سفر الجامعة | 01 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر الجامعة
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ
ذكر الكاتب أولاً اسمه وموضوعه ثم شرح الموضوع بذكر التغييرات غير المنقطعة في الطبيعة التي تمثل أتعاب الناس المتصلة فإنها تأتي وتمضي ولا تأتي بنتيجة ولا تترك أثراً ثم ذكر من اختباره كملك ما يثبت قوله.
١ – ٣ «١ كَلاَمُ ٱلْجَامِعَةِ ٱبْنِ دَاوُدَ ٱلْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ: ٢ بَاطِلُ ٱلأَبَاطِيلِ قَالَ ٱلْجَامِعَةُ. بَاطِلُ ٱلأَبَاطِيلِ ٱلْكُلُّ بَاطِلٌ. ٣ مَا ٱلْفَائِدَةُ لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ ٱلَّذِي يَتْعَبُهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ؟».
ع ١٢ وص ٧: ٢٧ و١٢: ٨ – ١٠ ع ١٢ ص ١٢: ٨ ومزمور ٣٩: ٥ و٦ و٦٢: ٩ و١٤٤: ٤ ورومية ٨: ٢٠ ص ٢: ١١ و٣: ٩ و٥: ١٦
ٱلْجَامِعَةِ انظر المقدمة. إن سليمان جمع الشعب لتدشين الهيكل ولكن ذكر ذلك الاجتماع لا يوافق موضوع هذا السفر وما عدا ذلك ليس لنا خبر بأنه كان يجمع الشعب ولعل معنى «الجامعة» أنه جمع أقوال العلماء (١٢: ٩) «ٱلْجَامِعَةَ كَانَ حَكِيماً، وَأَيْضاً عَلَّمَ ٱلشَّعْبَ عِلْماً، وَوَزَنَ وَبَحَثَ وَأَتْقَنَ أَمْثَالاً كَثِيرَةً».
ٱبْنِ دَاوُدَ أي سليمان.
ٱلْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ أي الجامعة هو الملك في أورشليم. كان سليمان أعظم الملوك في الغنى والمجد فاختاره كاتب السفر ليكون المتكلم من اختباره.
بَاطِلُ ٱلأَبَاطِيلِ (ع ٢) وبالأصل «هبيل هبيليم» و «هابيل» هو البخار والنَّفَس والفاني والتكرار هو للتشديد «كنشيد الأنشاد» أي أحلى الأنشاد وباطل الأباطيل هو أعظمها ووردت كلمة «باطل» ٣٩ مرة في هذا السفر والمقصود بها جميع خيرات العالم بذاتها وبدون الرجاء لإله والحياة الأبدية. وهي باطلة (١) لأنها فانية وحياة الإنسان في هذا العالم سريعة الزوال ومهما جمع من المال والعلوم والمجد ومهما تمتع بلذات العالم يتركها (٢) لأن خيرات العالم لا تشبع النفس والنفس التي ليس لها رجاء إلا بأمور هذا العالم كعصفور بري في قفص لا يشبع ولو قدم له أحسن أطعمة ولو كان قفصه من ذهب لأن من طبعه أن يبسط جناحيه ويطير نحو السماء. كان لسليمان أعظم ما يمكن لإنسان من الغنى والمجد ولكنه ابتعد عن الله الذي منه وحده السرور الحقيقي فاحتقر الحياة واحتقر نفسه أيضاً وكانت نتيجة ملكه الانشقاق ودخول الفساد. وفي هذا السفر أقوال الشيخ للأحداث وفيه حذّرهم من الاتكال على أباطيل هذه العالم وحرّضهم على حفظ وصايا الله.
يستلزم هذا السؤال (ع ٣) جواباً إنكارياً والسؤال على هذا النوع لتشديد الإنكار والكلمة الأصلية المترجمة «الفائدة» أي (يثرون) لم ترد في العهد القديم إلا في هذا السفر فوردت فيه عشر مرات ومعناها الأصلي رصيد الحساب أي ما يبقى من الربح بعد إخراج المصروف. والقول «تحت الشمس» وردت في هذا السفر ٢٩ مرة ولم ترد في غيره ومعناه كل مكان ويشير إلى أتعاب الإنسان كلها وليس لهذه الأتعاب فائدة باقية والكلام كله في خيرات العالم بذاتها بغض النظر عن الإيمان بالله والرجاء بالآخرة.
٤ – ١١ «٤ دَوْرٌ يَمْضِي وَدَوْرٌ يَجِيءُ، وَٱلأَرْضُ قَائِمَةٌ إِلَى ٱلأَبَدِ. ٥ وَٱلشَّمْسُ تُشْرِقُ، وَٱلشَّمْسُ تَغْرُبُ، وَتُسْرِعُ إِلَى مَوْضِعِهَا حَيْثُ تُشْرِقُ. ٦ اَلرِّيحُ تَذْهَبُ إِلَى ٱلْجَنُوبِ وَتَدُورُ إِلَى ٱلشِّمَالِ. تَذْهَبُ دَائِرَةً دَوَرَاناً، وَإِلَى مَدَارَاتِهَا تَرْجِعُ ٱلرِّيحُ. ٧ كُلُّ ٱلأَنْهَارِ تَجْرِي إِلَى ٱلْبَحْرِ وَٱلْبَحْرُ لَيْسَ بِمَلآنَ. إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي جَرَتْ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ إِلَى هُنَاكَ تَذْهَبُ رَاجِعَةً. ٨ كُلُّ ٱلْكَلاَمِ يَقْصُرُ. لاَ يَسْتَطِيعُ ٱلإِنْسَانُ أَنْ يُخْبِرَ بِٱلْكُلِّ. ٱلْعَيْنُ لاَ تَشْبَعُ مِنَ ٱلنَّظَرِ، وَٱلأُذُنُ لاَ تَمْتَلِئُ مِنَ ٱلسَّمْعِ. ٩ مَا كَانَ فَهُوَ مَا يَكُونُ، وَٱلَّذِي صُنِعَ فَهُوَ ٱلَّذِي يُصْنَعُ. فَلَيْسَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ جَدِيدٌ. ١٠ إِنْ وُجِدَ شَيْءٌ يُقَالُ عَنْهُ: ٱنْظُرْ. هٰذَا جَدِيدٌ! فَهُوَ مُنْذُ زَمَانٍ كَانَ فِي ٱلدُّهُورِ ٱلَّتِي كَانَتْ قَبْلَنَا. ١١ لَيْسَ ذِكْرٌ لِلأَوَّلِينَ. وَٱلآخِرُونَ أَيْضاً ٱلَّذِينَ سَيَكُونُونَ لاَ يَكُونُ لَهُمْ ذِكْرٌ عِنْدَ ٱلَّذِينَ يَكُونُونَ بَعْدَهُمْ».
مزمور ١٠٤: ٥ و١١٩: ٩٠ مزمور ١٩: ٤ – ٦ ص ١١: ٥ ص ٤: ٨ وأمثال ٢٧: ٢٠ ص ٢: ١٢ و٣: ١٥ و٦: ١٠ ص ٢: ١٦ و٩: ٥
يفتخر الإنسان كأنه سلطان ولكن الأرض تبقى والإنسان يمضي. فالشاعر اليوناني هوميروس شبه الإنسان بأوراق الأشجار تسقط في الخريف ويأتي غيرها في الربيع.
ٱلشَّمْسُ تَغْرُبُ (٥) قيل إن إبراهيم نظر إلى الشمس ليسجد لها ولكنه قال لما غربت لا أسجد لما يغيب.
تُسْرِعُ إِلَى مَوْضِعِهَا على اعتقاد القدماء للشمس سفر طويل تحت الأرض بالليل من الغرب إلى الشرق لتقوم صباحاً يوماً ثانياً فعليها أن تسرع لئلا تتأخر عن الوقت المعين والريح أيضاً (ع ٦) تشبه حياة الإنسان في دورانها الدائم ورجوعها كان دورانها بلا فائدة.
كُلُّ ٱلأَنْهَارِ تَجْرِي (ع ٧) بحث الفلاسفة القدماء في أمر البحر والأنهار وظن البعض منهم أن مياه البحر تحت الأرض إلى ينابيع وإنها هكذا تتصفّى فتصير مياه المالحة عذبة وتجري الأنهار إلى البحر فالبحر لا يزيد ولا ينقص.
كُلُّ ٱلْكَلاَمِ يَقْصُرُ (ع ٨) لا يقدر متكلم أن يذكر كل الحوادث الطبيعية ولا أن يعبّر عن بطلها ومللها.
ٱلْعَيْنُ لاَ تَشْبَعُ الخ أي مهما رآه الإنسان ومهما سمعه لا يجد مطلوبه فإن حياة الإنسان كحلم يلزمها من يعبرها.
لَيْسَ ذِكْرٌ لِلأَوَّلِينَ الخ (ع ١١) كان ذكر الحوادث الطبيعية المختصة بالشمس والأنهار والرياح وقال «ليس تحت الشمس جديد» ثم ذكر الإنسان الذي لأجله خُلق العالم وهو أيضاً يأتي ويمضي كالحوادث الطبيعية أي يولد ويموت وليس له ذكر بعد موته. ولا نصادق على هذا القول إجمالاً لأن كثيرين من القدماء لهم ذكر حتى اليوم كأفاضل العهد القديم (انظر عبرانيين ص ١١) والرسل الأطهار وعلماء وأتقياء كثيرين عاشوا بعدهم. ولا نصادق على القول «ليس تحت الشمس جديد» لأننا نرى اختراعات جديدة وعلوماً جديدة وتقدماً في التمدن والأدب والدين فنطلب الجديد ونستنظر الجديد. انظر قول بولس الرسول «إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (٢كورنثوس ٥: ١٧).
١٢ – ١٨ «١٢ أَنَا ٱلْجَامِعَةُ كُنْتُ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي أُورُشَلِيمَ. ١٣ وَوَجَّهْتُ قَلْبِي لِلسُّؤَالِ وَٱلتَّفْتِيشِ بِٱلْحِكْمَةِ عَنْ كُلِّ مَا عُمِلَ تَحْتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. هُوَ عَنَاءٌ رَدِيءٌ جَعَلَهُ ٱللّٰهُ لِبَنِي ٱلْبَشَرِ لِيَعْنُوا فِيهِ. ١٤ رَأَيْتُ كُلَّ ٱلأَعْمَالِ ٱلَّتِي عُمِلَتْ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ فَإِذَا ٱلْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ. ١٥ اَلأَعْوَجُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَوَّمَ، وَٱلنَّقْصُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْبَرَ. ١٦ أَنَا نَاجَيْتُ قَلْبِي قَائِلاً: هَا أَنَا قَدْ عَظُمْتُ وَٱزْدَدْتُ حِكْمَةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ مَنْ كَانَ قَبْلِي عَلَى أُورُشَلِيمَ، وَقَدْ رَأَى قَلْبِي كَثِيراً مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَعْرِفَةِ. ١٧ وَوَجَّهْتُ قَلْبِي لِمَعْرِفَةِ ٱلْحِكْمَةِ وَلِمَعْرِفَةِ ٱلْحَمَاقَةِ وَٱلْجَهْلِ. فَعَرَفْتُ أَنَّ هٰذَا أَيْضاً قَبْضُ ٱلرِّيحِ. ١٨ لأَنَّ فِي كَثْرَةِ ٱلْحِكْمَةِ كَثْرَةُ ٱلْغَمِّ، وَٱلَّذِي يَزِيدُ عِلْماً يَزِيدُ حُزْناً».
ع ١ ع ١٧ ص ٣: ١٠ و١١ و٧: ٢٥ و٨: ١٧ ص ٢: ٢٣ و٢٦ و٣: ١٠ ص ٢: ١١ و١٧ و٤: ٤ و٦: ٩ ص ٧: ١٣ ص ٢: ٩ و١ملوك ٣: ١٢ و٤: ٣٠ و١٠: ٢٣ ع ١٣ ص ٢: ١٢ و٧: ٢٥ ص ٢: ٢٣ و١٢: ١٢
كُنْتُ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ صوّر كاتب السفر سليمان كأنه في آخر حياته. راجع زمان ملكه وذكر ما كان له من الغنى والمجد والحكمة فحكم أن الكل باطل وقبض الريح (٢: ٢٦).
وَوَجَّهْتُ قَلْبِي (ع ١٣) أي سليمان وجه قلبه حسب تصوّر الكاتب وفتش بالاجتهاد والرغبة وما فتش عنه هو كل ما عُمل تحت السموات كأعمال الناس وأحوالهم وأفراحهم وأحزانهم.
هُوَ عَنَاءٌ رَدِيءٌ أي التفتيش عن أعمال الناس وغايتها ومنفعتها والموافقة بينها وبين تدبير الله للعالم فإنه اجتهد وتعب في التفتيش بلا نتيجة.
جَعَلَهُ ٱللّٰهُ في الترجمة اليسوعية «جعله الله» أي جعل الله عناء رديئاً لبني البشر ليعنوا فيه. إن التفتيش بالحكمة عن كل ما عُمل والرغبة في معرفة معنى الحياة دليل على سمو الأفكار خلافاً للذين لا يهتمون إلا بالأكل والكسوة والبيوت والأملاك وغيرها مما للجسد ولكن هذا التفتيش وإن كان فضيلة لا يأتي بنتيجة وليس إلا عناء رديئاً.
وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ (ع ١٤) رأى أن الناس يسعون وراء خيرات العالم ويجتهدون ويتعبون ليقبضوها وإذا قبضوها لا يجدون بأيديهم شيئاً وقوله هذا قول عمومي وبعد التفتيش والتأمل فإنه كان رأى كل الأعمال وكان وجه قلبه للسؤال بالحكمة فتسلط عليه اليأس. ومن له حكمة كحكمة سليمان يشبه رجلاً بيده نظارة مكبرة (مكرسكوب) وبها يرى ما لا يقدر غيره أن يراه فالأقمشة الناعمة تظهر خشنة وبالمأكولات الطيبة يرى جراثيم الفساد وهكذا الحكيم يرى في الناس نقائص وعيوباً لا يفتكر عموم الناس فيها.
نَاجَيْتُ قَلْبِي (ع ١٦) كلّم نفسه فكان في قلبه سؤال وجواب واعتراض ورد عليه كما يتكلم إنسان مع صديقه.
أَنَا قَدْ عَظُمْتُ ليس في هذا القول افتخار بل شهادة من كان الله أعطاه حكمة أكثر من غيره.
فوائد
- إن التفتيش عن أحوال الناس يجب أن لا ينشئ فينا اليأس بل الغيرة في إصلاح هذه الأحوال.
- لا يمكن الأعرج أن يقوّم بالحكمة البشرية ولكن المسيح يقوّم ويجبر كل شيء (انظر النبوة في إشعياء ٤٠: ٤) في مجيء المسيح «كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ ٱلْمُعَوَّجُ مُسْتَقِيماً».
السابق |
التالي |