من الواجب ولا ينسى وعده.
طُوبَى لِجَمِيعِ مُنْتَظِرِيهِ وعد عمومي لجميع الناس في كل جيل فننتظر الرب في وقت الضيق واليأس وننتظره بالإيمان والصبر لأنه لا ينسى منتظريه بل يخلّصهم سريعاً بعد إتمام تأديبهم.
لأَنَّ ٱلشَّعْبَ فِي صِهْيَوْنَ أي شعب الله اليهود يسكن في أورشليم بعد رجوعهم من السبي.
لاَ تَبْكِي في هذا القول المؤثر نرى حزن الشعب على أتعابهم وعلى خطاياهم «على أنهار بابل هناك جلسنا بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون» ونرى محبة الله الأبوية إذ يقول لكل واحد منهم «لا تبكي».
عِنْدَ صَوْتِ صُرَاخِكَ ينتظر الرب أن يصلوا ويطلبوا إليه والوعد بأنه يستجيب لهم سريعاً. فيجب أن لا نظن أن الرب يعمل معنا عملاً واحداً إذا طلبنا إليه أو إذا لم نطلب لأنه مستعد أن يبارك علينا ولكن حلول هذه البركات علينا متوقفة على صلواتنا.
٢٠، ٢١ «٢٠ وَيُعْطِيكُمُ ٱلسَّيِّدُ خُبْزاً فِي ٱلضِّيقِ وَمَاءً فِي ٱلشِّدَّةِ. لاَ يَخْتَبِئُ مُعَلِّمُوكَ بَعْدُ، بَلْ تَرَى عَيْنَاكَ مُعَلِّمِيكَ، ٢١ وَأُذُنَاكَ تَسْمَعَانِ كَلِمَةً خَلْفَكَ قَائِلَةً: هٰذِهِ هِيَ ٱلطَّرِيقُ. ٱسْلُكُوا فِيهَا. حِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى ٱلْيَمِينِ وَحِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى ٱلْيَسَارِ».
١ملوك ٢٢: ٢٧ ومزمور ١٢٧: ٢ مزمور ٧٤: ٩ وعاموس ٨: ١١ يشوع ١: ٧
خُبْزاً فِي ٱلضِّيقِ ولو تضايقوا في السبي لا يتركهم الرب تماماً ولا يهلكهم بالجوع والعطش ولا يقطع عنهم القوت الروحي أي نعمته اليومية.
لاَ يَخْتَبِئُ مُعَلِّمُوكَ كان القوت الروحي بواسطة معلميهم فلا يختبئوا. وترجم بعضهم الكلمة الأصلية بلفظة «معلم» بالمفرد (وكذا الترجمة اليسوعية) فيكون المعنى أن الرب معلم شعبه. ووُفي بهذا الوعد بوجود أنبياء في مدة السبي كإرميا وحزقيال ودانيال.
كَلِمَةً خَلْفَكَ كتائهين عن الطريق يسمعون صوت دليلهم من ورائهم يقول لهم ارجعوا. ولعل الإشارة هنا إلى صوت متكلم غير منظور كإرشاد الروح القدس أو صوت الله في الضمير. ووُفي بهذا الوعد أيضاً بحلول الروح القدس وبالأسفار المقدسة المكتوبة بالوحي وبإرشاد شعب الله بعضهم بعضاً وبنواميس الله المكتوبة على قلوبهم.
٢٢ «وَتُنَجِّسُونَ صَفَائِحَ تَمَاثِيلِ فِضَّتِكُمُ ٱلْمَنْحُوتَةِ وَغِشَاءَ تِمْثَالِ ذَهَبِكُمُ ٱلْمَسْبُوكِ. تَطْرَحُهَا مِثْلَ فِرْصَةِ حَائِضٍ. تَقُولُ لَهَا: ٱخْرُجِي».
٢أيام ٣١: ١ وص ٢: ٢٠ و٣١: ٧ هوشع ١٤: ٨
صَفَائِحَ تَمَاثِيلِ فِضَّتِكُمُ كانت الأصنام مصنوعة من الحجر أو من الخشب ومغشاة بالفضة أو الذهب والمعنى أنهم لا يخلعون الفضة والذهب ليستعملوه ثانية بل يطرحون الأصنام مع صفائحها. والظاهر أن بعضهم في زمان حزقيا كان يسجد للأصنام سراً.
مِثْلَ فِرْصَةِ حَائِضٍ تشبيه يدل على كراهتهم الكلية للأصنام التي كانوا يسجدون لها. وكراهة الخطية هي من نتائج فعل الروح القدس فلا يمكن القلب المتجدد أن يحب الخطية أو أن يشتهي مما لا يرضي الله.
٢٣ – ٢٦ «٢٣ ثُمَّ يُعْطِي مَطَرَ زَرْعِكَ ٱلَّذِي تَزْرَعُ ٱلأَرْضَ بِهِ وَخُبْزَ غَلَّةِ ٱلأَرْضِ، فَيَكُونُ دَسَماً وَسَمِيناً. وَتَرْعَى مَاشِيَتُكَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ فِي مَرْعىً وَاسِعٍ. ٢٤ وَٱلأَبْقَارُ وَٱلْحَمِيرُ ٱلَّتِي تَعْمَلُ ٱلأَرْضَ تَأْكُلُ عَلَفاً مُمَلَّحاً مُذَرَّى بِٱلْمِنْسَفِ وَٱلْمِذْرَاةِ. ٢٥ وَيَكُونُ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ عَالٍ وَعَلَى كُلِّ أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ سَوَاقٍ وَمَجَارِي مِيَاهٍ فِي يَوْمِ ٱلْمَقْتَلَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، حِينَمَا تَسْقُطُ ٱلأَبْرَاجُ. ٢٦ وَيَكُونُ نُورُ ٱلْقَمَرِ كَنُورِ ٱلشَّمْسِ، وَنُورُ ٱلشَّمْسِ يَكُونُ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ كَنُورِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فِي يَوْمٍ يَجْبُرُ ٱلرَّبُّ كَسْرَ شَعْبِهِ وَيَشْفِي رَضَّ ضَرْبِهِ».
متّى ٦: ٣٣ و١تيموثاوس ٤: ٨ ص ٢: ١٤ و١٥ و٤٤: ٣ ص ٦٠: ١٩ و٢٠
نبوة بعطاء أحسن البركات ومنها المطر والغلال الجيدة حتى أن البهائم تأكل علفاً مملحاً مُذرى وتكون الأرض كلها سقياً حتى الجبال وتسقط أبراج بابل وجميع الأعداء ويُزاد نور القمر ونور الشمس. ولا يمكن إتمام هذه النبوءة على سبيل الحقيقة إنما تتم على سبيل المجاز فإن النبي يصف ملك المسيح وأحوال الكنيسة باستعارات مأخوذة من الطبيعة والمعنى أن الله يسد كل احتياجات شعبه ويمجدهم بمجد أعظم من مجد هذا العالم الحاضر كأن نور الشمس ازداد سبعة أضعاف.
وفي هذه النبوءة ما تمّ ويتمّ حقيقة أيضاً فإن الأمطار والأزمنة المثمرة من الله والعالم الحاضر الطبيعي يتغير ويتحسن بتحسين الساكنين فيه فنرى أن البلاد الوثنية تختلف عن البلاد المسيحية لا بالسكان فقط بل بأحوال الطبيعة أيضاً كالأرض والمزروعات والبهائم والإقليم.
٢٧ «هُوَذَا ٱسْمُ ٱلرَّبِّ يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ. غَضَبُهُ مُشْتَعِلٌ وَٱلْحَرِيقُ عَظِيمٌ. شَفَتَاهُ مُمْتَلِئَتَانِ سَخَطاً، وَلِسَانُهُ كَنَارٍ آكِلَةٍ».
ٱسْمُ ٱلرَّبِّ الاسم هو ما يُعرف به المسمى ومعنى النبي أن الرب سيظهر نفسه بأعمال مخيفة ليعرف كل الناس قوة غضبه.
يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ كالمطر المصحوب بالريح فإننا نرى أولاً غيمة صغيرة صاعدة من البحر ثم تسود السماء من الغيوم ثم يعقب ذلك مطر وريح.
وَٱلْحَرِيقُ عَظِيمٌ من البروق.
شَفَتَاهُ أي الغيم الذي يخرج من الرعود والبرق.
لِسَانُهُ أي البرق الذي يخرج من الغيم.
٢٨ «وَنَفْخَتُهُ كَنَهْرٍ غَامِرٍ يَبْلُغُ إِلَى ٱلرَّقَبَةِ. لِغَرْبَلَةِ ٱلأُمَمِ بِغُرْبَالِ ٱلسُّوءِ، وَعَلَى فُكُوكِ ٱلشُّعُوبِ رَسَنٌ مُضِلٌّ».
ص ١١: ٤ و٢تسالونيكي ٢: ٨ ص ٨: ٨ ص ٣٧: ٢٩
نَفْخَتُهُ كَنَهْرٍ أي المطر.
يَبْلُغُ إِلَى ٱلرَّقَبَةِ إلى الرقبة فقط دون الرأس أي ملك أشور لأنه نجا فرجع إلى بلاده (ص ٣٧: ٣٧).
بِغُرْبَالِ ٱلسُّوءِ الغربال ينقي القمح وأما هذا الغربال فليس فيه إلا الهشيم وكله للهلاك. والتشبيه بالغربال يختلف عن التشبيه بالنهر الغامر في أن الغربال باليد فليس الرب كبني البشر غير القادرين على إطفاء حريق أو حجز الأنهار بل كل شي في يده وتحت أمره.
رَسَنٌ مُضِلٌّ يشبّه النبي الشعوب أي جيوش أشور بوحش على فكه رسن فلا يقدر أن يعمل كل ما يريد. و«رسن مضل» (انظر ص ٣٧: ٧) «هَئَنَذَا أَجْعَلُ فِيهِ رُوحاً فَيَسْمَعُ» والنبي كثّر التشابيه لأن هلاك جيش سنحاريب أمر عظيم حتى يكاد لا يقدر أن يعبّر عنه.
٢٩ – ٣١ «٢٩ تَكُونُ لَكُمْ أُغْنِيَةٌ كَلَيْلَةِ تَقْدِيسِ عِيدٍ، وَفَرَحُ قَلْبٍ كَٱلسَّائِرِ بِٱلنَّايِ، لِيَأْتِيَ إِلَى جَبَلِ ٱلرَّبِّ، إِلَى صَخْرِ إِسْرَائِيلَ. ٣٠ وَيُسَمِّعُ ٱلرَّبُّ جَلاَلَ صَوْتِهِ، وَيُرِي نُزُولَ ذِرَاعِهِ بِهَيَجَانِ غَضَبٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ، نَوْءٍ وَسَيْلٍ وَحِجَارَةِ بَرَدٍ. ٣١ لأَنَّهُ مِنْ صَوْتِ ٱلرَّبِّ يَرْتَاعُ أَشُّورُ. بِٱلْقَضِيبِ يَضْرِبُ».
مزمور ٤٢: ٤ ص ٢: ٣ تثنية ٣٢: ٤ ص ٢٩: ٦ ص ٢٨: ٢ و٣٢: ١٩ ص ٣٧: ٣٦ ص ١٠: ٥ و٢٤
كَلَيْلَةِ تَقْدِيسِ عِيدٍ لعل المراد بالعيد هنا عيد الفصح لأن ممارسته كانت في الليل وكان فيه أغنية.
لِيَأْتِيَ إِلَى جَبَلِ ٱلرَّبِّ ذكر فرح الصاعدين إلى أورشليم للعيد (مزمور ١٢٢) وصخر إسرائيل هو الرب.
لا نعرف بأية واسطة أهلك الرب جيش أشور (ص ٣٧: ٣٦) ربما أهلكهم بوبإ كالطاعون أو بمطر وسيل وبرَد فتكون هذه النبوءة تمت على سبيل الحقيقة.
٣٢ «وَيَكُونُ كُلُّ مُرُورِ عَصَا ٱلْقَضَاءِ ٱلَّتِي يُنْزِلُهَا ٱلرَّبُّ عَلَيْهِ بِٱلدُّفُوفِ وَٱلْعِيدَانِ. وَبِحُرُوبٍ ثَائِرَةٍ يُحَارِبُهُ».
ص ١١: ١٥ و١٩: ١٦
مُرُورِ عَصَا ٱلْقَضَاءِ الضربات التي وقعت على أشور من يد الرب وعصا القضاء هي التي قضى بها الرب على أشور.
بِٱلدُّفُوفِ يكون فرح لإسرائيل بنجاتهم وأما أشور فيكون للنار والهلاك.
يُحَارِبُهُ أي الرب يحارب أشور.
٣٣ «لأَنَّ «تُفْتَةَ» مُرَتَّبَةٌ مُنْذُ ٱلأَمْسِ، مُهَيَّأَةٌ هِيَ أَيْضاً لِلْمَلِكِ، عَمِيقَةٌ وَاسِعَةٌ، كُومَتُهَا نَارٌ وَحَطَبٌ بِكَثْرَةٍ. نَفْخَةُ ٱلرَّبِّ كَنَهْرِ كِبْرِيتٍ تُوقِدُهَا».
٢ملوك ٢٣: ١٠ وإرميا ٧: ٣١ و١٩: ٦ الخ
تُفْتَةَ كانت في وادي ابن هنوم إلى جهة الشرق والجنوب من أورشليم وكان أصلاً في هذا الوادي بساتين وأماكن للتنزه ثم أقاموا فيه معابد للأصنام ولا سيما مولك إله بني عمون وكان لهذا الإله تمثال من نحاس مجوف وكانوا يوقدون في جوفه ناراً حامية جداً ثم يجيزون أولادهم بين يديه أي يحرقونهم وفي أثناء ذلك كانوا يضربون الطبل لمنع سماع صراخهم (قاموس الكتاب المقدس). وأبطل يوشيا ملك يهوذا هذه العادة ونجّس تفنة فصارت مكاناً للأوساخ وجثث الأموات وأوقدوا فيها النيران لتنقية الهواء وربما أشار المسيح إلى هذا المكان في أقواله في عذاب الأشرار الأبدي.
مُرَتَّبَةٌ مُنْذُ ٱلأَمْسِ في مقاصد الله الأزلية.
لِلْمَلِكِ ملك أشور. يشير إلى القول إلى هلاكه وربما يشير أيضاً إلى هلاك نفسه في جهنم. وكما أننا لا نقدر أن نفسر ألفاظ الكتاب في السماء كالحجارة الكريمة والسوق من ذهب والأبواب والأسوار والعرض والطول والعلوّ على سبيل الحقيقة لا نقدر أن نفسر هكذا الألفاظ في جهنم كالنار والحطب والكبريت بل يكفينا أنها تشير إلى عذاب لا يوصف.
إن الله أعدّ لهلاك أشور خمسة أشياء:
(١) السيل (٢) الغربال (٣) الرسن (٤) العصا (٥) تفتة.
ومن فوائد هذا الأصحاح:
- تحريم الاتكال على الوسائط البشرية للخلاص ووجوب الاتكال على الله وحده.
- إننا لا نعرف مقاصد الله ولا نفهم جميع أعماله ولكن علينا أن نخضع له ونطيعه وننتظره لأنه يعرف كل شيء ويعتني بكل شيء وما لا نعرفه الآن سنعرفه فيما بعد.
فوائد للوعاظ
مجد ملكوت المسيح (ع ٢٣ – ٢٦) يقوم بما يأتي:
- حصاد كثير أي انضمام كثيرين من جميع الأمم إلى الكنيسة (متّى ٩: ٣٧ و٣٨ ويوحنا ٤: ٣٥).
- مطر غزير أي نعمة الله النازلة على الناس التي تُنمي وتُحيي.
- قُنيٌ كثيرة بها يصل ماء الحياة إلى كل مكان. والقُنيٌ هي المبشرون.
- نور عظيم. أي امتداد معرفة الله في الكنيسة والعالم.
السابق |
التالي |