سفر الجامعة

سفر الجامعة | 12 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر الجامعة

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ

١ «فَٱذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ ٱلشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ ٱلسِّنِينَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ».

تثنية ٨: ١٨ ونحميا ٤: ١٤ و مزمور ٦٣: ٦ و١١٩: ٥٥ ص ١١: ٨ و٢صموئيل ١٩: ٣٥

ٱذْكُرْ خَالِقَكَ (١) لأن الخالق يستحق السجود والإكرام والطاعة والمحبة وليس هو الخالق فقط بل أيضاً من يعتني بالإنسان على الدوام كأب بأولاده (٢) لأنه يستحق أفضل ما للإنسان فلا يليق أن تقدم له البقايا فقط من الحياة بل باكورتها. (٣) لأن كل الأفراح الحقيقية من الله ولا فرح حقيقي بالخطية فيجب أن الحياة كلها تكون لله لتكون كلها فرحاً من أولها إلى آخرها ومن لا يذكر خالقه في شبابه يخسر خسارة عظيمة (٤) لأن أيام الشيخوخة أيام شر لمن لا يذكر خالقه في شبابه فإنه بالشيخوخة تضعف القوى الجسدية والعقلية ولا يؤثر كلام الوعظ ويصعب ترك العوائد الشريرة. فيحتاج الشاب إلى وصية كهذه لأن أفراح العالم جديدة ولذيذة عنده والحياة طويلة وكلها فرح كما يراها وقوته وصحته تطمّنه فلا يشعر بأنه يفتقر إلى الله.

٢ «قَبْلَ مَا تُظْلِمُ ٱلشَّمْسُ وَٱلنُّورُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ، وَتَرْجِعُ ٱلسُّحُبُ بَعْدَ ٱلْمَطَرِ».

إشعياء ٥: ٣٠ و١٣: ١٠ وحزقيال ٣٢: ٧ و٨ ويوئيل ٣: ١٥ ومتّى ٢٤: ٢٩

في الآيات ٢ – ٨ وصف الشيخوخة بتشبيهات مختلفة إذ الشمس والنور والقمر والنجوم كناية عن الحياة والسرور (انظر إشعياء ١٣: ١٠ وحزقيال ٣٢: ٧) وانحجابها كناية عن زوال السرور وقدوم الموت. والسحب تشير إلى البلايا ورجوع السحب بعد المطر يشير إلى بلايا متواصلة فلا يخلص الإنسان من واحدة حتى تأتيه أخرى.

٣ «فِي يَوْمٍ يَتَزَعْزَعُ فِيهِ حَفَظَةُ ٱلْبَيْتِ، وَتَتَلَوَّى رِجَالُ ٱلْقُوَّةِ، وَتَبْطُلُ ٱلطَّوَاحِنُ لأَنَّهَا قَلَّتْ، وَتُظْلِمُ ٱلنَّوَاظِرُ مِنَ ٱلشَّبَابِيكِ».

مزمور ٣٥: ١٤ و٣٨: ٦ تكوين ٢٧: ١ و٤٨: ١٠ و١صموئيل ٣: ٢

يُمثّل جسد الإنسان ببيت وحفظة البيت الذراعان وتزعزع حفظة البيت قدوم عدو أي الموت وارتجاف الذراعين نتيجة الضعف ورجال القوة الرجلان وكان لقوة الرجلين اعتبار خصوصي في الحروب القديمة (انظر مزمور ١٤٧: ١٠) والطواحن الأضراس والنواظر من الشبابيك العينان.

٤ «وَتُغْلَقُ ٱلأَبْوَابُ فِي ٱلسُّوقِ. حِينَ يَنْخَفِضُ صَوْتُ ٱلْمِطْحَنَةِ وَيَقُومُ لِصَوْتِ ٱلْعُصْفُورِ وَتُحَطُّ كُلُّ بَنَاتِ ٱلْغِنَاءِ».

مزمور ١٤١: ٣ إرميا ٢٥: ١٠ ورؤيا ١٨: ٢٢ و٢صموئيل ١٩: ٣٥

الأبواب ما يُدخل به كالعينين لدخول النور والأذنين لدخول الصوت والشفتين لدخول الطعام والمنخارين لدخول الهواء والروائح. وهذه الأبواب تُغلق حين يعمى الشيخ ويطرش ويفقد أضراسه وينخفض صوت المطحنة من قلة الأضراس فلا يقدر الشيخ أن يمضغ ولا يتكلم كما يجب. وهنا انتهت تشابيه البيت.

وَيَقُومُ لِصَوْتِ ٱلْعُصْفُورِ يقلق بنومه فيقوم باكراً عند الفجر حين يُسمع أولاً صوت العصفور أو أنه يستيقظ من صوت منخفض كصوت عصفور.

بَنَاتِ ٱلْغِنَاءِ قال برزلاي لداود (٢صموئيل ١٩: ٣٥) «هَلْ أَسْمَعُ أَيْضاً أَصْوَاتَ ٱلْمُغَنِّينَ وَٱلْمُغَنِّيَاتِ» والشيخ لفقده السمع لا يقدر أن يلتذ كالشبان بالأصوات.

٥ «وَأَيْضاً يَخَافُونَ مِنَ ٱلْعَالِي، وَفِي ٱلطَّرِيقِ أَهْوَالٌ، وَٱللَّوْزُ يُزْهِرُ، وَٱلْجُنْدُبُ يُسْتَثْقَلُ، وَٱلشَّهْوَةُ تَبْطُلُ. لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِهِ ٱلأَبَدِيِّ، وَٱلنَّادِبُونَ يَطُوفُونَ فِي ٱلسُّوقِ».

أيوب ١٧: ١٣ و٣٠: ٢٣ تكوين ٥٠: ١٠ وإرميا ٩: ١٧

يَخَافُونَ مِنَ ٱلْعَالِي لا يقدر الشيخ من ضعفه أن يصعد إلى مكان عال وإذا قصد سفراً يعظّم الصعوبات ويتوهم أهوالاً وما كان هيناً على الشاب ثقيل عليه.

وَٱللَّوْزُ يُزْهِرُ يزهر اللوز قبلما يورق فيكون منظره كمنظر رأس الشيخ الشائب ولعل الإشارة هنا أيضاً إلى العجلة التي بها يأتي الشيب والموت لأن اللوز من الأشجار المبكرة الأزهار (قاموس الكتاب).

وَٱلْجُنْدُبُ يُسْتَثْقَلُ يُمثّل بالجندب كل صغير (انظر عدد ١٣: ٣٣) «فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَٱلْجَرَادِ» أي الجندب و(إشعياء ٤٠: ٢٢) «ٱلْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ ٱلأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَٱلْجُنْدُبِ».

وَٱلشَّهْوَةُ تَبْطُلُ لا يشتهي الشيخ الطعام ولا غيره من اللذات الجسدية والبعض يترجمون الكلمة الأصلية بالأَصَف أي شجر الكير وعند العامة القبّار وبراعم هذا النبات مستعملة في الطعام وطعمها عطري حاد كالفلفل ويهيج القابلية للأكل والمعنى أن أحسن الأطعمة والبهارات لا تحيي القابلية في الشيخ وبالترجمة اليسوعية «ينشق قشر الأصف» أي يسقط الإنسان حينما تكمل أيامه كما يسقط بزر الأصف حينما ينشق قشره.

بَيْتِهِ ٱلأَبَدِيِّ القبر وبالعهد الجديد البيت غير المصنوع بيد (انظر ٢كورنثوس ٥: ١) والمنازل المعدة للمؤمنين (انظر يوحنا ١٤: ٢) والوطن السماوي (انظر عبرانيين ١١: ١٦) والمدينة المقدسة أورشليم الجديدة (انظر رؤيا ٢١: ٢).

ٱلنَّادِبُونَ وصف الدفن. كان النادبون يتبعون النعش (انظر لوقا ٧: ١٢) وأحياناً كانوا رجالاً ونساء صنعتهم الندب ولهم أجرة وأحياناً يرثون الميت مراثي طويلة وشعرية. قيل «يطوفون» لا «سيطوفون» كأنهم في الشوارع حول بيت الشيخ مستنظرون وفاته طمعاً في أجرتهم.

٦ «قَبْلَ مَا يَنْفَصِمُ حَبْلُ ٱلْفِضَّةِ، أَوْ يَنْسَحِقُ كُوزُ ٱلذَّهَبِ، أَوْ تَنْكَسِرُ ٱلْجَرَّةُ عَلَى ٱلْعَيْنِ، أَوْ تَنْقَصِفُ ٱلْبَكَرَةُ عِنْدَ ٱلْبِئْرِ».

زكريا ٤: ٢ و٣

قَبْلَ مَا يَنْفَصِمُ حَبْلُ ٱلْفِضَّةِ أي «اذكر خالقك قبل قدوم الموت». الكوز هو وعاء الزيت على رأس المنارة (انظر زكريا ٤: ٢ – ٦) ومنه ينزل الزيت إلى السراج. والسراج يُكنى به عن الحياة. وفي بيوت الأغنياء يعلق الكوز وسراجه إلى السقف بحبل من الفضة أو حبل فيه أسلاك من الفضة فإذا انفصم الحبل يقع الكوز وينكسر وينطفي النور وهذا يمثل موت الإنسان.

ٱلْجَرَّةُ عَلَى ٱلْعَيْنِ والماء كالنور يمثل الحياة وكما يأخذ الإنسان الماء من العين في جرة هكذا يأخذ حياته من الله وكسر الجرة يمثل الموت أي انفصال الإنسان عن مصدر الحياة (انظر مزمور ٣٦: ٩).

ٱلْبَكَرَةُ عِنْدَ ٱلْبِئْرِ البئر عميقة كالبئر في سوخار (انظر يوحنا ٤: ١١) فيلزم لانتشال الماء حبل ودلو والبكرة لأجل الحبل وإذا انقصفت البكرة سقط الحبل والدلو وهنا مثال آخر لموت الإنسان. ويرى البعض فيه مثالاً للقلب وهو كالبكرة بما أن عروق الجسد متعلقة به فيأتيه الدم ويخرج منه.

٧ «فَيَرْجِعُ ٱلتُّرَابُ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجِعُ ٱلرُّوحُ إِلَى ٱللّٰهِ ٱلَّذِي أَعْطَاهَا».

ص ٣: ٢٠ وتكوين ٣: ١٩ وأيوب ٣٤: ١٥ ومزمور ١٠٤: ٢٩ ص ٣: ٢١ وأيوب ٣٤: ١٤ ولوقا ٢٣: ٤٦ وأعمال ٧: ٥٩ عدد ١٦: ٢٢ و٢٧: ١٦ وإشعياء ٢٧: ١٦ وزكريا ١٢: ١

قال الجامعة في ٣: ٢١ «مَنْ يَعْلَمُ رُوحَ بَنِي ٱلْبَشَرِ هَلْ هِيَ تَصْعَدُ إِلَى فَوْقٍ، وَرُوحَ ٱلْبَهِيمَةِ هَلْ هِيَ تَنْزِلُ إِلَى أَسْفَلَ، إِلَى ٱلأَرْضِ» وأما هنا فظهر إيمانه بالله ورجاؤه بالحياة الأبدية فليس الإنسان كالبهيمة بل هو مخلوق على صورة الله فلا بد من بقاء النفس ورجوعها إلى الله بعد انحلال الجسد وتبقى ذاتية الإنسان ومسؤوليته بعد الموت.

فَيَرْجِعُ ٱلتُّرَابُ إِلَى ٱلأَرْضِ (انظر تكوين ٢: ٧ و٣: ١٩).

٨ «بَاطِلُ ٱلأَبَاطِيلِ قَالَ ٱلْجَامِعَةُ: ٱلْكُلُّ بَاطِلٌ».

ص ١: ٢

ٱلْكُلُّ بَاطِلٌ قال في آخر سفره ما قاله في أوله ولكن في أول السفر كان النظر إلى حياة الإنسان الجسدية في هذا العالم وأما في آخره فنظر أيضاً إلى الأبدية وقوله يطابق ما قاله بولس في (١كورنثوس ٤: ١٧ و١٨) فإن جميع الخيرات الجسدية كلا شيء بالنسبة إلى الأشياء الأبدية والسماوية.

٩ – ١٤ «٩ بَقِيَ أَنَّ ٱلْجَامِعَةَ كَانَ حَكِيماً، وَأَيْضاً عَلَّمَ ٱلشَّعْبَ عِلْماً، وَوَزَنَ وَبَحَثَ وَأَتْقَنَ أَمْثَالاً كَثِيرَةً. ١٠ اَلْجَامِعَةُ طَلَبَ أَنْ يَجِدَ كَلِمَاتٍ مُسِرَّةً مَكْتُوبَةً بِٱلاسْتِقَامَةِ، كَلِمَاتِ حَقٍّ. ١١ كَلاَمُ ٱلْحُكَمَاءِ كَٱلْمَنَاخِسِ، وَكَأَوْتَادٍ مُنْغَرِزَةٍ، أَرْبَابُ ٱلْجَمَاعَاتِ، قَدْ أُعْطِيَتْ مِنْ رَاعٍ وَاحِدٍ. ١٢ وَبَقِيَ، فَمِنْ هٰذَا يَا ٱبْنِي تَحَذَّرْ: لِعَمَلِ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ لاَ نِهَايَةَ، وَٱلدَّرْسُ ٱلْكَثِيرُ تَعَبٌ لِلْجَسَدِ. ١٣ فَلْنَسْمَعْ خِتَامَ ٱلأَمْرِ كُلِّهِ: ٱتَّقِ ٱللّٰهَ وَٱحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هٰذَا هُوَ ٱلإِنْسَانُ كُلُّهُ. ١٤ لأَنَّ ٱللّٰهَ يُحْضِرُ كُلَّ عَمَلٍ إِلَى ٱلدَّيْنُونَةِ، عَلَى كُلِّ خَفِيٍّ، إِنْ كَانَ خَيْراً أَوْ شَرّاً».

١ملوك ٤: ٣٢ أمثال ١٠: ٣٢ أمثال ٢٢: ٢٠ و٢١ ص ٧: ٥ و١: ١٢ وأمثال ١: ٦ و٢٢: ١٧ أعمال ٢: ٣٧ عزرا ٩: ٨ وإشعياء ٢٢: ٢٣ و١ملوك ٤: ٣٢ و٢٣ ص ١: ١٨ ص ٣: ١٤ و٥: ٧ و٧: ١٨ و٨: ١٢ ص ٨: ٥ وتثنية ٤: ٢ تثنية ١٠: ١٢ و ميخا ٦: ٨ ص ٣: ١٧ و١١: ٩ ومتّى ١٢: ٢٦ ورومية ٢: ١٦ و١كورنثوس ٤: ٥

في هذه الآيات خاتمة السفر. يقول البعض أن هذه الآيات ملحق من كاتب آخر وليس من الجامعة لأنه يتكلم عن الجامعة كغائب ويذكر حكمته ووظيفته وتأليفاته واستقامته. وإذا قلنا إن الكلام كله من الجامعة لا نعترض عليه إذا قال عن نفسه أنه حكيم لأنه كان معلماً وطبعاً كان أكبر من تلاميذه علماً ويجوز له أن يذكرهم أنه أكبر منهم اختباراً فيجب عليهم أن ينتبهوا إلى كلامه ويقبلوا نصائحه.

أَتْقَنَ أَمْثَالاً كَثِيرَةً في هذا السفر أمثال ولا شك أن الجامعة أتقن أمثالاً غير المتضمنة في الكتاب المقدس. وليس من الضرورة أن نقول إن الأمثال المشار إليها هي سفر الأمثال ولا أن الجامعة هو مؤلف ذلك السفر.

اَلْجَامِعَةُ طَلَبَ (ع ١٠) اجتهد وتعب في إتقان الكلام فإن الوحي ينشط الكاتب ويحفظه من الغلط ولكنه لا يحفظه من الاجتهاد والتعب في الإنشاء.

كَٱلْمَنَاخِسِ (المناسيس) (ع ١١) ليس المنساس مسراً للثور ولكنه يحركه على العمل الواجب وهكذا كلام الله لأنه يبكت على الخطية ويقتاد إلى التوبة ويحرّك على العمل والمقاومة لا تضر كلام الله بل تضر المقاوم (انظر أعمال ٢٦: ١٤).

والبعض يفهمون أن أرباب الجماعات (ع ١١) هم رؤساء الشعب كالكهنة والكتبة والشيوخ وهم كأوتاد (١) لأنهم ثابتون في تعليمهم (٢) لأن الشعب يتعلق بهم ومنهم الإرشاد والتدبير (انظر إشعياء ٢٢: ٢٣ و٢٤). ويقول غيرهم إن الجماعات هي الأقوال والتعليم. والقول كلام الحكماء كمناسيس يشير إلى المتكلمين شفاهاً كالوعاظ والقول كأوتاد منغرزة أرباب الجماعات يشير إلى الذين كتبوا وجمعوا أقوال الحكماء وهم كأوتاد لأن أقوالهم ثابتة ويتعلق بها الرجاء بالخلاص.

قَدْ أُعْطِيَتْ مِنْ رَاعٍ وَاحِدٍ بموجب التفسير الأول أي أن أرباب الجماعات هم رؤساء الشعب والراعي الواحد هو رئيس المتكلمين والكتّاب كسليمان وغيره من الملوك (انظر إرميا ٢: ٨ و٣: ١٥) وبموجب التفسير الثاني أي أن الجماعات هي جماعات أقوال مفيدة. الله هو راعي الرعاة ومرشد المرشدين (انظر مزمور ٢٣: ١ و٨٠: ١ و١كورنثوس ١٢: ١ – ١١ ويوحنا ١: ٨ و١١ و١بطرس ٥: ٤).

يَا ٱبْنِي (ع ١٢) هذا اللقب الذي يأتي كثيراً في سفر الأمثال لم يأت بهذا السفر إلا هنا ويجب أن كل معلم يكون لتلاميذه كوالد.

تَحَذَّرْ مما سيأتي ذكره.

لِعَمَلِ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ لم يكن في أيام الجامعة كتب كما في أيامنا ومع ذلك كانت كثيرة العدد لمن يريد أن يدرسها كلها ويفهم تعليمها ويوفق بين مناقضاتها. وليس لها نهاية لأنها لم تحل جميع المشاكل ولا علمت كل ما يريد الإنسان أن يعرفه فعلى القارئ المخاطب بالقول يا ابني أن يتحذر من الظن أن الكتب تحل كل مشكل.

ٱلدَّرْسُ ٱلْكَثِيرُ تَعَبٌ لِلْجَسَدِ كان التعب من الدرس في القديم أكثر من اليوم بما أن الكتب كانت كلها خطّية ولم يكن الخط مقرياً كما يجب. وهنا مبالغة لأن درس الكتاب مفيد ولكننا نفهم (١) للدرس وقت وللعمل وقت فلا يكون كل الوقت للعمل ولا كل الوقت للدرس (٢) على من يدرس أن يختار الكتب المفيدة بترك غيرها لأن مطالعة كتب قليلة بالتدقيق أفضل من مطالعة كتب كثيرة بلا تأمل وهو كأكل كثير بلا هضم.

كان الجامعة بحث في الغنى والمجد والأفراح الجسدية والحكمة والعلوم وختام البحث أن التقوى وحفظ وصايا الله يتضمنان كل خير (ع ١٣) لأن من يتقي الله لا يخاف شراً (انظر رومية ٨: ٣٨ و٣٩) وله كل شيء لأن كل خير من الله (انظر ١كورنثوس ٣: ٢١ – ٢٣) وليس خير الإنسان من ماله ولا من علومه ولا من قوته الجسدية والعقلية بل من تقواه.

وحفظ الوصايا دليل على حالة الإنسان القلبية فإن الخدمة الاختيارية دليل على المحبة للمخدوم والطاعة القلبية دليل على الإيمان بالمطاع.

وكل فهيم يحفظ الوصايا ويشكر الله عليها لأنها كسياج يحفظه من الضلال وكحائط لسطح البيت (انظر تثنية ٢٢: ٢) يحفظه من السقوط ودليل للطريق يهديه إلى مكانه.

لأَنَّ ٱللّٰهَ يُحْضِرُ كُلَّ عَمَلٍ إِلَى ٱلدَّيْنُونَةِ (ع ١٤) يظهر جلياً من هذا القول أن الجامعة عرف الدينونة الآتية بعد الموت وإن كان في هذا السفر بعض أقوال تدل على الريب فيها. وكما يخاف الأشرار من الدينونة الآتية (انظر أعمال ٢٤: ٢٥) ينتظرها المؤمنون بفرح لأن الله سيجازيهم على ما عملوه من الخير ويغفر خطاياهم بالمسيح الذي سيعترف بهم أمام أبيهم والديان هو يسوع الذي أحبهم وفداهم.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى