سفر إشعياء | 28 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلْعِشْرُونَ
مضمونه:
نبوءة بسقوط السامرة عن يد ملك أشور مع بيان سبب سقوطها وهو خطاياها كالسكر واحتقار كلام الله. وكانت يهوذا شاركت إسرائيل في هذه الخطايا وعليها أيضاً غضب الله. وكان مع الغضب الرحمة كما يظهر في مثل الحارث. والسامرة سقطت في السنة السادسة للملك حزقيا.
١ «وَيْلٌ لإِكْلِيلِ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمَ، وَلِلزَّهْرِ ٱلذَّابِلِ جَمَالِ بَهَائِهِ ٱلَّذِي عَلَى رَأْسِ وَادِي سَمَائِنَ، ٱلْمَضْرُوبِينَ بِٱلْخَمْرِ».
ع ٣ ع ٤
وَيْلٌ لإِكْلِيلِ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمَ أي السامرة عاصمة مملكة إسرائيل وكان موقعها على أكمة حولها أودية وآكام وكانت مدينة قوية لسبب موقعها وأسوارها وحصونها. وكانت الأودية والسهول المحيطة بها مخصبة جداً ومشهورة بالكروم والمناظر الجميلة (انظر سفر عاموس وانظر أيضاً «السامرة» قاموس الكتاب المقدس) ويظهر من هذا الأصحاح أن أهل السامرة اشتهروا بخطية السكر (عاموس ٤: ١ و٦: ٤ – ٦). واعتاد السكارى في القديم لبس إكليل من الأزهار كالورد والبنفسج مع أوراق الآس واللبلاب واعتقدوا أن الإكليل المصنوع منها ورائحة الأزهار ما يخفف أضرار السكر فكان الإكليل علامة الخلاعة.
أَفْرَايِمَ المملكة الشمالية أخذت اسمها من اسم أقوى سبط فيها. فالنبي لا يكتفي بذكر الخطية فسمى الخاطئ أيضاً كقول ناثان لداود «أنت هو الرجل».
وَلِلزَّهْرِ ٱلذَّابِلِ كانت السامرة جميلة كالزهر وإذ كان سقوطها قريباً كانت كزهر ذابل.
وَادِي سَمَائِنَ وادٍ فيه تُرب مخصبة تأتي بالأثمار الوافرة ولكن هذه الخيرات تحولت شروراً. وأفسد فساد قلوبهم عطايا الله الجيدة.
ٱلْمَضْرُوبِينَ بِٱلْخَمْرِ أي المغلوبين منها لأنهم صاروا كعبيد لها لا يقدرون أن يخلصوا منها وأُتلفت بها أملاكهم وصحتهم وآدابهم وهلكت نفوسهم. وكانوا سكارى أيضاً بخمر الكبرياء فلم ينتبهوا للأخطار المحيطة بهم.
٢ – ٤ «٢ هُوَذَا شَدِيدٌ وَقَوِيٌّ لِلسَّيِّدِ كَٱنْهِيَالِ ٱلْبَرَدِ، كَنَوْءٍ مُهْلِكٍ، كَسَيْلِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ جَارِفَةٍ، قَدْ أَلْقَاهُ إِلَى ٱلأَرْضِ بِشِدَّةٍ. ٣ بِٱلأَرْجُلِ يُدَاسُ إِكْلِيلُ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمَ. ٤ وَيَكُونُ ٱلزَّهْرُ ٱلذَّابِلُ جَمَالُ بَهَائِهِ ٱلَّذِي عَلَى رَأْسِ وَادِي ٱلسَّمَائِنِ كَبَاكُورَةِ ٱلتِّينِ قَبْلَ ٱلصَّيْفِ، ٱلَّتِي يَرَاهَا ٱلنَّاظِرُ فَيَبْلَعُهَا وَهِيَ فِي يَدِهِ».
ص ٣٠: ٣ وحزقيال ١٣: ١١ ع ١
شَدِيدٌ وَقَوِيٌّ ملك أشور الذي كان آلة للسيد الرب في إجراء مقاصده.
كَٱنْهِيَالِ ٱلْبَرَدِ شبه هجوم الأشوريين ببرد ونوء وسيل كأن التشبيه الواحد لا يكفي لوصف أهوال الحرب ولا سيما حرب الأشوريين لأنهم كانوا بلا شفقة ولا حق فأحرقت المدن والقرى وقُتل ألوف في الحرب وذُبح ألوف من غير المحاربين منهم نساء وأولاد وسُلبت الأموال وخُربت الأملاك وكثيرون استُعبدوا بلا رجاء وسُبوا إلى بلاد بعيدة.
قَدْ أَلْقَاهُ ملك أشور قد ألقى الإكليل إلى الأرض والإكليل هو المدينة الجميلة على رأس الأودية. والنبي تكلم في هذه الأمور المستقبلة كأنها قد مضت.
كَبَاكُورَةِ ٱلتِّينِ الذي يرى باكورة التين لا يضعها في سلة ويأخذها إلى بيته بل يبلعها في الحال لأنها لذيذة. فيدل على طمع ملك أشور وشراهته.
٥، ٦ «٥ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِكْلِيلَ جَمَالٍ وَتَاجَ بَهَاءٍ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ، ٦ وَرُوحَ ٱلْقَضَاءِ لِلْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ، وَبَأْساً لِلَّذِينَ يَرُدُّونَ ٱلْحَرْبَ إِلَى ٱلْبَابِ».
فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يوم سقوط السامرة.
لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ يهوذا الذي بقي بعد سقوط السامرة نحو ١٣٠ سنة. إن اليهود الأتقياء افتخروا بالرب كما افتخر أهل السامرة بمدينتهم الجميلة وكان حزقيا الصالح في وقت هذه النبوءة ملكاً على يهوذا.
رُوحَ ٱلْقَضَاءِ لِلْجَالِسِ لِلْقَضَاء أي القضاة في أورشليم.
لِلَّذِينَ يَرُدُّونَ ٱلْحَرْبَ إِلَى ٱلْبَابِ (٢ملوك ١٨: ٨) أي يغلبون أعداءهم ويطردونهم ويردونهم إلى باب مدينتهم. فالرب وعد يهوذا بأنه يعطيهم روح العدل بالقضاء والبأس في الحرب وهما صفتان تجمعان كل الصفات الحميدة المطلوب أن تكون في الحكام. والاختلاف كبير بين إكليل السامرة وإكليل يهوذا فإن الأول إكليل جسدي ووقتيٌ والثاني إكليل روحي وأبدي ومجده مجد الرب. ومعظم غاية النبي في هذا الأصحاح إنذار يهوذا فبيّن عقاب الخطايا الناشئة عن الشهوات ولكنه ما اكتفى بذلك لئلا يقولوا لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت فأوضح لهم أن مخافة الرب هي الحسنى لا السكر وإن البأس في الحرب هو الأفضل لا الافتخار الباطل.
٧، ٨ «٧ وَلَكِنَّ هٰؤُلاَءِ أَيْضاً ضَلُّوا بِٱلْخَمْرِ وَتَاهُوا بِٱلْمُسْكِرِ. ٱلْكَاهِنُ وَٱلنَّبِيُّ تَرَنَّحَا بِٱلْمُسْكِرِ. ٱبْتَلَعَتْهُمَا ٱلْخَمْرُ. تَاهَا مِنَ ٱلْمُسْكِرِ. ضَلاَّ فِي ٱلرُّؤْيَا. قَلِقَا فِي ٱلْقَضَاءِ. ٨ فَإِنَّ جَمِيعَ ٱلْمَوَائِدِ ٱمْتَلأَتْ قَيْئاً وَقَذَراً. لَيْسَ مَكَانٌ».
أمثال ٢٠: ١ وهوشع ٤: ١١ ص ٥٦: ١٠ و١٢
هٰؤُلاَءِ أَيْضاً كان على يهوذا الخطايا التي كانت على السامرة كالسكر واحتقار كلام الله. وسكر الكاهن كان خطية أفظع لأنه كان يقترب إلى الله في ممارسة وظيفته وكذلك سكر النبي لأنه كان يتكلم بكلام الله. كانت مدارس الأنبياء من أيام صموئيل فصاعداً وكانوا يتعلمون فيها تفسير التوراة والموسيقى والشعر وكانوا يعلّمون الشعب ولكن لم يكونوا كلهم ممن يلهمهم الله وبوحي إليهم.
ضَلاَّ فِي ٱلرُّؤْيَا كلام الله طاهر والرؤيا صادقة ولكن الإنسان يضل بسبب خطيته وهو كإناء نجس ينجس الموضوع فيه أو قناة مسدودة تمنع ماء الحياة عن العطاش.
لَيْسَ مَكَانٌ كان الكهنة يسكرون أين اتفق لهم حتى في الأماكن المقدسة والأنبياء في وقت ممارستهم عملهم بالنظر إلى كونهم معلني شريعة الله (لاويين ١٠: ٩) «قَالَ ٱلرَّبُّ لِهَارُونَ: خَمْراً وَمُسْكِراً لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ ٱلاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضاً دَهْرِيّاً فِي أَجْيَالِكُمْ».
٩، ١٠ «٩ لِمَنْ يُعَلِّمُ مَعْرِفَةً، وَلِمَنْ يُفْهِمُ تَعْلِيماً؟ أَلِلْمَفْطُومِينَ عَنِ ٱللَّبَنِ، لِلْمَفْصُولِينَ عَنِ ٱلثُّدِيِّ؟ ١٠ لأَنَّهُ أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلٌ هُنَاكَ قَلِيلٌ».
إرميا ٦: ١٠
لِمَنْ يُعَلِّمُ مَعْرِفَةً كلام السكارى هنا استهزاء بالنبي وربما كانوا كهنة وأنبياء وكأنهم قالوا فيما بينهم هل نحن أطفال فيعلمنا وربما قلدوا صوته وأسلوب كلامه وضحكوا عليه قائلين أمر على أمر فرض على فرض فرض على فرض فإنهم اعتبروا تعليم إشعياء بسيطاً جداً وضجروا من تكرار ما يعرفونه ويفهمونه إذ رأوا أنه غير موافق لأناس علماء وفهماء كما كانوا يحسبون أنفسهم. «كَلِمَةَ ٱلصَّلِيبِ عِنْدَ ٱلْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ» (١كورنثوس ١: ١٨).
١١ – ١٣ «١١ إِنَّهُ بِشَفَةٍ لَكْنَاءَ وَبِلِسَانٍ آخَرَ يُكَلِّمُ هٰذَا ٱلشَّعْبَ ١٢ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمْ: هٰذِهِ هِيَ ٱلرَّاحَةُ. أَرِيحُوا ٱلرَّازِحَ، وَهٰذَا هُوَ ٱلسُّكُونُ. وَلَكِنْ لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا. ١٣ فَكَانَ لَهُمْ قَوْلُ ٱلرَّبِّ: أَمْراً عَلَى أَمْرٍ. أَمْراً عَلَى أَمْرٍ. فَرْضاً عَلَى فَرْضٍ. فَرْضاً عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلاً هُنَاكَ قَلِيلاً لِيَذْهَبُوا وَيَسْقُطُوا إِلَى ٱلْوَرَاءِ وَيَنْكَسِرُوا وَيُصَادُوا فَيُؤْخَذُوا».
١كورنثوس ١٤: ٢١
جواب النبي للسكارى وهو أنه يكون كما قالوا فيكلمهم الرب بشفة لكناء وليس كما افتكروا بل يأتي ملك أشور وجيشه ويسمع أهل أورشليم لساناً غريباً ويكون لهم ضربة على ضربة والذين لم يريدوا أن يتعلموا من كلام النبي اللطيف يتعلمون على رغمهم بسيف ملك أشور القاسي ولعل النبوءة تشير إلى سبي بابل أيضاً.
قَالَ لَهُمْ كان الرب وعدهم بالراحة إذا أراحوا الرازح (تثنية ٢٨: ١ – ١٣). إن القسم الأكبر من الكتاب المقدس أخبار تاريخية وأمثال حقائق مكرر ذكرها وموضحة على طرق كثيرة والضمير يحرض الإنسان على تتميم واجبات بسيطة ويحذره من تجارب تصيبه كل يوم وكل ساعة وإذا كان الناس من كبريائهم يحتقرون هذا التعليم البسيط يجعله الله بسيطاً في معنى آخر أي أنه يخفي عنهم كنوز المعرفة والنعمة المتضمنة في كلامه فيصير هذا الكلام عندهم كلاماً بلا معنى وبلا تأثير فيصبحون بلا مرشد في الضيق وبلا معز في الحزن وبلا مخلّص من خطاياهم. وفي كل جيل يستهزئ غير المؤمنين بخادم الرب وأحسن جواب يأتي به هو أن الكلام من الرب لا منه وأحسن سلوك في مثل هذه الأحوال هو الثبات في تعليمه الكتاب المقدس وإن كان هذا التعليم قديماً وعلى ظن المستهزئين بسيطاً ومفهوماً.
لِيَذْهَبُوا وَيَسْقُطُوا (انظر ص ٦: ٩).
١٤ «لِذٰلِكَ ٱسْمَعُوا كَلاَمَ ٱلرَّبِّ يَا رِجَالَ ٱلْهُزْءِ، وُلاَةَ هٰذَا ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ».
بعد توبيخ الكهنة والأنبياء النبي إلى ولاة الشعب أي الشرفاء الذين كانوا مشيري الملك ومدبري أمور المملكة في كل الأيام ولا سيما أيام الملوك الضعفاء والأشرار في المدة الأخيرة قبل السبي وهم رجال الهزء لأنهم دبروا وعملوا بحسب رأي أنفسهم ولم يسمعوا من الرب.
١٥ «لأَنَّكُمْ قُلْتُمْ: قَدْ عَقَدْنَا عَهْداً مَعَ ٱلْمَوْتِ، وَصَنَعْنَا مِيثَاقاً مَعَ ٱلْهَاوِيَةِ. ٱلسَّوْطُ ٱلْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ لاَ يَأْتِينَا، لأَنَّنَا جَعَلْنَا ٱلْكَذِبَ مَلْجَأَنَا، وَبِٱلْغِشِّ ٱسْتَتَرْنَا».
عاموس ٢: ٤
عَقَدْنَا عَهْداً مَعَ ٱلْمَوْتِ ربما لم يقولوا هذا القول عينه ولكن هذا ما قاله لسان حالهم فكانوا يعملون الشرور ويخالفون وصايا الله بلا خوف من الموت كأنهم عقدوا عهداً معه. وكل خاطئ يسكّن نفسه بقوله أنه لا يصيبه بلية والموت بعيد جداً. والهاوية هنا بمعنى الموت.
ٱلسَّوْطُ ٱلْجَارِفُ ضربة تعمّ جميع الناس كطوفان أو وباء أو حرب ولا سيما حرب ملك أشور وربما كانوا متكلين على المخالفة بينهم وبينه (٢ملوك ١٦: ٧) فقالوا لا يأتيهم أي لا يضرهم وإن أتى وضرّ غيرهم.
جَعَلْنَا ٱلْكَذِبَ مَلْجَأَنَا لا ريب في أن هذا ليس كلامهم بلفظة لأنهم لا يعترفون بأنهم متكلون على الكذب ولكن النبي يقول إن هذا خلاصة كلامهم وربما كانوا متكلين على مصر سراً فظنوا أنهم آمنون من الجهتين أي من جهة أشور ومن جهة مصر وهذا الملجأ باطل لأن الاتكال على مصر عبث وملجأ الكذب يشير أيضاً إلى أقوال الأنبياء الكذبة (ميخا ٢: ١١) وكثيرون لا يطلبون معرفة الحق بل ما يوافق شهواتهم فيصغون بالسرور إلى الخادعين.
١٦ «لِذٰلِكَ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: هَئَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ ٱمْتِحَانٍ، حَجَرَ زَاوِيَةٍ كَرِيماً، أَسَاساً مُؤَسَّساً. مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ».
تكوين ٤٩: ٢٤ ومزمور ١١٨: ٢٢ ومتّى ٢١: ٤٢ وأعمال ٤: ١١ ورومية ٩: ٣٣ و١٠: ١١ وأفسس ٢: ٢٠ و١بطرس ٢: ٦ و٧ و٨
أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ كان المستهزئون في أورشليم قد وضعوا أساس الكذب فيريهم الرب الأساس الحقيقي.
حَجَرَاً ربما كان في بال النبي الحجارة العظيمة في أساس الهيكل (١ملوك ٥: ١٧) وكُشف في أيامنا بعض هذه الحجارة فكان طول أحدها ٣٨ قدماً فيُمثل بها المسيح وهو حجر الزاوية للكنيسة (رومية ٩: ٣٣ و١بطرس ٢: ٦).
حَجَرَ ٱمْتِحَانٍ حجر ممتحن لأن كل من يلتجئ إلى المسيح لا يسلك في طريق جديد بل يتبع خطوات ربوات كثيرة اتكلوا على المسيح وخلصوا ولم يخب أمل أحد منهم.
حَجَرَ زَاوِيَةٍ (أفسس ٢: ٢٠ و١بطرس ٢: ٥) الحجر الذي يسند كل البناء فالأنبياء والرسل هم الأساس ولكن المسيح وحده حجر الزاوية.
مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ إذ لا يكون عليه شيء من الخطر حتى يهرب ولا يوجد ملجأ آخر ليهرب إليه ومن ليس له إيمان فيخاف ويهرب. غير أن اليهود الأتقياء في عصر إشعياء لم يعرفوا المسيح نفسه بل صدقوا الوعد بمجيئه وهذا الوعد وغيره من مواعيد الله كان لهم كحجر الزاوية الذي بنوا عليه كل رجائهم.
١٧ «وَأَجْعَلُ ٱلْحَقَّ خَيْطاً وَٱلْعَدْلَ مِطْمَاراً، فَيَخْطُفُ ٱلْبَرَدُ مَلْجَأَ ٱلْكَذِبِ، وَيَجْرُفُ ٱلْمَاءُ ٱلسِّتَارَةَ».
٢ملوك ٢١: ١٣ ع ١٥
خَيْطاً… مِطْمَاراً الخيط والمطمار آلتان من آلات البناء يستقيم بهما الحائط ويكون عمودياً على سطح الأفق. وهكذا يقيس الرب كل أعمال الإنسان فيجب أن تكون بالعدل والحق وكل ما لا ينطبق على هذا القياس لا يثبت (متّى ٧: ٢٤ – ٢٧).
ٱلْبَرَدُ… ٱلْمَاءُ أي أحكام الله كمجيء ملك أشور وملك بابل وإخراب الرومانيين أورشليم والموت والدينونة الأخيرة.
١٨، ١٩ «١٨ وَيُمْحَى عَهْدُكُمْ مَعَ ٱلْمَوْتِ، وَلاَ يَثْبُتُ مِيثَاقُكُمْ مَعَ ٱلْهَاوِيَةِ. ٱلسَّوْطُ ٱلْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ تَكُونُونَ لَهُ لِلدَّوْسِ. ١٩ كُلَّمَا عَبَرَ يَأْخُذُكُمْ، فَإِنَّهُ كُلَّ صَبَاحٍ يَعْبُرُ، فِي ٱلنَّهَارِ وَفِي ٱللَّيْلِ، وَيَكُونُ فَهْمُ ٱلْخَبَرِ فَقَطِ ٱنْزِعَاجاً».
وَيُمْحَى عَهْدُكُمْ مَعَ ٱلْمَوْتِ لا يخلصون من الموت بأكاذيبهم كما كانوا يظنون. وفي هذه الآية ثلاثة تشبيهات بثلاثة مشبهات بها وهي السوط وطوفان وتشير إليها كلمة «الجارف» ودوس المحارب والمعنى واحد وهو الخراب التام.
كُلَّمَا عَبَرَ يَأْخُذُكُمْ كان هجوم الأشوريين كطوفان. أُخبرنا بمرور الأشوريين ثماني مرات على الأقل مرة في زمان سرجون ومرتين في زمان سنحاريب وثلاث مرات أو أربع في زمان آسرحدون ومرتين في زمان أشربانبال وكان اليهود في كل منها يقلون عدداً وقوة.
كُلَّ صَبَاحٍ أي تكون المصائب متوالية.
فَهْمُ ٱلْخَبَرِ فَقَطِ ٱنْزِعَاجاً من كثرة المصائب ينزعج النبي من التكلم به وينزعج الشعب من السمع بها.
٢٠ «لأَنَّ ٱلْفِرَاشَ قَدْ قَصَرَ عَنِ ٱلتَّمَدُّدِ، وَٱلْغِطَاءَ ضَاقَ عَنِ ٱلالْتِحَافِ».
يظهر أن هذه العبارة كانت مثلاً معناه الضيق الناتج عن عدم الاستعداد كأن إنساناً صنع فراشاً وغلط في القياس فقصر عن المطلوب فلم يسترح عليه وهكذا أمر الذين يتكلون على الأكاذيب التي لا تخلصهم في وقت الضيق.
٢١ «لأَنَّهُ كَمَا فِي جَبَلِ فَرَاصِيمَ يَقُومُ ٱلرَّبُّ، وَكَمَا فِي ٱلْوَطَاءِ عِنْدَ جِبْعُونَ يَسْخَطُ لِيَفْعَلَ فِعْلَهُ ٱلْغَرِيبَ، وَلِيَعْمَلَ عَمَلَهُ ٱلْغَرِيبَ».
٢صموئيل ٥: ٢٠ و١أيام ١٤: ١١ يشوع ١٠: ١٠ و١٢ و٢صموئيل ٥: ٢٥ و١أيام ١٤: ١٦ مراثي ٢: ٣٣
جَبَلِ فَرَاصِيمَ… ٱلْوَطَاءِ عِنْدَ جِبْعُونَ (انظر ١ايام ١٤: ٨ – ١٦).
عَمَلَهُ ٱلْغَرِيبَ:
- لأن الرب سيعمل مع شعبه كما عمل مع الفلسطينيين.
- لأن الأحكام الآتية على اليهود لم يأتهم مثلها.
- لأن الرب سيستعمل في تأديب شعبه أمة وثنية.
- لأن من يجري هذه الأحكام على شعبه هو إله محبة فلا يسرّ بهلاكهم.
٢٢ «فَٱلآنَ لاَ تَكُونُوا مُتَهَكِّمِينَ لِئَلاَّ تُشَدَّدَ رُبُطُكُمْ، لأَنِّي سَمِعْتُ فَنَاءً قَضَى بِهِ ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ».
ص ١٠: ٢٢ و٢٣ ودانيال ٩: ٢٧
كان بنو إسرائيل مربوطين بربط الجزية والخضوع للأشوريين ولكن هذه الربط كانت رخوة بالنسبة إلى ما وقع عليهم بعد ذلك الزمان فيقول لهم النبي يكفيكم رُبطكم فلا تشدوها بإصراركم على خطاياكم. وكل خطية كحلقة في السلسلة التي يقيّد الخاطئ نفسه بها.
كُلِّ ٱلأَرْضِ أي أرض اليهودية.
٢٣ – ٢٩ «٢٣ اُصْغُوا وَٱسْمَعُوا صَوْتِي. ٱنْصُتُوا وَٱسْمَعُوا قَوْلِي. ٢٤ هَلْ يَحْرُثُ ٱلْحَارِثُ كُلَّ يَوْمٍ لِيَزْرَعَ وَيَشُقَّ أَرْضَهُ وَيُمَهِّدَهَا؟ ٢٥ أَلَيْسَ أَنَّهُ إِذَا سَوَّى وَجْهَهَا يَبْذُرُ ٱلشُّونِيزَ وَيُذَرِّي ٱلْكَمُّونَ وَيَضَعُ ٱلْحِنْطَةَ فِي أَتْلاَمٍ وَٱلشَّعِيرَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ وَٱلْقَطَانِيَّ فِي حُدُودِهَا؟ ٢٦ فَيُرْشِدُهُ. بِٱلْحَقِّ يُعَلِّمُهُ إِلٰهُهُ. ٢٧ إِنَّ ٱلشُّونِيزَ لاَ يُدْرَسُ بِٱلنَّوْرَجِ، وَلاَ تُدَارُ بَكَرَةُ ٱلْعَجَلَةِ عَلَى ٱلْكَمُّونِ، بَلْ بِٱلْقَضِيبِ يُخْبَطُ ٱلشُّونِيزُ وَٱلْكَمُّونُ بِٱلْعَصَا. ٢٨ يُدَقُّ ٱلْقَمْحُ لأَنَّهُ لاَ يَدْرُسُهُ إِلَى ٱلأَبَدِ، فَيَسُوقُ بَكَرَةَ عَجَلَتِهِ وَخَيْلَهُ. لاَ يَسْحَقُهُ. ٢٩ هٰذَا أَيْضاً خَرَجَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ. عَجِيبُ ٱلرَّأْيِ عَظِيمُ ٱلْفَهْمِ».
مزمور ٩٢: ٥ وإرميا ٣٢: ١٩
اُصْغُوا لأن الكلام الآتي يستحق عظيم الاعتبار. والنبي يخاطب أهل أورشليم. وبعد ما كان قد تنبأ بالسوط الجارف والفناء المقضى به أخذ يعلّمهم بواسطة مثل الحارث أن قصد الرب في أحكامه تأديب الشعب لكي يأتوا بأثمار صالحة (انظر قاموس الكتاب المقدس ففيه وصف النباتات المذكورة). بزر الشونير هو الحبة السوداء التي تنتثر على الخبز وتُعرف عند العامة بحبة البركة. وبزر الكمون يشبه الأنيسون وذكره المسيح (متّى ٢٣: ٢٣) مريداً به الأشياء الزهيدة. ويُراد بالقطاني جميع الحبوب التي تُطبخ كالعدس والماش والفول واللوبياء والحمص.
ومن فوائد هذا المثل ما يأتي:
- إن كل شيء في يد الله وهو الحارث فيحرث ويزرع ويحصد ويدرس كما يريد والحقل له.
- إن لله مقاصد في كل عمله كما أن الحارث يحرث أرضاً ويترك أخرى ويزرع القمح هنا والشعير هناك ويفعل كل شيء برأي وتدبير.
- إن الحراثة تشير إلى تأديب الله الذي به يكسر القلوب ويعده لقبول البزر.
- إن للحراثة وقتاً محدوداً ولتأديب الله نهاية فلا يؤدب أكثر من المقتضى «القصبة المرضوضة لا يكسرها والفتيلة المدخنة لا يطفئها».
- إن الله يجعل التأديب مناسباً لكل من المؤدبين. النورج للقمح والقضيب للشونيز والعصا للكمون فعلى كل مؤدَّب أن يسلّم أمره إلى الرب.
فوائد للوعاظ
ضلوا بالخمر (ع ٨) فعل المسكر
- يحط الشرف. «بالأرجل يُداس». حتى النبي والكاهن إذا سكرا يصيرا هزءة وأضحوكة.
- يشوه الجمال «الزهر الذابل».
- يضعف العقل «تاها من المسكر»
- يضعف القوة الجسدية «ألقاه إلى الأرض بشدة».
- يبدد المال «يبتلعها وهي بيده» أي غنى السامرة زال كباكورة التين بيد آكله.
- يهلك النفس «لا يثبت ميثاقهم مع الهاوية» «ولا السكيرون يرثون ملكوت الله».
وبما أن شرب المسكر مخطر إلى هذا الحد كان الأولى أن لا نستعمله مطلقاً.
السابق |
التالي |