سفر أيوب | المقدمة | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر أيوب
للقس . وليم مارش
تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.
ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.
هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً – وهو صاحب حقوق الطبع – بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.
ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».
القس ألبرت استيرو
الأمين العام
لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى
مقدمة سفر أيوب
يقسم هذا السفر إلى ثلاثة أقسام:
- مقدمة.
- خُطب أيوب وأصحابه وكلام الله وجواب أيوب لله.
- خاتمة.
إن المقدمة والخاتمة مؤلفتان من نثر تاريخي والخطب مؤلفة من شعر أنيق فصيح ليس له مثل في جميع المؤلفات القديمة.
ومحاورة أيوب وأصحابه مرتبة أحسن ترتيب. فيتكلم كل من الأصحاحات الثلاثة ثلاث مرات ما عدا صوفر فإنه تكلم مرتين فقط. وجاوب أيوب عن كل من الخطب. وخلاصة كلام الأصحاحات أن الله عادل وإنه لا يتألم إلا من أخطأ إليه فاستنتجوا أن أيوب قد أخطأ خطايا عظيمة وإلا لم تصبه تلك البلايا العظيمة وأما أيوب فرفض هذه النتيجة وصرّح أنه لم يقترف الخطايا المنسوبة إليه وبعد ما وصف آلامه الشديدة وحيرة أفكاره صرّح باشتياقه إلى الله وقال «مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ! لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي. إِذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَٱلذَّهَبِ» (٢٣: ٣ و١٠). وبعد كلام الأصحاب الثلاثة تقدم أليهو ومع تكرار بعض الكلام السابق بيّن أن الآلام قد تكون تأديباً غايتها خير المؤدب بها. وأما الشكل فلم يُحل لا بكلام أصحاب أيوب ولا بكلام الرب ولم يزل بلا حلّ إلى أيامنا هذه لأن الإنسان لا يقدر أن يفهم كل طرق الرب فإننا نعرف من الجهة الواحدة إن الله عادل وقادر على كل شيء ويحب الإنسان ونعرف من الجهة الأخرى أن الخطيئة في العالم وشعب الله يتألمون ويُضطهدون ويُظلمون ولا نقدر أن نوفق بين الأمرين فعلى الإنسان أن يصدق أن الله يدبر كل شيء حسناً فيتكل عليه ويسلم لإرادته. ووجد أيوب الراحة لنفسه لما اقترب الله إليه واقترب هو إلى الله بالتوبة والإيمان.
ومن فوائد هذا السفر نذكر:
- إن الأبرار كثيراً ما يتألمون.
- إن الآلام لا تدل على أن المتألم بها قد فاق غيره في الخطاء.
- إن البار الحقيقي لا يتقي الله طمعاً في أجر بل يطيعه ويتكل عليه على رغم المصائب.
- إن الإنسان لا يقدر أن يفهم جميع طرق الرب.
- إن أحسن حل للمشاكل هو الإيمان بأن الله موجود وإنه يدبر كل أمور العالم وأمور الناس أفراداً ويديرها بغاية القدرة والحكمة.
ومما نتعلم من العهد الجديد زيادة على ما في العهد القديم:
- إن يسوع تألم مع أنه بلا خطيئة فلا عجب إذا تألم المؤمنون به.
- إن يسوع أعلن لنا خيرات أفضل من المال والصحة أي الفضائل الروحية كالمحبة والصبر والصدق والطهارة ولم يطوّب المسيح الأغنياء والأقوياء بل طوّب المساكين بالروح والحزانى والمطرودين لأجل البر.
- إن يسوع علمنا أن الله أب وليس قاضياً فقط فيؤدب أبناءه المحبوبين لأجل خيرهم.
- إن يسوع أنار لنا القيامة والحياة الأبدية ولا ينتهي أمرنا عند موت الجسد. و «خِفَّةَ ضِيقَتِنَا ٱلْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيّاً فَإِذاً، ٱلَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا لِخَالِقٍ أَمِينٍ فِي عَمَلِ ٱلْخَيْرِ» (٢كورنثوس ٤: ١٧ و١بطرس ٤: ١٩).
إن في سفر أيوب ما يدل على أنه تاريخ حقيقي كذكر أسماء أيوب وأصحابه واسم بلادهم والإشارات الكثيرة إلى الزمان والمكان. وتقليد اليهود يؤيد ذلك وعلاوة على هذا قد ذُكر أيوب وما أصابه في بعض الأسفار المقدسة (حزقيال ١٤: ١٤ و١٦ و٢٠ ويعقوب ٥: ١١).
ومما يدل على أن هذا السفر رواية تاريخية (١) إنه ذُكر فيه ما صار في السماء بين الرب والشيطان (١: ٦ – ١٢ و٢: ١ – ٧) ذُكر الاتفاق العجيب في وقوع المصائب بالتتابع وكلها حصلت في يوم واحد (١: ١٣ – ١٩) (٣) ذُكرت الأعداد الكاملة كسبعة بنين وثلاث بنات وسبعة آلاف من الغنم وثلاثة آلاف جمل وخمس مئة فدان بقر وخمس مئة أتان (١: ٢ و٣) (٤) إن الله في آخرة أيوب عوّضه مما خسره مضاعفاً تماماً أي أربعة عشر ألفاً من الغنم وستة آلاف من الإبل وألف فدان من البقر وألف أتان ومن البنين والبنات كما كان له تماماً وهذا معناه ضعف أيضاً وذلك لأن نفوس بنيه الأولين تُعتبر خالدة وفي هذا بيان لحقيقة الخلود (٥) ترتيب الخطب وفصاحة الكلام فإنه ليس من المنتظر أن يكون الحوار كله بين أيوب وأصحابه شعراً منظماً بليغاً متقناً وهو معتبر حتى اليوم من أحسن الشعر.
قال لوثيروس إن أساس سفر أيوب حادثة حقيقية أي أنه كان رجل اسمه أيوب وهو رجل صالح وأصابته مصائب كما ذُكر واحتملها بصبر فصار مثالاً لجميع المصابين. ثم قام شاعر لا نعرف اسمه ولا زمانه ونظم من هذه الحادثة الحقيقية رواية شعرية مرتبة حسب قوانين الشعر والروايات. وتلك الرواية نعتبرها الآن كأحد الأسفار المقدسة القانونية وإن كنا لا نعرف اسم المؤلف.
والظاهر أن حادثة أيوب قديمة وأما زمان تأليف السفر فيظن بعضهم أنه كان قبل نظام الشرائع والقواعد الموسوية لأنه لم يرد فيه ذكر المعبد والكهنوت وإنما ذكر محرقات أصعدها أيوب عن أولاده كأنه كان كاهناً على بيته كما فعل إبراهيم وإسحاق ويعقوب في زمانهم. ويظن أكثر المفسرين المحدثين أن تأليف السفر كان بعد أيام سليمان وقبل سبي بابل وذلك بناء على ما يُذكر وما لا يُذكر في السفر كذكر مشيرين وقضاة وملوك وانقلاب ممالك (١٢: ١٧ – ٢١). ولعل الإشارة بهذا الانقلاب إلى سقوط مملكة الأشوريين. وذكر أنواع كثيرة من الأشجار والحيوانات إنما يشير إلى معرفة العلوم الطبيعية التي نالت اهتماماً خاصاً في زمان سليمان (١ملوك ٤: ٣٣). وعدم ذكر سبي بابل وخراب أورشليم والهيكل وعدم استعمال الاسم يهوه إلا نادراً كل هذا مما يشير إلى تأليف السفر كان قبل السبي.
وفي سفر أيوب آيات كثيرة تشبه آيات وردت في سفر الأمثال وسفر المزامير وسفر إشعياء فيستنتج بعض المفسرين من ذلك أن مؤلف سفر أيوب كان في تلك العصور. وموضوع السفر يوافق أحوال شعب الله في زمان ملوك يهوذا الأشرار فإن الأتقياء في ذلك الزمان كانوا مصابين بمصائب كثيرة ومرتابين بجودة الله وعنايته بهم. وما ذكر ليس سوى استنتاج وظن وليس براهين قاطعة تثبت زمان تأليف هذا السفر.
وفي تأليف هذا الكتاب استعملنا بعض تفاسير إنكليزية ولا سيما التفسير المسمّى:
Cambridge Bible for Schools and Colleges, by A.B. Davidson and H.C.O. Lanchester.
السابق |
التالي |