إشعياء

سفر إشعياء | 04 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ (من ع ٢)

مضمونه:

انتقل النبي في هذا الأصحاح إلى الأنباء بمجيء المسيح وارتقاء شأن الكنيسة في زمن ملكه السعيد وذلك من خصائص النبي إشعياء فإنه إذا ذكر أحكام الله ذكر مراحمه ومواعيده على أثر ذلك. فذكر أولاً صفات رئيس الكنيسة العظيم أي المسيح وسماه «غصن الرب» باعتبار لاهوته و«ثمر الأرض» باعتبار ناسوته. ثم ذكر صفات المشتركين في بركات الكنيسة تحت رئاسته. ثم بيّن أن ارتقاء الكنيسة إلى تلك الدرجة من العظمة يترتب على نزع الخطايا المتقدم ذكرها. وختم الكلام بالوعد بحمايتها. والأرجح أن هذه النبوءة تمت جزئياً وإنها تستوفي تمامها في أحوال الكنيسة الإنجيلية لا اليهودية فصهيون وأورشليم هنا كناية عن الكنيسة على وجه العموم.

٢ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ ٱلرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْداً، وَثَمَرُ ٱلأَرْضِ فَخْراً وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ».

إرميا ٢٣: ٥ وزكريا ٣: ٨ و٦: ١٢

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي في زمن ملك المسيح الذي يكون بعد إجراء الله أحكامه على اليهود وتمام دمارهم.

يَكُونُ غُصْنُ ٱلرَّبِّ أي المسيح ومعنى هذا الاسم مثل معنى الاسم «ابن الله» وقد دُعي بهذا الاسم في الأنبياء مراراً كثيرة (انظر إرميا ٢٣: ٥ و٣٣: ١٥ وزكريا ٣: ٨ و٦: ١٢ وإشعياء ١١: ١ و٥٣: ٢).

وَثَمَرُ ٱلأَرْضِ وهذا اللقب يشير إلى ولادة المسيح البشرية وهو مثل اللقب «ابن الإنسان» وقد أُشير أيضاً إلى كلتا الطبيعتين في (ص ٧: ١٤ و٩: ٦) وذلك نظير تسميته في العهد الجديد بابن الله وابن الإنسان. وفحوى هذا العدد أن المسيح يكون بهاء ومجداً (أي مجيداً جداً).

فَخْراً وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ أي الذين نجوا من الدينونة بإيمانهم بذلك الغصن البهي وهم كناية عن الكنيسة الصحيحة.

٣ «وَيَكُونُ أَنَّ ٱلَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ وَٱلَّذِي يُتْرَكُ فِي أُورُشَلِيمَ يُسَمَّى قُدُّوساً. كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ فِي أُورُشَلِيمَ».

ص ٦٠: ٢١ فيلبي ٤: ٣ ورؤيا ٣: ٥

وَيَكُونُ أَنَّ ٱلَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ في ع ٢ أنبأ النبي بمجيء المسيح وجلاله وفي هذا العدد أنبأ بصفات الذين يشتركون في خلاصه وبركاته. وفي ع ٢ كنى عنهم بالناجين أي الخالصين من العقاب وفي هذا العدد سماهم قديسين وكنى عنهم «بكل من كُتب للحياة في أورشليم» أي كل من تعيّن لينال حياة روحية. وأصل هذا التشبيه هو من عادة اليهود أن يكتبوا أسماء جميع المولودين من كل بيت في كتاب خاص (خروج ٣٠: ١٢ وعدد ١: ١٨ وحزقيال ١٣: ٩ وفيلبي ٤: ٣ ورؤيا ٣: ٥).

يُسَمَّى قُدُّوساً ذكر النبي مجيء المسيح أولاً ثم تقديس الكنيسة لأن الكنيسة لا تتقدس إلا بوجود المسيح فيها. والعالم لا يخلص إلا بتجسد المسيح وذلك لسببين:

(١) إنه بتجسد المسيح يعلّم الناس ما هو السلوك الطاهر وما هو الكمال.

(٢) إن المسيح أخذ جسداً حتى يموت ويكفر عنّا الخطية. وكما أن الكنيسة لا تتقدس إلا بمجيء المسيح إليها كذلك المسيح أيضاً لا يمكث مع الكنيسة إن لم تتقدس. والقداسة المشار إليها ليست القداسة الكاملة لأن ليس أحد من الناس كاملاً فالمقصود بها الاجتهاد في تحصيلها كتلميذ في المدرسة يقصد العلوم ويجتهد في حفظها أو مسافر يقصد مكاناً ويجتهد في سيره إليه. وسمي المسيحيون «قديسين» في عدة مواضع من الكتاب (انظر أعمال ٩: ١٣ و٣٢ و٤١ ورومية ١: ٧ الخ).

٤ «إِذَا غَسَلَ ٱلسَّيِّدُ قَذَرَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَنَقَّى دَمَ أُورُشَلِيمَ مِنْ وَسَطِهَا بِرُوحِ ٱلْقَضَاءِ وَبِرُوحِ ٱلإِحْرَاقِ».

ملاخي ٣: ٢ و٣ و٤

قَذَرَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ الخطايا المذكورة في الأصحاح السابق و«دم أورشليم» كناية عن الجنايات الدموية التي ارتكبها الشعب (ص ١: ١٥ و٣: ١٥) وكانوا يقدمون أولادهم ذبائح للأصنام كما فعل آحاز (٢أيام ٢٨: ٣) ومنسى (٢أيام ٣٣: ٦) والشعب عموماً (مزمور ١٠٦: ٣٨ وإشعياء ٥٧: ٥).

بِرُوحِ ٱلْقَضَاءِ وَبِرُوحِ ٱلإِحْرَاقِ أي بروح الله المجري التأديب الذي به يتطهر الشعب (ص ١: ٢٥ و٢٦ وملاخي ٣: ١ – ٤).

٥، ٦ «٥ يَخْلُقُ ٱلرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَعَلَى مَحْفَلِهَا سَحَابَةً نَهَاراً وَدُخَاناً وَلَمَعَانَ نَارٍ مُلْتَهِبَةٍ لَيْلاً. لأَنَّ عَلَى كُلِّ مَجْدٍ غِطَاءً. ٦ وَتَكُونُ مَظَلَّةٌ لِلْفَيْءِ نَهَاراً مِنَ ٱلْحَرِّ، وَلِمَلْجَإٍ وَمَخْبَإٍ مِنَ ٱلسَّيْلِ وَمِنَ ٱلْمَطَرِ».

خروج ١٣: ٢١ زكريا ٢: ٥ ص ٨: ١٤ ص ٢٥: ٤

المعنى أن الله بعد أن يطهّر الشعب يعاملهم بالرحمة ويمنحهم نعماً خاصة ويحامي عنهم.

يَخْلُقُ ٱلرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَعَلَى مَحْفَلِهَا (ع ٥) أي على جمعها الحافل.

سَحَابَةً نَهَاراً وَدُخَاناً أي يُظهر لهم أنه هو حافظهم ومرشدهم كما في القديم حين أخرجهم من أرض مصر.

لأَنَّ عَلَى كُلِّ مَجْدٍ غِطَاءً أو «على كل المجد يكون غطاء» (انظر حاشية الكتاب ذي الشواهد) أي ينشر الله وقايته وصيانته على كل المجد الموصوف سابقاً ويناضل عن مجد كنيسته ولا سيما مجد المسيح.

وَتَكُونُ مَظَلَّةٌ لِلْفَيْءِ وعد بأن الله يكون ملجأ لشعبه وقد كُرر هذا الوعد للتقرير والتوكيد. ومما يجب ذكره هنا أن البركات النفيسة الموعود بها في (ع ٥ و٦) يجعلها الله على كل مكان من جبل صهيون. وفي الكتاب الإلهي مواعيد كثيرة نظير هذه (ملاخي ١: ١١ ويوحنا ٤: ٢١ – ٢٣ و١كورنثوس ١: ٢).

إن الكلمات سحابة ودخاناً وفيئاً وملجأ ومخبأ تعني أن حماية المسيح عن كنيسته تكون على أنواع كثيرة وحسب اختلاف أحوالها وتجاربها فيحفظها من الاضطهاد والتعليم الفاسد والانشقاق والفتور ومن خاطر الضيق ومخاطر النجاح والراحة.

فوائد للوعاظ مجد الكنيسة المسيحية يشتمل على ما يأتي ع ٢ – ٦

  1. تجسد المسيح وبهاؤه وجماله ومحبته ونعمته وجميع صفاته فالكنيسة تفتخر به لأنه رأسها.
  2. طهارة أعضاء الكنيسة وقداستهم.
  3. بقاء المسيح مع كنيسته إلى الأبد. انظر قوله «أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» ووعده بأنه يرسل الروح القدس ليمكث معهم إلى الأبد فيعلّمهم ويقدسهم ويحفظهم على الدوام.

يسمى قدوساً كل من كُتب للحياة في أورشليم

والقديس هو الحي (وكل مؤمن حقيقي هو قديس) لأن له صفات الحي وهي ما يأتي (ع ٣).

  1. الانفعالات. وهي أنه يحب الله والقريب ويحزن على الخطية ويشفق على الهالكين.
  2. الحركات. وهي أنه يعمل أعمالاً صالحة ويبشر ويعلّم ويخدم.
  3. النمو. فإن الحي يزيد قوة ونعمة وله حياة بخلاف الميت فإنه يزيد فساداً.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى