سفر نحميا

سفر نحميا | 02 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر نحميا

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

١ – ٨ «١ وَفِي شَهْرِ نِيسَانَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلْعِشْرِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا ٱلْمَلِكِ. كَانَتْ خَمْرٌ أَمَامَهُ، فَحَمَلْتُ ٱلْخَمْرَ وَأَعْطَيْتُ ٱلْمَلِكَ. وَلَمْ أَكُنْ قَبْلُ مُكَمَّداً أَمَامَهُ. ٢ فَقَالَ لِي ٱلْمَلِكُ: لِمَاذَا وَجْهُكَ مُكَمَّدٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مَرِيضٍ؟ مَا هٰذَا إِلاَّ كآبَةَ قَلْبٍ! فَخِفْتُ كَثِيراً جِدّاً ٣ وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: لِيَحْيَ ٱلْمَلِكُ إِلَى ٱلأَبَدِ. كَيْفَ لاَ يَكْمَدُّ وَجْهِي وَٱلْمَدِينَةُ بَيْتُ مَقَابِرِ آبَائِي خَرَابٌ وَأَبْوَابُهَا قَدْ أَكَلَتْهَا ٱلنَّارُ؟ ٤ فَقَالَ لِي ٱلْمَلِكُ: مَاذَا طَالِبٌ أَنْتَ؟ فَصَلَّيْتُ إِلَى إِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ، ٥ وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: إِذَا سُرَّ ٱلْمَلِكُ، وَإِذَا أَحْسَنَ عَبْدُكَ أَمَامَكَ، تُرْسِلُنِي إِلَى يَهُوذَا إِلَى مَدِينَةِ قُبُورِ آبَائِي فَأَبْنِيهَا. ٦ فَقَالَ لِي ٱلْمَلِكُ، وَٱلْمَلِكَةُ جَالِسَةٌ بِجَانِبِهِ: إِلَى مَتَى يَكُونُ سَفَرُكَ، وَمَتَى تَرْجِعُ؟ فَحَسُنَ لَدَى ٱلْمَلِكِ وَأَرْسَلَنِي، فَعَيَّنْتُ لَهُ زَمَاناً. ٧ وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: إِنْ حَسُنَ عِنْدَ ٱلْمَلِكِ فَلْتُعْطَ لِي رَسَائِلُ إِلَى وُلاَةِ عَبْرِ ٱلنَّهْرِ لِيُجِيزُونِي حَتَّى أَصِلَ إِلَى يَهُوذَا، ٨ وَرِسَالَةٌ إِلَى آسَافَ حَارِسِ فِرْدَوْسِ ٱلْمَلِكِ لِيُعْطِيَنِي أَخْشَاباً لِسَقْفِ أَبْوَابِ ٱلْقَصْرِ ٱلَّذِي لِلْبَيْتِ وَلِسُورِ ٱلْمَدِينَةِ وَلِلْبَيْتِ ٱلَّذِي أَدْخُلُ إِلَيْه. فَأَعْطَانِي ٱلْمَلِكُ حَسَبَ يَدِ إِلٰهِي ٱلصَّالِحَةِ عَلَيَّ».

ص ١: ١ عزرا ٧: ١ ص ١: ١١ أمثال ١٥: ١٣ دانيال ٢: ٤ ص ١: ٣ ص ١: ٤ ص ٥: ١٤ و١٣: ٦ عزرا ٧: ٢١ و٨: ٣٦ جامعة ٢: ٥ و٦ ص ٧: ٢ ع ١٨ وعزرا ٧: ٦

نِيسَانَ لم يرد هذا الاسم في الكتاب إلا هنا وفي (أستير ٣: ٧) ويُظن أن أصله من اللغة الأشورية وهو شهر أبيب (خروج ١٣: ٤) وشهر نيسان عندنا اليوم.

فِي ٱلسَّنَةِ ٱلْعِشْرِينَ أي السنة ٤٤٥ ق.م. وملَكَ أرتحشستا ٤١ سنة.

ٱلْخَمْرَ كانت خمر حلبون مخصصة لملوك فارس (حزقيال ٢٧: ١٨) وكانت حلبون إلى جهة الشرق من لبنان الشرقي وعلى بعد ١٣ ميلاً من دمشق. ومن واجبات الساقي أن يشرب قليلاً من الخمر قبلما يعطيها للملك ليؤكد له أنها بلا سمّ.

ولا شك في أن نحميا كان مكمداً من أول ما أتاه الخبر من أورشليم في شهر كسلو أي كانون الأول (١: ١) ولكنه لم يستحسن أن يظهر حزنه للملك إلا بعد التأمل والصلاة والاعتماد على عمل.

فَخِفْتُ كَثِيراً جِدّاً (ع ٢) لأن الكمد دليل على عدم الرضى أو التمرد أو العصيان فلا يليق بخادم للملك. ولو غضب الملك لكان أمر بقتل نحميا وكان غضبه على شعب اليهود أيضاً. وكان أرتحشستا قد وقّف بناء السور (عزرا ٤: ١٧ – ٢٢).

بَيْتُ مَقَابِرِ آبَائِي (١صموئيل ٢٥: ١ و١ملوك ٢: ٣٤) أي مقابر في أرض مختصة بالبيت كبستان في (٢ملوك ٢١: ١٨) إن منسى دُفن في بستان بيته.

فَصَلَّيْتُ إِلَى إِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ (ع ٤) رفع أفكاره من ملك فارس إلى ملك الملوك ولعله طلب الحكمة في تدبير كلامه وانعطاف الملك عليه. وكان نحميا معتاداً صلاة كهذه (٤: ٤ و٩ و٥: ١٩ و٦: ٩ و١٤ و١٣: ١٤).

فَأَبْنِيهَا (ع ٥) مطلوبه أولاً بناء الأسوار وثانياً أن يتعين هو مأموراً على العمل (انظر عزرا ٤: ٢١) «فَلاَ تُبْنَى هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةُ حَتَّى يَصْدُرَ مِنِّي أَمْرٌ» أي كان رجاء بأن الملك بعدما وقّف العمل يصدر منه أمر بتكملته.

وَٱلْمَلِكَةُ جَالِسَةٌ (ع ٦) كان الملك يأكل وحده غالباً وأحياناً تكون الملكة معه وفي الصور القديمة نرى الملك متكئاً والملكة جالسة ولعل الملكة ساعدت نحميا في أمره. ولا شك في أنه كان للملك نساء غير الملكة المذكورة.

فَعَيَّنْتُ لَهُ زَمَاناً يظن بعضهم أنه غاب ١٢ سنة (٥: ١٤) ويقول غيرهم إنه رجع بعدما كمّل الأسوار أي بعد نحو ثلاثة أشهر ثم ذهب ثانية إلى أورشليم وكمّل المدة المذكورة.

فِرْدَوْسِ ٱلْمَلِكِ (ع ٨) كلمة فارسية معناها الأصلي مكان مسوّر فيه أشجار ومحفوظ لأجل الصيد والأرجح أن المشار إليه هنا هو بستان سليمان المذكور في يوسيفوس وهو جنوب أورشليم وعلى بعد ٧ أميال منها.

ٱلْقَصْرِ أو قلعة كانت للبيت أي بجانب الهيكل وكان لها رئيس (٧: ٢) وجدّدها هيرودس وهي المعسكر الذي أدخلوا بولس إليه (أعمال ٢١: ٣٧).

وَلِلْبَيْتِ ٱلَّذِي أَدْخُلُ إِلَيْهِ أي بيت نحميا لكونه قد صار والياً والذي فيه أضاف كثيرين بكرم (٥: ١٧ و١٨).

٩، ١٠ «٩ فَأَتَيْتُ إِلَى وُلاَةِ عَبْرِ ٱلنَّهْرِ وَأَعْطَيْتُهُمْ رَسَائِلَ ٱلْمَلِكِ. وَأَرْسَلَ مَعِي ٱلْمَلِكُ رُؤَسَاءَ جَيْشٍ وَفُرْسَاناً. ١٠ وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ ٱلْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا ٱلْعَبْدُ ٱلْعَمُّونِيُّ سَاءَهُمَا مَسَاءَةً عَظِيمَةً لأَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ خَيْراً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ».

ع ٧ عزرا ٨: ٢٢ ع ١٩ وص ٤: ١

رُؤَسَاءَ جَيْشٍ وَفُرْسَاناً بخلاف سفر عزرا (عزرا ٨: ٢٢) ولكنهما سفران كُتبا بإرشاد الرب.

سَنْبَلَّطُ ٱلْحُورُونِيُّ من بيت حورون إلى جهة الشمال الغربي من أورشليم وعلى بعد ١٨ ميلاً منها. والظاهر أنه من رؤساء السامريين (٤: ٢).

طُوبِيَّا ٱلْعَبْدُ رفيق سنبلط في مقاومة اليهود. ربما كان عبداً للوالي أو للملك وربما تعيّن حاكماً على العمونيين وكان بغض شديد بين العمونيين واليهود (١٣: ١ و٢) ولا شك في أن جميع الشعوب المحيطين كالعمونيين والموآبيين والسامريين كانوا مقاومين لليهود ولم يريدوا أن أورشليم ترجع إلى مقامها الأول. وسموا نحميا «رجلاً» بقصد الاحتقار.

١١ – ١٨ «١١ فَجِئْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَكُنْتُ هُنَاكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. ١٢ ثُمَّ قُمْتُ لَيْلاً أَنَا وَرِجَالٌ قَلِيلُونَ مَعِي. وَلَمْ أُخْبِرْ أَحَداً بِمَا جَعَلَهُ إِلٰهِي فِي قَلْبِي لأَعْمَلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعِي بَهِيمَةٌ إِلاَّ ٱلْبَهِيمَةُ ٱلَّتِي كُنْتُ رَاكِبَهَا. ١٣ وَخَرَجْتُ مِنْ بَابِ ٱلْوَادِي لَيْلاً أَمَامَ عَيْنِ ٱلتِّنِّينِ إِلَى بَابِ ٱلدِّمْنِ، وَصِرْتُ أَتَفَرَّسُ فِي أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ ٱلْمُنْهَدِمَةِ وَأَبْوَابِهَا ٱلَّتِي أَكَلَتْهَا ٱلنَّارُ. ١٤ وَعَبَرْتُ إِلَى بَابِ ٱلْعَيْنِ وَإِلَى بِرْكَةِ ٱلْمَلِكِ، وَلَمْ يَكُنْ مَكَانٌ لِعُبُورِ ٱلْبَهِيمَةِ ٱلَّتِي تَحْتِي. ١٥ فَصَعِدْتُ فِي ٱلْوَادِي لَيْلاً وَكُنْتُ أَتَفَرَّسُ فِي ٱلسُّورِ، ثُمَّ عُدْتُ فَدَخَلْتُ مِنْ بَابِ ٱلْوَادِي رَاجِعاً. ١٦ وَلَمْ يَعْرِفِ ٱلْوُلاَةُ إِلَى أَيْنَ ذَهَبْتُ وَلاَ مَا أَنَا عَامِلٌ، وَلَمْ أُخْبِرْ إِلَى ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ ٱلْيَهُودَ وَٱلْكَهَنَةَ وَٱلأَشْرَافَ وَٱلْوُلاَةَ وَبَاقِي عَامِلِي ٱلْعَمَلِ. ١٧ ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: أَنْتُمْ تَرَوْنَ ٱلشَّرَّ ٱلَّذِي نَحْنُ فِيهِ، كَيْفَ أَنَّ أُورُشَلِيمَ خَرِبَةٌ وَأَبْوَابَهَا قَدْ أُحْرِقَتْ بِٱلنَّارِ. هَلُمَّ فَنَبْنِيَ سُورَ أُورُشَلِيمَ وَلاَ نَكُونُ بَعْدُ عَاراً. ١٨ وَأَخْبَرْتُهُمْ عَنْ يَدِ إِلٰهِي ٱلصَّالِحَةِ عَلَيَّ، وَأَيْضاً عَنْ كَلاَمِ ٱلْمَلِكِ ٱلَّذِي قَالَهُ لِي. فَقَالُوا: لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ. وَشَدَّدُوا أَيَادِيَهُمْ لِلْخَيْرِ».

ص ٣: ١٣ ص ١: ٣ ع ٣ و١٧ ص ٣: ١٥ و٢ملوك ٢٠: ٢٠ ص ١: ٣ و٢صموئيل ٢: ٧

ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ كما استراح عزرا ثلاثة أيام بعد وصوله إلى أورشليم (عزرا ٨: ٣٢) ولعله استقبل وجوه المدينة.

قُمْتُ لَيْلاً (ع ١٢) قصد أن يعرف حالة الأسوار والعمل المطلوب ويفتكر فيه ويعتمد على ما سيعمله قبلما يخبر الناس به. وفي كل عمله تيقّن إرشاد الله.

بَابِ ٱلْوَادِي الوادي وادي ابن هنوم وكان الباب في الجنوب الغربي من المدينة.

عَيْنِ ٱلتِّنِّينِ… بَابِ ٱلدِّمْنِ… بَابِ ٱلْعَيْنِ… بِرْكَةِ ٱلْمَلِكِ لا نعرف موقعها ولا أصل أسمائها لأن أسوار أورشليم هُدمت مرات كثيرة وتكوّم ردمها وانسدّت عيونها. وأما ما نفهمه فهو أن نحميا خرج من باب الوادي وسار جنوباً في وادي ابن هنوم ثم إلى الشرق إلى وادي قدرون ثم شمالاً ثم غرباً حتى كمّل دائرة المدينة ورجع إلى باب الوادي الذي كان قد خرج منه.

ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ (ع ١٧) أي جمع الولاة والأشراف وباقي عاملي العمل. فإنه لم يستحسن أن يعمل وحده ولا أن يحكم حكماً مطلقاً بل أن يخبرهم ويقنعهم ويشددهم فيعملون معه برغبة ونشاط. وسمعوا كلامه وصدّقوا لرأيه بالأحرى لأنه كان قد رأى الأسوار كلها بعينيه ودرس الأمر درساً كافياً.

١٩، ٢٠ «١٩ وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ ٱلْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا ٱلْعَبْدُ ٱلْعَمُّونِيُّ وَجَشَمٌ ٱلْعَرَبِيُّ هَزَأُوا بِنَا وَٱحْتَقَرُونَا، وَقَالُوا: مَا هٰذَا ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي أَنْتُمْ عَامِلُونَ؟ أَعَلَى ٱلْمَلِكِ تَتَمَرَّدُونَ؟. ٢٠ فَأَجَبْتُهُمْ: إِنَّ إِلٰهَ ٱلسَّمَاءِ يُعْطِينَا ٱلنَّجَاحَ وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ وَلاَ حَقٌّ وَلاَ ذِكْرٌ فِي أُورُشَلِيمَ».

ص ٦: ٦ ص ٤: ١ ع ٤

جَشَمٌ ٱلْعَرَبِيُّ (انظر ٦: ٦) أحد رؤساء العرب. أما أنه كان من بلاد العرب وكان هو وشعبه متحدين مع السامريين والعمونيين وغيرهم من الشعوب (ع ١٠) ضد اليهود أو إنه كان من المستوطنين في بلاد السامريين فكانت المقاومة من السامريين وليست من الشعوب عموماً.

ٱحْتَقَرُونَا لأن اليهود كانوا قليلي العدد وليسوا قادرين على العمل حسب ظنهم وربما لم يجهلوا أمر الملك لنحميا ولكنهم أرادوا لو أمكن أن يخوّفوا اليهود ليجبنوا فأجابهم نحميا ليس بذكر ملك فارس بل بذكر إله السماء الذي منه النجاح ولا يقدر أحد أن يقاومه ورفض نحميا رفضاً تاماً دعواهم بحق الدخول في أمر أورشليم.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى