سفر إشعياء | 20 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ
مضمونه:
في هذا الأصحاح رمز إلى خضوع مصر لملك أشور يدل على ضعف المصريين وسقوطهم وتنبيه لليهود على أن مصر ليست قادرة على إعانتهم على أعدائهم. وقد مثّل إشعياء ذلك بأمر الرب بحلّ المسيح عن حقويه وخلع حذائه عن رجليه ومشيه معرّى وحافياً ثلاث سنين. والمقصود في هذا العمل بيان كون ملك أشور سيسوق أسرى مصر وكوش هكذا وذلك مما يقطع رجاء اليهود من طلب المساعدة منهم.
١ «فِي سَنَةِ مَجِيءِ تَرْتَانَ إِلَى أَشْدُودَ، حِينَ أَرْسَلَهُ سَرْجُونُ مَلِكُ أَشُّورَ فَحَارَبَ أَشْدُودَ وَأَخَذَهَا».
٢ملوك ١٨: ١٧
تَرْتَانَ الأرجح أن هذا اسم نكرة يُطلق على رئيس الجيش وهو ثاني الملك.
أَشْدُودَ إحدى عواصم الفلسطينيين الخمس وكان فيها هيكل داجون وأُخذ التابوت إليها (١صموئيل ص ٥) وهي على شاطئ البحر وعلى طريق مصر وكانت مشهورة بقوتها كما يُستنتج من اسمها أشدود أي شديدة وقيل أنها احتملت حصار ٢٩ سنة من أبسامتيخوس ملك مصر وكان ملك أشور قد أخذها قبل الحادثة المذكورة في هذا الأصحاح وكانت عصته فأرسل قائد جيشه لإخضاعها ثانية.
سَرْجُونُ خليفة شلمناسر وأبو سنحاريب. ولم يُذكر في الكتاب المقدس إلا هذه المرة. وظن بعض المفسرين أنه شلمناسر وبعضهم أنه سنحاريب ولكن عُرف من كتابات أشورية اكتُشفت حديثاً نبأه بالتفصيل وهو أنه كان أحد قواد الجيش وعصى ملكه شلمناسر وهو يحاصر مدينة السامرة. والظاهر أن الملك الذي حاصر السامرة (٢ملوك ١٧: ٥) هو شلمناسر وأما الملك الذي أخذها (٢ملوك ١٧: ٦) فهو سرجون. وكان سرجون ملكاً مقتدراً في الحرب وهو الملك الذي حارب مصر وآسيا الصغرى ومادي وفارس واستولى على مدينة بابل.
٢ «فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ قَالَ ٱلرَّبُّ عَنْ يَدِ إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ: اِذْهَبْ وَحُلَّ ٱلْمِسْحَ عَنْ حَقَوَيْكَ وَٱخْلَعْ حِذَاءَكَ عَنْ رِجْلَيْكَ. فَفَعَلَ هٰكَذَا وَمَشَى مُعَرًّى وَحَافِياً».
زكريا ١٣: ٤ و١صموئيل ١٩: ٢٤ وميخا ١: ٨ و١١
ٱلْمِسْحَ لباس إشعياء المعتاد وهو ثوب خشن من شعر وربما كان ذلك لباس الأنبياء وعلامة رتبتهم.
فَفَعَلَ هٰكَذَا وما كان أصعب على إشعياء وقد اعتاد معاشرة الملوك والعظماء أن يمشي هكذا في مدينة أورشليم كأنه مستعط أو أسير ففعله يدل على إيمانه وكمال طاعته للرب.
٣ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ: كَمَا مَشَى عَبْدِي إِشَعْيَاءُ مُعَرًّى وَحَافِياً ثَلاَثَ سِنِينٍ، آيَةً وَأُعْجُوبَةً عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُوشَ».
ص ٨: ١٨
عَبْدِي إِشَعْيَاءُ كان هذا اللقب لبعض الأفاضل القدماء كإبراهيم وموسى وكالب وأيوب وألياقيم وزربابل وأعظم شرف لإنسان هو أن يخدم الرب خدمة يقبلها الرب ويعترف بها كأنها نفعته ومجدته.
مُعَرًّى لا يستلزم هذا أنه كان بلا ستر فالمعنى أنه خلع ثوبه وحذاءه ولم يزل لابساً ما يستره.
ثَلاَثَ سِنِينٍ من تاريخ قول الرب له عند مجيء الأشوريين الأول إلى مجيء ترتان المذكور في هذا الأصحاح. وبعضهم فهم من ذلك أن النبي مشى معرّى مرة فقط وكان ذلك آية وأعجوبة مدة ثلاث سنين.
آيَةً الآية تؤثر في الناس أكثر من مجرد الكلام.
مِصْرَ… كُوشَ كانت كوش في تاريخ هذه النبوءة متسلطة في الجهات الجنوبية من أراضي النيل ولها سلطة أيضاً في الجهات الشمالية لعدم اتفاق بعض المصريين ببعض.
٤ «هٰكَذَا يَسُوقُ مَلِكُ أَشُّورَ سَبْيَ مِصْرَ وَجَلاَءَ كُوشَ، ٱلْفِتْيَانَ وَٱلشُّيُوخَ، عُرَاةً وَحُفَاةً وَمَكْشُوفِي ٱلأَسْتَاهِ خِزْياً لِمِصْرَ».
٢صموئيل ١٠: ٤ وص ٣: ١٧ وإرميا ١٣: ٢٢ و٢٦ وميخا ١: ١١
إن المصريين والفلسطينيين كانوا متحدين في محاربة أشور وسقوط مدينة الفلسطينيين القوية يُعتبر كسقوط مصر وكوش. وبعد ما أخذ سرجون أشدود باع أهلها عبيداً. ولا ريب في أنه كان بين عساكرها أناس من مصر وكوش ولم يُعرف أن الأشوريين افتتحوا مصر حتى حاربها آسرحدون بن سنحاريب فكان ذلك إتماماً للنبوءة.
ٱلْفِتْيَانَ وَٱلشُّيُوخَ كل من ينظر الكتابات والصور الأشورية يعلم كثرة الأسرى من الفتيان والشيوخ والنساء. والأسرى في هذه الصور عُراة أي ليس عليهم سوى الأقمصة.
٥ «فَيَرْتَاعُونَ وَيَخْجَلُونَ مِنْ أَجْلِ كُوشَ رَجَائِهِمْ وَمِنْ أَجْلِ مِصْرَ فَخْرِهِمْ».
٢ملوك ١٨: ٢١ وص ٣٠: ٣ و٥ و٧ و٣٦: ٦
فَيَرْتَاعُونَ أي يرتاع الذين التجأوا إلى مصر وكوش وعلة ارتياعهم أنهم وقعوا هم أيضاً في يد ملك أشور وخجلوا لأنهم اتكلوا على من لا يقدر أن يساعدهم.
٦ «وَيَقُولُ سَاكِنُ هٰذَا ٱلسَّاحِلِ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: هُوَذَا هٰكَذَا مَلْجَأُنَا ٱلَّذِي هَرَبْنَا إِلَيْهِ لِلْمَعُونَةِ لِنَنْجُو مِنْ مَلِكِ أَشُّورَ، فَكَيْفَ نَسْلَمُ نَحْنُ؟».
إرميا ٤٧: ٤
سَاكِنُ هٰذَا ٱلسَّاحِلِ أي ساحل الفلسطينيين لأن الكلام السابق كان في مدينة أشدود غير أن لفظة «ساكن الساحل» تعم أهل أرض الفلسطينيين كلها وتشمل اليهود والأدوميين والموآبيين لأنهم كلهم ارتاعوا وخجلوا لما سقطت أشدود.
فوائد للوعاظ
ففعل هكذا (ع ٢) الطاعة
أولاً: إنه كثيراً ما يأمرنا الرب بما نستصعب فعله وأمثلة ذلك:
- مقاومة الذين نعتبرهم ونخاف منهم.
- احتمال مشقات وأتعاب.
- احتمال الضحك والتعييرات.
ثانياً: إنه علينا مع ذلك أن نطيع بلا اعتراض لأسباب:
- إن لله حقاً أن يأمرنا بما يريد.
- إنه مهما طلب المسيح منا من الخدمة الصعبة فذلك أقل مما احتمله هو لأجلنا.
- إن كل ما يأمرنا الرب به هو للخير وبالحكمة وإن كنا في الوقت الحاضر لا نقدر أن نفهمه.
فكيف نسلم نحن (ع ٦) لا يقدر بنو البشر أن يخلصوا من الأمور الآتية:
- الضيقات الزمنية. فبنو إسرائيل لم يقدروا أن يخلّصوا أنفسهم لما خرجوا من مصر وصاروا بين البحر وبين المصريين. والملك حزقيا لم يقدر أن يخلص نفسه من سنحاريب. وبطرس لم يقدر أن يخلص نفسه من السجن (أعمال ١٢).
- تسلط الخطية. قال بولس (رومية ٧: ٢٤) «مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هٰذَا ٱلْمَوْتِ».
- عواقب الخطية الأبدية. ففي (رؤيا ٦: ١٧) «قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ ٱلْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ٱلْوُقُوفَ».
وجواب هذا السؤال إننا لا نقدر أن نخلص نظراً إلى أنفسنا أو إلى بني البشر فعلينا أن نلتجئ إلى الرب فهو يخلّصنا.
السابق |
التالي |