صموئيل الثاني

سفر صموئيل الثاني | 01 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر صموئيل الثاني

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

١ – ١٠ «١ وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ شَاوُلَ وَرُجُوعِ دَاوُدَ مِنْ مُضَارَبَةِ ٱلْعَمَالِقَةِ أَنَّ دَاوُدَ أَقَامَ فِي صِقْلَغَ يَوْمَيْنِ. ٢ وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ إِذَا بِرَجُلٍ أَتَى مِنَ ٱلْمَحَلَّةِ مِنْ عِنْدِ شَاوُلَ وَثِيَابُهُ مُمَزَّقَةٌ وَعَلَى رَأْسِهِ تُرَابٌ. فَلَمَّا جَاءَ إِلَى دَاوُدَ خَرَّ إِلَى ٱلأَرْضِ وَسَجَدَ. ٣ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟ فَقَالَ لَهُ: مِنْ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ نَجَوْتُ. ٤ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: كَيْفَ كَانَ ٱلأَمْرُ؟ أَخْبِرْنِي. فَقَالَ: إِنَّ ٱلشَّعْبَ قَدْ هَرَبَ مِنَ ٱلْقِتَالِ، وَسَقَطَ أَيْضاً كَثِيرُونَ مِنَ ٱلشَّعْبِ وَمَاتُوا، وَمَاتَ شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ ٱبْنُهُ أَيْضاً. ٥ فَقَالَ دَاوُدُ لِلْغُلاَمِ ٱلَّذِي أَخْبَرَهُ: كَيْفَ عَرَفْتَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ ٱبْنُهُ؟ ٦ فَقَالَ ٱلْغُلاَمُ ٱلَّذِي أَخْبَرَهُ: ٱتَّفَقَ أَنِّي كُنْتُ فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ وَإِذَا شَاوُلُ يَتَوَكَّأُ عَلَى رُمْحِهِ، وَإِذَا بِٱلْمَرْكَبَاتِ وَٱلْفُرْسَانِ يَشُدُّونَ وَرَاءَهُ. ٧ فَٱلْتَفَتَ إِلَى وَرَائِهِ فَرَآنِي وَدَعَانِي فَقُلْتُ: هَئَنَذَا. ٨ فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: عَمَالِيقِيٌّ أَنَا. ٩ فَقَالَ لِي: قِفْ عَلَيَّ وَٱقْتُلْنِي لأَنَّهُ قَدِ ٱعْتَرَانِيَ ٱلدُّوَارُ لأَنَّ كُلَّ نَفْسِي بَعْدُ فِيَّ. ١٠ فَوَقَفْتُ عَلَيْهِ وَقَتَلْتُهُ لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّهُ لاَ يَعِيشُ بَعْدَ سُقُوطِهِ، وَأَخَذْتُ ٱلإِكْلِيلَ ٱلَّذِي عَلَى رَأْسِهِ وَٱلسِّوارَ ٱلَّذِي عَلَى ذِرَاعِهِ وَأَتَيْتُ بِهِمَا إِلَى سَيِّدِي هٰهُنَا».

١صموئيل ٣١: ٦ و١صموئيل ٣٠: ١ و١٧: ٢٦ ص ٤: ١٠ و١صموئيل ٤: ١٢ و١صموئيل ٢٥: ٢٣ و١صموئيل ٤: ١٦ و١صموئيل٢٨: ٤ و٣١: ٦ و١صموئيل ٣١: ٢ – ٤ و١صموئيل ١٥: ٣ و٣٠: ١ و١٣ و١٧ قضاة ٩: ٥٤ و٢ملوك ١١: ١٢

بَعْدَ مَوْتِ شَاوُلَ (١صموئيل ص ٣١).

وَرُجُوعِ دَاوُدَ (١صموئيل ص ٣٠).

أَقَامَ فِي صِقْلَغَ يَوْمَيْنِ جددوا مساكنهم ورتبوا أمورهم بعدما كانت احترقت مدينتهم وأرسل داود الهدايا إلى الأماكن التي كان يتردد إليها. وعرف أن الفلسطينيين قد ذهبوا لمحاربة إسرائيل وعرف عظمة جيشهم واستعدادهم وضعف إسرائيل بسبب رفض الرب لملكهم. ولم يقدر داود أن يذهب لينجد شاول فبقي في صقلغ يتوقع الخبر عن نتيجة الحرب وأمر الرب (٢: ١).

وَثِيَابُهُ مُمَزَّقَةٌ وَعَلَى رَأْسِهِ تُرَابٌ هو عماليقي ولكنه اعتبر نفسه واحداً من شعب إسرائيل ولعله كان يخدم أحد الإسرائيليين أو الجيش.

وَقَفْتُ عَلَيْهِ وَقَتَلْتُهُ لعله كذب على داود لأنه عرف أن داود سيكون ملكاً بعد شاول وكان شاول يطارد داود فظن العماليقي أن خبر موت شاول يكون بشارة عند داود فيمنحه حلواناً. ولعلَّ الحقيقة أنه أتى ليسلب القتلى أشياءهم فصادف جثة شاول وعرفه من إكليله الذي هو عصابة ضيقة من الذهب حول خوذته فأخذ الإكليل والسوارين اللذين كانا في يديه وأتى بهما إلى داود راجياً أن ينال منه شيئاً.

١١ – ١٣ «١١ فَأَمْسَكَ دَاوُدُ ثِيَابَهُ وَمَزَّقَهَا وَكَذَا جَمِيعُ ٱلرِّجَالِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ. ١٢ وَنَدَبُوا وَبَكَوْا وَصَامُوا إِلَى ٱلْمَسَاءِ عَلَى شَاوُلَ وَعَلَى يُونَاثَانَ ٱبْنِهِ وَعَلَى شَعْبِ ٱلرَّبِّ وَعَلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُمْ سَقَطُوا بِٱلسَّيْفِ. ١٣ ثُمَّ قَالَ دَاوُدُ لِلْغُلاَمِ ٱلَّذِي أَخْبَرَهُ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا ٱبْنُ رَجُلٍ غَرِيبٍ عَمَالِيقِيٍّ».

تكوين ٣٧: ٢٩ و٣٤ ص ٣: ٣٥ ع ٨

نَدَبُوا وَبَكَوْا لأنهم لم يفتكروا بما ينتفعون أفراداً من موت شاول بل بمصيبة إسرائيل العظيمة بموت ملكهم وموت كثيرين من الشعب وانكسار المملكة.

ٱبْنُ رَجُلٍ غَرِيبٍ عَمَالِيقِيٍّ يظهر من قوله أنه كان في الأصل عماليقياً ثم سكن أرض إسرائيل فصار كإسرائيلي حتى سمّى أباه رجلاً غريباً.

١٤ – ١٦ «١٤ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: كَيْفَ لَمْ تَخَفْ أَنْ تَمُدَّ يَدَكَ لِتُهْلِكَ مَسِيحَ ٱلرَّبِّ؟ ١٥ ثُمَّ دَعَا دَاوُدُ وَاحِداً مِنَ ٱلْغِلْمَانِ وَقَالَ: تَقَدَّمْ. أَوْقِعْ بِهِ. فَضَرَبَهُ فَمَاتَ. ١٦ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: دَمُكَ عَلَى رَأْسِكَ لأَنَّ فَمَكَ شَهِدَ عَلَيْكَ قَائِلاً: أَنَا قَتَلْتُ مَسِيحَ ٱلرَّبِّ».

١صموئيل ٢٤: ٦ و٢٦: ٩ و١١ و١٦ ص ٤: ١٠ و١٢ ص ٣: ٢٨ و٢٩ ع ١٠ ولوقا ١٩: ٢٢

لم يتوقع هذا السؤال من داود ولم يكن مستعداً للجواب فسكت لأنه شهد على نفسه.

١٧، ١٨ «وَرَثَا دَاوُدُ بِهٰذِهِ ٱلْمَرْثَاةِ شَاوُلَ وَيُونَاثَانَ ٱبْنَهُ، ١٨ وَقَالَ أَنْ يَتَعَلَّمَ بَنُو يَهُوذَا «نَشِيدَ ٱلْقَوْسِ». هُوَذَا ذٰلِكَ مَكْتُوبٌ فِي «سِفْرِ يَاشَرَ».

٢أيام ٣٥: ٢٥ يشوع ١٠: ١٣

نَشِيدَ ٱلْقَوْسِ ربما تسمى هذا النشيد بهذا الاسم من ذكر قوس يوناثان في (ع ٢٢). وأمر داود أن يتعلم بنو يهوذا هذا النشيد ليكون ليوناثان وشاول ذكر دائم.

سِفْرِ يَاشَرَ سفر مفقود وليس من الأسفار القانونية يرجح أنه كان مجموع إنشاد ويفهم مما ذُكر أن داود نظم هذا النشيد وأمر بني يهوذا أن يتعلموه فأُضيف إلى سفر ياشر المعروف وقتئذ (يشوع ١٠: ١٣).

١٩، ٢٠ «١٩ اَلظَّبْيُ يَا إِسْرَائِيلُ مَقْتُولٌ عَلَى شَوَامِخِكَ. كَيْفَ سَقَطَ ٱلْجَبَابِرَةُ! ٢٠ لاَ تُخْبِرُوا فِي جَتَّ. لاَ تُبَشِّرُوا فِي أَسْوَاقِ أَشْقَلُونَ، لِئَلاَّ تَفْرَحَ بَنَاتُ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، لِئَلاَّ تَشْمَتَ بَنَاتُ ٱلْغُلْفِ».

ع ٢٥ و٢٧ و١صموئيل ٣١: ٨ – ١٣ وميخا ١: ١٠ خروج ١٥: ٢٠ و٢١ و١صموئيل ١٨: ٦ و١صموئيل ١٤: ٦

اَلظَّبْيُ أي يوناثان وهو مثل الظبي بالجمال والسرعة. وفي القديم كانت السرعة في الركض من أعظم فضائل المحارب (٢٣).

شَوَامِخِكَ شوامخ إسرائيل أي جبال جلبوع (ع ٢١) حيث قُتل يوناثان.

كَيْفَ سَقَطَ ٱلْجَبَابِرَةُ (ع ٢٥ و٢٧) هذا القول مثل قرار في نشيد أو ترنيمة. والجبابرة هم الذين لم يُنتظر سقوطهم والذين كان الاتكال عليهم فبسقوطهم سقط الجميع وبعد سقوطهم ليس رجاء.

لاَ تُخْبِرُوا فِي جَتَّ لئلا يفتخر الفلسطينيون أعداء الرب. وأشقلون مدنية أخرى للفلسطينيين كان فيها أعظم هياكل عشتاروث وربما أُرسل إليها سلاح شاول ويوناثان (١صموئيل ٣١: ١٠).

بَنَاتُ ٱلْغُلْفِ كان الختان علامة شعب الله والغُلف أي غير المختونين هم الخارجون عن العهود والمواعيد التي لشعب الله وهذه التسمية تدل على الاحتقار. وقال «بنات الغلف» لأن النساء كنّ يغنين ويمدحن جبابرتهنّ (١صموئيل ١٨: ٦ و٧).

٢١، ٢٢ «٢١ يَا جِبَالَ جِلْبُوعَ لاَ يَكُنْ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ عَلَيْكُنَّ وَلاَ حُقُولُ تَقْدِمَاتٍ، لأَنَّهُ هُنَاكَ طُرِحَ مِجَنُّ ٱلْجَبَابِرَةِ، مِجَنُّ شَاوُلَ بِلاَ مَسْحٍ بِٱلدُّهْنِ. ٢٢ مِنْ دَمِ ٱلْقَتْلَى مِنْ شَحْمِ ٱلْجَبَابِرَةِ لَمْ تَرْجِعْ قَوْسُ يُونَاثَانَ إِلَى ٱلْوَرَاءِ، وَسَيْفُ شَاوُلَ لَمْ يَرْجِعْ خَائِباً».

١صموئيل ٣١: ١ حزقيال ٣١: ١٥ إشعياء ٢١: ٥ تثنية ٣١: ٤٢ وإشعياء ٣٤: ٦ و١صموئيل ١٨: ٤

لاَ يَكُنْ طَلٌّ (أيوب ٣: ٣ – ١٠ إرميا ٢٠: ١٤ – ١٧) لا يجوز أن نفهم هذه الأقوال حرفياً لأنها اصطلاحات شعرية والقصد منها تصوير عظمة الداهية التي وقعت على إسرائيل بموت شاول ويوناثان.

وَلاَ حُقُولُ تَقْدِمَاتٍ أي لا يكن في الحقول ما يكفي لتقدمات الرب أو ما يستحق التعشير.

بِلاَ مَسْحٍ بِٱلدُّهْنِ (انظر إشعياء ٢١: ٥) قوموا أيها الرؤساء امسحوا المجنّ. أي كان مسح المجن بالدهن من الاستعداد للقتال وأما مجن شاول فطُرح بلا مسح لأنه قُتل فانتهت كل أعماله بالبأس في ساحة الحرب وعوضاً عن المسح بالدهن تلوّث بالدم ليس بدم أعدائه بل بدم نفسه.

٢٣ «شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ ٱلْمَحْبُوبَانِ وَٱلْحُلْوَانِ فِي حَيَاتِهِمَا لَمْ يَفْتَرِقَا فِي مَوْتِهِمَا. أَخَفُّ مِنَ ٱلنُّسُورِ وَأَشَدُّ مِنَ ٱلأُسُودِ».

إرميا ٤: ١٣ قضاة ١٤: ١٨

ٱلْمَحْبُوبَانِ وَٱلْحُلْوَانِ ليس يوناثان فقط بل أيضاً شاول. فأظهر داود سموّ مبادئه لأنه لم يذكر شيئاً من أعمال شاول السيئة ولم يرِد أن يتكلم عن الموتى إلا الحسن.

لَمْ يَفْتَرِقَا فِي مَوْتِهِمَا كان يوناثان أميناً لأبيه كل حياته حتى الموت وإن كان أبوه لم يحب حبيبه داود.

أَخَفُّ مِنَ ٱلنُّسُورِ وَأَشَدُّ مِنَ ٱلأُسُودِ مدحهما على سرعتهما في المشي وشجاعتهما في القتال.

٢٤ «يَا بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ، ٱبْكِينَ شَاوُلَ ٱلَّذِي أَلْبَسَكُنَّ قِرْمِزاً بِٱلتَّنَعُّمِ، وَجَعَلَ حُلِيَّ ٱلذَّهَبِ عَلَى مَلاَبِسِكُنَّ».

خاطب النساء لأنهن يتضايقن من الحروب والظلم وينتفعن من الراحة والسلام. والملابس الفاخرة والتحلي بالذهب لم يكونا إلا نتيجة سني الراحة وحينما نتذكر خطايا شاول وعصيانه وعناده وجنونه وموته بلا رجاء يجب أن لا ننسى خدمته النافعة لشعبه وأعماله الصالحة التي ليس لها ذكر في الكتاب فإن التواريخ تذكر الحروب والمصائب والفواحش بالتفصيل وأما أعوام السلام والأعمال الحسنة فتذكرها بالاختصار.

٢٥ «كَيْفَ سَقَطَ ٱلْجَبَابِرَةُ فِي وَسَطِ ٱلْحَرْبِ! يُونَاثَانُ عَلَى شَوَامِخِكَ مَقْتُولٌ».

ع ١٩ و٢٧

(انظر ١٩ و٢٧).

٢٦، ٢٧ «٢٦ قَدْ تَضَايَقْتُ عَلَيْكَ يَا أَخِي يُونَاثَانُ. كُنْتَ حُلْواً لِي جِدّاً. مَحَبَّتُكَ لِي أَعْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ ٱلنِّسَاءِ. ٢٧ كَيْفَ سَقَطَ ٱلْجَبَابِرَةُ وَبَادَتْ آلاَتُ ٱلْحَرْبِ».

١صموئيل ١٨: ١ – ٤ ع ١٩ و٢٥ إشعياء ١٣: ٥

أَعْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ ٱلنِّسَاءِ محبة المرأة لرجلها عجيبة لأنها تترك بيت أبيها وأهلها لأجله وتحامي عنه إذا أُهين وتخدمه إذا مرض وتلتصق به إذا افتقر وتثبت في محبتها إلى الموت. ولكن محبة يوناثان لداود أعجب لأنه بقي في بيت أبيه واحتمل التعييرات لأجله وأحبه لما كان مطروداً وأحبه أيضاً عندما رأى نفسه خاسراً وداود رابحاً.

فوائد

  1. إذا نجح الكذب يكون الكاذب قد باع نفسه بدراهم قليلة أو راحة وقتية. ولا ينجح الكذب على الغالب فيكون الكاذب قد بحث عن حتفه بظلفه (ع ١٦).
  2. يجب أن لا نتكلم عن الموتى إلا الحسن (أ) لأن الميت لا يقدر أن يحامي عن نفسه (ب) لأنه يقف أمام عرش الله الديان العادل (ج) لأن ذكر الأعمال الصالحة مفيد لنا وللعالم أكثر من ذكر السيئات. غير أن ذكر خطايا الموتى أحياناً يكون ضرورياً ليتجنبها الأحياء.
  3. إن الله يعمل كل شيء حسناً فإذا توفى الأفاضل في أفخر أيامهم كيوناثان يكون ذلك من محبته لهم ليستريحوا من أتعاب الحياة وتجاربها.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى