سفر أخبار الأيام الثاني | 32 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر أخبار الأيام الثاني
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاَثُونَ
١ – ٨ «١ وَبَعْدَ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ وَهٰذِهِ ٱلأَمَانَةِ أَتَى سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ وَدَخَلَ يَهُوذَا وَنَزَلَ عَلَى ٱلْمُدُنِ ٱلْحَصِينَةِ وَطَمِعَ بِإِخْضَاعِهَا لِنَفْسِهِ. ٢ وَلَمَّا رَأَى حَزَقِيَّا أَنَّ سَنْحَارِيبَ قَدْ أَتَى وَوَجْهُهُ عَلَى مُحَارَبَةِ أُورُشَلِيمَ، ٣ تَشَاوَرَ هُوَ وَرُؤَسَاؤُهُ وَجَبَابِرَتُهُ عَلَى طَمِّ مِيَاهِ ٱلْعُيُونِ ٱلَّتِي هِيَ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ فَسَاعَدُوهُ. ٤ فَتَجَمَّعَ شَعْبٌ كَثِيرٌ وَطَمُّوا جَمِيعَ ٱلْيَنَابِيعِ وَٱلنَّهْرَ ٱلْجَارِيَ فِي وَسَطِ ٱلأَرْضِ قَائِلِينَ: لِمَاذَا يَأْتِي مُلُوكُ أَشُّورَ وَيَجِدُونَ مِيَاهاً غَزِيرَةً؟ ٥ وَتَشَدَّدَ وَبَنَى كُلَّ ٱلسُّورِ ٱلْمُنْهَدِمِ وَأَعْلاَهُ إِلَى ٱلأَبْرَاجِ، وَسُوراً آخَرَ خَارِجاً، وَحَصَّنَ ٱلْقَلْعَةَ مَدِينَةَ دَاوُدَ وَعَمِلَ سِلاَحاً بِكَثْرَةِ وَأَتْرَاساً. ٦ وَجَعَلَ رُؤَسَاءَ قِتَالٍ عَلَى ٱلشَّعْبِ وَجَمَعَهُمْ إِلَيْهِ إِلَى سَاحَةِ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ، وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ قَائِلاً: ٧ تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا مِنْ مَلِكِ أَشُّورَ وَمِنْ كُلِّ ٱلْجُمْهُورِ ٱلَّذِي مَعَهُ، لأَنَّ مَعَنَا أَكْثَرَ مِمَّا مَعَهُ. ٨ مَعَهُ ذِرَاعُ بَشَرٍ وَمَعَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا لِيُسَاعِدَنَا وَيُحَارِبَ حُرُوبَنَا. فَٱسْتَنَدَ ٱلشَّعْبُ عَلَى كَلاَمِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا».
(انظر ٢ملوك ١٨: ١ – ١٨).
وَهٰذِهِ ٱلأَمَانَةِ كان حزقيا قد عمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل داود أبوه. ولا شك في أنه تعجّب هو وشعبه حينما صعد سنحاريب على جميع مدن يهوذا المحصنة وأخذها وصعد جيشه العظيم على أورشليم وحاصرها. ولكن كل من يتكل على الرب ويصبر إلى النهاية يشكر الرب ويمجده على حكمته وعدله وأمانته في مواعيده لشعبه. فإن الرب أتى بسنحاريب إلى أورشليم ليس ليأخذها بل ليهلك هو وجيشه ويخلّص الرب شعبه من أعظم أعدائهم.
تَشَاوَرَ هُوَ وَرُؤَسَاؤُهُ (ع ٣) لم يكن حكمه حكماً مطلقاً (٢٩: ٣٠ و٣٠: ٢ و٣١: ٨).
مِيَاهِ ٱلْعُيُونِ لا خبر في التواريخ إن أهل أورشليم تضايقوا من قلة الماء في وقت الحصار مع أنهم تضايقوا من قلة الطعام. ولكن المحاصرين تضايقوا لأن المياه في الخارج قليلة. كانت عين روجل (٢صموئيل ١٧: ١٧) إلى جهة الجنوب من المدينة وخارجة عن السور. واسمها اليوم بئر أيوب. وإلى جهة الشرق عين العذراء أو عين أم الدرج ومنها قناة قديمة معوجة منحوتة في الصخر تحت الأرض إلى بركة سلوام وفي هذه القناة كتابة باللغة العبرانية منسوبة إلى حزقيا. ويقول أكثر المفسرين إن عين العذراء هي جيحون القديمة. ويُظن أن القناة من عين العذراء إلى بركة سلوام عملها حزقيا وهي المشار إليها في (ع ٣٠) «سد مخرج مياه جيحون الأعلى وأجراها تحت الأرض إلى الجهة الغربية من مدينة داود» أي عين سلوام وهي إلى جهة الجنوب الغربي من قسم أورشليم المسمى صهيون أو مدينة داود (اطلب «أورشليم» في قاموس الكتاب المجلد الأول صفحة ١٧٢ واطلب أيضاً «سلوام»).
ٱلنَّهْرَ ٱلْجَارِيَ فِي وَسَطِ ٱلأَرْضِ (ع ٤) ليس اليوم نهر كالمذكور هنا. ويُظن أنه كان نهر في القديم ولكنه اختفى بسبب انقلاب الأرض وتغيير هيئتها زمان محاصرات وحروب كثيرة على مدة نحو ٢٦٠٠ سنة.
وَبَنَى كُلَّ ٱلسُّورِ ٱلْمُنْهَدِمِ (ع ٥) انهدم في زمان أبيه آحاز لقلة الاعتناء به. وربما هدموا بعض بيوت المدينة لتحصين السور (إشعياء ٢٢: ١٠).
مَدِينَةَ دَاوُدَ قسم من مدينة أورشليم ويرجّح أنها كانت على الظهر الشرقي إلى الجنوب من موضع الهيكل وسُميت أيضاً صهيون والأكمة أو أوفل. والقلعة وهو استحكام لمدينة داود أو قلعة أو مخزن سلاح أو سور. والسور الآخر ربما كان إلى الشرق من بركة سلوام حيث اليوم آثار سور وغايته إحاطة البركة وصيانتها من الأشوريين (إشعياء ٢٢: ٩ – ١١).
ولا يخفى عدم الاتفاق عند علماء الآثار القديمة ومفسري الكتاب من جهة شرح آثار مواقع أورشليم القديمة. وكثيراً ما يطلق ذات الاسم على مكان في جبل وعلى مكان آخر في جبل آخر أو على مكان وعلى جزء فقط من ذلك المكان. ومما يزيد صعوبة الأمر أن أورشليم القديمة مطمورة تحت ردم الأجيال وفي أماكن تكون تحت وجه الأرض بنحو ٨٠ قدماً.
سِلاَحاً بِكَثْرَةِ وَأَتْرَاساً (ع ٥) جنّد الشعب كلهم. وأحسن سلاح هو إيمانهم بالرب ويرجّح أن ما ذُكر في (٢ملوك ١٨: ١٤ – ١٦) أي خضوع حزقيا لملك أشور وتأديته له الجزية وتقشير الذهب عن أبواب الهيكل كان كله قبل ما ذُكر هنا من جهة الاستعداد وتشجيع الشعب.
٩ – ٣٣ «٩ بَعْدَ هٰذَا أَرْسَلَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ عَبِيدَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. (وَهُوَ عَلَى لَخِيشَ وَكُلُّ سَلْطَنَتِهِ مَعَهُ) إِلَى حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا وَإِلَى كُلِّ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ يَقُولُونَ: ١٠ هٰكَذَا يَقُولُ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ: عَلَى مَاذَا تَتَّكِلُونَ وَتُقِيمُونَ فِي ٱلْحِصَارِ فِي أُورُشَلِيمَ؟ ١١ أَلَيْسَ حَزَقِيَّا يُغْوِيكُمْ لِيَدْفَعَكُمْ لِلْمَوْتِ بِٱلْجُوعِ وَٱلْعَطَشِ، قَائِلاً: ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا يُنْقِذُنَا مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. ١٢ أَلَيْسَ حَزَقِيَّا هُوَ ٱلَّذِي أَزَالَ مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَقَالَ لِيَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ: أَمَامَ مَذْبَحٍ وَاحِدٍ تَسْجُدُونَ وَعَلَيْهِ تُوقِدُونَ؟ ١٣ أَمَا تَعْلَمُونَ مَا فَعَلْتُهُ أَنَا وَآبَائِي بِجَمِيعِ شُعُوبِ ٱلأَرَاضِي؟ فَهَلْ قَدِرَتْ آلِهَةُ أُمَمِ ٱلأَرَاضِي أَنْ تُنْقِذَ أَرْضَهَا مِنْ يَدِي. ١٤ مَنْ مِنْ جَمِيعِ آلِهَةِ هٰؤُلاَءِ ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ حَرَّمَهُمْ آبَائِي ٱسْتَطَاعَ أَنْ يُنْقِذَ شَعْبَهُ مِنْ يَدِي حَتَّى يَسْتَطِيعَ إِلٰهُكُمْ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِي؟ ١٥ وَٱلآنَ لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ حَزَقِيَّا وَلاَ يُغْوِيَنَّكُمْ هٰكَذَا وَلاَ تُصَدِّقُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ إِلٰهُ أُمَّةٍ أَوْ مَمْلَكَةٍ أَنْ يُنْقِذَ شَعْبَهُ مِنْ يَدِي وَيَدِ آبَائِي. فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ إِلٰهُكُمْ لاَ يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدِي!. ١٦ وَتَكَلَّمَ عَبِيدُهُ أَكْثَرَ ضِدَّ ٱلرَّبِّ ٱلإِلٰهِ وَضِدَّ حَزَقِيَّا عَبْدِهِ. ١٧ وَكَتَبَ رَسَائِلَ لِتَعْيِيرِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ وَلِلتَّكَلُّمِ ضِدَّهُ قَائِلاً: كَمَا أَنَّ آلِهَةَ أُمَمِ ٱلأَرَاضِي لَمْ تُنْقِذْ شُعُوبَهَا مِنْ يَدِي، كَذٰلِكَ لاَ يُنْقِذُ إِلٰهُ حَزَقِيَّا شَعْبَهُ مِنْ يَدِي. ١٨ وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِٱلْيَهُودِيِّ إِلَى شَعْبِ أُورُشَلِيمَ ٱلَّذِينَ عَلَى ٱلسُّورِ لِتَخْوِيفِهِمْ وَتَرْوِيعِهِمْ لِيَأْخُذُوا ٱلْمَدِينَةَ. ١٩ وَتَكَلَّمُوا عَلَى إِلٰهِ أُورُشَلِيمَ كَمَا عَلَى آلِهَةِ شُعُوبِ ٱلأَرْضِ صَنْعَةِ أَيْدِي ٱلنَّاسِ. ٢٠ فَصَلَّى حَزَقِيَّا ٱلْمَلِكُ وَإِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ ٱلنَّبِيُّ لِذٰلِكَ وَصَرَخَا إِلَى ٱلسَّمَاءِ، ٢١ فَأَرْسَلَ ٱلرَّبُّ مَلاَكاً فَأَبَادَ كُلَّ جَبَّارِ بَأْسٍ وَرَئِيسٍ وَقَائِدٍ فِي مَحَلَّةِ مَلِكِ أَشُّورَ. فَرَجَعَ بِخِزْيِ ٱلْوَجْهِ إِلَى أَرْضِهِ. وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتَ إِلٰهِهِ قَتَلَهُ هُنَاكَ بِٱلسَّيْفِ ٱلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ أَحْشَائِهِ. ٢٢ وَخَلَّصَ ٱلرَّبُّ حَزَقِيَّا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ مِنْ سَنْحَارِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ وَمِنْ يَدِ ٱلْجَمِيعِ، وَحَمَاهُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. ٢٣ وَكَانَ كَثِيرُونَ يَأْتُونَ بِتَقْدِمَاتِ ٱلرَّبِّ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَتُحَفٍ لِحَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَٱعْتُبِرَ فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ ٱلأُمَمِ بَعْدَ ذٰلِكَ. ٢٤ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا إِلَى حَدِّ ٱلْمَوْتِ وَصَلَّى إِلَى ٱلرَّبِّ فَكَلَّمَهُ وَأَعْطَاهُ عَلاَمَةً. ٢٥ وَلٰكِنْ لَمْ يَرُدَّ حَزَقِيَّا حَسْبَمَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ لأَنَّ قَلْبَهُ ٱرْتَفَعَ، فَكَانَ غَضَبٌ عَلَيْهِ وَعَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. ٢٦ ثُمَّ تَوَاضَعَ حَزَقِيَّا بِسَبَبِ ٱرْتِفَاعِ قَلْبِهِ هُوَ وَسُكَّانُ أُورُشَلِيمَ، فَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِمْ غَضَبُ ٱلرَّبِّ فِي أَيَّامِ حَزَقِيَّا. ٢٧ وَكَانَ لِحَزَقِيَّا غِنىً وَكَرَامَةٌ كَثِيرَةٌ جِدّاً، وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ خَزَائِنَ لِلْفِضَّةِ وَٱلذَّهَبِ وَٱلْحِجَارَةِ ٱلْكَرِيمَةِ وَٱلأَطْيَابِ وَٱلأَتْرَاسِ وَكُلِّ آنِيَةٍ ثَمِينَةٍ، ٢٨ وَمَخَازِنَ لِغَلَّةِ ٱلْحِنْطَةِ وَٱلْمِسْطَارِ وَٱلزَّيْتِ، وَإِسْطَبْلاَتٍ لِكُلِّ أَنْوَاعِ ٱلْبَهَائِمِ وَلِلْقُطْعَانِ. ٢٩ وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ أَبْرَاجاً وَمَوَاشِيَ غَنَمٍ وَبَقَرٍ بِكَثْرَةٍ لأَنَّ ٱللّٰهَ أَعْطَاهُ أَمْوَالاً كَثِيرَةً جِدّاً. ٣٠ وَحَزَقِيَّا هٰذَا سَدَّ مَخْرَجَ مِيَاهِ جِيحُونَ ٱلأَعْلَى وَأَجْرَاهَا تَحْتَ ٱلأَرْضِ، إِلَى ٱلْجِهَةِ ٱلْغَرْبِيَّةِ مِنْ مَدِينَةِ دَاوُدَ. وَأَفْلَحَ حَزَقِيَّا فِي كُلِّ عَمَلِهِ. ٣١ وَهٰكَذَا فِي أَمْرِ سُفَرَاءِ رُؤَسَاءِ بَابِلَ ٱلَّذِينَ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ لِيَسْأَلُوا عَنِ ٱلأُعْجُوبَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ فِي ٱلأَرْضِ تَرَكَهُ ٱللّٰهُ لِيُجَرِّبَهُ لِيَعْلَمَ كُلَّ مَا فِي قَلْبِهِ. ٣٢ وَبَقِيَّةُ أُمُورِ حَزَقِيَّا وَمَرَاحِمُهُ مَكْتُوبَةٌ فِي رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ ٱلنَّبِيِّ فِي سِفْرِ مُلُوكِ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ. ٣٣ ثُمَّ ٱضْطَجَعَ حَزَقِيَّا مَعَ آبَائِهِ فَدَفَنُوهُ فِي عَقَبَةِ قُبُورِ بَنِي دَاوُدَ، وَعَمِلَ لَهُ إِكْرَاماً عِنْدَ مَوْتِهِ كُلُّ يَهُوذَا وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. وَمَلَكَ مَنَسَّى ٱبْنُهُ عِوَضاً عَنْهُ».
(انظر تفسير إشعياء ص ٣٦ – ٣٩).
السابق |
التالي |