سفر أيوب | 21 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر أيوب
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ
مضمونه جواب أيوب لصوفر وموضوعه سر معاملة الله للأشرار وهو طلب من أصحابه الإصغاء إلى كلامه في هذا الموضوع (ع ٢ – ٥) ثم ذكر سلامة الأشرار هم وأولادهم وأملاكهم واستنتج أن معاملة الله للأشرار بلا قانون تمكننا أن ندركه. وبالختام وجّه كلامه إلى أصحابه. وقال إنه عرف نياتهم لأنهم أظهروا جهلهم في أمور هذا العالم وفي طرق الله أيضاً.
١ – ٥ «١ فَقَالَ أَيُّوبُ: ٢ اِسْمَعُوا قَوْلِي سَمْعاً، وَلْيَكُنْ هٰذَا تَعْزِيَتَكُمْ. ٣ اِحْتَمِلُونِي وَأَنَا أَتَكَلَّمُ، وَبَعْدَ كَلاَمِي ٱسْتَهْزِئُوا! ٤ أَمَّا أَنَا فَهَلْ شَكْوَايَ مِنْ إِنْسَانٍ. وَإِنْ كَانَتْ، فَلِمَاذَا لاَ تَضِيقُ رُوحِي؟ ٥ تَفَرَّسُوا فِيَّ وَتَعَجَّبُوا وَضَعُوا ٱلْيَدَ عَلَى ٱلْفَمِ».
ص ١١: ٣ و١٧: ٢ انظر ص ٧: ١١ ص ٦: ١١ ص ١٣: ٥ و٢٩: ٩ و٤٠: ٤ وقضاة ١٨: ١٩
إذا قصدوا تعزيته فأحسن تعزية منهم هي الإصغاء إلى كلامه.
ٱسْتَهْزِئُوا (ع ٣) جاء الفعل بالأصل بصيغة المفرد استهزئ فالظاهر أن أيوب وجّه قوله إلى صوفر.
أَمَّا أَنَا (ع ٤) كانت شكوى أصحابه منه وأما أيوب فكانت شكواه من الله ولم يتعجب من ظلم الناس له ولكنه استصعب معاملة من الله تشبه الظلم فلم يقدر أن يدركها.
وَإِنْ كَانَتْ أي إن كانت الشكوى من الله فلماذا لا تضيق روحي فضاقت روحه لسبب كاف سيأتي ذكره. قال أصحابه إن الله يجازي الخير خيراً والشر شراً وذلك على الإطلاق بلا استثناء فعندهم الأمر بسيط جداً وأما أيوب فأنعم نظره في الأمر ورأى كثيرين من الأشرار بلا عقوبة وكثيرين من الصالحين متضايقين ولو تأمل أصحابه ما يجب لرأوا هم أيضاً ما في الأمر من العراقيل وسكتوا.
٦ – ١٥ «٦ عِنْدَمَا أَتَذَكَّرُ أَرْتَاعُ، وَأَخَذَتْ بَشَرِي رَعْدَةٌ. ٧ لِمَاذَا تَحْيَا ٱلأَشْرَارُ وَيَشِيخُونَ، نَعَمْ وَيَتَجَبَّرُونَ قُوَّةً؟ ٨ نَسْلُهُمْ قَائِمٌ أَمَامَهُمْ مَعَهُمْ، وَذُرِّيَّتُهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ. ٩ بُيُوتُهُمْ آمِنَةٌ مِنَ ٱلْخَوْفِ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ عَصَا ٱللّٰهِ. ١٠ ثَوْرُهُمْ يُلْقِحُ وَلاَ يُخْطِئُ. بَقَرَتُهُمْ تُنْتِجُ وَلاَ تُسْقِطُ. ١١ يُسْرِحُونَ مِثْلَ ٱلْغَنَمِ رُضَّعَهُمْ، وَأَطْفَالُهُمْ تَرْقُصُ. ١٢ يَحْمِلُونَ ٱلدُّفَّ وَٱلْعُودَ وَيُطْرِبُونَ بِصَوْتِ ٱلْمِزْمَارِ. ١٣ يَقْضُونَ أَيَّامَهُمْ بِٱلْخَيْرِ. فِي لَحْظَةٍ يَهْبِطُونَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ. ١٤ فَيَقُولُونَ لِلّٰهِ: ٱبْعُدْ عَنَّا. وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ. ١٥ مَنْ هُوَ ٱلْقَدِيرُ حَتَّى نَعْبُدَهُ وَمَاذَا نَنْتَفِعُ إِنِ ٱلْتَمَسْنَاهُ!».
مزمور ٥٥: ٥ ص ٩: ٢٤ ومزمور ٧٣: ٣ وإرميا ١٢: ١ وحبقوق ١: ١٣ انظر ص ١٢: ١٩ مزمور ١٧: ١٤ انظر ص ١٢: ٦ ع ٢٣ وص ٣٦: ١١ ص ٢٢: ١٧ ص ٢٢: ١٧ و٣٤: ٩
أَرْتَاعُ لأن شكواه ليست من إنسان بل من الله القدوس القدير.
لِمَاذَا تَحْيَا ٱلأَشْرَارُ (ع ٧) تعجب من وجودهم فلا يحيون فقط بل أيضاً يشيخون ويتجبرون وتكثر ذنوبهم ولعل أيوب افتكر في أولاده فإن الله أمات نسل الكامل والبارّ وأما نسل الأشرار فهم قائمون أمامهم معهم.
عَصَا ٱللّٰهِ (ع ٩) كانت على أيوب لا على الأشرار كأن الله لم ينتبه إلا إلى أيوب.
فِي لَحْظَةٍ (ع ١٣) ومن جملة خيراتهم أنهم يموتون بلا أوجاع (مزمور ٧٣: ٤) وهذا كله بخلاف ما صوّره أصحاب أيوب (١٥: ٢٠) «ٱلشِّرِّيرُ هُوَ يَتَلَوَّى كُلَّ أَيَّامِهِ» و(٢٠: ١١) إنه يموت في شبيبته و(١٨: ١٩) «لاَ نَسْلَ وَلاَ ذُرِّيَّةَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ» و(٢٠: ٢٤) «تَخْرِقُهُ قَوْسُ نُحَاسٍ» أي هلاكه مخيف.
فَيَقُولُونَ لِلّٰهِ: ٱبْعُدْ عَنَّا (ع ١٤) وذلك لسان حالهم وإن لم يكن شفهياً وبإرادتهم كأن بينهم وبين الله هوّة عظيمة (لوقا ١٦: ٢٦) والابتعاد عن الله أعظم ما يأتيه الإنسان وهو من عواقب شروره ويشملها كلها لأن الله هو مصدر كل خير.
مَاذَا نَنْتَفِعُ إِنِ ٱلْتَمَسْنَاهُ (ع ١٥) إن كثيرين في أيامنا أيضاً يجهلون حقيقة الصلاة وقوتها ولا يصدقون أن صلاة الإنسان تؤثر في الله الذي يعمل كل شيء حسب مشيئته ولكن الصلاة مذكورة في الكتاب المقدس من أوله إلى آخره كقوة حقيقية وجميع المؤمنين في كل جيل يشهدون لفعلها العجيب.
١٦ – ٢١ «١٦ هُوَذَا لَيْسَ فِي يَدِهِمْ خَيْرُهُمْ. لِتَبْعُدْ عَنِّي مَشُورَةُ ٱلأَشْرَارِ. ١٧ كَمْ يَنْطَفِئُ سِرَاجُ ٱلأَشْرَارِ، وَيَأْتِي عَلَيْهِمْ بَوَارُهُمْ، أَوْ يَقْسِمُ لَهُمْ أَوْجَاعاً فِي غَضَبِهِ، ١٨ أَوْ يَكُونُونَ كَٱلتِّبْنِ قُدَّامَ ٱلرِّيحِ وَكَالْعُصَافَةِ ٱلَّتِي تَسْرِقُهَا ٱلزَّوْبَعَةُ. ١٩ اَللّٰهُ يَخْزِنُ إِثْمَهُ لِبَنِيهِ. لِيُجَازِهِ نَفْسَهُ فَيَعْلَمَ. ٢٠ لِتَنْظُرْ عَيْنَاهُ هَلاَكَهُ وَمِنْ حُمَةِ ٱلْقَدِيرِ يَشْرَبْ. ٢١ فَمَا هِيَ مَسَرَّتُهُ فِي بَيْتِهِ بَعْدَهُ، وَقَدْ تَعَيَّنَ عَدَدُ شُهُورِهِ».
ص ٢٢: ١٨ ص ١٨: ٥ و٦ ص ٣١: ٢ و٣ ص ١٣: ٢٥ ومزمور ٨٣: ١٣ مزمور ١: ٤ و٣٥: ٥ وإشعياء ١٧: ١٣ وهوشع ١٣: ٣ خروج ٢٠: ٥ وإرميا ٣١: ٢٩ وحزقيال ١٨: ٢ عدد ١٤: ٢٨ – ٣٢ وإرميا ٣١: ٣٠ وحزقيال ١٨: ٤ مزمور ٦٠: ٣ وإشعياء ٥١: ١٧ وإرميا ٢٥: ١٥ ورؤيا ١٤: ١٠
وما زاد في حيرة أيوب إن خير الأشرار هذا هو من الله وليس في يدهم أي ليس منهم ولا يدوم لهم دون إرادة الله غير أنه يقول أيضاً «لتبعد عني مشورة الأشرار» أي إنه لا يريد أن يسلك سلوكهم مهما كان نجاحهم.
قال بلدد (١٨: ٦) «سِرَاجُهُ فَوْقَهُ يَنْطَفِئُ» و(١٨: ١٢) «وَٱلْبَوَارُ مُهَيَّأٌ بِجَانِبِهِ» وأما أيوب فاعترض على ذلك وقال (ع ١٧ و١٨) «كَمْ يَنْطَفِئُ سِرَاجُ ٱلأَشْرَارِ الخ» أي لا ينطفئ سراجهم ولا يأتيهم البوار. وقال أصحاب أيوب «اَللّٰهُ يَخْزِنُ إِثْمَهُ لِبَنِيهِ» (٢١: ١٩) أي لا بد من عقاب الأشرار فإن لم يكن في حياتهم فيكون لبنيهم. واعترض أيوب على قولهم قائلاً «لِيُجَازِهِ نَفْسَهُ… لِتَنْظُرْ عَيْنَاهُ هَلاَكَهُ» أي من العدل أن الشرير نفسه يتألم وليس أولاده.
فَمَا هِيَ مَسَرَّتُهُ (ع ٢١) بعد ما يكمل الشرير أيامه لا يعرف ولا يهتم بما سيصيب أولاده فلا يكون عقابهم عقابه.
٢٢ – ٢٦ «٢٢ أَٱللّٰهُ يُعَلَّمُ مَعْرِفَةً، وَهُوَ يَقْضِي عَلَى ٱلْعَالِينَ؟ ٢٣ هٰذَا يَمُوتُ فِي عَيْنِ كَمَالِهِ. كُلُّهُ مُطْمَئِنٌّ وَسَاكِنٌ. ٢٤ أَحْوَاضُهُ مَلآنَةٌ لَبَناً، وَمُخُّ عِظَامِهِ طَرِيٌّ. ٢٥ وَذٰلِكَ يَمُوتُ بِنَفْسٍ مُرَّةٍ وَلَمْ يَذُقْ خَيْراً. ٢٦ كِلاَهُمَا يَضْطَجِعَانِ مَعاً فِي ٱلتُّرَابِ وَٱلدُّودُ يَغْشَاهُمَا».
ص ٣٥: ١١ و٣٦: ٢٢ وإشعياء ٤٠: ١٤ ورومية ١١: ٣٤ ص ٤: ١٨ و١٥: ١٥ ومزمور ٨٢: ١ ع ١٣ وص ٢٠: ١١ أمثال ٣: ٨ انظر ص ٣: ١٣ و٢٠: ١١ وجامعة ٩: ٢ ص ٢٤: ٢٠ وإشعياء ١٤: ١١
لا يليق بالإنسان أن يعلّم الله ولا أن يضع له قوانين لا تطابق أعماله في الكون. و «العالمين» هم سكان السماء وإذا كان الله يقضي عليهم فكم بالحري يقضي على سكان الأرض.
هٰذَا في (ع ٢٣) يشير إلى الشرير و «ذلك» في (ع ٢٥) يشير إلى أيوب نفسه وهما أي الشرير وأيوب وإن اختلفا في حياتهما وسلوكهما اختلافاً عظيماً فلكلاهما حادثة واحدة تحدث أي الموت (جامعة ٢: ١٤ الخ).
٢٧ – ٣٤ «٢٧ هُوَذَا قَدْ عَلِمْتُ أَفْكَارَكُمْ وَٱلنِّيَّاتِ ٱلَّتِي بِهَا تَظْلِمُونَنِي. ٢٨ لأَنَّكُمْ تَقُولُونَ: أَيْنَ بَيْتُ ٱلْعَاتِي وَأَيْنَ خَيْمَةُ مَسَاكِنِ ٱلأَشْرَارِ؟ ٢٩ أَفَلَمْ تَسْأَلُوا عَابِرِي ٱلسَّبِيلِ وَلَمْ تَفْطَنُوا لِدَلاَئِلِهِمْ. ٣٠ إِنَّهُ لِيَوْمِ ٱلْبَوَارِ يُمْسَكُ ٱلشِّرِّيرُ. لِيَوْمِ ٱلسَّخَطِ يُقَادُونَ. ٣١ مَنْ يُعْلِنُ طَرِيقَهُ لِوَجْهِهِ، وَمَنْ يُجَازِيهِ عَلَى مَا عَمِلَ؟ ٣٢ هُوَ إِلَى ٱلْقُبُورِ يُقَادُ، وَعَلَى ٱلْمَدْفَنِ يُسْهَرُ. ٣٣ حُلْوٌ لَهُ طِينُ ٱلْوَادِي. يَزْحَفُ كُلُّ إِنْسَانٍ وَرَاءَهُ، وَقُدَّامَهُ مَا لاَ عَدَدَ لَهُ. ٣٤ فَكَيْفَ تُعَزُّونَنِي بَاطِلاً وَأَجْوِبَتُكُمْ بَقِيَتْ خِيَانَةً؟».
ص ١: ٣ و٣١: ٣٧ انظر ص ٨: ٢٢ و١٨: ٢١ ص ٢٠: ٢٩ وأمثال ١٦: ٤ و٢بطرس ٢: ٩ ع ١٧ و٢٠ وص ٤٠: ١١ ص ٣: ٢٢ و١٧: ١٦ ص ٣: ١٩ و٢٤: ٢٤ ص ١٦: ٢
علم أيوب أفكار أصحابه وفهم أنهم أشاروا إليه بقولهم «العاتي» و «مساكن الأشرار» وقولهم إن بيت العاتي وخيمة الأشرار زالا. وأما أيوب فقال لهم أن يسألوا عابري السبيل أي المسافرين العارفين العالم أشراراً وصالحين فيشهدون إن بيت العاتي وخيمة الأشرار لا يزولان.
لِيَوْمِ ٱلْبَوَارِ يُمْسَكُ ٱلشِّرِّيرُ (ع ٣٠) هذه الترجمة لا توافق القرينة وأكثر المفسرين يترجمون الفعل يُمسك بيحفظ «يُحفظ في يوم البوار» فإن مضمون ما سبقه وما تبعه هو أن الأشرار يتمتعون بجميع الخيرات في حياتهم وإنهم يموتون بالشيخوخة ويدفنون بالكرامة أي إنهم من الأول إلى الآخر محفوظون وإذا حدث يوم بوار يُحفظون فيه. ولم يُعلن جلياً لأيوب أو غيره من معاصريه حالة الإنسان بعد الموت ولو أُعلنت له كان وجد تعزية في أحزانه وحلا لمشاكله ورداً على أصحابه. وأما ما أتى في (١٩: ٢٥ – ٢٩) فلا يدل على معرفة أيوب بالآخرة بل على رجاءه واشتياقه.
مَنْ يُعْلِنُ طَرِيقَهُ لِوَجْهِهِ (ع ٣١) لاعتبار الناس للشرير المذكور وخوفهم منه لا يتجاسر أحد أن يوبخه أو يجازيه على ما عمل.
إِلَى ٱلْقُبُورِ يُقَادُ (ع ٣٢) عند دفن الشرير يمشي الناس وراء النعش وقدامه. غير أن بعضهم يفهمون من القول «يزحف كل إنسان وراءه» إن كل الناس يتمثلون به ويعيشون كما عاش هو ويفهمون من القول «قدامه الخ» إنه كان قبله كثيرون مثله.
عَلَى ٱلْمَدْفَنِ يُسْهَرُ لئلا تُسرق كنوزه.
حُلْوٌ لَهُ طِينُ ٱلْوَادِي (ع ٣٣) أي إنه يستريح بعد موته في قبره كما استراح في حياته. والنتيجة إن كلام أصحابه كله باطل وهم خائنون أيضاً لأنهم بالظاهر أصدقاء وبالحقيقة هم أعداء.
نلاحظ أن أيوب تطرّف لأنه بموجب كلامه إن الأشرار بالإجمال ينجون من العقاب كما تطرّف أصحابه باعتقادهم أن الشرير لا ينجو مطلقاً والصالح لا يُصاب مطلقاً.
السابق |
التالي |