سفر أيوب

سفر أيوب | 15 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ

من ص ١٥ إلى ص ٢١ الدور الثاني من الخطب أي خطاب كل من أصحاب أيوب وجوابه لكل منهم. وفي الخطب الأولى كانوا ذكروا صفات الله وحرضوا أيوب على الاعتراف بخطيئته والخضوع لله. وأما أيوب فأصرّ على قوله ببراءته واستأنف دعواه إلى الله نفسه واتهم أصحابه أنهم ظلموه وحابوا وجه الله فالتزموا ان يغيروا أسلوب الكلام ولم يتكلموا كثيراً في الله بل في الإنسان ولا سيما الشرير وفي تعليم التاريخ والاختبار من جهة مجازاة الله. وكان أيوب في الأول يرجو أن أصحابه يقتنعون من كلامه ويعترفون ببرائته ولما فهم من خطبه أنهم لم يصدقوه صرخ بمرارة نفس «قَدْ أَبْعَدَ عَنِّي إِخْوَتِي» (١٩: ١٣) وفي خطابه الأخير ردّ على حججهم (ص ٢١).

١ – ٦ «١ فَأَجَابَ أَلِيفَازُ ٱلتَّيْمَانِيُّ: ٢ أَلَعَلَّ ٱلْحَكِيمَ يُجِيبُ عَنْ مَعْرِفَةٍ بَاطِلَةٍ وَيَمْلأُ بَطْنَهُ مِنْ رِيحٍ شَرْقِيَّةٍ، ٣ فَيَحْتَجَّ بِكَلاَمٍ لاَ يُفِيدُ وَبِأَحَادِيثَ لاَ يَنْتَفِعُ بِهَا! ٤ أَمَّا أَنْتَ فَتُنَافِي ٱلْمَخَافَةَ وَتُنَاقِضُ ٱلتَّقْوَى لَدَى ٱللّٰهِ. ٥ لأَنَّ فَمَكَ يُذِيعُ إِثْمَكَ وَتَخْتَارُ لِسَانَ ٱلْمُحْتَالِينَ. ٦ إِنَّ فَمَكَ يَسْتَذْنِبُكَ، لاَ أَنَا، وَشَفَتَاكَ تَشْهَدَانِ عَلَيْكَ».

انظر ص ٦: ٢٦ ص ٢٢: ٥ ص ٥: ١٢ و١٣ ص ١٨: ٧

تكلم أليفاز أولاً وفي بداءة كلامه وبخ أيوب على كلامه الباطل والمناقض للتقوى لدى الله وشبه كلام أيوب بالريح الشرقية لأنه شديد وبلا نفع ومما لا يليق بحكيم أن يتكلم به. ولعل أليفاز قد عتب على أيوب لأنه لم يقدم له الاعتبار الواجب لسنه ومقامه.

تُنَافِي ٱلْمَخَافَةَ (ع ٤) أي مخافة الله بقوله (١٢: ٦) «خِيَامُ ٱلْمُخَرِّبِينَ مُسْتَرِيحَةٌ، وَٱلَّذِينَ يُغِيظُونَ ٱللّٰهَ مُطْمَئِنُّونَ» فإذا كان الأمر كذلك لا شيء يمنع الناس من الشرور ولا شيء يحملهم على التقوى فكأن أيوب بكلامه هذا استذنب نفسه وليس من حاجة لمن يشهد عليه.

٧ – ١١ «٧ أَصُوِّرْتَ أَوَّلَ ٱلنَّاسِ أَمْ أُبْدِئْتَ قَبْلَ ٱلتِّلاَلِ! ٨ هَلْ أَصْغَيْتَ فِي مَجْلِسِ ٱللّٰهِ، أَوْ قَصَرْتَ ٱلْحِكْمَةَ عَلَى نَفْسِكَ! ٩ مَاذَا تَعْرِفُهُ وَلاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ، وَمَاذَا تَفْهَمُ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا؟ ١٠ عِنْدَنَا ٱلشَّيْخُ وَٱلأَشْيَبُ، أَكْبَرُ أَيَّاماً مِنْ أَبِيكَ. ١١ أَقَلِيلَةٌ عِنْدَكَ تَعْزِيَاتُ ٱللّٰهِ وَٱلْكَلاَمُ مَعَكَ بِٱلرِّفْقِ!».

ص ٣٨: ٤ و٢١ ص ٢٩: ٤ ورومية ١١: ٣٤ ص ١٢: ٣ و١٣: ٢ ص ١٢: ١٢ و٣٢: ٦ و٧ ص ٥: ١٧ – ١٩ و٣٦: ١٥ و١٦ ص ٦: ١٠ و٢٣: ١٢

أَصُوِّرْتَ أَوَّلَ ٱلنَّاسِ حسبوا أن الإنسان الأول كان أفضل خلائق الله لأنه خليقة جديدة وحكمته من الله لا من تعليم الناس. وربما أشار أليفاز إلى الحكم الإلهية التي قناها الرب «أَوَّلَ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ ٱلْقِدَمِ… مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ ٱلْجِبَالُ، قَبْلَ ٱلتِّلاَلِ أُبْدِئْتُ» (أمثال ٨: ٢٢ – ٢٥) كأن أليفاز قال لأيوب تهكماً أأنت حكمة الله.

هَلْ أَصْغَيْتَ فِي مَجْلِسِ ٱللّٰهِ (ع ٨) أي هل كنت أنت سامعاً في ذلك المجلس حتى عرفت أكثر مما يعرفه كل بني البشر.

عِنْدَنَا ٱلشَّيْخُ (ع ١٠) أشار إلى نفسه والظاهر أن أليفاز كان أكبر سناً من أيوب ولعل قوله «أكبر من أبيك» مبالغة.

أَقَلِيلَةٌ عِنْدَكَ (ع ١١) قول أليفاز أنه هو ورفيقه قدموا لأيوب تعزيات الله وتكلموا معه بالرفق وهو لم يقبل.

١٢ – ١٦ «١٢ لِمَاذَا يَأْخُذُكَ قَلْبُكَ، وَلِمَاذَا تَخْتَلِجُ عَيْنَاكَ ١٣ حَتَّى تَرُدَّ عَلَى ٱللّٰهِ وَتُخْرِجَ مِنْ فَمِكَ أَقْوَالاً؟ ١٤ مَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى يَزْكُو أَوْ مَوْلُودُ ٱلْمَرْأَةِ حَتَّى يَتَبَرَّرَ؟ ١٥ هُوَذَا قِدِّيسُوهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَٱلسَّمَاوَاتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِعَيْنَيْهِ ١٦ فَبِٱلْحَرِيِّ مَكْرُوهٌ وَفَاسِدٌ ٱلإِنْسَانُ ٱلشَّارِبُ ٱلإِثْمَ كَٱلْمَاءِ!».

ص ١١: ١٣ و٣٦: ١٣ ص ١٤: ٤ ص ٢٥: ٤ ص ٥: ١ ص ٢٥: ٥ مزمور ١٤: ١ ص ٣٤: ٧

يَأْخُذُكَ قَلْبُكَ يجعلك قلبك الهائج على ما لا يجوز أن تقوله.

تَخْتَلِجُ عَيْنَاكَ علامة الاضطراب والغضب.

مَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ (ع ١٤) أشار إلى كلامه السابق (٤: ١٧).

قِدِّيسُوهُ (ع ١٥) الملائكة وهم أطهار ولكن ليس بالنسبة إلى قداسة الله.

وَٱلسَّمَاوَاتُ السموات المنظورة أي الفلك (خروج ٢٤: ١٠ حزقيال ١: ٢٢).

ٱلشَّارِبُ ٱلإِثْمَ كَٱلْمَاءِ (ع ١٦) قوله عن جنس الإنسان وليس عن أيوب فقط أي أن الإنسان يميل إلى الخطيئة كالعطشان إلى شرب الماء.

١٧ – ٣٥ «١٧ أُبَيِّنُ لَكَ. ٱسْمَعْ لِي فَأُحَدِّثَ بِمَا رَأَيْتُهُ. ١٨ مَا أَخْبَرَ بِهِ حُكَمَاءُ عَنْ آبَائِهِمْ فَلَمْ يَكْتُمُوهُ. ١٩ ٱلَّذِينَ لَهُمْ وَحْدَهُمْ أُعْطِيَتِ ٱلأَرْضُ وَلَمْ يَعْبُرْ بَيْنَهُمْ غَرِيبٌ. ٢٠ ٱلشِّرِّيرُ هُوَ يَتَلَوَّى كُلَّ أَيَّامِهِ وَكُلَّ عَدَدِ ٱلسِّنِينَ ٱلْمَعْدُودَةِ لِلْعَاتِي. ٢١ صَوْتُ رُعُوبٍ فِي أُذُنَيْهِ. فِي سَاعَةِ سَلاَمٍ يَأْتِيهِ ٱلْمُخَرِّبُ. ٢٢ لاَ يَأْمُلُ ٱلرُّجُوعَ مِنَ ٱلظُّلْمَةِ وَهُوَ مُرْتَقَبٌ لِلسَّيْفِ. ٢٣ تَائِهٌ هُوَ لأَجْلِ ٱلْخُبْزِ حَيْثُمَا يَجِدُهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ يَوْمَ ٱلظُّلْمَةِ مُهَيَّأٌ بَيْنَ يَدَيْهِ. ٢٤ يُرْهِبُهُ ٱلضُّرُّ وَٱلضِّيقُ. يَتَجَبَّرَانِ عَلَيْهِ كَمَلِكٍ مُسْتَعِدٍّ لِلْوَغَى. ٢٥ لأَنَّهُ مَدَّ عَلَى ٱللّٰهِ يَدَهُ، وَعَلَى ٱلْقَدِيرِ تَجَبَّرَ ٢٦ هَاجِماً عَلَيْهِ، مُتَصَلِّبُ ٱلْعُنُقِ بِتُرُوسِهِ ٱلْغَلِيظَةِ. ٢٧ لأَنَّهُ قَدْ كَسَا وَجْهَهُ سَمْناً وَرَبَّى شَحْماً عَلَى كُلْيَتَيْهِ ٢٨ فَيَسْكُنُ مُدُناً خَرِبَةً، بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ عَتِيدَةً أَنْ تَصِيرَ رُجَماً. ٢٩ لاَ يَسْتَغْنِي وَلاَ تَثْبُتُ ثَرْوَتُهُ وَلاَ يَمْتَدُّ فِي ٱلأَرْضِ مُقْتَنَاهُ. ٣٠ لاَ تَزُولُ عَنْهُ ٱلظُّلْمَةُ. أَغْصَانُهُ تُيَبِّسُهَا ٱلسُّمُومُ، وَبِنَفْخَةِ فَمِهِ يَزُولُ. ٣١ لاَ يَتَّكِلْ عَلَى ٱلسُّوءِ. يَضِلُّ. لأَنَّ ٱلسُّوءَ يَكُونُ أُجْرَتَهُ. ٣٢ قَبْلَ يَوْمِهِ يُتَوَفَّى، وَسَعَفُهُ لاَ يَخْضَرُّ. ٣٣ يُسَاقِطُ كَٱلْكَرْمَةِ حِصْرِمَهُ، وَيَنْثُرُ كَٱلزَّيْتُونِ زَهْرُهُ. ٣٤ لأَنَّ جَمَاعَةَ ٱلْفُجَّارِ عَاقِرٌ، وَٱلنَّارُ تَأْكُلُ خِيَامَ ٱلرَّشْوَةِ. ٣٥ حَبِلَ شَقَاوَةً وَوَلَدَ إِثْماً، وَبَطْنُهُ أَنْشَأَ غِشّاً».

ص ٨: ٨ و٢٠: ٤ ص ٢٤: ١ و٢٧: ١٣ ع ٢٤ وص ٨: ١١ و٢٠: ٢٥ و٢٤: ١٧ و٢٧: ٢٠ ص ٢٠: ٢١ و١تسالونيكي ٥: ٣ ع ٣٠ ص ١٩: ٢٩ و٢٧: ١٤ و٣٣: ١٨ و٣٦: ١٢ ع ٢٢ و٣٠ ص ٣٦: ٩ مزمور ١٧: ١٠ و٧٣: ٧ و١١٩: ٧٠ ص ٣: ١٤ وإشعياء ٥: ٨ و٩ ص ٢٧: ١٦ و١٧ ع ٢٢ وانظر ٥: ١٤ ع ٣٤ وص ٢٠: ٢٦ و٢٢: ٢٠ و٣١: ١٢ ص ٤: ٩ ص ٣٥: ١٣ وإشعياء ٥٩: ٤ ص ٢٢: ١٦ وجامعة ٧: ١٧ ص ١٨: ١٦ ص ١٤: ٢ انظر ص ٨: ١٣ انظر ص ٨: ٢٢ مزمور ٧: ١٤ وإشعياء ٥٩: ٤

في الباقي من خطابه ذكر مبادئ أيوب التي تنافي مخافة الله وتناقض التقوى لدى الله (ع ٤) ومن هذه المبادئ قول أيوب (٩: ٢٢) إن «ٱلْكَامِلَ وَٱلشِّرِّيرَ هُوَ يُفْنِيهِمَا الخ» و(١٢: ٦) «خِيَامُ ٱلْمُخَرِّبِينَ مُسْتَرِيحَةٌ الخ».

أُبَيِّنُ لَكَ (اوحي إليك) تكلم كأنه أفضل من أيوب وفي منزلة معلم له.

(ع ١٨ و١٩) قيل إن العرب يفتخرون في ثلاثة أشياء لسانهم وسيفهم ونسبهم وأشار أليفاز إلى القدماء الشرفاء الذين لهم نسب ولم يختلطوا مع الغرباء وحسب رأيه كل تعليم جديد وكل ما يأتي من غريب هو تعليم فاسد.

يَتَلَوَّى (ع ٢٠) بالأوجاع كالوالدة وأوجاع الشرير هي من ضميره ما عدا مصائب جسدية تصيبه عقاباً لخطاياه. وقول أليفاز هذا هو قول عقلي وعلمي وليس مبنياً على الاختبار لأن الأشرار كما قال أيوب (١٢: ٦) أحياناً يستريحون ولا ينتبهون ولا يخافون.

ٱلظُّلْمَةِ (ع ٢٢) هي البلايا فالشرير يتوقعها ولا يرجو الخلاص منها.

تَائِهٌ (ع ٢٣) تصور الشرير أنه يخسر كل أملاكه ويوم الظلمة مهيأ له وهو قريب منه وفي وقت غير منتظر يأتيه.

بِتُرُوسِهِ ٱلْغَلِيظَةِ (بأوقاف مجانهِ) (ع ٢٦) أوقاف المجان ما يستدير بحافة الترس من قرن أو حديد وشبهه والمجان جمع مجن وهو الترس والمجان هنا هي مجان الشرير التي بها يقاوم الله.

سَمْناً (ع ٢٧) منسوب للأشرار (تثنية ٣٢: ١٥ ومزمور ٧٣: ٧) ويشير بهذا إلى الذين ينالون خيرات الله بالكثرة بلا شكر وتتسلط عليهم الشهوات الحيوانية.

مُدُناً خَرِبَةً (ع ٢٨) لعله أشار إلى مدن محرمة كأريحا (يشوع ٦: ٢٦ و١ملوك ١٦: ٣٤) وإن من يبنيها ويسكنها يزدري بالله.

ٱلظُّلْمَةُ (ع ٣٠) هي البلايا كما في (ع ٢٣) والسموم الريح الحارة ونفخة فمه نفخة فم الله كما في (٤: ٩) وقصد أليفاز أن يبين أن الشرير وإن استغنى وسمن وتقوّى لا ينجو من عقاب شروره.

ٱلسُّوءِ (ع ٣١) معنى السوء في الجملة الأولى الإثم وفي الجملة الثانية البلايا أي البلايا أجرة الإثم. قال في خطابه الأول (٤: ٨) الزارعون شقاوة يحصدونها والسوء أي الإثم يضل الإنسان فليس للشرير أن يظن أنه ينجح بواسطة أعماله الشريرة.

قَبْلَ يَوْمِهِ يُتَوَفَّى (ع ٣٢) (٢٢: ١٦ ومزمور ٥٥: ٢٣) لا يكمل الأجل الطبيعي. المعين لحياة الإنسان.

عَاقِرٌ (ع ٣٤) من جهة كل خير وبركة فلم يلد إلا الشقاوة والإثم. والرشوة كناية عن كل أنواع الظلم. وغاية أليفاز بكلامه عن الشرير أن يحذّر أيوب من عواقب خطاياه ليتركها ويرجع إلى الطاعة والخضوع الله.

فوائد

  1. إن المحاجة بالكلام الذي لا يفيد تضّر المتكلم والحق.
  2. إن الجفاء في المحاجة دليل على وهن الحجة.
  3. يجب أن لا نحسد الشرير لأنه يتعذب من توبيخ ضميره ويخاف عقاب أعماله ويفقد الحياة الروحية وجميع أفراحها.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى