إشعياء

سفر إشعياء | 13 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ

مضمونه:

هذا الأصحاح بداءة قسم آخر من نبوءات إشعياء يمتد من (ص ١٣ – ص ٢٣) وموضوعه الويلات الآتية على الأمم الوثنية التي ضايقت اليهود. وأول نبوءة على بابل وهي تمتد من (ص ١٣: ١ – ص ١٤: ٢٣) وما تمتاز به ما يأتي:

  1. الأنباء بالويلات التي ستأتي على بابل وكانت هذه النبوءة قبل حدوث أدنى علاقة أو مداخلة بين البابليين واليهود. وما كادت بابل تكون معروفة في عصره.
  2. ذكر الماديين أمة قادرة على خراب بابل مع أنها لم تكن يومئذ إلا أمة بربرية متوزعة في جهات بحر قزيين ولم تقو إلا بعد مئة سنة لنطق إشعياء بهذه النبوءة.
  3. إنه لم يكن دليل في عهد إشعياء على أن بابل تصير مملكة قوية مشهورة كما أنبأ لأنها كانت وقتئذ صغيرة وضعيفة بالنسبة إلى مملكة أشور وخاضعة لها. وتمّ كل ما أنبأ به النبي من عظمة تلك الأمة قبل ارتفاعها من حضيض الحقارة وسقوطها الذي كانت بداءته بما أتاه الماديون وأنبأ بذلك يوم لم يكونوا قد عرفوا أنهم أمة وظل ارتقاؤهم يزيد واندرست رسومها لمضي نحو ألف سنة من ذلك. على أن هذا لا ينافي النبوءة لأن النبي لم يصرّح بأن دمارها يتم دفعة واحدة (انظر «بابل» و«مادي» في قاموس الكتاب المقدس).

إن الأتقياء احتاجوا في مدة انحطاط مملكة اليهود ومدة السبي الطويلة إلى هذا الإعلان أي بيان مقاصد الله في بابل لكي يعرفوا أن الله سبق فعرف كل شيء قبل حدوثه وإنه سمح بنمو مملكة بابل العجيب حتى تكون آلة لتأديب شعبه وإنه بعدما يتم التأديب يبيد الظالمين. وعلى الجملة أن نجاح الأشرار وقتي وتم كل ذلك بقصد الله لا بقوتهم.

١ «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَابِلَ رَآهُ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ».

ص ٢١: ١ و٤٧: ١ وإرميا ٥٠ و٥١

رَآهُ إِشَعْيَاءُ إن إشعياء رأى هذه الأمور صورة. رأى راية على جبل وممالك الأمم مجتمعة ورب الجنود قائدها ومشهد خوف عظيم ووجوه الناس وجوه لهيب ونجوم السماوات والشمس مظلمة ونشوء زلزال وخراب بابل التام. ولفظة «رأى» هنا تفيد التأكيد أي أنه لم يعرف ذلك بالخبر بل برأي العين.

٢ «أَقِيمُوا رَايَةً عَلَى جَبَلٍ أَقْرَعَ. ٱرْفَعُوا صَوْتاً إِلَيْهِمْ. أَشِيرُوا بِٱلْيَدِ لِيَدْخُلُوا أَبْوَابَ ٱلْعُتَاةِ».

ص ٥: ٢٦ و١٨: ٣ وإرميا ٥٠: ٢ إرميا ٥١: ٢٥ ص ١٠: ٣٢

أَقِيمُوا رَايَةً خطاب الرب بلسان نبيه لرؤساء الأمم وتحريضهم على حشد عساكر جرارة يزحفون بها على بابل.

عَلَى جَبَلٍ أَقْرَعَ أي جبل لا يستره شيء من الشجر حتى تُرى رايتهم من كل ناحية ومن أبعد المواضع.

ٱرْفَعُوا صَوْتاً إِلَيْهِمْ أي إلى الماديين والفرس الذين سيدعوهم الله إلى محاربة بابل.

ٱلْعُتَاةِ أي البابليين. ومعنى «العتاة» قساة القلوب المتكبرون المرتفعون. إن كورش حوّل مياه نهر الفرات عن مدينة بابل ودخل المدينة في مجرى النهر بعد تحويله لأنه كان يجري في وسط المدينة وكان دخول كورش ليلة عيد إله البابليين وكانوا سكارى وتركوا الأبواب التي على ضفة النهر مفتوحة فدخل الماديون أبواب العتاة بلا مانع (دانيال ٥: ٣٠ وإرميا ٥٠: ٣٠ – ٣٢).

٣ «أَنَا أَوْصَيْتُ مُقَدَّسِيَّ، وَدَعَوْتُ أَبْطَالِي لأَجْلِ غَضَبِي، مُفْتَخِرِي عَظَمَتِي».

يوئيل ٣: ١١ مزمور ١٤٩: ٢ و٥ و٦

أَنَا أَوْصَيْتُ مُقَدَّسِيَّ المقدس هنا هو المفرز لعمل ما والمراد به هنا الذين اختارهم الله لتتميم مقاصده لكسر شوكة المملكة البابلية وتدميرها.

لأَجْلِ غَضَبِي أي لإجراء غضبي.

مُفْتَخِرِي عَظَمَتِي أي جنودي الذين يجرون مقاصدي السامية.

٤ «صَوْتُ جُمْهُورٍ عَلَى ٱلْجِبَالِ شِبْهَ قَوْمٍ كَثِيرِينَ. صَوْتُ ضَجِيجِ مَمَالِكِ أُمَمٍ مُجْتَمِعَةٍ. رَبُّ ٱلْجُنُودِ يَعْرِضُ جَيْشَ ٱلْحَرْبِ».

صَوْتُ جُمْهُورٍ عَلَى ٱلْجِبَالِ وصف كثرتهم ومنظرهم وضجيجهم وهم يقطعون الجبال إلى غرضهم (إرميا ٥١: ٢٧).

٥ «يَأْتُونَ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ أَقْصَى ٱلسَّمَاوَاتِ. ٱلرَّبُّ وَأَدَوَاتُ سَخَطِهِ لِيُخْرِبَ كُلَّ ٱلأَرْضِ».

يَأْتُونَ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ أَقْصَى ٱلسَّمَاوَاتِ هنا الرب نفسه يقوم مقام قائد الجيوش للانتقام من بابل لأن قوادهم ليسوا بالحقيقة إلا آلات بيده تعالى وبمنزلة نواب عنه. واليهود لم يعرفوا ما هو وراء مادي إلى جهة الشرق فكانت مادي عندهم آخر الأرض.

لِيُخْرِبَ كُلَّ ٱلأَرْضِ أي جميع المملكة البابلية وأراضيها لا كل ممالك العالم.

٦ «وَلْوِلُوا لأَنَّ يَوْمَ ٱلرَّبِّ قَرِيبٌ، قَادِمٌ كَخَرَابٍ مِنَ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».

صفنيا ١: ٧ ورؤيا ٦: ١٧ أيوب ٣١: ٢٣ ويوئيل ١: ١٥

وَلْوِلُوا الخطاب هنا لأهل بابل.

يَوْمَ ٱلرَّبِّ كان لبابل يوم وهو يوم قوة وسلطة ومجد. فمضى يومها وأتى يوم الرب وهو اليوم المعيّن لانتقامه من أعداء شعبه.

قَرِيبٌ كان سقوط بابل بعد ١٧٥ سنة من وقت هذه النبوءة ولكنه كان قريباً عند النبي لأنه رأى في الرؤيا الماديين قادمين ومدينة بابل تسقط أمامهم.

٧ «لِذٰلِكَ تَرْتَخِي كُلُّ ٱلأَيَادِي، وَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبِ إِنْسَانٍ».

وَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبِ إِنْسَانٍ الرب ضرب المدينة بإدخاله الخوف إلى كل قلب فلا تنفع الأسوار ولا السلاح ولا المركبات ولا الأموال بلا رجال. فإن رجال بابل الذين كانوا المتسلطين على العالم صاورا كنساء أخذتهن أوجاع ومخاض.

٨ «فَيَرْتَاعُونَ. تَأْخُذُهُمْ أَوْجَاعٌ وَمَخَاضٌ. يَتَلَوَّوْنَ كَوَالِدَةٍ. يَبْهَتُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ لَهِيبٍ».

مزمور ٤٨: ٦ وص ٢١: ٣

يَبْهَتُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ لا يعرفون ماذا يعملون وكل واحد ينظر إلى الآخر يطلب مشورة ولم يكن لأحد رأي.

وُجُوهُ لَهِيبٍ احمرت وجوههم من الخزي والخجل ولا شك في أنها اصفرّت على أثر ذلك من الخوف والاضطراب.

٩ «هُوَذَا يَوْمُ ٱلرَّبِّ قَادِمٌ، قَاسِياً بِسَخَطٍ وَحُمُوِّ غَضَبٍ، لِيَجْعَلَ ٱلأَرْضَ خَرَاباً وَيُبِيدَ مِنْهَا خُطَاتَهَا».

ملاخي ٤: ١ مزمور ١٠٤: ٣٥ وأمثال ٢: ٢٢

خُطَاتَهَا كان سبب سقوط بابل خطايا أهلها.

١٠ «فَإِنَّ نُجُومَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَجَبَابِرَتَهَا لاَ تُبْرِزُ نُورَهَا. تُظْلِمُ ٱلشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا، وَٱلْقَمَرُ لاَ يَلْمَعُ بِضَوْئِهِ».

ص ٢٤: ٢١ و٢٣ وحزقيال ٣٢: ٧ ويوئيل ٢: ٣١ و٣: ١٥ ومتّى ٢٤: ٢٩ ومرقس ١٣: ٢٤ ولوقا ٢١: ٢٥

فَإِنَّ نُجُومَ ٱلسَّمَاوَاتِ (يوئيل ٢: ٣٠ و٣١ ومتّى ٢٤: ٢٩ وهي نبوءات بخراب أورشليم) إن هذه الأقوال وما يشبهها مجازية تدل على خوف واضطراب غير أن العلة ليست في الطبيعة بل في الإنسان. كما يقول المصاب بالدوار إن العالم يدور حوله ويقول الأعمى أظلمت الشمس. فالشمس باقية كما هي ولكنها أظلمت له.

جَبَابِرَتَهَا أي نجوم جبار النجوم وهو صورة من صور الكواكب تُعرف بالجبار وبالجوزاء وهي غير برج الجوزاء المسمى بالتوأمين فإن هذا من صور منطقة البروج والجبار من نجوم نصف الكرة السماوية الجنوبي وهو أجمل صور النجوم وفيه ٨٠ كوكباً ظاهراً لمجرد العين.

١١ «وَأُعَاقِبُ ٱلْمَسْكُونَةَ عَلَى شَرِّهَا وَٱلْمُنَافِقِينَ عَلَى إِثْمِهِمْ، وَأُبَطِّلُ تَعَظُّمَ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَضَعُ تَجَبُّرَ ٱلْعُتَاةِ».

ص ٢: ١٧

ٱلْمَسْكُونَةَ أي مملكة بابل لأنها كانت حاكمة على المسكونة.

تَجَبُّرَ ٱلْعُتَاةِ (دانيال ٤: ٣٠ و٥: ١ – ٤) إنهم نسبوا نجاحهم إلى أنفسهم وإلى آلهتهم الصنمية.

١٢، ١٣ «١٢ وَأَجْعَلُ ٱلرَّجُلَ أَعَزَّ مِنَ ٱلذَّهَبِ ٱلإِبْرِيزِ، وَٱلإِنْسَانَ أَعَزَّ مِنْ ذَهَبِ أُوفِيرَ. ١٣ لِذٰلِكَ أُزَلْزِلُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَتَتَزَعْزَعُ ٱلأَرْضُ مِنْ مَكَانِهَا فِي سَخَطِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ وَفِي يَوْمِ حُمُوِّ غَضَبِهِ».

حجي ٢: ٦ مزمور ١١٠: ٥ ومراثي ١: ١٢

إن العالم عجب من عظمة أسوار بابل وأبنيتها التي تستلزم إقامتها عدداً لا يُحصى من الفعلة. والتواريخ البابلية تخبر أيضاً بتسخير جماهير من المسبيين من كل ممالك الأرض لبنائها فكان بنو آدم أرخص الأشياء في بابل. ويوم عقابهم يقول الرب يقل الرجال حتى يصير الرجل أعز من الذهب.

ٱلإِبْرِيزِ أي الذهب الخالص.

أُوفِيرَ (انظر قاموس الكتاب) وهي على شاطئ البحر الهندي في جنوبي بلاد العرب.

١٤ – ١٦ «١٤ وَيَكُونُونَ كَظَبْيٍ طَرِيدٍ، وَكَغَنَمٍ بِلاَ مَنْ يَجْمَعُهَا. يَلْتَفِتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ، وَيَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ. ١٥ كُلُّ مَنْ وُجِدَ يُطْعَنُ، وَكُلُّ مَنِ ٱنْحَاشَ يَسْقُطُ بِٱلسَّيْفِ. ١٦ وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ».

إرميا ٥٠: ١٦ و٥١: ٩ مزمور ١٣٧: ٩ وناحوم ٣: ١٠ وزكريا ١٤: ٢

كَظَبْيٍ طَرِيدٍ كانت بابل مثل الثيران التي لا تزال تماثيلها العظيمة إلى هذا اليوم ولكن النبوءة أبانت أنها كالظبي الطريد والخروف بلا راع.

كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ كان في جيش بابل عساكر كثيرون أجنبيون خدموا بلا أجرة وكان من سكانها تجار أجنبيون فلم يكن لأحد منهم غيرة ولا محبة لبابل فتركوها عند ضيقها. وهذه النبوءة لم تتم دفعة واحدة. فإن كورش أخذ المدينة وهدم جزءاً من أسوارها وأبنيتها وبعد عشرين سنة من ذلك عصى أهل بابل الملك داريوس فهدم أسوار المدينة كلها وأنزل أبوابها وصلب ثلاثة ألاف من شرفائها وسلب ابنه أحشويروش هياكلها. وأخذ اسكندر ذو القرنين المدينة وأخربها فتمت بالتدريج النبوءات وانتقم الرب لشعبه (مزمور ١٣٧) والقساوة المشار إليها في المزمور لا تبرر الماديين وإن كان الله استخدمهم لإجراء مقاصده الصالحة.

١٧ «هَئَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمِ ٱلْمَادِيِّينَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْتَدُّونَ بِٱلْفِضَّةِ وَلاَ يُسَرُّونَ بِٱلذَّهَبِ».

ص ٢١: ٢ وإرميا ٥١: ١١ و٢٨ ودانيال ٥: ٢٨ و٣١

هَئَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمِ إن ما وصف به الماديون والفرس في التواريخ يوافق ما جاء في هذه الآية من ذكر صفات الماديين أي عدم اعتبارهم الفضة والذهب. وفي كتابات أكزنيفون صورة خطاب كورش لجيوش الماديين قال به يا رجال مادي ومعشر القوم أجمع إني أعرفكم وأعرف أنكم ما جئتم إلى الحرب معي رغبة في اغتنام الفضة والأمتعة.

١٨ «فَتُحَطِّمُ ٱلْقِسِيُّ ٱلْفِتْيَانَ وَلاَ يَرْحَمُونَ ثَمَرَةَ ٱلْبَطْنِ. لاَ تُشْفِقُ عُيُونُهُمْ عَلَى ٱلأَوْلاَدِ».

فَتُحَطِّمُ ٱلْقِسِيُّ قال أحد المؤرخين إن كل فارسي تعلم ثلاثة أشياء وهي استعمال القوس وركوب الخيل والتكلم بالصدق. وقال مؤرخ آخر أن الفرس اشتهروا بالرمي بالقوس كما اشتهر اليونانيون بالطعن بالرمح فمثل الحرب التي التظت بينهما بحرب بين القسي والرماح.

١٩ «وَتَصِيرُ بَابِلُ بَهَاءُ ٱلْمَمَالِكِ وَزِينَةُ فَخْرِ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ كَتَقْلِيبِ ٱللّٰهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ».

ص ١٤: ٤ و٢٢ تكوين ١٩: ٢٤ و٢٥ وتثنية ٢٩: ٢٣ وإرميا ٤٩: ١٨ و٥٠: ٤٠

بَابِلُ بَهَاءُ ٱلْمَمَالِكِ كان بهاء بابل قائماً بما يأتي (١) قدمها و(٢) علومها و(٣) غناها وتجارتها وأبنيتها.

ٱلْكِلْدَانِيِّينَ اسم قبيلة من مملكة بابل موطنها في جنوب المملكة قرب خليج العجم واسم هذه القبيلة عمّ المملكة كلها. والكلدانيون في سفر دانيال هم السحرة والمجوس لأن لغة الكلدانيين كانت لغة الدين عند البابليين.

٢٠ «لاَ تُعْمَرُ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ تُسْكَنُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ، وَلاَ يُخَيِّمُ هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ، وَلاَ يُرْبِضُ هُنَاكَ رُعَاةٌ».

إرميا ٥٠: ٣ و٣٩ و٥١: ٢٩ و٦٢

لاَ تُعْمَرُ إِلَى ٱلأَبَدِ بيان آخرة بابل. إنها في نحو أواخر القرن الأول بعد المسيح وصلت إلى حالة دنيئة جداً وفي آخر القرن الرابع كان ملوك الفرس يمارسون الصيد في موقع المدينة القديمة وبعد قليل اندرست آثارها وتمت النبوءة.

وَلاَ تُسْكَنُ إن سهل بابل كان عرضة العواصف والأمطار الجارفة فاضطر أهلها أن يقيموا الأسداد على شطوط النهر ويحفروا مجاري للمياه الفائضة لكي لا تطوف على كل الأراضي ولما سقطت المدينة خربت هذه الأسداد وسدت تلك المجاري ولا سيما بعد ما حول كورش مياه النهر عن طريقها. فالسهول المشهورة بالخصب صارت مستنقعات لا تفلح ولا تُزرع.

وَلاَ يُخَيِّمُ هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ إن العرب اليوم يتوهمون في ردم بابل جنّاً فلا يبيتون فيها.

٢١، ٢٢ «٢١ بَلْ تَرْبُضُ هُنَاكَ وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ، وَيَمْلأُ ٱلْبُومُ بُيُوتَهُمْ، وَتَسْكُنُ هُنَاكَ بَنَاتُ ٱلنَّعَامِ، وَتَرْقُصُ هُنَاكَ مَعْزُ ٱلْوَحْشِ ٢٢ وَتَصِيحُ بَنَاتُ آوَى فِي قُصُورِهِمْ، وَٱلذِّئَابُ فِي هَيَاكِلِ ٱلتَّنَعُّمِ، وَوَقْتُهَا قَرِيبُ ٱلْمَجِيءِ وَأَيَّامُهَا لاَ تَطُولُ».

ص ٣٤: ١١ إلى ١٥ ورؤيا ١٨: ١ إرميا ٥١: ٣٣

وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ (انظر قاموس الكتاب لوصف الحيوانات المذكورة) وشهد السياح أن الوحوش اليوم تتخذ أوجرتها في ردم هياكل آلهة بابل وقصور ملوكها. وركام آثارها المدفونة تحت التراب على جانبي نهر الفرات توافق وصفها في هذه النبوءة التي كُتبت بالوحي منذ نحو ستة وعشرين قرناً قبل عصرنا فتلك الآثار عبرة رهيبة للدمار الذي سيكون نصيب الأشرار في كل حين وبينة دائمة على صدق النبوءة (انظر البينة الجلية على صحة الديانة النصرانية).

فوائد للوعاظ

أنا أوصيت مقدسي (ع ٣)

نتعلم من هذا الأصحاح من جهة ملكوت الله ما يأتي:

  1. إنه ملكوت يعمّ جميع الناس وكل الممالك فليس اليهود وحدهم بل البابليون والماديون أيضاً تحت حكمه ويتممون مقاصده وعليهم مسوؤلية وواجبات له.
  2. إنه ملكوت عدل وحق فلا بدّ من تأديب جميع الذين يخطئون إليه وهلاك غير التائبين.
  3. إنه ملكوت قوّة فلا يمكن الملوك وجيوش الأمم أن تقاومه أو تبطل مقاصده.

وأجعل الرجل أعز من الذهب (ع ١٢)

إن الإنسان له قيمة عظيمة جداً لأسباب:

  1. إن الله خلقه ونفخ في أنفه نسمة الحياة.
  2. إن الله يحبه ويعتني به كل يوم.
  3. إن المسيح مات لأجله أي لأجل كل واحد من بني البشر حتى البرابرة والوثنيين.
  4. إن نفسه خالدة وأحقر إنسان في العالم يمكنه أن يغسل ثيابه ويبيضها بدم الخروف وينال إكليل المجد ويجلس مع المسيح في عرشه. فكل ما نعمله ونبذله في تخليص النفوس لا نحسبه خسارة لأن نفساً واحدة تستحق كل هذه النفقة. وما أعظم خطية الذين يظلمون الفقير والضعيف فاحتقارهم للفقير احتقار لله الذي يحبه ويطلب خلاصه.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى