سفر الجامعة | 09 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر الجامعة
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ
١ – ٦ «١ لأَنَّ هٰذَا كُلَّهُ جَعَلْتُهُ فِي قَلْبِي، وَٱمْتَحَنْتُ هٰذَا كُلَّهُ: أَنَّ ٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلْحُكَمَاءَ وَأَعْمَالَهُمْ فِي يَدِ ٱللّٰهِ. ٱلإِنْسَانُ لاَ يَعْلَمُ حُبّاً وَلاَ بُغْضاً. ٱلْكُلُّ أَمَامَهُمُ. ٢ ٱلْكُلُّ عَلَى مَا لِلْكُلِّ. حَادِثَةٌ وَاحِدَةٌ لِلصِّدِّيقِ وَلِلشِّرِّيرِ، لِلصَّالِحِ وَلِلطَّاهِرِ وَلِلنَّجِسِ. لِلذَّابِحِ وَلِلَّذِي لاَ يَذْبَحُ. كَٱلصَّالِحِ ٱلْخَاطِئُ. ٱلْحَالِفُ كَٱلَّذِي يَخَافُ ٱلْحَلْفَ. ٣ هٰذَا أَشَرُّ كُلِّ مَا عُمِلَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ: أَنَّ حَادِثَةً وَاحِدَةً لِلْجَمِيعِ. وَأَيْضاً قَلْبُ بَنِي ٱلْبَشَرِ مَلآنُ مِنَ ٱلشَّرِّ، وَٱلْحَمَاقَةُ فِي قَلْبِهِمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَبَعْدَ ذٰلِكَ يَذْهَبُونَ إِلَى ٱلأَمْوَاتِ. ٤ لأَنَّهُ مَنْ يُسْتَثْنَى؟ لِكُلِّ ٱلأَحْيَاءِ يُوجَدُ رَجَاءٌ، فَإِنَّ ٱلْكَلْبَ ٱلْحَيَّ خَيْرٌ مِنَ ٱلأَسَدِ ٱلْمَيِّتِ. ٥ لأَنَّ ٱلأَحْيَاءَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ، أَمَّا ٱلْمَوْتٰى فَلاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً، وَلَيْسَ لَهُمْ أَجْرٌ بَعْدُ لأَنَّ ذِكْرَهُمْ نُسِيَ. ٦ وَمَحَبَّتُهُمْ وَبُغْضَتُهُمْ وَحَسَدُهُمْ هَلَكَتْ مُنْذُ زَمَانٍ، وَلاَ نَصِيبَ لَهُمْ بَعْدُ إِلَى ٱلأَبَدِ فِي كُلِّ مَا عُمِلَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ».
تثنية ٣٣: ٣ وأيوب ١٢: ١٠ ومزمور ١١٩: ١٠٩ ع ٦ ص ١٠: ١٤ ع ١١ وأيوب ٩: ٢٢ ص ٢: ١٤ و٣: ١٩ و٦: ٦ و٧: ٢ ع ٢ ص ٨: ١١ ص ١: ١٧ أيوب ١٤: ٢١ ص ١: ١١ و٢: ١٦ و٨: ١٠ ومزمور ٨٨: ١٢ وإشعياء ٢٦: ١٤ ص ٢: ١٠ و٣: ٢٢
قال الجامعة في آخر الأصحاح السابق إن الإنسان لا يستطيع أن يجد العمل الذي يُعمل تحت الشمس أي أنه لا يقدر أن يدرك أمور عناية الله في العالم وفي هذا الأصحاح يذكر البعض من هذه الأمور. قال سابقاً (٨: ١٤) «يُوجَدَ صِدِّيقُونَ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلأَشْرَارِ، وَيُوجَدُ أَشْرَارٌ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلصِّدِّيقِينَ» أي جميع الناس الصديقون والأشرار بيد الله فيعاملهم كما يشاء ويوزع خيراته كما يشاء فلا يقدر الإنسان أن يفهم عمل الله ولا أن يعترض عليه.
لاَ يَعْلَمُ حُبّاً وَلاَ بُغْضاً أي لا يقدر الإنسان أن يعلم من حوادث حياته إن كان الله يحبه أو يبغضه (انظر ملاخي ١: ٢ و٤).
ٱلْكُلُّ أَمَامَهُمُ أي بيد الله في مستقبلهم وليس بيدهم ولا بعلمهم. وبالترجمة اليسوعية «لكنهم معرضون لجميع الحوادث».
ٱلْكُلُّ عَلَى مَا لِلْكُلِّ (ع ٢) كل الناس على ما لكل الناس وحادثة واحدة للكل أي الموت.
لِلصَّالِحِ وَلِلطَّاهِرِ الصالح في أمور حياته الأدبية والطاهر من جهة حفظ الناموس الطقسي.
ٱلْحَالِفُ كَٱلَّذِي يَخَافُ ٱلْحَلْفَ المعنى إما أن الحالف هو الصالح الذي يتقي الله ويحلف باسمه (انظر تثنية ٦: ١٣) والشرير هو الذي يخاف الحلف فلا ينذر شيئاً ولا يقدم نفسه للرب أو أن الحالف هو الشرير الذي ينطق باسم الرب باطلاً والذي يخاف الحلف على هذا النوع هو الصالح.
قَلْبُ بَنِي ٱلْبَشَرِ مَلآنُ مِنَ ٱلشَّرِّ (ع ٣) لا يخافون من الخطيئة لأنهم لا يرون تمييزاً بين الخاطئ والصالح بل حادثة واحدة للجميع. والخطية حماقة والخاطئ كالمجنون.
يَذْهَبُونَ إِلَى ٱلأَمْوَاتِ والموت إذا قيل أنه خير يكون للأشرار وليس للصالحين فقط وإذا قيل أنه شر يكون للصالحين كالأشرار.
لِكُلِّ ٱلأَحْيَاءِ يُوجَدُ رَجَاءٌ (ع ٤) مهما أصاب الإنسان يرجو النجاة منه فالمريض يرجو الشفاء والفقير تحسين أحواله والمظلوم الراحة الخ. فالكلب الحي وهو أدنى الحيوانات أفضل من الأسد الميت وهو أشرفها.
ٱلأَحْيَاءَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ (ع ٥) قال الجامعة (٧: ٢) «اَلذَّهَابُ إِلَى بَيْتِ ٱلنَّوْحِ خَيْرٌ مِنَ ٱلذَّهَابِ إِلَى بَيْتِ ٱلْوَلِيمَةِ» إن جميع الناس يعلمون أنهم سيموتون وأما الذي يتأمل في الأمر كما يجب فيدبر أيامه بالحكمة ويقبل بالشكر والفرح الخيرات الحاضرة فيكون أفضل من الأموات الذين لا يعلمون شيئاً.
وَلَيْسَ لَهُمْ أَجْرٌ بَعْدُ من كان جمع المال لا يأخذ معه شيئاً ومن نال الشرف والشهرة لا يُذكر. ولا يحس الأموات بالمحبة ولا بالبغض ولا بالحسد وهي أعظم حسيات الإنسان ومصدر أعظم أفراحه وأعظم آلامه. وعبّر الجامعة بكلامه هذا عن أفكار كثيرين في زمانه وهو زمان يأس كالظلام الدامس قبل الفجر.
٧ – ١٠ «٧ اِذْهَبْ كُلْ خُبْزَكَ بِفَرَحٍ وَٱشْرَبْ خَمْرَكَ بِقَلْبٍ طَيِّبٍ، لأَنَّ ٱللّٰهَ مُنْذُ زَمَانٍ قَدْ رَضِيَ عَمَلَكَ. ٨ لِتَكُنْ ثِيَابُكَ فِي كُلِّ حِينٍ بَيْضَاءَ، وَلاَ يُعْوِزْ رَأْسَكَ ٱلدُّهْنُ. ٩ اِلْتَذَّ عَيْشاً مَعَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلَّتِي أَحْبَبْتَهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاةِ بَاطِلِكَ ٱلَّتِي أَعْطَاكَ إِيَّاهَا تَحْتَ ٱلشَّمْسِ، كُلَّ أَيَّامِ بَاطِلِكَ، لأَنَّ ذٰلِكَ نَصِيبُكَ فِي ٱلْحَيَاةِ وَفِي تَعَبِكَ ٱلَّذِي تَتْعَبُهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ. ١٠ كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَٱفْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ وَلاَ ٱخْتِرَاعٍ وَلاَ مَعْرِفَةٍ وَلاَ حِكْمَةٍ فِي ٱلْهَاوِيَةِ ٱلَّتِي أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَيْهَا».
انظر ص ٢: ٢٤ رؤيا ٣: ٤ مزمور ٢٣: ٥ ص ٦: ١٢ و٧: ١٥ ص ١١: ٦ ورومية ١٢: ١١ وكولوسي ٣: ٢٣ ع ٥ تكوين ٣٧: ٣٥ وأيوب ٢١: ١٣ وإشعياء ٣٨: ١٠
(انظر ما قيل في ٢: ٢٤ و٣: ١٢ و٢٢ و٥: ١٨).
مُنْذُ زَمَانٍ قَدْ رَضِيَ عَمَلَكَ كل خبزك بفرح الخ واعلم أن ذلك مرضي عند الله والبرهان على أن الله قد رضي عملك هذا هو أنه قد حفظ حياتك وأعطاك الخيرات المذكورة منذ زمان أي من أول حياتك.
الثياب البيضاء علامة الطهارة والفرح امتيازاً عن ثياب العمل اليومي. والدهن علامة الابتهاج (انظر مزمور ٤٥: ٧) والفرح (انظر إشعياء ٦١: ٣).
ٱلْمَرْأَةِ ٱلَّتِي أَحْبَبْتَهَا الزوجة الشرعية الوحيدة وشريكة رجلها كل أيام حياته.
أَيَّامِ حَيَاةِ بَاطِلِكَ على الرجل وامرأته أن يذكرا أن حياتهما على الأرض باطلة أي قصيرة فيطلبان خيرات أفضل وباقية (انظر ١كورنثوس ٧: ٢٩ – ٣١).
ذٰلِكَ نَصِيبُكَ الأفراح البيتية أحسن أجر لصاحب البيت فإنه يطعم أولاده ويكسيهم ويربيهم فيحبونه ويطيعونه ويتقدمون وذلك له نصيبه أو أجره.
كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ الخ (ع ١٠) انظر قول يسوع «يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ» (يوحنا ٩: ٤) والكلام هنا في العمل في هذا العالم وبما أن أيام هذه الحياة محدودة على الإنسان أن يعمل الأعمال المطلوبة منه بالنشاط فإنه بعد الموت لا يمكنه أن يعمل ما كان ينبغي عمله في مدة حياته.
١١ – ١٨ «١١ فَعُدْتُ وَرَأَيْتُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ أَنَّ ٱلسَّعْيَ لَيْسَ لِلْخَفِيفِ، وَلاَ ٱلْحَرْبَ لِلأَقْوِيَاءِ، وَلاَ ٱلْخُبْزَ لِلْحُكَمَاءِ، وَلاَ ٱلْغِنَى لِلْفُهَمَاءِ، وَلاَ ٱلنِّعْمَةَ لِذَوِي ٱلْمَعْرِفَةِ، لأَنَّهُ ٱلْوَقْتُ وَٱلْعَرَضُ يُلاَقِيَانِهِمْ كَافَّةً. ١٢ لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ أَيْضاً لاَ يَعْرِفُ وَقْتَهُ. كَٱلأَسْمَاكِ ٱلَّتِي تُؤْخَذُ بِشَبَكَةٍ مُهْلِكَةٍ، وَكَالْعَصَافِيرِ ٱلَّتِي تُؤْخَذُ بِٱلشَّرَكِ، كَذٰلِكَ تُقْتَنَصُ بَنُو ٱلْبَشَرِ فِي وَقْتِ شَرٍّ إِذْ يَقَعُ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً. ١٣ هٰذِهِ ٱلْحِكْمَةُ رَأَيْتُهَا أَيْضاً تَحْتَ ٱلشَّمْسِ، وَهِيَ عَظِيمَةٌ عِنْدِي. ١٤ مَدِينَةٌ صَغِيرَةٌ فِيهَا أُنَاسٌ قَلِيلُونَ. فَجَاءَ عَلَيْهَا مَلِكٌ عَظِيمٌ وَحَاصَرَهَا وَبَنَى عَلَيْهَا أَبْرَاجاً عَظِيمَةً. ١٥ وَوُجِدَ فِيهَا رَجُلٌ مِسْكِينٌ حَكِيمٌ، فَنَجَّى هُوَ ٱلْمَدِينَةَ بِحِكْمَتِهِ. مَا أَحَدٌ ذَكَرَ ذٰلِكَ ٱلرَّجُلَ ٱلْمِسْكِينَ! ١٦ فَقُلْتُ: ٱلْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنَ ٱلْقُوَّةِ. أَمَّا حِكْمَةُ ٱلْمِسْكِينِ فَمُحْتَقَرَةٌ وَكَلاَمُهُ لاَ يُسْمَعُ. ١٧ كَلِمَاتُ ٱلْحُكَمَاءِ تُسْمَعُ فِي ٱلْهُدُوءِ أَكْثَرَ مِنْ صُرَاخِ ٱلْمُتَسَلِّطِ بَيْنَ ٱلْجُهَّالِ. ١٨ اَلْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنْ أَدَوَاتِ ٱلْحَرْبِ. أَمَّا خَاطِئٌ وَاحِدٌ فَيُفْسِدُ خَيْراً جَزِيلاً».
عاموس ٢: ١٤ و١٥ و٢أيام ٢٠: ١٥ ومزمور ٧٦: ٥ وإشعياء ٤٠: ٢٩ وزكريا ٤: ٦ تثنية ٨: ١٧ و١٨ و١صموئيل ٦: ٩ ص ٨: ٧ أمثال ٧: ٢٣ أمثال ٢٩: ٦ وإشعياء ٢٤: ١٨ وهوشع ٩: ٨ لوقا ٢١: ٣٤ و٣٥ ص ٤: ١٣ و٢صموئيل ٢٠: ٢٢ ص ٢: ١٦ و٨: ١ ص ٧: ١٢ و١٩ ص ٧: ٥ و١٠: ١٢ ع ١٦ يشوع ٧: ١ – ٢٦ و٢ملوك ٢١: ٢ – ١٧
ٱلْوَقْتُ وَٱلْعَرَضُ الوقت هو وقت العمل فلا ينجح العمل إلا في وقته والعرض هو ما لا ينتظره الإنسان ولا يستعد له فلا يأمن أحد على نجاحه في عمله مهما كان قوياً وفهيماً.
لاَ يَعْرِفُ وَقْتَهُ (ع ١٢) وقت البلية ووقت الموت كالأسماك التي لا تعرف أنها أخذت في الشبكة (انظر حزقيال ٣٢: ٣) والعصافير التي لا تعرف أنها أُخذت في الشرك (انظر مزمور ١٢٤: ٧).
مَدِينَةٌ صَغِيرَةٌ (ع ١٤) لعل الجامعة لم يشر إلى مدينة معروفة بل ذكر ما حدث وما سيحدث كثيراً كمدينة آبل (انظر ٢صموئيل ٢٠: ١٥ – ٢٢).
مَا أَحَدٌ ذَكَرَ الخ (ع ١٥) كما نسي الساقي يوسف (انظر تكوين ٤٠: ٢٣).
ٱلْمُتَسَلِّطِ بَيْنَ ٱلْجُهَّالِ (ع ١٧) أي أكبرهم والمتكلم في جماعتهم. يظن الجهال أنهم يغلبون بقوة أصواتهم وكثرة كلامهم ولكن «كلمات الحكماء تُسمع في الهدوء» (إشعياء ٤٢: ٢).
خَاطِئٌ وَاحِدٌ كعخان (انظر يشوع ٧: ١ – ١٢) والخاطئ أحياناً يعمل من الشر أكثر مما يعمل الحكماء من الخير لأن الخراب أهون من البناء والقتل أهون من حفظ الحياة وإسقاط الناس في الخطيئة أهون من تخليصهم منها… فما المنفعة من الحكمة.
السابق |
التالي |