سفر أيوب

سفر أيوب | 04 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ

في ص ٤ و٥ خطاب أليفاز الأول وخلاصته (١) تعجبه من كلام أيوب لأنه كان انتظر منه الصبر والمعرفة بأعمال الله العادلة (ع ١ – ١١) (٢) بعبارات فصيحة ولطيفة حذّر أيوب من التذمر على الله وهو الخالق والقدوس والعادل ومن يقاومه غبي يقتله غيظه (ص ٥: ٢ – ٧) إنه لو كان في مكان أيوب لكان يطلب إلى الله ولا يرفض تأديب القدير فينجيه (ص ٥: ٨ – ٢٧).

١، ٢ «١ فَأَجَابَ أَلِيفَازُ ٱلتَّيْمَانِيُّ: ٢ إِنِ ٱمْتَحَنَ أَحَدٌ كَلِمَةً مَعَكَ فَهَلْ تَسْتَاءُ؟ وَلٰكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ ٱلٱمْتِنَاعَ عَنِ ٱلْكَلاَمِ!»:

ص ٣٢: ١٨ – ٢٠

لعل أليفاز كان أكبر عمراً من بلدد وصوفر فتكلم أولاً وأظهر في خطابه الرقة والحكمة فلم يوبخ أيوب علانية بل لمح إلى خطيئته بطريقة لطيفة وكان فضل لو أمكن أن يسكت فلا يكدّر صديقه.

٣، ٤ «٣ هَا أَنْتَ قَدْ أَرْشَدْتَ كَثِيرِينَ وَشَدَّدْتَ أَيَادِيَ مُرْتَخِيَةً. ٤ قَدْ أَقَامَ كَلاَمُكَ ٱلْعَاثِرَ وَثَبَّتَّ ٱلرُّكَبَ ٱلْمُرْتَعِشَةَ».

ع ٣ و٤ وص ٢٩: ١٥ و١٦ و٢١ و٢٥

هذا الكلام شهادة حسنة لسلوك أيوب في ما مضى من حياته فإنه كان أرشد كثيرين وشددهم وثبتهم ولم يعش لنفسه ولا اكتفى بالإحسان من ماله كعادة الأغنياء بل قدّم نفسه بخدمة روحية للمحتاجين. والأيادي المرتخية والركب المرتعشة تشير إلى الضعفاء بالإيمان والعزم. وأما غاية أليفاز فليست مدح أيوب بل توبيخه لأن أيوب بعدما كان شدد غيره ارتخى وبعدما كان ثبّت غيره ارتعش.

٥ «وَٱلآنَ إِذْ جَاءَ عَلَيْكَ ضَجِرْتَ! إِذْ مَسَّكَ ٱرْتَعْتَ».

ص ٦: ١٤ ص ١٩: ٢١

جَاءَ عَلَيْكَ الفاعل مجهول فأشير به إلى جميع مصائب أيوب التي لم يرد أليفاز ذكرها بالتفصيل.

٦ – ١١ «٦ أَلَيْسَتْ تَقْوَاكَ هِيَ مُعْتَمَدَكَ وَرَجَاؤُكَ كَمَالَ طُرُقِكَ؟ ٧ اُذْكُرْ مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَأَيْنَ أُبِيدَ ٱلْمُسْتَقِيمُونَ؟ ٨ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ أَنَّ ٱلْحَارِثِينَ إِثْماً وَٱلزَّارِعِينَ شَقَاوَةً يَحْصُدُونَهُمَا. ٩ بِنَسَمَةِ ٱللّٰهِ يَبِيدُونَ وَبِرِيحِ أَنْفِهِ يَفْنَوْنَ. ١٠ زَمْجَرَةُ ٱلأَسَدِ وَصَوْتُ ٱلزَّئِيرِ وَأَنْيَابُ ٱلأَشْبَالِ تَكَسَّرَتْ. ١١ اَللَّيْثُ هَالِكٌ لِعَدَمِ ٱلْفَرِيسَةِ وَأَشْبَالُ ٱللَّبْوَةِ تَبَدَّدَتْ».

ص ١: ١ ص ٨: ٢٠ و٣٦: ٦ و٧ ومزمور ٣٧: ٢٥ ص ١٥: ٣١ و٣٥ وأمثال ٢٢: ٨ وهوشع ١: ١٣ وغلاطية ٦: ٧ ص ١٥: ٣٠ وإشعياء ١١: ٤ و٣٠: ٣٣ و٢تسالونيكي ٢: ٨ ص ٤٠: ١١ – ١٣ ص ٥: ١٥ ومزمور ٥٨: ٦ ص ٢٩: ١٧ ص ٥: ٤ و٢٠: ١٠ و٢٧: ١٤

أَلَيْسَتْ تَقْوَاكَ هِيَ مُعْتَمَدَكَ لا يُنكر أن أيوب كان تقياً وطرقه كاملة ولكنه كامل بالنسبة إلى غيره من الناس لا بالنسبة إلى الله (ع ١٧).

مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ (ع ٧) أي إن مصائب أيوب دليل على أنه لم يكن بريئاً كل البرء ولا طرقه كاملة أمام الله. وغاية أليفاز أن يحثه على التوبة والتسليم لتأديب الله ليغفر له خطاياه وينجيه من شدائده. وظهرت هذه الغاية في آخر خطابه (ص ٥: ١٧ الخ).

ٱلْحَارِثِينَ إِثْماً (ع ٨) قسم الناس قسمين. والقسم الأول هم الذين يخطئون ويتوبون ويستفيدون من تأديب الله ويرجعون إليه ويخلصون. والقسم الثاني هم الذين يتركون الله ولا يتوبون وهم الحارثون إثماً والزارعون شقاوة فيحصدونها وهم المشار إليهم بكلام أليفاز الآتي في الأسود ورجاؤه أن أيوب يكون من القسم الأول أي الذين يتوبون ويخلصون ولكنه إذا أصرّ على التمرد ومقاومة تدبير الله يكون من الهالكين.

وهنا (ع ١٠ و١١) خمسة أسماء وما يلازمها للأسد وهي الأسد والزئير والأشبال والليث واللبوة وتكرار الألفاظ بمعنى واحد وهذا من اصطلاحات الشعر العبراني. وشبه أليفاز الأشرار بأسود أتاهم أناس قتلوا بعضهم وبددوا البعض الآخر والأشرار يشبهون الأسود في قوتهم وشراستهم وهلاكهم.

١٢ – ٢١ «١٢ ثُمَّ إِلَيَّ تَسَلَّلَتْ كَلِمَةٌ فَقَبِلَتْ أُذُنِي مِنْهَا ركزاً (هَمْساً). ١٣ فِي ٱلْهَوَاجِسِ مِنْ رُؤَى ٱللَّيْلِ عِنْدَ وُقُوعِ سُبَاتٍ عَلَى ٱلنَّاسِ ١٤ أَصَابَنِي رُعْبٌ وَرَعْدَةٌ، فَرَجَفَتْ كُلُّ عِظَامِي. ١٥ فَمَرَّتْ رُوحٌ عَلَى وَجْهِي. ٱقْشَعَرَّ شَعْرُ جَسَدِي. ١٦ وَقَفَتْ وَلٰكِنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَنْظَرَهَا. شِبْهٌ قُدَّامَ عَيْنَيَّ. سَمِعْتُ صَوْتاً مُنْخَفِضاً: ١٧ أَٱلإِنْسَانُ أَبَرُّ مِنَ ٱللّٰهِ، أَمِ ٱلرَّجُلُ أَطْهَرُ مِنْ خَالِقِهِ؟ ١٨ هُوَذَا عَبِيدُهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ وَإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً. ١٩ فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ سُكَّانُ بُيُوتٍ مِنْ طِينٍ ٱلَّذِينَ أَسَاسُهُمْ فِي ٱلتُّرَابِ وَيُسْحَقُونَ مِثْلَ ٱلْعُثِّ؟ ٢٠ بَيْنَ ٱلصَّبَاحِ وَٱلْمَسَاءِ يُحَطَّمُونَ. بِدُونِ مُنْتَبِهٍ إِلَيْهِمْ إِلَى ٱلأَبَدِ يَبِيدُونَ. ٢١ أَمَا ٱنْتُزِعَتْ حِبَالُ طنبهم (خِيَامِهِمْ)؟ يَمُوتُونَ بِلاَ حِكْمَةٍ».

ع ١٢ – ١٧ وص ٣٣: ١٥ – ١٨ ص ٢٦: ١٤ ص ٩: ٢ و٢٥: ٤ ص ٣١: ١٥ و٣٢: ٢٢ و٣٥: ١٠ و٣٦: ٣ ص ١٥: ١٥ ص ١٠: ٩ و٣٣: ٦ ص ٢٢: ١٦ وتكوين ٢: ٧ و٣: ١٩ ص ١٤: ٢ ص ١٤: ٢٠ و٢٠: ٧ ص ٨: ٢٢ ص ١٨: ٢١ و٣٦: ١٢

تقدم أليفاز إلى فصل جديد من خطابه (ص ١٢: ٥ – ٧) وفيه يحذّر أيوب من التذمر على الله وصوّر له أن الكلام أتاه برؤيا فله اعتبار عند أيوب وغيره من السامعين أكثر مما لو كان من عنديات أليفاز.

ركزاً (هَمْساً) الصوت الخفي.

هَوَاجِسِ ما يحدث الإنسان نفسه به في صدره مثل الوسواس والليل وقت ملائم للتأمل والرؤى.

فَمَرَّتْ رُوحٌ (ع ١٥) الكلمة الأصلية تفيد النفس كنفس الإنسان أو نسمة ولعل أليفاز شعر بشيء غير منظور كنفس إنسان أو نسمة مرّت على وجهه ثم رأى شبحاً قدام عينيه كأنه خيال وسمع صوتاً منخفضاً. ولا شك قد اقشعر السامعون منه.

أَٱلإِنْسَانُ أَبَرُّ مِنَ ٱللّٰهِ (ع ١٧) استفهام إنكاري فليس الإنسان أبرّ من الله لذلك لا يجوز له أن يحكم على الله ولا أن يتذمر من عنايته. يظن بعضهم أن الكلام الذي سمعه أليفاز قد انتهى هنا. والأرجح أنه ينتهي بنهاية الأصحاح.

عَبِيدُهُ (ع ١٨) أي الملائكة كما في البيت الأخير من البيتين. ومع أنهم أطهار وأعظم خلائق الله فبالنسبة إلى الله تحسب معرفتهم حماقة فكم بالحري معرفة بني آدم.

بُيُوتٍ مِنْ طِينٍ (ع ١٩) تمييزاً لها عن بيوت الأغنياء المبنية من حجارة منحوتة. والبيوت من طين هي أجساد الناس الفانية. البيوت التي هي من طين وأساسها في التراب دليل على ضعف الإنسان الجسدي وسرعة زواله وتحديد معرفته.

بَيْنَ ٱلصَّبَاحِ وَٱلْمَسَاءِ (ع ٢٠) يشير إلى قصر حياة الإنسان كأنها نهار فقط.

بِدُونِ مُنْتَبِهٍ إِلَيْهِمْ يبيدون كما يبيد العث. وغاية أليفاز أن يعظم البعد بين الله وبين خلائقه فلا يتكبر الإنسان ولا يعترض على خالقه. ولكن الله يحافظ على الإنسان لأنه خلقه على صورته وبذل ابنه لأجل خلاصه ويسمع الصلاة ويعتني بكل فرد من بني البشر.

حِبَالُ طنبهم (خِيَامِهِمْ) (ع ٢١) الإنسان مشبّه بخيمة وموته يمثّل بنزع طنبها وانتقالها. وإذا انتزعت طنبهم منهم أصبحوا بلا خيمة (انظر ٢كورنثوس ٥: ١) «إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا ٱلأَرْضِيُّ الخ».

ٍبِلاَ حِكْمَة لقلة أيام الإنسان على الأرض لا يقدر أن يتقدم كثيراً في الحكمة. والعهد الجديد يعلن لنا أن أيام الإنسان في هذا العالم بداية حياته فقط وفي العالم المقبل يتقدم بالمعرفة والحكمة بلا نهاية.

فوائد

  1. إن إنذارنا غيرنا أهون من إنذارنا أنفسنا.
  2. إن التذمر هو الحكم على الله.
  3. إن لنا في الكتاب المقدس كلاماً من الله أثبت من رؤى الليل.
  4. إن الإنسان يتّضع عندما ينظر إلى ضعفاته الجسدية ويرتفع عندما ينظر إلى نعمة الله العاملة فيه ولأجله.
  5. إن لنا بيتاً أبدياً غير مصنوع بيد.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى