سفر أيوب

سفر أيوب | 06 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ

مضمونه جواب أليفاز (١) إن عظمة مصائبه تستلزم الشكوى (١ – ١٣) (٢) خيبة رجائه في أصدقائه الذين كان يرجو منهم التعزية (١٤ – ٣٠) (٣) إعادة شكواه من مصائبه وهي أشد من شكواه الأولى (ص ٧).

١ – ٧ «١ فَأَجَابَ أَيُّوبُ: ٢ لَيْتَ كَرْبِي وُزِنَ وَمُصِيبَتِي رُفِعَتْ فِي ٱلْمَوَازِينِ جَمِيعَهَا. ٣ لأَنَّهَا ٱلآنَ أَثْقَلُ مِنْ رَمْلِ ٱلْبَحْرِ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ لَغَا كَلاَمِي. ٤ لأَنَّ سِهَامَ ٱلْقَدِيرِ فِيَّ، تَشْرَبُ رُوحِي سُمَّهَا. أَهْوَالُ ٱللّٰهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي. ٥ هَلْ يَنْهَقُ ٱلْفَرَاءُ عَلَى ٱلْعُشْبِ أَوْ يَخُورُ ٱلثَّوْرُ عَلَى عَلَفِهِ؟ ٦ هَلْ يُؤْكَلُ ٱلْمَسِيخُ بِلاَ مِلْحٍ، أَوْ يُوجَدُ طَعْمٌ فِي مَرَقِ ٱلْبَقْلَةِ؟ ٧ عَافَتْ نَفْسِي أَنْ تَمَسَّهَا، فَصَارَتْ خُبْزِيَ ٱلْكَرِيهِ!».

ص ٣١: ٦ ص ٢٣: ٢ ص ١٦: ١٣ ومزمور ٣٨: ٢ ص ٢٠: ١٦ و٢١: ٢٠ ص ٣٠: ١٥ ص ٣٩: ٥ – ٨ ص ٣: ٢٤ و٣٣: ٢٠

لَغَا كَلاَمِي (ع ٣) كان أليفاز قال لأيوب «ضجرت» (٤: ٥) وقال له أيضاً «ٱلْغَيْظَ يَقْتُلُ ٱلْغَبِيَّ وَٱلْغَيْرَةَ تُمِيتُ ٱلأَحْمَقَ» (٥: ٢) ولمّح إلى أن أيوب هو غبي وأحمق فأثر كلامه في أيوب جداً فتحير أيوب ومن اضطراب أفكاره لغا كلامه أي خطأ وقال قولاً باطلاً بالمبالغة والشدة وبلا ترتيب. أثقل من رمل البحر (ع ٣) كناية عن ما لا يُعد (تكوين ٣٢: ١٢) وما لا يوزن (أمثال ٢٧: ٣) وما لا يُحصى (إرميا ٣٣: ٢٢).

سِهَامَ ٱلْقَدِيرِ (ع ٤) وهي الأوجاع والأحزان والضيقات التي بها يؤدب الله الناس وأعظم شيء في مصائب أيوب أنها من الله وعلامة غضبه كما ظن. انظر قول يسوع وهو على الصليب «إلهي إلهي لماذا تركتني». وفي السهام حمة كحمة عقارب وهذه السهام شاربة روحه كوحش يشرب دم حيوان قد افترسه.

مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي شبّه مصائبه بجيوش الأعداء المصطفة لأجل القتال. الفرا (ع ٥) لا ينهق والثور لا يخور بلا سبب كالجوع أو العطش أو الوحدة وقول أيوب إنه لولا سبب كاف لما تشكّى. ومصائبه كالمسيخ (ع ٦) ومرق البقلة وغيرهما مما عافت نفسه فصارت له خبزه اليومي وليس له إلا هذا الطعام الكريه. ويظن بعضهم أن أيوب شبّه كلام أليفاز بالمسيخ ومرقة البقلة أي كلام بلا فائدة.

٨ – ١٣ «٨ يَا لَيْتَ طِلْبَتِي تَأْتِي وَيُعْطِينِيَ ٱللّٰهُ رَجَائِي! ٩ أَنْ يَرْضَى ٱللّٰهُ بِأَنْ يَسْحَقَنِي وَيُطْلِقَ يَدَهُ فَيَقْطَعَنِي. ١٠ فَلاَ تَزَالُ تَعْزِيَتِي وَٱبْتِهَاجِي فِي عَذَابٍ لاَ يُشْفِقُ أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ ٱلْقُدُّوسِ. ١١ مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ، وَمَا هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ ١٢ هَلْ قُوَّتِي قُوَّةُ ٱلْحِجَارَةِ؟ هَلْ لَحْمِي نُحَاسٌ؟ ١٣ أَلاَ إِنَّهُ لَيْسَتْ فِيَّ مَعُونَتِي، وَٱلْمُسَاعَدَةُ مَطْرُودَةٌ عَنِّي!».

ص ٧: ١٦ و٩: ٢١ و١: ١ وعدد ١١: ١٥ و١ملوك ٩: ١٤ ص ٢٢: ٢٢ و٢٣: ١١ و١٢ ص ٢١: ٤ ص ٢٦: ٢ ص ٢٦: ٣

كانت طلبة أيوب ورجاؤه أن يموت فيستريح من آلامه.

وَيُطْلِقَ يَدَهُ (ع ٩) كان الله بالأول أمسك يد الشيطان ولم يسمح له أن يقتله (٢: ٦) والآن طلب أيوب من الله أن يُطلق يد الشيطان ويسمح لأيوب أن يموت. ولم يفتكر أيوب بالانتحار بل سلّم أمره لله.

فَيَقْطَعَنِي شبّه الله بحائك وحياة الإنسان بالنسيج وشبّه قطع النسيح ورفعه من النور بموت الإنسان.

وطلب الموت لأنه شعر بأنه مستعد له إذ لم يجحد كلام القدوس أي تعزيته في الموت هي أنه لم يجحد الله. وفهم بعضهم أن تعزية أيوب هي الموت والقول «إِنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ ٱلْقُدُّوسِ» جملة معترضة. إن إيليا طلب الموت (١ملوك ١٩: ٤) وكذلك يونان (٤: ٣ و٨) وأما الله فلم يستجب لهما لأن الموت لا يكون إلا في الوقت الذي عند الله وبعد نهاية الفرصة التي أعطاها الخالق للإنسان لتكملة واجباته والاستعداد للموت.

مَا هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي (ع ١١) لم يعرف أيوب قوة الله ليشفيه من مرضه ويرد له أمواله ويقيم له نسلاً جديداً وكأنه نسي أن الله معه في الضيق وإن منه المعونة والمساعدة (مزمور ٤٦: ١).

١٤ – ٢٣ «١٤ حَقُّ ٱلْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ ٱلْقَدِيرِ. ١٥ أَمَّا إِخْوَانِي فَقَدْ غَدَرُوا مِثْلَ ٱلْغَدِيرِ. مِثْلَ سَاقِيَةِ ٱلْوِدْيَانِ يَعْبُرُونَ. ١٦ ٱلَّتِي هِيَ عَكِرَةٌ مِنَ ٱلْبَرَدِ وَيَخْتَفِي فِيهَا ٱلْجَلِيدُ. ١٧ إِذَا جَرَتِ ٱنْقَطَعَتْ. إِذَا حَمِيَتْ جَفَّتْ مِنْ مَكَانِهَا. ١٨ تَحِيدُ ٱلْقَوَافِلُ عَنْ طَرِيقِهَا، تَدْخُلُ ٱلتِّيهَ فَتَهْلِكُ. ١٩ نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ. مَوَاكِبُ سَبَإٍ رَجَوْهَا. ٢٠ خَزُوا فِي مَا كَانُوا مُطْمَئِنِّينَ. جَاءُوا إِلَيْهَا فَخَجِلُوا. ٢١ فَٱلآنَ قَدْ صِرْتُمْ مِثْلَهَا. رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ. ٢٢ هَلْ قُلْتُ: أَعْطُونِي شَيْئاً، أَوْ مِنْ مَالِكُمُ ٱرْشُوا مِنْ أَجْلِي، ٢٣ أَوْ نَجُّونِي مِنْ يَدِ ٱلْخَصْمِ، أَوْ مِنْ يَدِ ٱلْعُتَاةِ ٱفْدُونِي؟».

ص ٤: ٥ ص ١: ٥ و١٥: ٤ إرميا ١٥: ١٨ ص ٢٤: ١٩ تكوين ٢٥: ١٥ وإشعياء ٢١: ١٤ وإرميا ٢٥: ٢٣ ص ١: ١٥ إرميا ١٤: ٣

خيبة رجاء أيوب في أصدقائه الذين كان ينتظر منهم التعزية.

وَإِنْ تَرَكَ (ع ١٤) كان أليفاز قد لمّح إلى أن أيوب ترك الله وإلا لما أصابته هذه المصائب العظيمة. وقال أيوب هنا إنه وإن سلّم أنه قد ترك الله كان على أصحابه أن يبينوا له محبتهم واهتمامهم به لعلهم يردونه إلى الحق لأن «اَلصَّدِيقُ يُحِبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ، أَمَّا ٱلأَخُ فَلِلشِّدَّةِ يُولَدُ» (أمثال ١٧: ١٧).

ٱلْغَدِيرِ (ع ١٥) هو نهر شتوي ينزل من الجبال ويجري في أيام المطر ويجف من مكانه في أيام الصيف وهو يغدر بالناس لأنهم يأتونه صيفاً راجين أن يشربوا منه فلا يجدون ماء. وقوافل تيماء وسبا في بلاد العرب حادوا عن طريقهم وقصدوه للارتواء لمعرفتهم بمكان كانوا وجدوا فيه ماء في أسفارهم السابقة ولكنهم لم يجدوا الآن فيه ماء فلم تبق لهم ولجمالهم قوة ليرجعوا إلى طريقهم العمومية فهلكوا من العطش. وهكذا أيوب التفت إلى أصحابه منتظراً منهم تعزية كعادته فلم يجد.

رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ (ع ٢١) كما يبعد الناس عن الأبرص (لاويين ١٣: ٤٥ و٤٦) والأبرص «يُنَادِي: نَجِسٌ نَجِسٌ… يُقِيمُ وَحْدَهُ. خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ يَكُونُ مَقَامُهُ» هكذا أصحاب أيوب اعتبروه مصاباً من الله واعتقدوا أن الله يغضب على الذين يعودونه.

هَلْ قُلْتُ أَعْطُونِي شَيْئاً (ع ٢٢) لم يثقل على أصحابه بطلب المال منهم أو الرشوة أو الفدية من أجله بل طلب التعزية فقط. والعتاة لصوص يأسرون إنساناً ولا يُطلقونه إلا بدفع فدية.

٢٤ – ٣٠ «٢٤ عَلِّمُونِي فَأَنَا أَسْكُتُ، وَفَهِّمُونِي فِي أَيِّ شَيْءٍ ضَلَلْتُ. ٢٥ مَا أَشَدَّ ٱلْكَلاَمَ ٱلْمُسْتَقِيمَ، وَأَمَّا ٱلتَّوْبِيخُ مِنْكُمْ فَعَلَى مَاذَا يُبَرْهِنُ؟ ٢٦ هَلْ تَحْسِبُونَ أَنْ تُوَبِّخُوا كَلِمَاتٍ، وَكَلاَمُ ٱلْيَائِسِ لِلرِّيحِ! ٢٧ بَلْ تُلْقُونَ عَلَى ٱلْيَتِيمِ وَتَحْفُرُونَ حُفْرَةً لِصَاحِبِكُمْ! ٢٨ وَٱلآنَ تَفَرَّسُوا فِيَّ، فَإِنِّي عَلَى وُجُوهِكُمْ لاَ أَكْذِبُ. ٢٩ اِرْجِعُوا. لاَ يَكُونَنَّ ظُلْمٌ. اِرْجِعُوا أَيْضاً. فِيهِ حَقِّي. ٣٠ هَلْ فِي لِسَانِي ظُلْمٌ أَمْ حَنَكِي لاَ يُمَيِّزُ فَسَاداً؟».

ص ٨: ٢ و١٥: ٢ و١٦: ٣ يوئيل ٣: ٣ وناحوم ٣: ١٠ ص ٢٢: ٩ و٢٤: ٣ و٩ و٢بطرس ٢: ٣ ص ٢٧: ٤ و٣٣: ٣ و٣٦: ٤ ص ١٣: ١٨ و١٩: ٦ و٢٣: ١٠ و٢٧: ٥ و٦ و٣٤: ٥ و٤٢: ١ – ٦ ص ١٢: ١١

عَلِّمُونِي (ع ٢٤) بكتوني على خطيئة فأقتنع وأسكت.

التوبيخ من صديق مخلص مقبول (مزمور ١٤١: ٥) ولكن أصحاب أيوب نظروا إلى ألفاظه ونددوا على كلامه ونسوا أن المتضايق قد يتكلم بشدة ومبالغة ويكون كلامه ككلام اليائس للريح (ع ٢٦) أي لا يجوز الحكم عليه بدقة بل يستدعي الشفقة وغض النظر.

تُلْقُونَ عَلَى ٱلْيَتِيمِ (ع ٢٧) كان الدائنون إذا مات المدين يلقون قرعة على ابنه اليتيم ليروا لمن منهم يكون عبداً فيقضي دين أبيه وحفر حفرة للصديق دليل على دناءة وخيانة. وشبّه أيوب أصحابه لأنهم قساة القلوب وعادمو الشفقة والأمانة.

تَفَرَّسُوا فِيَّ (ع ٢٨) وهو أيضاً يتفرّس فيهم. ليس هذا قول كذب لأن الكذاب لا يقدر أن يتفرّس في الذين يكذب عليهم.

اِرْجِعُوا (ع ٢٩) يطلب منهم أن لا يثابروا على التنديد والحكم عليه كمذنب بل أن يرجعوا كما يرجع التائه إلى الطريق وحيئنذ يبحثون في الموضوع بحثاً حقيقياً.

فِيهِ حَقِّي اعتقد أن مصائبه ليست عقاب خطايا فظيعة كما ظن أصحابه ولقلة معرفته بأعمال الله ظن أن الله ظلمه. فثبت في اعتقاده على رغم كلام أصحابه. وطلب مراجعة دعواه ليروا حقه أي أن الحق معه في الدعوى.

حَنَكِي يُمَيِّزُ فَسَاداً (ع ٣٠) ليست الحكمة محصورة في أصحابه بل هو أيضاً يقدر أن يميّز بين الحق والفساد.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى