سفر أيوب

سفر أيوب | 11 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ

مضمونه خطاب صوفر (١) وبّخ صوفر أيوب على كثرة كلامه وصلفه وادعائه بالبر (ع ٢ – ٦) (٢) وصف معرفة الله غير المحدودة وهو يبصر الإثم وينتبه إليه (٧ – ١٢) (٣) حرّض أيوب على أن يُبعد عنه الإثم ووعده ببركات عديدة إذا فعل هذا (١٣ – ٢٠) وكان كلام أيوب الأخير (ص ١٠) أشد مما قبله إذ حاول أن يثبت برّه وكان كلام صوفر أيضاً أشد من كلام أليفاز وبلدد في إثبات خطيئة أيوب.

١ – ٦ «١ فَأَجَابَ صُوفَرُ ٱلنَّعْمَاتِيُّ: ٢ أَكَثْرَةُ ٱلْكَلاَمِ لاَ يُجَاوَبُ، أَمْ رَجُلٌ مِهْذَارٌ يَتَبَرَّرُ؟ ٣ أَصَلَفُكَ يُفْحِمُ ٱلنَّاسَ، أَمْ تَلْغُو وَلَيْسَ مَنْ يُخْزِيكَ؟ ٤ إِذْ تَقُولُ: تَعْلِيمِي زَكِيٌّ وَأَنَا بَارٌّ فِي عَيْنَيْكَ. ٥ وَلٰكِنْ يَا لَيْتَ ٱللّٰهَ يَتَكَلَّمُ وَيَفْتَحُ شَفَتَيْهِ مَعَكَ ٦ وَيُعْلِنُ لَكَ خَفِيَّاتِ ٱلْحِكْمَةِ! إِنَّهَا مُضَاعَفَةُ ٱلْفَهْمِ، فَتَعْلَمَ أَنَّ ٱللّٰهَ يُغَرِّمُكَ بِأَقَلَّ مِنْ إِثْمِكَ».

ص ٨: ٢ و١٥: ٢ و١٨: ٢ ص ١٧: ٢ و٢١: ٣ ص ٦: ١٠ ص ١٠: ٧ انظر ص ٩: ٤ ص ١٥: ٥ و٢٢: ٥

لعل صوفر سكت قليلاً بعدما انتهى أيوب من كلامه ثم تكلم كأن كثرة كلام أيوب ألزمته هذا وبقوله في أيوب رجل مهذار أشار إلى أن كلام أيوب كان كلاماً فارغاً.

تَعْلِيمِي زَكِيٌّ (ع ٤) هذا الحاصل من كلام أيوب.

وَأَنَا بَارٌّ (انظر ٩: ٢١ و١٠: ٧) اعترض صوفر على أيوب وقال وإن كانت المصائب تصيب الأبرار فلا تبرهن أن المصاب بها خاطئ أكثر من غيره.

كان أيوب طلب أن يحاجّ الله (٩: ٣٢) وقال صوفر يا ليت الله يتكلم (ع ٥) وكان فكر صوفر أن الله إذا تكلم لا يبرر أيوب بل يحكم عليه.

خَفِيَّاتِ ٱلْحِكْمَةِ (ع ٦) حكمة الله غير محدودة وخفياتها هي عرضها وطولها وعمقها البعيدة عن الاستقصاء.

مُضَاعَفَةُ ٱلْفَهْمِ أي لا يقدر الإنسان أن يفهمها ولا يصفها. وبالترجمة اليسوعية «لحوله مطاوي كثيرة» فيكون المعنى أن حكمة الله متنوعة لأن لله كل أنواع الحكمة.

أَقَلَّ مِنْ إِثْمِكَ وهذه أثقل كلمة تكلم أصحاب أيوب بها فإنهم كانوا تعجبوا من عظمة مصائبه وأما صوفر فقال هنا إن إثمه استوجب هذه المصائب وأكثر منها أيضاً.

٧ – ١٢ «٧ أَإِلَى عُمْقِ ٱللّٰهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ ٱلْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ ٨ هُوَ أَعْلَى مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي؟ ٩ أَطْوَلُ مِنَ ٱلأَرْضِ طُولُهُ وَأَعْرَضُ مِنَ ٱلْبَحْرِ. ١٠ إِنْ بَطَشَ أَوْ أَغْلَقَ أَوْ جَمَّعَ، فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ ١١ لأَنَّهُ هُوَ يَعْلَمُ أُنَاسَ ٱلسُّوءِ وَيُبْصِرُ ٱلإِثْمَ، فَهَلْ لاَ يَنْتَبِهُ؟ ١٢ أَمَّا ٱلرَّجُلُ فَفَارِغٌ عَدِيمُ ٱلْفَهْمِ، وَكَجَحْشِ ٱلْفَرَا يُولَدُ ٱلإِنْسَانُ».

ص ٣٣: ١٢ و١٣ و٣٦: ٢٦ و٣٧: ٥ و٢٣ ص ٢٢: ١٢ و٣٥: ٥ ص ٢٦: ٦ و٣٨: ١٧ ص ٩: ١٢ ص ٣٤: ٢١ – ٢٣ ص ٢٤: ٢٣ و٢٨: ٢٤ و٣١: ٤ مزمور ٣٩: ٥ و١١ و٦٢: ٩ و١٤٤: ٤ وجامعة ١: ٢ و١١: ١ ص ٣٩: ٥

وصف صفات الله ولا سيما حكمته. وقصد صوفر أن يثبت قول أصحاب أيوب إنه لا بد من وجود خطايا لأيوب سببت مصائبه ولولا هذه الخطايا لم تأته المصائب.

بَطَشَ (ع ١٠) هجم على المذنب ليمسكه وأخذه بالعنف والسطوة.

أَغْلَقَ أغلق عليه بالسجن.

جَمَّعَ جمّع الناس ليسمعوا المحاكمة.

مَنْ يَرُدُّهُ لا أحد يقدر أن يقاومه في المحاكمة.

إنّ جَحْشِ ٱلْفَرَا (ع ١٢) عنيد وسريع الركض فيُكنى به عن الإنسان فإنه من صغره يميل إلى العصيان والابتعاد عن الله. وبالترجمة اليسوعية «بذلك يتعقل الجاهل وجحش الفرا يصير إنساناً» أي بالتسليم إلى الله يتعقل الجاهل وإن كان كجحش الفراء يصير إنساناً عاقلاً. ويظن بعضهم أنه كما أن الجحش لا يصير إنساناً هكذا من المستحيل أن الجاهل يتعقل.

١٣ – ٢٠ «١٣ إِنْ أَعْدَدْتَ أَنْتَ قَلْبَكَ وَبَسَطْتَ إِلَيْهِ يَدَيْكَ. ١٤ إِنْ أَبْعَدْتَ ٱلإِثْمَ ٱلَّذِي فِي يَدِكَ وَلاَ يَسْكُنُ ٱلظُّلْمُ فِي خَيْمَتِكَ، ١٥ حِينَئِذٍ تَرْفَعُ وَجْهَكَ بِلاَ عَيْبٍ وَتَكُونُ ثَابِتاً وَلاَ تَخَافُ. ١٦ لأَنَّكَ تَنْسَى ٱلْمَشَقَّةَ. كَمِيَاهٍ عَبَرَتْ تَذْكُرُهَا. ١٧ وَفَوْقَ ٱلظَّهِيرَةِ يَقُومُ حَظُّكَ. ٱلظَّلاَمُ يَتَحَوَّلُ صَبَاحاً. ١٨ وَتَطْمَئِنُّ لأَنَّهُ يُوجَدُ رَجَاءٌ. تَتَجَسَّسُ حَوْلَكَ وَتَضْطَجِعُ آمِناً. ١٩ وَتَرْبِضُ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُ، وَيَتَضَرَّعُ إِلَى وَجْهِكَ كَثِيرُونَ. ٢٠ أَمَّا عُيُونُ ٱلأَشْرَارِ فَتَتْلَفُ وَمَلْجَأُهُمْ يَبِيدُ، وَرَجَاؤُهُمْ تَسْلِيمُ ٱلنَّفْسِ».

ع ١٣ – ٢٠ وص ٥: ١٧ – ٢٧ مزمور ٧٨: ٨ ص ٢٢: ٢٧ ومزمور ٨٨: ٩ و١٤٣: ٦ ص ٢٢: ٢٣ ص ٢٢: ٢٦ مزمور ٢٧: ٣ و٤٦: ٢ إشعياء ٦٥: ١٦ ص ٢٢: ١١ ص ٢٢: ٢٦ لاويين ٢٦: ٦ وإشعياء ١٧: ٢ وصفنيا ٣: ١٣ وميخا ٤: ٤ إشعياء ٤٥: ١٤ ص ١٧: ٥ وتثنية ٢٨: ٦٥ ص ٢٧: ٢٢ و٣٤: ٢٢ انظر ص ٨: ١٣ ص ٦: ٩

حّض صوفر أيوب على التوبة ووعده ببركات.

إِنْ أَعْدَدْتَ أَنْتَ تمييزاً على الرجل الفارغ والعادم الفهم (ع ١٢) ولكن أيوب في جوابه غضب لأن صوفر دعاه عادم الفهم وقال «لي فهم مثله» (١٢: ٣) وعلى كل إنسان أن يُعد قلبه ويبسط يديه بالصلاة ويُصلح سلوكه ويرجع إلى الله.

ٱلإِثْمَ ٱلَّذِي فِي يَدِكَ (ع ١٤) أظهر اقتناعه بأن أيوب أخطأ هو وأولاده فالإصلاح يجب أن يكون أولاً فيه ثم في أهل بيته.

حِينَئِذٍ تَرْفَعُ وَجْهَكَ (ع ١٥) أشار إلى قول أيوب (١٠: ١٥) «لاَ أَرْفَعُ رَأْسِي. إِنِّي شَبْعَانُ هَوَاناً».

وَتَكُونُ ثَابِتاً لم يكن أيوب ثابتاً في آرائه (٩: ٢٧ و٢٨) «أخاف… إنك لا تبرئني».

تَتَجَسَّسُ حَوْلَكَ (ع ١٨) إشارة إلى قلة الأمان في الشرق قديماً فإن الإنسان يتجسس قبلما يضطجع لعله يجد عدواً كامناً له.

أَمَّا عُيُونُ ٱلأَشْرَارِ (ع ٢٠) يشتهون خيراً ولا يكون لهم ويرجون معونة فيخيب رجاؤهم ولا يبقى لهم إلا الموت.

رَجَاؤُهُمْ تَسْلِيمُ ٱلنَّفْسِ من كثرة ضيقاتهم يرجون الموت كما كان أيوب يرجوه ولعل صوفر قصد توبيخه على ذلك.

إن المشكلة التي بحث أيوب وأصدقائه فيها هي التوفيق بين أحكام ضمير الإنسان وأحكام الله فإن ضمير أيوب حكم أنه لم يخطئ وأما حُكم الله فهو كما ظنوا أن أيوب خاطئ. وغلط أيوب وأصدقاؤه (١) لأن أحكام الله ليست كلها عقاباً للخطيئة بل بعضها لفائدة الإنسان الروحية. «ٱلضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْراً، وَٱلصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَٱلتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَٱلرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ ٱللّٰهِ قَدِ ٱنْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا» (رومية ٥: ٣ – ٥ انظر أيضاً رومية ٨: ٣١ – ٣٩ و٢كورنثوس ١: ٣ – ١١ و٤: ٧ – ١٨ وعبرانيين ١١: ٣٢ – ١٢: ١٣) (٢) لأن ضمير الإنسان لا يصيب في جميع أحكامه فإن أيوب قال إنه بلا خطيئة لأنه لم يشعر بخطيئة ولكن الله لا ينظر كما ينظر الإنسان بل ينظر إلى القلب والأفكار والنيات ويطلب الكمال (٣) لأن بعض مصائب الناس ناتجة من جهلهم للنواميس الطبيعية أو لعدم الانتباه لها فإن بعض الأمراض تحصل من غفلة أصحابها الخ. وهذه النواميس صالحة ولازمة نظمها الله لأجل سلامة الإنسان وثبات الكون. وتقدّم العالم العجيب بالأمور المادية هو من كشف الناس هذه النواميس واستعمالهم إياها للخير.

٢٨، ٢٩ «٢٨ تَزُولُ غَلَّةُ بَيْتِهِ. تُهْرَاقُ فِي يَوْمِ غَضَبِهِ. ٢٩ هٰذَا نَصِيبُ ٱلإِنْسَانِ ٱلشِّرِّيرِ مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ، وَمِيرَاثُ أَمْرِهِ مِنَ ٱلْقَدِيرِ».

تثنية ٢٨: ٣١ ع ١٥ وص ٢١: ٣٠ ص ٢٧: ١٣ و٣١: ٢ و٣

ٱلإِنْسَانِ ٱلشِّرِّيرِ (ع ٢٩) كل هذا الكلام موجه إلى أيوب وهو الشرير ومصائبه هي من غضب الله عليه.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى