سفر أيوب | 13 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر أيوب
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ
مضمونه (١) قول أيوب إن معرفته ليست دون معرفة أصدقائه (٢) إنهم حابوا وجه الله وتكلموا بغش بشأنه (٣) عزمه على أن يكلّم الله وإن قتله فيزكي طرقه قدامه (٤) طلب أيوب من الله أن يُعلمه خطيئته (٥) يأسه لأن الله حجب وجهه عنه.
١ – ١٢ «١ هٰذَا كُلُّهُ رَأَتْهُ عَيْنِي. سَمِعَتْهُ أُذُنِي وَفَطِنَتْ بِهِ. ٢ مَا تَعْرِفُونَهُ عَرَفْتُهُ أَنَا أَيْضاً. لَسْتُ دُونَكُمْ. ٣ وَلٰكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَ ٱلْقَدِيرَ وَأَنْ أُحَاكَمَ إِلَى ٱللّٰهِ. ٤ أَمَّا أَنْتُمْ فَمُلَفِّقُو كَذِبٍ. أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ كُلُّكُمْ. ٥ لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتاً. يَكُونُ ذٰلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً. ٦ اِسْمَعُوا ٱلآنَ حُجَّتِي وَٱصْغُوا إِلَى دَعَاوِي شَفَتَيَّ. ٧ أَتَقُولُونَ لأَجْلِ ٱللّٰهِ ظُلْماً وَتَتَكَلَّمُونَ بِغِشٍّ لأَجْلِهِ؟ ٨ أَتُحَابُونَ وَجْهَهُ، أَمْ عَنِ ٱللّٰهِ تُخَاصِمُونَ؟ ٩ أَخَيْرٌ لَكُمْ أَنْ يَفْحَصَكُمْ، أَمْ تُخَاتِلُونَهُ كَمَا يُخَاتَلُ ٱلإِنْسَانُ؟ ١٠ تَوْبِيخاً يُوَبِّخُكُمْ إِنْ حَابَيْتُمُ ٱلْوُجُوهَ خُفْيَةً. ١١ فَهَلاَّ يُرْهِبُكُمْ جَلاَلُهُ وَيَسْقُطُ عَلَيْكُمْ رُعْبُهُ! ١٢ خُطَبُكُمْ أَمْثَالُ رَمَادٍ، وَحُصُونُكُمْ حُصُونٌ مِنْ طِينٍ!»
ص ١٢: ٩ ص ١٢: ٣ ع ٢٢ وص ٢٣: ٤ ع ١٥ مزمور ١١٩: ٦٩ إرميا ٢٣: ٣٢ ع ١٣ وص ٢١: ٥ ص ٢٧: ٤ انظر لاويين ١٩: ١٥ ص ١٢: ١٦ ع ٨ وص ٣٢: ٢١ و٣٤: ١٩ ص ٣١: ٢٣ ص ٢٧: ١ و٢٩: ١
وَلٰكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَ ٱلْقَدِيرَ (ع ٣) رأى أيوب كل ما رآه أصحابه وسمع كل ما سمعوه من أقوال القدماء وفطن به وفهمه تماماً ولكنه لم يكتف بذلك لأن مشكله لم يُحل بعد (٩: ٣٢ – ٣٥) وليس المراد هنا التكلم مع الله في الصلاة كعادة الأتقياء بل بصوت مسموع كما صار في الآخر (٣٨: ١ الخ) غير أن بعضهم يظنون أن الكلام مجازي وشعري (١١: ٥) وكان لأيوب ثقة بأن الله يعرف أمره تماماً ويكون حكمه بالعدل وله حنو أبوي.
مُلَفِّقُو كَذِبٍ (ع ٤) أقوالهم أغاليط وحججهم مبنية على الغلط فإنهم حكموا أن مصائب أيوب الثقيلة دليل على خطاياه وبما أن أيوب أنكرها أعتبروه مرائياً.
أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ أتوا ليعزوا أيوب ولكنهم لم يفهموا أمره وكلامهم لم يوافقه فكانوا كأطباء لا يعرفون تشخيص مرض المريض ويكون علاتهم كله غلط.
لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ (ع ٥) أولاً لأن ليس عندهم ما يتكلمون به (بل الأحمق إذا سكت يُحسب حكيماً أمثال ١٧: ٢٨). وثانياً ليسمعوا كلام أيوب.
الذين يحابون وجه الله (ع ٨) هم الذين يقدمون حججاً ضعيفة في المحاماة عن الدين فإذا سقطت الحجج سقط الدين فيكونون قد أسقطوا ما قصدوا إثباته. وأمثلة ذلك الخرافات الكنسيّة ومقاومة العلوم الطبيعية إذا لم توافق تفسير الكنيسة. ومن واجبات خدام الدين أن يفحصوا بالتدقيق البينات التي تثبت الدين ويفحصوا أيضاً الاعتراضات عليه ليكون حكمهم عادلاً ومقنعاً.
كَمَا يُخَاتَلُ ٱلإِنْسَانُ (ع ٩) لعل الناس يصدقونهم وأما الله فيفحص كل شيء. ويجب على خدّام الدين أن لا يعلموا العلماء تعليماً والجهال تعليماً آخر بل عليهم أن يعلموا الحق غير مهتمين بما يوافق فقط. ونرى مناقضة في كلام أيوب لأنه كان نسب إلى الله الظلم (١٠: ١٣ – ١٧) وقال هنا إن الله يحب الحق ويكره الظلم. ولا شك أن قوله هنا هو اعتقاده الحقيقي.
أَمْثَالُ رَمَادٍ (ع ١٢) أقوال القدماء التي ذكرها بلدد (٨: ٨) هي بلا لذة ولا فائدة كرماد لمن يطلب الطعام. وحججهم كحصون من طين أي بلا قوة (إشعياء ٤١: ٢١ – ٢٤).
١٣ – ١٩ «١٣ اُسْكُتُوا عَنِّي فَأَتَكَلَّمَ، أَنَا وَلْيُصِبْنِي مَهْمَا أَصَابَ. ١٤ لِمَاذَا آخُذُ لَحْمِي بِأَسْنَانِي وَأَضَعُ نَفْسِي فِي كَفِّي؟ ١٥ هُوَذَا يَقْتُلُنِي. لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئاً. فَقَطْ أُزَكِّي طَرِيقِي قُدَّامَهُ. ١٦ فَهٰذَا يَعُودُ إِلَى خَلاَصِي أَنَّ ٱلْفَاجِرَ لاَ يَأْتِي قُدَّامَهُ. ١٧ سَمْعاً ٱسْمَعُوا أَقْوَالِي وَتَصْرِيحِي بِمَسَامِعِكُمْ. ١٨ هَئَنَذَا قَدْ أَحْسَنْتُ ٱلدَّعْوَى. أَعْلَمُ أَنِّي أَتَبَرَّرُ. ١٩ مَنْ هُوَ ٱلَّذِي يُخَاصِمُنِي حَتَّى أَصْمُتَ ٱلآنَ وَأُسْلِمَ ٱلرُّوحَ؟».
ع ٥ انظر ص ٧: ٦ ص ٢٧: ٥ ص ٢٣: ٧ ص ٣٤: ٢١ – ٢٣ ص ٦: ٢٩ و٢٣: ٤ ص ٩: ٢١ و١٠: ٧ و١٢: ٤ ص ٧: ٢١ و١٠: ٨
ترك الكلام مع أصحابه ووجّه كلامه إلى الله.
وَلْيُصِبْنِي مَهْمَا أَصَابَ كقول أستير لما دخلت على الملك بخلاف السنة «إذا هلكت هلكت» (أستير ٤: ١٦).
(ع ١٤) معنى الجملة الثانية واضح وهو لماذا أخاطر بنفسي (١صموئيل ١٩: ٥) وضع داود نفسه بيده لما واجه الفلسطيني والأرجح أن معنى الجملة الأولى كالثانية أي إن لحمه أو حياته في الخطر كفريسة في أسنان وحش مفترس.
لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئاً (ع ١٥) ليس له أمل بحياته لأنه تأكد أن الله يقتله إذا كلّمه ولكنه أصرّ على أن يزكي طريقه قدامه. ويقول بعضهم إن أيوب قصد بقوله «هوذا يقتلني» إن مرضه بلا شفاء فلا يتجاسر أن يتقدم إلى الله لأنه لا بد من موته على أي وجه كان.
(ع ١٦) تيقن بأن بره سيظهر عند المحاكمة لأنه لو كان فاجراً لما واجه الله في المحاكمة. وكلم أصحابه كأن أمره قد انتهى وقد ربح دعواه (قد أحسنت الدعوى ع ١٨) وقال أيضاً أنه مستعد أن يصمت ويموت إذا كان أحد يقدر أن يخاصمه. وثقته هذه تشبه ثقة المؤمن بالمسيح «مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي ٱللّٰهِ؟» (رومية ٨: ٣٣).
٢٠ – ٢٨ «٢٠ إِنَّمَا أَمْرَيْنِ لاَ تَفْعَلْ بِي فَحِينَئِذٍ لاَ أَخْتَفِي مِنْ حَضْرَتِكَ. ٢١ أَبْعِدْ يَدَيْكَ عَنِّي وَلاَ تَدَعْ هَيْبَتَكَ تُرْعِبُنِي ٢٢ ثُمَّ ٱدْعُ فَأَنَا أُجِيبُ أَوْ أَتَكَلَّمُ فَتُجَاوِبُنِي. ٢٣ كَمْ لِي مِنَ ٱلآثَامِ وَٱلْخَطَايَا. أَعْلِمْنِي ذَنْبِي وَخَطِيَّتِي. ٢٤ لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ وَتَحْسِبُنِي عَدُوّاً لَكَ؟ ٢٥ أَتُرْعِبُ وَرَقَةً مُنْدَفَعَةً وَتُطَارِدُ قَشّاً يَابِساً! ٢٦ لأَنَّكَ كَتَبْتَ عَلَيَّ أُمُوراً مُرَّةً وَوَرَّثْتَنِي آثَامَ صِبَايَ، ٢٧ فَجَعَلْتَ رِجْلَيَّ فِي ٱلْمِقْطَرَةِ وَلاَحَظْتَ جَمِيعَ مَسَالِكِي، وَعَلَى أُصُولِ رِجْلَيَّ نَبَشْتَ. ٢٨ وَأَنَا كَمُتَسَوِّسٍ يَبْلَى، كَثَوْبٍ أَكَلَهُ ٱلْعُثُّ».
ص ٩: ٣٤ ومزمور ٣٩: ١٠ ص ٩: ١٦ و١٤: ١٥ ص ٧: ٢١ مزمور ١٣: ١ و٤٤: ٢٤ و٨٨: ١٤ ص ١٩: ١١ و٣٣: ١٠ لاويين ٢٦: ٣٦ ص ٢١: ١٨ ص ٩: ١٨ ص ٣٣: ١١ انظر ص ٢: ٧
أَمْرَيْنِ (ع ٢٠) هما الأول إن الله يبعد يده عنه أي يرفع عنه آلامه والثاني إنه لا يدع هيبة الله ترعبه فيقدم دعواه بلا خوف (٩: ٣٤ و٣٥).
(ع ٢٢) قال إنه مستعد أن يجيب كمدّعى عليه أو أن يتكلم كمدّع.
كَمْ لِي مِنَ ٱلآثَامِ (ع ٢٣) في حجته طلب أولاً أن يعرف ذنبه. ولم ينكر أنه خاطي (ع ٢٦ «آثام صباي») ولكنه احتج بأن خطاياه ليست كما ظن أصحابه واستنتجوا من عظمة مصائبه.
لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ (ع ٢٤) أشار إلى مصائبه التي كانت دليلاً على أن الله حجب وجهه عنه أي نزع عنه رضاه.
(ع ٢٥) شبه نفسه بورقة وبهشيم وحسب أنه لا يليق بالقدير أن يطارد إنساناً ضعيفاً.
كَتَبْتَ عَلَيَّ (ع ٢٦) على سبيل حكم في المحمكة.
وَرَّثْتَنِي آثَامَ صِبَايَ لا يذكر آثام رجوليته بل آثام صباه لأنها صدرت عن جهل كعادة الشباب وكانت من زمان طويل ولكن الله حسبها عليه فورثها كا يُحسب دين الآب على أولاده.
(ع ٢٧) شبّه نفسه بمذنب في المِقطرة وتحت المراقبة (إرميا ٢٠: ٢ وأعمال ١٦: ٢٤).
وَعَلَى أُصُولِ رِجْلَيَّ نَبَشْتَ وبالترجمة اليسوعية «تخط حول باطن قدمي» أي إن الله نبش أو علّم علامة على الأرض حوله وهو واقف ونهاه عن الخروج من الدائرة المرسومة. وذكر غضب الله عليه بالتدريج (١) حجب وجهه عنه (٢) حسبه عدواً (٣) كتب عليه أموراً مرّة (٤) ورّثه آثام صباه (٥) سجنه سجناً قاسياً.
(ع ٢٨) أشار إلى ضعفه الجسدي كما في (ع ٢٥).
السابق |
التالي |