سفر أيوب

سفر أيوب | 30 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّلاَثُونَ

إن هذا الأصحاح مخالف للأصحاح السابق فإن أيوب ذكر في الأول سعادته في الأيام الماضية وأعظم شيء منها اعتبار الناس له وفي هذا الأصحاح ذكر ذلّه وأعظم شيء فيه احتقار الناس له.

١ – ٤ «١ وَأَمَّا ٱلآنَ فَقَدْ ضَحِكَ عَلَيَّ مَنْ يَصْغُرُنِي فِي ٱلأَيَّامِ، ٱلَّذِينَ كُنْتُ أَسْتَنْكِفُ مِنْ أَنْ أَجْعَلَ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلاَبِ غَنَمِي. ٢ قُوَّةُ أَيْدِيهِمْ أَيْضاً مَا هِيَ لِي. فِيهِمْ عَجِزَتِ ٱلشَّيْخُوخَةُ. ٣ فِي ٱلْعَوَزِ وَٱلْمَجَاعَةِ مَهْزُولُونَ، عارقون (يَنْبِشُونَ) ٱلْيَابِسَةَ ٱلَّتِي هِيَ مُنْذُ أَمْسِ خَرَابٌ وَخَرِبَةٌ. ٤ ٱلَّذِينَ يَقْطِفُونَ ٱلْمَلاَّحَ عِنْدَ ٱلشِّيحِ، وَأُصُولُ ٱلرَّتَمِ خُبْزُهُمْ».

ص ١٢: ٤

ضَحِكَ عَلَيَّ كان أيوب ضحك عليهم (٢٩: ٢٤) على سبيل اللطف والمسايرة وأما الآن فضحك عليه أصاغره على سبيل الازدراء.

كِلاَبِ غَنَمِي حتى الكلاب أنفع منهم لضعفهم وعجزهم من الشيخوخة.

عارقون (يَنْبِشُونَ) ٱلْيَابِسَةَ (ع ٣) كما يأكل الكلاب ما على العظم من اللحم. وهم المذكورون في (ص ٢٤: ٥ – ٨). الملاّح (ع ٤) نبات الحَمض قيل إنه القاقلي وأكله يدل على الفقر الشديد لأنه غير مفيد كطعام وكذلك أصول الرتم وهي مرّة جداً والشيح أنواع من نبات القفر.

٥ – ٨ «٥ مِنَ ٱلْوَسَطِ يُطْرَدُونَ. يَصِيحُونَ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَى لِصٍّ. ٦ لِلسَّكَنِ فِي أَوْدِيَةٍ مُرْعِبَةٍ وَثُقَبِ ٱلتُّرَابِ وَٱلصُّخُورِ. ٧ بَيْنَ ٱلشِّيحِ يَنْهَقُونَ. تَحْتَ ٱلْعَوْسَجِ يَنْكَبُّونَ. ٨ أَبْنَاءُ ٱلْحَمَاقَةِ، بَلْ أَبْنَاءُ أُنَاسٍ بِلاَ ٱسْمٍ، دُحِرُوا مِنَ ٱلأَرْضِ».

مِنَ ٱلْوَسَطِ أي من الاجتماع مع الناس وإذا اقتربوا إلى مساكن المتمدنين يُطردون كلص كالنَوَر في أيامنا.

يَنْهَقُونَ (ع ٧) وفي (٢٤: ٥) هم مشبهون بالفراء في القفر.

٩ – ١١ «٩ أَمَّا ٱلآنَ فَصِرْتُ أُغْنِيَتَهُمْ وَأَصْبَحْتُ لَهُمْ مَثَلاً! ١٠ يَكْرَهُونَنِي. يَبْتَعِدُونَ عَنِّي، وَأَمَامَ وَجْهِي لَمْ يُمْسِكُوا عَنِ ٱلْبَصْقِ. ١١ لأَنَّهُ أَطْلَقَ ٱلْعَنَانَ وَقَهَرَنِي فَنَزَعُوا ٱلزِّمَامَ قُدَّامِي».

انظر ص ١٢: ٤ ص ١٧: ٦ وعدد ١٢: ١٤ وتثنية ٢٥: ٩ وإشعياء ٥٠: ٦ ومتّى ٢٦: ٦٧ راعوث ١: ٢١ ومزمور ٨٨: ٧ مزمور ٣٢: ٩

من أعظم مصائب أيوب احتقار الناس إياه فصار كأنه أدنى من المذكورين وهم أدنى الناس. في (ص ٢٤) كان أيوب ذكرهم بالشفقة وأما هنا فذكرهم بالنفور لسبب تصرفهم معه ولا شك أن أيوب شفق عليهم وأحسن إليهم في أيام نجاحه ولكنهم لم يميزوا بينه وبين الأغنياء الظالمين ففرحوا بسقوطه.

يَبْتَعِدُونَ عَنِّي (ع ١٠) لسبب مرضه. والبصق أمام وجهه علامة الاحتقار.

لأَنَّهُ أَطْلَقَ ٱلْعَنَانَ (ع ١١) أي الله أطلق والله قهره فاستنتجوا أنه يحل لهم أن يلقوا الحبل على الغارب أي أن يأخذوا حريتهم معه فيعيرونه بلا حياء وبلا خوف.

١٢ – ١٥ «١٢ عَنِ ٱلْيَمِينِ الفروخ (ٱلسَّفَلَةُ) يَقُومُونَ يُزِيحُونَ رِجْلِي، وَيُعِدُّونَ عَلَيَّ طُرُقَهُمْ لِلْبَوَارِ. ١٣ أَفْسَدُوا سُبُلِي. أَعَانُوا عَلَى سُقُوطِي. لاَ مُسَاعِدَ عَلَيْهِمْ. ١٤ يَأْتُونَ كَصَدْعٍ عَرِيضٍ. تَحْتَ ٱلْهَدَّةِ يَتَدَحْرَجُونَ. ١٥ اِنْقَلَبَتْ عَلَيَّ أَهْوَالٌ. طَرَدَتْ كَٱلرِّيحِ نِعْمَتِي، فَعَبَرَتْ كَٱلسَّحَابِ سَعَادَتِي».

مزمور ١٤٠: ٤ و٥ ص ١٩: ١٢ إشعياء ٣: ١٢ ص ٣: ٢٥ و٣١: ٢٣ ومزمور ٥٥: ٣ – ٥ ص ٧: ٩ وهوشع ١٣: ٣

الفروخ (ٱلسَّفَلَةُ) (ع ١٢) الأحداث الأدنياء وذكرهم كأنهم فروخ حيوانات وهم عن يمينه في المكان الذي كان الشرفاء فيه.

يُزِيحُونَ رِجْلِي (ع ١٢) طردوه من مكان إلى مكان.

طُرُقَهُمْ لِلْبَوَارِ شبههم بمحاصري مدينة يقيمون أبراجاً تجاه أسوارها ليرموا سهامهم منها.

أَفْسَدُوا سُبُلِي (ع ١٣) سدّوا سبله فلا يمكنه الخلاص منهم. ومعنى الاستعارة أنهم أفسدوا سبل حياته إذ وضعوا أمامه صعوبات وتجارب ليسقط فيها.

صَدْعٍ عَرِيضٍ في سور المدينة المحاصرة فيتدحرجون أي يدخلون بكثرة تحت الهدة في السور.

طَرَدَتْ كَٱلرِّيحِ نِعْمَتِي الأهوال طردت. وكانت سعادته السابقة كسحاب أي زالت سريعاً (٧: ٩) وليست الأهوال من هجوم البائسين فقط بل أيضاً من هجوم الآلام والأحزان ولا سيما الشكوك من جهة جودة الله وعدله.

١٦ – ١٩ «١٦ فَٱلآنَ ٱنْهَالَتْ نَفْسِي عَلَيَّ وَأَخَذَتْنِي أَيَّامُ ٱلْمَذَلَّةِ. ١٧ ٱللَّيْلَ يَنْخَرُ عِظَامِي فِيَّ، وَعَارِقِيَّ لاَ تَهْجَعُ. ١٨ بِكَثْرَةِ ٱلشِّدَّةِ تَنَكَّرَ لِبْسِي. مِثْلَ جَيْبِ قَمِيصِي حَزَمَتْنِي. ١٩ قَدْ طَرَحَنِي فِي ٱلْوَحْلِ فَأَشْبَهْتُ ٱلتُّرَابَ وَٱلرَّمَادَ».

ص٣: ٢٤ ومزمور ٢٢: ١٤ و٤٢: ٤ وإشعياء ٥٣: ١٢ ع ٣٠ ص ٢: ٧ مزمور ٦٩: ٢ و١٤

وصف آلامه الناتجة من مرضه وهذه الآلام أشد بالليل.

عَارِقِيَّ (ع ١٧) بالترجمة اليسوعية «الذين يعرقونني لا يهجعون» والإشارة إلى أعدائه أو إلى أوجاعه إنها لا تتركه لا نهاراً ولا ليلاً. ويقول بعضهم إن العارقين هي الأضراس والإشارة إلى وجع الأضراس في الليل وهو من أعراض مرض البرص.

بِكَثْرَةِ ٱلشِّدَّةِ (ع ١٨) حزمته أوجاعه الشديدة كجيب القميص أي مسكته بشدة ولم تفارقه.

قَدْ طَرَحَنِي (ع ١٩) الله طرحه فإن مرضه كان من الله وغيّر الله منظره فصار كأنه مطروح بالوحل والرماد.

٢٠ – ٢٤ «٢٠ إِلَيْكَ أَصْرُخُ فَمَا تَسْتَجِيبُ لِي. أَقُومُ فَمَا تَنْتَبِهُ إِلَيَّ. ٢١ تَحَوَّلْتَ إِلَى جَافٍ مِنْ نَحْوِي. بِقُدْرَةِ يَدِكَ تَضْطَهِدُنِي. ٢٢ حَمَلْتَنِي، أَرْكَبْتَنِي ٱلرِّيحَ وَذَوَّبْتَنِي تَشَوُّهاً. ٢٣ لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ إِلَى ٱلْمَوْتِ تُعِيدُنِي، وَإِلَى بَيْتِ مِيعَادِ كُلِّ حَيٍّ. ٢٤ وَلٰكِنْ فِي ٱلْخَرَابِ أَلاَ يَمُدُّ يَداً؟ فِي ٱلْبَلِيَّةِ أَلاَ يَسْتَغِيثُ عَلَيْهَا؟».

ص ١٩: ٧ ص ١٠: ٣ و١٦: ٩ و١٤ و١٩: ٦ و٢٢ ص ٩: ٢٧ و٢٧: ٢١ ص ٩: ٢٢ و١٠: ٨ ص ٣: ١٩ وجامعة ١٢: ٥ ص ١٩: ٧

إِلَيْكَ أَصْرُخُ لم يترك اتكاله على الله وإن كان لم يفهم معاملته إياه وكان الله له كعدوّ.

أَرْكَبْتَنِي ٱلرِّيحَ (ع ٢٢) أفناه وأزاله الله وذوّب جسمه بمرضه القبيح.

أَلاَ يَمُدُّ يَداً (ع ٢٤) ليس له رجاء بالحياة ومع ذلك صرخ إلى الله لأن ذلك أمر طبيعي وكل من في الخراب يمدّ يده أي يطلب النجاة وكل من يقع في البلية يستغيث عليها.

٢٥ – ٣١ «٢٥ أَلَمْ أَبْكِ لِمَنْ عَسَرَ يَوْمُهُ؟ أَلَمْ تَكْتَئِبْ نَفْسِي عَلَى ٱلْمِسْكِينِ؟ ٢٦ حِينَمَا تَرَجَّيْتُ ٱلْخَيْرَ جَاءَ ٱلشَّرُّ، وَٱنْتَظَرْتُ ٱلنُّورَ فَجَاءَ ٱلدُّجَى. ٢٧ أَمْعَائِي تَغْلِي وَلاَ تَكُفُّ. تَقَدَّمَتْنِي أَيَّامُ ٱلْمَذَلَّةِ. ٢٨ اِسْوَدَدْتُ لٰكِنْ بِلاَ شَمْسٍ. قُمْتُ فِي ٱلْجَمَاعَةِ أَصْرُخُ. ٢٩ صِرْتُ أَخاً لِلذِّئَابِ وَصَاحِباً لِلنَّعَامِ. ٣٠ اِسْوَدَّ جِلْدِي عَلَيَّ وَعِظَامِي ٱحْتَرَقَتْ مِنَ ٱلْحُمَّى فِيَّ. ٣١ صَارَ عُودِي لِلنَّوْحِ وَمِزْمَارِي لِصَوْتِ ٱلْبَاكِينَ».

مزمور ٣٥: ١٣ و١٤ ورومية ١٢: ١٥ انظر ص ٢٤: ٤ ص ٣: ٢٥ و٢٦ وإرميا ٨: ١٥ ص ١٩: ٨١ مراثي ٢: ١١ ع ٣٠ ومزمور ٣٨: ٦ و٤٢: ٩ و٤٣: ٢ ص ١٩: ٧ مزمور ٤٤: ١٩ وميخا ١: ٨ انظر ص ٢: ٧ مزمور ١٠٢: ٣ إشعياء ٢٤: ٨

أَلَمْ أَبْكِ لم يشعر بأنه كان تأخر عن شيء من واجباته وكان يترجى الخير لأنه في أيام الخير كان يرثي للمسكين والمصابين كأنه مصاب معهم.

أَمْعَائِي (ع ٢٧) عند القدماء كانت الأمعاء مركز العواطف (انظر إشعياء ١٦: ١١ و٦٣: ١٥).

تَقَدَّمَتْنِي أَيَّامُ ٱلْمَذَلَّةِ انتظر أيام الراحة والسرور ولكن أيام المذلة سبقتها وأتته.

اِسْوَدَدْتُ (ع ٢٨) أسودّ من مرضه وليس من الشمس. ومن شدة الآلام لم يقدر أن يضبط نفسه بل صرخ حتى في الجماعة وكان صوته كصوت الذئاب ورئال النعام.

اِسْوَدَّ جِلْدِي عَلَيَّ (ع ٣٠) ذكر بعض أعراض مرضه وهي خشونة الجلد.

عُودِي (ع ٣١) الذي كان للفرح صار للنوح والبكاء.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى