أخبار الأيام الأول

سفر أخبار الأيام الأول | 22 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أخبار الأيام الأول

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ

١ – ٥ «١ فَقَالَ دَاوُدُ: هٰذَا هُوَ بَيْتُ ٱلرَّبِّ ٱلإِلٰهِ، وَهٰذَا هُوَ مَذْبَحُ ٱلْمُحْرَقَةِ لإِسْرَائِيلَ. ٢ وَأَمَرَ دَاوُدُ بِجَمْعِ ٱلأَجْنَبِيِّينَ ٱلَّذِينَ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ وَأَقَامَ نَحَّاتِينَ لِنَحْتِ حِجَارَةٍ مُرَبَّعَةٍ لِبِنَاءِ بَيْتِ ٱللّٰهِ. ٣ وَهَيَّأَ دَاوُدُ حَدِيداً كَثِيراً لِلْمَسَامِيرِ لِمَصَارِيعِ ٱلأَبْوَابِ وَلِلْوُصَلِ، وَنُحَاساً كَثِيراً بِلاَ وَزْنٍ، ٤ وَخَشَبَ أَرْزٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَدَدٌ (لأَنَّ ٱلصَّيْدُونِيِّينَ وَٱلصُّورِيِّينَ أَتَوْا بِخَشَبِ أَرْزٍ كَثِيرٍ إِلَى دَاوُدَ). ٥ وَقَالَ دَاوُدُ: إِنَّ سُلَيْمَانَ ٱبْنِي صَغِيرٌ وَغَضٌّ، وَٱلْبَيْتُ ٱلَّذِي يُبْنَى لِلرَّبِّ يَكُونُ عَظِيماً جِدّاً فِي ٱلٱسْمِ وَٱلْمَجْدِ فِي جَمِيعِ ٱلأَرَاضِي، فَأَنَا أُهَيِّئُ لَهُ. فَهَيَّأَ دَاوُدُ كَثِيراً قَبْلَ وَفَاتِهِ».

فَقَالَ دَاوُدُ كان الرب قد أجاب داود بنار من السماء في بيدر أرنان فعلم داود أن ذلك المكان هو المكان المعيّن من الرب ليكون بيته فيه.

ٱلأَجْنَبِيِّينَ وهم الكنعانيون الساكنون بين الإسرائيليين. سخّرهم داود وسليمان (٢أيام ٨: ٧ – ٩) وكان أجنبيون ماهرون في قطع الخشب وصناعة النحاس والحديد والحجارة وما أشبه ذلك كأهل صور وصيدا. فجمعهم داود أي عدّهم تمهيداً للعمل. وعدهم سليمان أيضاً ووجدوا مئة وثلاثة وخمسين ألفاً وست مئة (٢أيام ٢: ١٧).

حَدِيداً وَنُحَاساً (ع ٣) كانت هذه المعادن ثمينة وقليلة الوجود في القديم بالنسبة إلى أيامنا. وكان داود قد أخذ كثيراً من النحاس من الذين انتصر عليهم في حروبه (١٨: ٧ و٨).

ٱلصَّيْدُونِيِّينَ وَٱلصُّورِيِّينَ (ع ٤) في التواريخ القديمة أقوال كثيرة تثبت أنهم اشتهروا في كل العالم لمهارتهم في الصنائع.

صَغِيرٌ وَغَضٌّ (ع ٥) لا نعرف كم كان عمره بما أنه ملك أربعين سنة وكان شيخاً حينما مات نستنتج أنه كان قد بلغ عشرين سنة فما فوق حينما ملك. قيل في رحبعام (٢أيام ١٣: ١٧) إنه كان فتىً رقيق القلب وهو ابن إحدى وأربعين سنة.

هَيَّأَ دَاوُدُ كَثِيراً (ع ٣) بنى سليمان الهيكل فسُمي هيكل سليمان ولكنه هيكل داود أيضاً لأن كثيراً من العمل كان منه.

٦ – ١٦ «٦ وَدَعَا سُلَيْمَانَ ٱبْنَهُ وَأَوْصَاهُ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتاً لِلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ. ٧ وَقَالَ دَاوُدُ لِسُلَيْمَانَ: يَا ٱبْنِي، قَدْ كَانَ فِي قَلْبِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتاً لٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِي. ٨ فَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ ٱلرَّبِّ: قَدْ سَفَكْتَ دَماً كَثِيراً وَعَمِلْتَ حُرُوباً عَظِيمَةً، فَلاَ تَبْنِي بَيْتاً لٱسْمِي لأَنَّكَ سَفَكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً عَلَى ٱلأَرْضِ أَمَامِي. ٩ هُوَذَا يُولَدُ لَكَ ٱبْنٌ يَكُونُ صَاحِبَ رَاحَةٍ، وَأُرِيحُهُ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ حَوَالَيْهِ، لأَنَّ ٱسْمَهُ يَكُونُ سُلَيْمَانَ. فَأَجْعَلُ سَلاَماً وَسَكِينَةً فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِهِ. ١٠ هُوَ يَبْنِي بَيْتاً لٱسْمِي، وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْناً، وَأَنَا لَهُ أَباً وَأُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلأَبَدِ. ١١ ٱلآنَ يَا ٱبْنِي لِيَكُنِ ٱلرَّبُّ مَعَكَ فَتُفْلِحَ وَتَبْنِيَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ كَمَا تَكَلَّمَ عَنْكَ. ١٢ إِنَّمَا يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ فِطْنَةً وَفَهْماً وَيُوصِيكَ بِإِسْرَائِيلَ لِحِفْظِ شَرِيعَةِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ. ١٣ حِينَئِذٍ تُفْلِحُ إِذَا تَحَفَّظْتَ لِعَمَلِ ٱلْفَرَائِضِ وَٱلأَحْكَامِ ٱلَّتِي أَمَرَ بِهَا ٱلرَّبُّ مُوسَى لأَجْلِ إِسْرَائِيلَ. تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَرْتَعِبْ. ١٤ هَئَنَذَا فِي مَذَلَّتِي هَيَّأْتُ لِبَيْتِ ٱلرَّبِّ ذَهَباً مِئَةَ أَلْفِ وَزْنَةٍ، وَفِضَّةً مِلْيُونَ وَزْنَةٍ، وَنُحَاساً وَحَدِيداً بِلاَ وَزْنٍ لأَنَّهُ كَثِيرٌ. وَقَدْ هَيَّأْتُ خَشَباً وَحِجَارَةً فَتَزِيدُ عَلَيْهَا. ١٥ وَعِنْدَكَ كَثِيرُونَ مِنْ عَامِلِي ٱلشُّغْلِ: نَحَّاتِينَ وَبَنَّائِينَ وَنَجَّارِينَ وَكُلُّ حَكِيمٍ فِي كُلِّ عَمَلٍ. ١٦ ٱلذَّهَبُ وَٱلْفِضَّةُ وَٱلنُّحَاسُ وَٱلْحَدِيدُ لَيْسَ لَهَا عَدَدٌ. قُمْ وَٱعْمَلْ، وَلْيَكُنِ ٱلرَّبُّ مَعَكَ».

كَانَ فِي قَلْبِي (٢صموئيل ٧: ١ – ١٦).

سَفَكْتَ دَماً كَثِيراً (ع ٨) لا نستنتج أن داود أخطأ في حروبه لأنها كانت بأمر الرب وكان الرب معه يخلصه حيثما توجه (١٨: ١٣) غير أنه من المحتمل أنه أحياناً تطرف في القساوة (٢صموئيل ١٢: ٣١) ولكننا نستنتج أن داود التهى في حروبه الكثيرة فلم تكن له فرصة لبناء الهيكل فكان العمل المطلوب منه من الرب أن يحارب الحروب اللازمة لأجل تثبيت المملكة كما أن العمل الذي دعا الرب سليمان إليه هو بناء الهيكل.

هُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْناً (ع ١٠) (٢صموئيل ٧: ١٤).

إِلَى ٱلأَبَدِ إلى آخر زمان مملكة يهوذا أي لم يكن على يهوذا ملك إلا الذين كانوا من نسله. وإلى الأبد لأن المسيح سيكون من نسله وملكوت المسيح إلى الأبد.

يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ فِطْنَةً (ع ١٢) طلب سليمان هذه البركات العظمى في أول ملكه (٢أيام ١: ٧ – ١٢).

وَيُوصِيكَ بِإِسْرَائِيلَ ذكره أن الملك هو من قبل الرب فعليه أن يحفظ وصاياه.

حِينَئِذٍ تُفْلِحُ (ع ١٣) كما قال الرب ليشوع (يشوع ١: ٧) وهذه الوصية البسيطة هي لكل إنسان فنجاح الإنسان اليوم في كل أعماله تتوقف على حفظه وصايا الرب.

فِي مَذَلَّتِي (ع ١٤) إشارة إلى المشقات التي احتملها في أول ملكه في حروبه. أو التي احتملها في آخر ملكه في زمان فتنة أبشالوم. أو إلى ضعفه الجسدي في زمان شيخوخته. وعلى رغم هذه الموانع هيأ كنوزاً وافرة لأجل الهيكل.

ذَهَباً مِئَةَ أَلْفِ وَزْنَةٍ، وَفِضَّةً مِلْيُونَ وَزْنَةٍ كانت وزنة الذهب تساوي ٤٥٧٥ ليرة إنكليزية ووزنة الفضة ٣٤٢ ليرة إنكليزية فكان مجموع ما هيأه داود أكثر من ثماني مئة ألف ألف ليرة ولم يكن ملك ولا مملكة في القديم لهما هذا المقدار من المال فنرى في القول صعوبة. ومن التفاسير نذكر: (١) إن الناسخ غلط في كتابة الأعداد. والمذكور في يوسيفوس هو عشر المذكور هنا أي عشرة آلاف وزنة من الذهب ومئة ألف ومئة من الفضة (٢) إن الكاتب لم يقصد ذكر الأعداد تماماً بل الأهمية فقط بأن داود جمع كثيراً جداً من الذهب والفضة (انظر دانيال ٧: ١٠ ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدامه وتكوين ٢٤: ٦٠ أنتِ أختنا صيري ألوف ربوات وميخا ٦: ٧ ألوف الكباش ربوات أنهار زيت) (٣) إن الوزنة المذكورة هي غير الوزنة العادية وأقل منها. (٤) إن الذهب والفضة لم تكن خالصة (٥) إننا نقبل الأعداد كما هي وقيمة الوزنة كالعادة. ونقول أن داود كان قد أخذ كثيراً من الكنوز في حروبه فكانت من الهياكل والأصنام ونفائس أعدائه. ولم يستعمل سليمان الذهب والفضة كلها للهيكل نفسه بل اتفق قسماً منها أجرة للعاملين وقسماً لآنية الهيكل وقسماً منها حفظه لنفقات مستقبلة.

فَتَزِيدُ عَلَيْهَا (انظر ٢أيام ٢: ٣ و٨).

١٧ – ١٩ «١٧ وَأَمَرَ دَاوُدُ جَمِيعَ رُؤَسَاءِ إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسَاعِدُوا سُلَيْمَانَ ٱبْنَهُ: ١٨ أَلَيْسَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ مَعَكُمْ، وَقَدْ أَرَاحَكُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، لأَنَّهُ دَفَعَ لِيَدِي سُكَّانَ ٱلأَرْضِ فَخَضَعَتِ ٱلأَرْضُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ وَأَمَامَ شَعْبِهِ؟ ١٩ فَٱلآنَ ٱجْعَلُوا قُلُوبَكُمْ وَأَنْفُسَكُمْ لِطَلَبِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ، وَقُومُوا وَٱبْنُوا مَقْدِسَ ٱلرَّبِّ ٱلإِلٰهِ، لِيُؤْتَى بِتَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ وَبِآنِيَةِ قُدْسِ ٱللّٰهِ إِلَى ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِي يُبْنَى لٱسْمِ ٱلرَّبِّ».

راجع داود بأفكاره مواعيد الله لإبراهيم منذ نحو ٩٠٠ سنة (تكوين ١٢: ٢ و٣) وليشوع (يشوع ١: ١ – ٩) ولداود (٢صموئيل ٧: ٨ – ١٦) وكان الرب قد أنجز هذه المواعيد وأعطى شعبه الأرض الموعود بها والغنى والراحة والسلام وكثرهم جداً فعليهم أن يجعلوا قلوبهم لطلب الرب ويبنوا بيته.

فوائد

«وهيّأ داود» ع ٣

(١) كانت تهيئة داود لما سيعمله غيره لأن سليمان بنى الهيكل وليس داود والبيت هو للرب وليس لنفسه (٢) كانت هذه التهيئة في شيخوخته وطوبى للشيخ الذي لا ينحصر مرغوبه ومقصوده في مدة حياته (٣) كانت تهيئة داود كثيراً وبسخاء لأنه أحب الرب من كل قلبه وهو مستحق أفضل تقادم.

«ودعا سليمان ابنه وأوصاه» ع ٦ أفضل ميراث

ترك داود لابنه غنىً عظيماً ومقاماً سامياً ولكن الميراث الأفضل هو (١) العمل. والعمل أشرف من الكسل. والعمل يحفظ الإنسان من الشرور والمخاطر (٢) النصائح. وما أجمل النصائح من رجل كداود وهو رجل أحبه الرب وكلّمه. رجل اختبر أكثر من غيره أمور الحياة أحزانها وأفراحها وتجاربها (٣) القدوة الحسنة. فكان لابنه أن يفتخر بأنه ابن داود.

«العمل من القلب» داود (ع ٧) سليمان (ع ١١) الرؤساء (ع ١٩).

(١) ليست مسرة الرب بمجرد الحجارة والأخشاب والذهب والفضة بل بمحبة البنائين (٢) ليست المحبة للرب في الكلام فقط بل أيضاً في العمل والعطاء (٣) يجب أن يكون العمل بالنسبة إلى المحبة فمن يحب الرب من كل قلبه يعطيه من كل قلبه.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى