سفر أيوب | 24 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر أيوب
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
تكملة الموضوع الذي ابتدأ البحث فيه في (ص ٢٣) وفي هذا الأصحاح نظر أيوب إلى ما يحدث للناس إجمالاً فرأى فيهم كما رأى في نفسه ما يشير إلى عدم وجود نظام عادل.
١ – ٨ «١ لِمَاذَا إِذْ لَمْ تَخْتَبِئِ ٱلأَزْمِنَةُ مِنَ ٱلْقَدِيرِ لاَ يَرَى عَارِفُوهُ يَوْمَهُ؟ ٢ يَنْقُلُونَ ٱلتُّخُومَ. يَغْتَصِبُونَ قَطِيعاً وَيَرْعَوْنَهُ. ٣ يَسْتَاقُونَ حِمَارَ ٱلْيَتَامَى وَيَرْتَهِنُونَ ثَوْرَ ٱلأَرْمَلَةِ. ٤ يَصُدُّونَ ٱلْفُقَرَاءَ عَنِ ٱلطَّرِيقِ. مَسَاكِينُ ٱلأَرْضِ يَخْتَبِئُونَ جَمِيعاً. ٥ هَا هُمْ كَٱلْفَرَاءِ فِي ٱلْقَفْرِ يَخْرُجُونَ إِلَى عَمَلِهِمْ يُبَكِّرُونَ لِلطَّعَامِ. ٱلْبَادِيَةُ لَهُمْ خُبْزٌ لأَوْلاَدِهِمْ. ٦ فِي ٱلْحَقْلِ يَحْصُدُونَ عَلَفَهُمْ، وَيُعَلِّلُونَ كَرْمَ ٱلشِّرِّيرِ. ٧ يَبِيتُونَ عُرَاةً بِلاَ لِبْسٍ وَلَيْسَ لَهُمْ كِسْوَةٌ فِي ٱلْبَرْدِ. ٨ يَبْتَلُّونَ مِنْ مَطَرِ ٱلْجِبَالِ وَلِعَدَمِ ٱلْمَلْجَإِ يَعْتَنِقُونَ ٱلصَّخْرَ».
إشعياء ٢: ١٢ وإرميا ٤٦: ١٠ وعوبديا ١٥ وصفنيا ١: ٧ تثنية ١٩: ١٤ و٢٧: ١٧ انظر ص ٦: ٢٧ انظر ص ٢٢: ٩ ع ١٤ وص ٢٩: ١٦ و٣٠: ٢٥ و٣١: ١٩ ص ٢٩: ١٢ ومزمور ٤١: ١ وأمثال ١٤: ٣١ وعاموس ٨: ٤ ص ٣٩: ٥ – ٨ مزمور ١٠٤: ٢٣ مراثي ٤: ٥
ٱلأَزْمِنَةُ هي الأزمنة الكائنة في العالم وهي أزمنة ظلم وشرور كما رأى أيوب وهي لا تخفى على الله. ويومه أي يوم الله هو يوم معيّن للقضاء وعارفوه أي الأتقياء الذين يعرفون الله ينتظرون ذلك اليوم ويتوقعون القضاء على الأشرار وإنصاف المظلومين ولكنهم لا يرون هذا والعالم باقٍ كما هو بلا نظام وعدل.
ٱلتُّخُومَ (ع ٢) حجارة منصوبة للفصل بين أرضين ونقل التخوم هو اغتصاب أرض بلا حق (تثنية ١٩: ١٤ وهوشع ٥: ١٠).
يَرْعَوْنَهُ بلا حياء وأمام عيني صاحبه وهو لا يقدر أن يتكلم أو يعمل شيئاً لعدم وجود حاكم عادل.
حِمَارَ ٱلْيَتَامَى (ع ٣) حمارهم الوحيد وثور الأرملة ثورها الوحيد بدونهما لا يقدرون أن يعيشوا.
يَصُدُّونَ ٱلْفُقَرَاءَ عَنِ ٱلطَّرِيقِ (ع ٤) (عاموس ٥: ١٢) «ٱلصَّادُّونَ ٱلْبَائِسِينَ فِي ٱلْبَابِ» أي يمنعونهم عن حقوقهم فلا يقدر الفقير أن يشتكي الغني ولا تُسمع دعواه. يختبئون إذ ليس لهم بيوت ومن الخوف ومن الأقوياء.
كَٱلْفَرَاءِ (ع ٥) الفقراء المذكورون «كالفراء» لأن ليس لهم مسكن ويجولون يفتشون عن طعامهم في البرية.
عَلَفَهُمْ (ع ٦) أي طعامهم الخشن وهو كعلف البهائم.
يُعَلِّلُونَ كَرْمَ ٱلشِّرِّيرِ يجنونه مرة بعد أخرى أو يجمعون فضلاته.
٩ – ١٢ «٩ يَخْطُفُونَ ٱلْيَتِيمَ عَنِ ٱلثُّدِيِّ وَمِنَ ٱلْمَسَاكِينِ يَرْتَهِنُونَ. ١٠ عُرَاةً يَذْهَبُونَ بِلاَ لِبْسٍ، وَجَائِعِينَ يَحْمِلُونَ حُزَماً. ١١ يَعْصُرُونَ ٱلزَّيْتَ دَاخِلَ أَسْوَارِهِمْ. يَدُوسُونَ ٱلْمَعَاصِرَ وَيَعْطَشُونَ. ١٢ مِنَ ٱلْوَجَعِ أُنَاسٌ يَئِنُّونَ، وَنَفْسُ ٱلْجَرْحَى تَسْتَغِيثُ، وَٱللّٰهُ لاَ يَنْتَبِهُ إِلَى ٱلظُّلْمِ».
انظر ص ٦: ٢٧ ص ٩: ٢٣ و٢٤
يَخْطُفُونَ ٱلْيَتِيمَ بعدما يأخذون كل أملاك الأرملة يخطفون حتى الولد من ثديها لكي يبيعوه أو يربوه ليكون عبداً لهم.
عُرَاةً يَذْهَبُونَ الخ (ع ١٠) ذكر الفقراء الذين يخدمون الأشرار فإنهم يحملون حزماً من الحنطة ولا يأكلون خبزاً ويدوسون المعاصر ولا يشربون خمراً وتعجب أيوب لأن الله لا ينتبه إلى الظالم.
١٣ – ١٧ «١٣ أُولَئِكَ يَكُونُونَ بَيْنَ ٱلْمُتَمَرِّدِينَ عَلَى ٱلنُّورِ. لاَ يَعْرِفُونَ طُرُقَهُ وَلاَ يَلْبَثُونَ فِي سُبُلِهِ. ١٤ مَعَ ٱلنُّورِ يَقُومُ ٱلْقَاتِلُ. يَقْتُلُ ٱلْمِسْكِينَ وَٱلْفَقِيرَ، وَفِي ٱللَّيْلِ يَكُونُ كَٱللِّصِّ. ١٥ وَعَيْنُ ٱلزَّانِي تُلاَحِظُ ٱلْعِشَاءَ. يَقُولُ: لاَ تُرَاقِبُنِي عَيْنٌ. فَيَجْعَلُ سِتْراً عَلَى وَجْهِهِ. ١٦ يَنْقُبُونَ ٱلْبُيُوتَ فِي ٱلظَّلاَمِ. فِي ٱلنَّهَارِ يُغْلِقُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. لاَ يَعْرِفُونَ ٱلنُّورَ. ١٧ لأَنَّهُ سَوَاءٌ عَلَيْهِمُ ٱلصَّبَاحُ وَظِلُّ ٱلْمَوْتِ. لأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَهْوَالَ ظِلِّ ٱلْمَوْتِ».
ميخا ٢: ١ مزمور ١٠: ٨ أمثال ٧: ٩ خروج ٢٢: ٢ ومتّى ٦: ١٩ انظر ص ١٥: ٢١
المتمردون على النور هم الذين يعملون سيئاتهم في الليل كالقاتل واللص والزاني.
مَعَ ٱلنُّورِ (ع ١٤) أي باكراً قبل شروق الشمس ليكمن للمسافرين وفي الليل يدخل بيوتاً كلص ليسرق. وأهوال ظل الموت (ع ١٧) هي أهوال الليل ولا يخافونها كما يخاف غيرهم لأن الليل يوافق أعمالهم الشريرة وسواء عندهم النهار والليل.
في (ع ١٨ – ٢١) وصف عقاب الشرير وفي (٢٢ – ٢٤) وصف طمأنينة في حياته وموته فتظهر بين الفصلين مناقضة.
يظن بعضهم إن الكلام في (١٨ – ٢١) ليس كلام أيوب بل جزء من خطاب بلدد وهو منقول إلى هنا من (ص ٢٥) بالغلط. وما يريد هذا اختصار خطاب بلدد كما يأتي في (ص ٢٥). ويظن غيرهم إن أيوب ذكر أفكار أصحابه فقال «أنتم تقولون» إن الشرير خفيف على وجه المياه ونصيبه ملعون الخ وفي (ع ٢٢ – ٢٤) رد أيوب عليهم وأبان إن الأمر ليس كما قالوا.
١٨ – ٢١ «١٨ خَفِيفٌ هُوَ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ. مَلْعُونٌ نَصِيبُهُمْ فِي ٱلأَرْضِ. لاَ يَتَوَجَّهُ إِلَى طَرِيقِ ٱلْكُرُومِ. ١٩ ٱلْقَحْطُ وَٱلْقَيْظُ يَذْهَبَانِ بِمِيَاهِ ٱلثَّلْجِ، كَذَا ٱلْهَاوِيَةُ بِٱلَّذِينَ أَخْطَأُوا. ٢٠ تَنْسَاهُ ٱلرَّحِمُ، يَسْتَحْلِيهِ ٱلدُّودُ. لاَ يُذْكَرُ بَعْدُ، وَيَنْكَسِرُ ٱلأَثِيمُ كَشَجَرَةٍ. ٢١ يُسِيءُ إِلَى ٱلْعَاقِرِ ٱلَّتِي لَمْ تَلِدْ، وَلاَ يُحْسِنُ إِلَى ٱلأَرْمَلَةِ».
ص ٢٢: ١١ و١٦ و٢٧: ٢٠ ص ٥: ٣ ع ٦ و١١ ص ٦: ١٦ و١٧ ص ٢١: ١٣ إشعياء ٤٩: ١٥ ص ٢١: ٢٦ ص ١٨: ١٧ ومزمور ٣٤: ١٦ وأمثال ١٠: ٧ ص ١٩: ١٠ ودانيال ٤: ١٤ انظر ص ٢٢: ٩
خَفِيفٌ هُوَ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ أي يبيد سريعاً (انظر هوشع ١٠: ٧) «اَلسَّامِرَةُ مَلِكُهَا يَبِيدُ كَغُثَاءٍ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَاءِ».
لاَ يَتَوَجَّهُ إِلَى طَرِيقِ ٱلْكُرُومِ القعود تحت الكرمة والتينة دليل على السلام والراحة (ميخا ٤: ٤) وبالعكس لا يتوجه الشرير إلى الكروم لعدم وجود الأمان والراحة. والشرير في أيام نجاحه كمياه الثلج المنعشة (ع ١٩) ولكنه سينزل إلى الهاوية وغناه ومجده يكونان كالثلج في وقت القحط والغيظ.
تَنْسَاهُ ٱلرَّحِمُ (ع ٢٠) ينساه الجميع حتى أمه أيضاً فلا يبقى له ذكر ولا أحد يلذّ به إلا الدود في جثته.
كَشَجَرَةٍ كان الشرير في ملء رغده كشجرة ناضرة ولكنه يصير كشجرة منكسرة.
يُسِيءُ إِلَى ٱلْعَاقِرِ (ع ٢١) التي ليس لها ابن يحامي عنها.
٢٢ – ٢٥ «٢٢ يُمْسِكُ ٱلأَعِزَّاءَ بِقُوَّتِهِ. يَقُومُ فَلاَ يَأْمَنُ أَحَدٌ بِحَيَاتِهِ. ٢٣ يُعْطِيهِ طُمَأْنِينَةً فَيَتَوَكَّلُ، وَلٰكِنْ عَيْنَاهُ عَلَى طُرُقِهِمْ. ٢٤ يَتَرَفَّعُونَ قَلِيلاً ثُمَّ لاَ يَكُونُونَ وَيُحَطُّونَ. كَٱلْكُلِّ يُجْمَعُونَ وَكَرَأْسِ ٱلسُّنْبُلَةِ يُقْطَعُونَ. ٢٥ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَا، فَمَنْ يُكَذِّبُنِي وَيَجْعَلُ كَلاَمِي لاَ شَيْئاً؟».
انظر ص ٩: ٤ ص ١٨: ٢٠ انظر ص ١٢: ٦ ص ١٠: ٤ انظر ١١: ١١ مزمور ٣٧: ١٠ ص ١٤: ٢١ ص ٦: ٢٨ و٢٧: ٤
في هذه الآيات يردّ أيوب على كلام أصحابه الذي ورد في (١٨: ٢١) ويقول إن الله يمسك الأعزاء الأشرار ويعطيهم القوة وتكلم أيوب بالنظر إلى الواقع لأنه رأى أن الأشرار أقوياء وقوتهم هذه من الله إذ ليس لهم ولا لغيرهم قوة إلا من الله.
يَقُومُ الخ إذا وقع الشرير في مرض لا يعتقد أحد بشفائه منه يقيمه الله. والله يعطي الشرير طمأنينة (ع ٢٣) فيتوكل على الله وعينا الله عل طرقه أي يحفظه في طرقه وهذا من الأمور العجيبة التي لم يقدر أيوب أن يدركها (٢١: ٦ و٧) وهذه هي الشكوى التي تُحسب تمرداً (٢٣: ٢).
ووصف أيوب موت الأشرار (ع ٢٤) إنه كموت كل بشر فإنهم يعيشون كما يعيش غيرهم أيام حياتهم القليلة ويموتون موتاً طبيعياً وكما تُقطع السنبلة في وقت الحصاد أي أنهم لا يُقطعون قبل الأوان بل يكملون أيامهم.
فَمَنْ يُكَذِّبُنِي (ع ٢٥) تغلب أيوب على أصدقائه لأنه ثبت أن الله لا يجازي الناس حسب أعمالهم ولذلك لم تكن مصائبه دليلاً على أنه أخطأ خطايا فظيعة ولكنه خسر أكثر مما ربح لأن نتيجة كلامه إن الله ليس حاكماً عادلاً فأصبح أيوب بلا تعزية في مصائبه وبلا حل في مشكله.
السابق |
التالي |