سفر أيوب

سفر أيوب | 42 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

  1.  

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ

موضوعه خضوع أيوب للرب ورجوعه إلى الهناء والنجاح أكثر مما كان عليه سابقاً.

١ – ٦ «١ فَأَجَابَ أَيُّوبُ ٱلرَّبَّ: ٢ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. ٣ فَمَنْ ذَا ٱلَّذِي يُخْفِي ٱلْقَضَاءَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ! وَلٰكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا. ٤ اِسْمَعِ ٱلآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. ٥ بِسَمْعِ ٱلأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَٱلآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. ٦ لِذٰلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي ٱلتُّرَابِ وَٱلرَّمَادِ».

ص ٣٨: ٢ مزمور ٤٠: ٥ و١٣١: ١ و١٣٩: ٦ ص ٣٨: ٣ و٤٠: ٧ ص ٢٦: ١٤ إشعياء ٦: ٥

تعلم أيوب من كلام الرب إن الله يستطيع كل شيء وتعلم جودته أيضاً لأن المطر والشمس والأزمنة المثمرة منه وهو يعتني بجميع مخلوقاته وبأيوب أيضاً فلم يصبه شيء إلا بعلم الله وإرادته الصالحة.

فَمَنْ ذَا ٱلَّذِي يُخْفِي ٱلْقَضَاءَ (ع ٣) أشار إلى قول الرب (٣٨: ٢) «مَنْ هٰذَا ٱلَّذِي يُظْلِمُ ٱلْقَضَاءَ بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ» مصدقاً للقول من جهة نفسه وأقرّ بأنه هو الذي كان أخفى القضاء بلا معرفة.

اِسْمَعِ ٱلآنَ (ع ٤) ليس المراد أن أيوب أراد أو يعود إلى مثل كلامه السباق بما أن الرب قال له «أسألك فتعلمني» (٣٨: ٣) جاوبه أيوب بما معناه «حاشا لي أن أعلم الرب فإني أنا أسأله وهو يعلمني» فبقوله الوجيز عبّر عن خضوعه للرب وقبوله تعليمه بلا اعتراض.

رَأَتْكَ عَيْنِي (ع ٥) قال أيوب كتوما الذي لم يصدق ما قاله الرسل رفقاؤه ولكنه قال لما رأى الرب «ربي وإلهي» (يوحنا ٢٠: ٢٦ – ٢٩) ونتعلم من هذا أن الناس لا تقنعهم فصاحة الكلام ولا الحكمة البشرية ولا مجرد مطالعة الكتاب المقدس بل رؤية المسيح بالإيمان.

٧ – ٩ «٧ وَكَانَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مَعَ أَيُّوبَ بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَالَ لأَلِيفَازَ ٱلتَّيْمَانِيِّ: قَدِ ٱحْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَاحِبَيْكَ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ ٱلصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. ٨ وَٱلآنَ فَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ وَٱذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ لأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ لِئَلاَّ أَصْنَعَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ ٱلصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. ٩ فَذَهَبَ أَلِيفَازُ ٱلتَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ ٱلشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ ٱلنَّعْمَاتِيُّ وَفَعَلُوا كَمَا قَالَ ٱلرَّبُّ لَهُمْ. وَرَفَعَ ٱلرَّبُّ وَجْهَ أَيُّوبَ».

ع ١ – ٦ وص ٤٠: ٣ – ٥ ص ١: ٥ ص ٢٢: ٣٠

من هنا فصاعداً صار الكلام نثراً كما في أول السفر.

قَالَ لأَلِيفَازَ خاطب الرب أليفاز دون سواه لأنه كان المتكلم الأول مع أيوب وربما كان أكبر المتكلمين سناً. ولا نفهم مما كُتب إن الرب برر أيوب في كل أقواله ولا إنه حكم على أصحابه بالغلط في كل كلامهم بل برر أيوب بعد اعترافه الأخير لأنه لم يخطئ كما قال أصحابه ولعل الرب نظر إلى ضعفه وآلامه وأحزانه فليس لهم هذا العذر وكان همهم أن يثبتوا آراءهم السابقة بغض النظر عن الواقع وأما أيوب فكان يطلب معرفة الحق وإن كان لا يقدر أن يوفق بين الواقع وبين ما رآه في العالم. ولم يقل الأصحاب الصواب (١) لأنهم ادّعوا أنهم عرفوا ما لا يقدر الإنسان أن يعرفه من مقاصد الله (انظر رومية ١١: ٣٤) (٢) لأنهم نسبوا إلى أيوب خطايا لم يرتكبها فحكموا على من لم يحكم الله عليه (انظر رومية ١٤: ٤) (٣) لأن الله محبة وأما هم فحكموا على أيوب بلا محبة وبلا شفقة لكي يثبتوا مبدأهم. ولم يذكر الرب أليهو ربما لأنه لم يكن من الأصحاب الثلاثة الأولين.

عَبْدِي أَيُّوبَ ما أعظم فرح أيوب بهذا اللقب لأنه به عرف أن الرب لم يرفضه.

سَبْعَةَ… سَبْعَةَ (ع ٨) السبعة عدد كامل (انظر تكوين ٢١: ٢٨ وعدد ٢٣: ١).

وَٱذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ لعدم وجود كهنة في زمان أيوب حسب نظام موسى وكان أيوب قد مارس منصب كاهن لأهل بيته. وصلى أيوب لأجلهم (١) لأنه كان بمنزلة كاهن (٢) لأنهم أخطأوا إليه فعليه أن يغفر لهم (٣) لأن الرب قصد رفع وجه أيوب.

لأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ بغفران خطايا أصحابه ورجوعهم إليه وإلى الرب وليس بهلاكهم وابتعادهم عنه.

١٠ – ١٧ «١٠ وَرَدَّ ٱلرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ ٱلرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفاً. ١١ فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ أَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ مِنْ قَبْلُ وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزاً فِي بَيْتِهِ، وَرَثُوا لَهُ وَعَزَّوْهُ عَنْ كُلِّ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي جَلَبَهُ ٱلرَّبُّ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ كُلٌّ مِنْهُمْ قَسِيطَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ قُرْطاً مِنْ ذَهَبٍ. ١٢ وَبَارَكَ ٱلرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفاً مِنَ ٱلْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلاَفٍ مِنَ ٱلإِبِلِ، وَأَلْفُ زَوْجٍ مِنَ ٱلْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ. ١٣ وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. ١٤ وَسَمَّى ٱسْمَ ٱلأُولَى يَمِيمَةَ، وَٱسْمَ ٱلثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ، وَٱسْمَ ٱلثَّالِثَةِ قَرْنَ هَفُّوكَ. ١٥ وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ. وَأَعْطَاهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثاً بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ. ١٦ وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هٰذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَالٍ. ١٧ ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخاً وَشَبْعَانَ ٱلأَيَّامِ».

تثنية ٣٠: ٣ ومزمور ١٤: ٧ و٨٥: ١ – ٣ و١٢٦: ١ – ٦ ص ١٩: ١٣ ص ٥: ٢٦ وتكوين ١٥: ١٥ و٢٥: ٨ و٣٥: ٢٩

وَرَدَّ ٱلرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ إشارة (١) إلى مصائبه فإنه كان فقد المال وأهل بيته وأصحابه والصحة فأشبه المسبي في بلاد غريبة (٢) إلى تسليمه وقتياً ليد الشيطان (١: ١٢ و٢: ٦) (٣) إلى شكوك أيوب في عدل الله وجودته فإنه خلص منها ليس بحل المشاكل بل برؤية الرب والتسليم له.

لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ نتعلم (١) إننا بصلواتنا وخدمتنا الآخرين ننال أحسن البركات لأنفسنا (٢) أن نغفر للمذنبين إلينا لكي تُقبل صلواتنا (لوقا ١١: ٤) (٣) إن الذين لا يقتنعون بكلام الحكمة البشرية يقتنعون بصلواتنا لأجلهم فالصلاة أحسن رد على الاعتراضات وأحسن حل للمشاكل.

فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ (ع ١١) كانوا ابتعدوا عنه في زمان ضيقه ولعل بعضهم ابتعدوا عنه كما يبتعد الناس عن كل فقير ومصاب ويقتربون إلى كل غني ومفلح وربما بعضهم ظنوا أن الله رفضه لأجل خطاياه فمن واجباتهم أن يبتعدوا عنه فرجعوا عندما عرفوا أن الله قبله.

قَسِيطَةً كلمة عبرانية لم ترد إلا هنا وفي (تكوين ٣٣: ١٩ ويشوع ٢٤: ٣٢) حيث ذُكر الحقل الذي اشتراه يعقوب في شكيم بمئة قسيطة والظاهر أنها عيار لأن في القديم كانوا يزنون الذهب والفضة وزناً لعدم وجود نقود مسكوكة وكانت هذه العطايا من معارفه بداءة أملاكه الجديدة.

أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفاً مِنَ ٱلْغَنَم الخ (ع ١٢) إن الأعداد المذكورة ضعف ما كان له في الأول تماماً وهذا مما يدل على أن هذا السفر ليس سفراً تاريخياً بل رواية شعرية مبنية على حوادث حقيقية (انظر المقدمة). ورأى بعضهم إن ذكر البركات الزمنية ليس خاتمة موافقة للسفر. قال يسوع (متّى ٥: ١١ و١٢) «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ… لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» وقال لكنيسة أفسس (رؤيا ٢: ٧) «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ ٱلْحَيَاةِ ٱلَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ ٱللّٰهِ» وقال بولس (رومية ٨: ١٨) «فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ ٱلزَّمَانِ ٱلْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِٱلْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا» وقال يعقوب (يعقوب ١: ١٢) «طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي يَحْتَمِلُ ٱلتَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ إِكْلِيلَ ٱلْحَيَاةِ» نعم هنالك بركات أفضل جداً من كثرة الغنم والجمال والمؤمنون في العهد الجديد حسبوا هذه الخيرات الجسدية «خسارة… ونفاية» لكي يربحوا المسيح (فيلبي ٣: ٧ – ١١) ولكننا نتذكر أن هذا السفر قديم جداً ولم تُعرف في زمانه كما في أيام العهد الجديد قيمة البركات الروحية المعطاة للمؤمنين في هذه الحياة كسلامة الضمير ومحبة الله والرجاء بالحياة الأبدية والمجازاة العادلة بعد الموت فمن الموافقة أن أيوب يُجازى في هذه الحياة ببركات زمنية ليعرف هو أصحابه إن ما أصابه هو على سبيل الامتحان من الله وليس بسبب خطايا فظيعة.

بَنِينَ… بَنَاتٍ (ع ١٣) يظن بعضهم أن امرأة أيوب التي كلمته «كإحدى الجاهلات» (٢: ٩ و١٠) ماتت فتزوج سواها وأتاه منها بنون وبنات.

يَمِيمَةَ… قَصِيعَةَ معنى الاسم «يميمة» (ع ١٤) يمامة ومعنى الاسم «قصيعة» سنا وهو نبات أجوده الحجازي ويُعرف بسنا مكة أو السنا المكي. ومعنى الاسم «قرن هفوك» قرن الدهان. وتشير هذه الأسماء إلى جمال المسميات. ونيلهن ميراثاً بين إخوتهن دليل على محبة أبيهن لهن ويُستنتج أيضاً أن ميراثهن بقي مع إخوتهن بعد زواجهن وهذا شاذ عن العادات القديمة.

وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هٰذَا (ع ١٦) لم يُذكر عمر أيوب حين أصابته مصائبه ولا مدة دوام المصائب وقيل في الترجمة السبعينية إن عمره كان سبعين سنة لما ابتدأت المصائب والله زاد على عمره ١٤٠ سنة وقيل (ع ١٧) إنه كان شيخاً وشبعان الأيام وهذا يوافق أعمار الناس في زمان إبراهيم. «أَمَّا سَبِيلُ ٱلصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِقٍ، يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى ٱلنَّهَارِ ٱلْكَامِلِ» (أمثال ٤: ١٨).

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى