سفر إشعياء | 18 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ
مضمونه:
في هذا الأصحاح يصوّر النبي بلاد الحبش مرسلة رسلاً إلى أورشليم ليسألوا ماذا يعملون في أمر سنحاريب لأنه بتاريخ هذه الحادثة كان قادماً على أورشليم وإذا أخذها فلا يبقى مانع يؤخره عن الهجوم على مصر وبلاد الحبش ولذلك كانت بلاد الحبش مشتركة مع اليهود في خوفهم من سنحاريب وفي مقاومته.
١ «يَا أَرْضَ حَفِيفِ ٱلأَجْنِحَةِ ٱلَّتِي فِي عَبْرِ أَنْهَارِ كُوشَ».
ص ٢٠: ٤ و٥ وحزقيال ٣٠: ٤ و٥ و٩ وصفنيا ٢: ١٢ و٣: ١٠
حَفِيفِ ٱلأَجْنِحَةِ لُقبت بلاد الحبش بذلك من كثرة الذبان فيها وطنينه أو من صوت حركة جيوشها العظيمة المشبّه بحفيف أجنحة الطيور عند طيرانها انظر (٢أيام ١٤: ٩) ففيه أن زارح الكوشي خرج لمحاربة آسا ملك يهوذا بجيش ألف ألف. و(٢ملوك ١٩: ٩) ففيه أن ترهاقة ملك كوش خرج لمحاربة سنحاريب. والأرجح أن ترهاقة كان ملكاً على الحبش في زمان هذه النبوءة.
أَنْهَارِ كُوشَ النيل والأنهار الثلاثة في جنوبي مصر العليا التي تصب في نهر النيل.
٢ «ٱلْمُرْسِلَةَ رُسُلاً فِي ٱلْبَحْرِ وَفِي قَوَارِبَ مِنَ ٱلْبَرْدِيِّ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ. ٱذْهَبُوا أَيُّهَا ٱلرُّسُلُ ٱلسَّرِيعُونَ إِلَى أُمَّةٍ طَوِيلَةٍ وَجَرْدَاءَ، إِلَى شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعِداً، أُمَّةِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ، قَدْ خَرَقَتِ ٱلأَنْهَارُ أَرْضَهَا».
ع ٧
رُسُلاً المرسلون من الحبش إلى أورشليم.
ٱلْبَحْرِ نهر النيل وسُمي بحراً لعظمته (ص ١٩: ٥).
ٱلْبَرْدِيِّ نبات ينمو في مستنقعات النيل وكان المصريون يصنعون منه الورق المعروف بورق البابيرس وسلالاً وأسفاطاً (خروج ٢: ٣) وقوارب وهي لكونها خفيفة جداً كانت مناسبة للسفر في الأنهار وأما السفر في البحر فكان بسفن أخرى.
ٱذْهَبُوا من هنا يبتدئ جواب النبي إلى الرسل والجواب هو جواب الرب (ع ٤) فإن النبي لا يأخذ على نفسه مسؤولية تدبير أمور الممالك.
ٱلسَّرِيعُونَ من مشيهم السريع في القوارب الخفيفة على الأنهار.
أُمَّةٍ طَوِيلَةٍ وَجَرْدَاءَ طويلة القامة ووجوهها عارية من الشعر وهذان الوصفان يصدقان كل الصدق على أهل الحبشة.
شَعْبٍ مَخُوفٍ واجه الإسرائيليون جيوش كوش أولاً عندما أتوا مع شيشق في زمان رحبعام ثم عند هجوم زارح في زمان آسا وبعد ذلك بنحو مئتي سنة استولوا على مصر.
قَدْ خَرَقَتِ ٱلأَنْهَارُ أَرْضَهَا تأخذ الأنهار التراب من أرض الحبش وتحمله إلى أرض مصر فيكون خصب بلاد مصر من الحبش.
٣ «يَا جَمِيعَ سُكَّانِ ٱلْمَسْكُونَةِ وَقَاطِنِي ٱلأَرْضِ، عِنْدَمَا تَرْتَفِعُ ٱلرَّايَةُ عَلَى ٱلْجِبَالِ تَنْظُرُونَ، وَعِنْدَمَا يُضْرَبُ بِٱلْبُوقِ تَسْمَعُونَ».
ص ٥: ٢٦
يَا جَمِيعَ سُكَّانِ ٱلْمَسْكُونَةِ يدعو النبي جميع سكان المسكونة لينظروا ويسمعوا حين يعمل الله أعماله العجيبة في الأشوريين.
ٱلرَّايَةُ راية الله وتشير إلى إظهار قوته وكذلك البوق والكلام مجاز (٢ملوك ١٩: ٢٠ – ٣٤).
٤ – ٦ «٤ لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ لِي ٱلرَّبُّ: إِنِّي أَهْدَأُ وَأَنْظُرُ فِي مَسْكَنِي كَٱلْحَرِّ ٱلصَّافِي عَلَى ٱلْبَقْلِ، كَغَيْمِ ٱلنَّدَى فِي حَرِّ ٱلْحَصَادِ. ٥ فَإِنَّهُ قَبْلَ ٱلْحَصَادِ، عِنْدَ تَمَامِ ٱلزَّهْرِ، وَعِنْدَمَا يَصِيرُ ٱلزَّهْرُ حِصْرِماً نَضِيجاً يَقْطَعُ ٱلْقُضْبَانَ بِٱلْمَنَاجِلِ، وَيَنْزِعُ ٱلأَفْنَانَ وَيَطْرَحُهَا. ٦ تُتْرَكُ مَعاً لِجَوَارِحِ ٱلْجِبَالِ وَلِوُحُوشِ ٱلأَرْضِ، فَتُصَيِّفُ عَلَيْهَا ٱلْجَوَارِحُ، وَتُشَتِّي عَلَيْهَا جَمِيعُ وُحُوشِ ٱلأَرْضِ».
في هذه الآيات وصف هلاك الأشوريين بقوة الله بعبارات مجازية وصف الله حين استعداد الأشوريين لمحاربة يهوذا بأنه ناظر من مسكنه وهادئ كالحر الصافي على البقل وكغيم الندى في حر الحصاد. وأما الحصاد المشار إليه فهو على نوعين وهما الحصاد الذي قصده ملك أشور ولم يتممه في إهلاك اليهود والحصاد الذي قصده الرب وأعده وأتممه في خلاص شعبه وهلاك أشور. والقضبان المقطوعة التي تُركت للجوارح والوحوش كناية عن جثث القتلى من الأشوريين فتُترك معاً لجوارح الجبال ووحوش الأرض ولكثرة القتلى تصيّف وتشتي عليها.
٧ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ تُقَدَّمُ هَدِيَّةٌ لِرَبِّ ٱلْجُنُودِ مِنْ شَعْبٍ طَوِيلٍ وَأَجْرَدَ، وَمِنْ شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعِداً، مِنْ أُمَّةٍ ذَاتِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ، قَدْ خَرَقَتِ ٱلأَنْهَارُ أَرْضَهَا، إِلَى مَوْضِعِ ٱسْمِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ، جَبَلِ صِهْيَوْنَ».
مزمور ٦٨: ٣١ و٧٢: ١٠ وص ١٦: ١ وصفنيا ٣: ١٠ وملاخي ١: ١١ ع ٢
نبوءة بتقديم هدية للرب من أهل الحبش غير أن نوع الهدية ليس مذكوراً ويُحتمل أن المراد بالهدية شيء أرسلوه حقيقة أو أن الهدية المذكورة هي كناية عن تقديم الإكرام والعبادة لله. وتمت هذه النبوءة جزئياً بقبول أهل الحبش الديانة المسيحية في عصر الرسل وستتم تماماً فيما بعد برجوعهم إلى الإيمان بالمسيح. ومن النبوءات التي تشير إلى رجوع أهل الحبش إلى الله (ص ٤٥: ١٤ وصفنيا ٣: ١٠ ومزمور ٦٨: ٣١ و٨٧: ٤).
إني أهدأ (ع ٤)
في هدوء الله ما يأتي:
- إن هدوءه ناتج عن قوة. فإن الناس يطلبون إتمام مقاصدهم بضجيج كالأشوريين أو حفيف كأهل الحبش وذلك دليل على ضعفهم. وكل من نال القوة من الله لا يضجر ولا يحتد ولا يهتم. فالهدوء علامة القوة والضجيج علامة الضعف.
- إن الهدوء لا يناقض العمل. لأن الله يرى كل شيء ويسمع كل صلاة ويهتم بأمور كل واحد من خلائقه كالندى والشمس لا يُسمع صوتهما ولكنهما عظيمان في فعلهما.
- إن هدوءه من جهة شعبه ومن جهة أعدائه أيضاً. فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين. ويُنبت في الأرض الواحدة الشوك والحنطة فينتفعان كلاهما من الشمس والمطر. فلا يطمئن الأشرار في شرورهم كأن الله لا يراهم ولا يفشل الصالحون كأن الله لا يهتم بهم لأنه لا بدّ من الحصاد في حينه ويكون حصاد كل إنسان بحسب أعماله.
السابق |
التالي |