سفر صموئيل الأول | 15 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر صموئيل الأول
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ
مضمونه: إرسال الرب شاول لتحريم عماليق. تحذير شاول للقينيين. ضربهُ للعمالقة. عفو شاول عن أفضل الغنيمة وعن أجاج الملك. توبيخ الرب لشاول ورفضه إياه. ندامة شاول. قتل صموئيل لأجاج. مفارقة صموئيل لشاول.
١ «وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: إِيَّايَ أَرْسَلَ ٱلرَّبُّ لِمَسْحِكَ مَلِكاً عَلَى شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. وَٱلآنَ فَٱسْمَعْ صَوْتَ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ».
ص ٩: ١٦
الأرجح أنه بين حوادث هذا الأصحاح وحوادث الأصحاح السابق سنين عديدة. وفي هذه المدة كان الرب امتحن شاول بصبر وصار شاول يبتعد عن الرب بالتدريج ومال إلى العمل بحسب إرادة نفسه وكان صموئيل ينذره (ص ١٣: ١٣ و١٤). وبما أن شاول لم يصغ تكرر الإنذار في هذا الأصحاح (قابل ص ١٣: ١٤ بـ ١٥: ٢٨). ووعيد الرب كوعده له شروط. فإن الخاطئ إذا تاب ورجع إلى الرب لا يأتيه الوعيد. والتقي إذا ترك تقواه لا ينال الوعد. وبما أن صموئيل هو الذي مسح شاول كان له الحق أن ينذره.
٢ «هٰكَذَا يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: إِنِّي قَدِ ٱفْتَقَدْتُ مَا عَمِلَ عَمَالِيقُ بِإِسْرَائِيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ فِي ٱلطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ».
خروج ١٧: ٨ – ١٦ وعدد ٢٤: ٢٠ وتثنية ٢٥: ١٧ – ١٩
رَبُّ ٱلْجُنُودِ كان الرب قائد جنود إسرائيل وليس شاول فعلى شاول أن يسمع صوته ويطيعه.
عَمَالِيقُ كانوا يسكنون الأرض بين يهوذا وجبل سيناء وكسكان البادية اليوم كانوا بلا مساكن ثابتة يسكنون الخيام طباعهم قاسية ومعيشتهم من مواشيهم يحبون الغزو والنهب. حاربوا إسرائيل عند خروجه من مصر لذلك قال الله «لِلرَّبِّ حَرْبٌ مَعَ عَمَالِيقَ مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ» (خروج ١٧: ٨ – ١٦). وكان قد مضى نحو ٤٠٠ سنة وأما الرب فلم ينسَ قوله ولكنه طويل الروح وكثير الرحمة.
٣ «فَٱلآنَ ٱذْهَبْ وَٱضْرِبْ عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ ٱقْتُلْ رَجُلاً وَٱمْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعاً، بَقَراً وَغَنَماً، جَمَلاً وَحِمَاراً».
عدد ٢٤: ٢٠ وتثنية ٢٠: ١٦ – ١٨ ويشوع ٦: ١٧ – ٢١ ص ٢٢: ١٩
حَرِّمُوا معنى التحريم الأصلي التخصيص للرب فلا يجوز للمنتصرين أن يأخذوا لذواتهم شيئاً من المخصص بل عليهم أن يقتلوا كل ذي حياة ويحرقوا كل ما يُحرق وما لا يُحرق كالفضة والذهب كان لخزانة الرب. وإذا قيل إن ذبائح النساء والأطفال قساوة وذبح الحيوانات وحرق الأمتعة إتلاف. نقول أولاً إن الرب هو خالق الكل وهم ملكه له الحق أن يعمل ما يريد بخلائقه. وثانياً إن من هذا التحريم فوائد روحية لبني إسرائيل ولشعب الله في كل قرن منها إن الخطيئة نجسة ومكروهة جداً عند الله وعواقبها ثقيلة تصيب كثيرين من الأبرياء لعلاقتهم بالخاطئ من حيث الأسرة والقبيلة. وطهارة السيرة ومخافة الرب أهم جداً من البقر والغنم وجميع الخيرات الزمنية وما أشبه ذلك.
٤ «فَٱسْتَحْضَرَ شَاوُلُ ٱلشَّعْبَ وَعَدَّهُ فِي طَلاَيِمَ، مِئَتَيْ أَلْفِ رَاجِلٍ وَعَشَرَةَ آلاَفِ رَجُلٍ مِنْ يَهُوذَا».
يشوع ١٥: ٢٤
طَلاَيِمَ يُظن أنها طالم (يشوع ١٥: ٢٤) جنوبي يهوذا.
مِئَتَيْ أَلْفِ جيش كبير بالنسبة إلى الست مئة الذين كانوا معه (ص ١٤: ٢). ونستنتج أنه في المدة بين ص ١٤ وص ١٥ التي نجهل طولها تقدم الإسرائيليون وتقوّوا واستراحوا من الفلسطينيين.
عَشَرَةَ آلاَفِ رَجُلٍ مِنْ يَهُوذَا عُدّ رجال يهوذا على حدة. وهذا إشارة إلى أن يهوذا لم يكن متحداً اتحاداً تاماً بباقي الأسباط. وكانت هذه الحرب تهمهم أكثر من غيرهم لأن عماليق كان على حدودهم الجنوبية.
٥ «ثُمَّ جَاءَ شَاوُلُ إِلَى مَدِينَةِ عَمَالِيقَ وَكَمَنَ فِي ٱلْوَادِي».
مَدِينَةِ عَمَالِيقَ ربما لم يكن لهم غيرها وهي محلتهم الكبيرة.
فِي ٱلْوَادِي مجرى نهر شتوي لم يكن فيه ماء.
٦ «وَقَالَ شَاوُلُ لِلْقِيْنِيِّينَ: ٱذْهَبُوا حِيدُوا ٱنْزِلُوا مِنْ وَسَطِ ٱلْعَمَالِقَةِ لِئَلاَّ أُهْلِكَكُمْ مَعَهُمْ، وَأَنْتُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ مَعْرُوفاً مَعَ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ صُعُودِهِمْ مِنْ مِصْرَ. فَحَادَ ٱلْقِينِيُّ مِنْ وَسَطِ عَمَالِيقَ».
قضاة ١: ١٦ و٤: ١١ خروج ١٨: ٩ و١٠ و١٩ وعدد ١: ٢٩ – ٣٢
وَقَالَ شَاوُلُ لِلْقِيْنِيِّينَ فرع من المديانيين (قابل خروج ٣: ١ بـ قضاة ١: ٦) لأنهم فعلوا معروفاً مع الإسرائيليين (خروج ص ١٨ وعدد ١٠: ٢٩ – ٣٢) ورافقوهم إلى أريحا (قضاة ١: ١٦) ثم سكنوا أرض العمالقة في جنوبي يهوذا. ومن القينيين ياعيل التي قتلت سيسرا (قضاة ٤: ١٧) والركابيون (إرميا ص ٣٥) وهم مذكورون في (ص ٢٧: ١٠ و٣٠: ٢٩).
٧ «وَضَرَبَ شَاوُلُ عَمَالِيقَ مِنْ حَوِيلَةَ حَتَّى مَجِيئِكَ إِلَى شُورَ ٱلَّتِي مُقَابِلَ مِصْرَ».
ص ١٤: ٤٨ تكوين ١٦: ٧ و٢٥: ١٧ و١٨ ص ٢٧: ٨ وخروج ١٥: ٢٢
حَوِيلَةَ مجهولة. والمظنون أنها كورة من كور بلاد العرب. فضرب شاول العمالقة من حويلة وهي طرف أرضهم الشرقي إلى أشور وهي الطرف الغربي منها.
مُقَابِلَ مِصْرَ أي إلى جهة الشرق منها.
٨، ٩ «٨ وَأَمْسَكَ أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ حَيّاً، وَحَرَّمَ جَمِيعَ ٱلشَّعْبِ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ. ٩ وَعَفَا شَاوُلُ وَٱلشَّعْبُ عَنْ أَجَاجَ وَعَنْ خِيَارِ ٱلْغَنَمِ وَٱلْبَقَرِ وَٱلْحُمْلاَنِ وَٱلْخِرَافِ وَعَنْ كُلِّ ٱلْجَيِّدِ، وَلَمْ يَرْضَوْا أَنْ يُحَرِّمُوهَا. وَكُلُّ ٱلأَمْلاَكِ ٱلْمُحْتَقَرَةِ وَٱلْمَهْزُولَةِ حَرَّمُوهَا».
عدد ٢٤: ٧ وأستير ٣: ١ ص ٢٧: ٨ و٣٠: ١ و٢صموئيل ٨: ١٢ ع ٣ و١٥ و١٩
ورد اسم أجاج في (عدد ٢٤: ٧) والظاهر أن كل ملوك العمالقة تسموا بهذا الاسم فكان كاسم فرعون في مصر. ولم يقتله شاول لكي يفتخر به عند رجوعه من الحرب أو لأنه أشفق عليه لكونه ملك. فعمل شاول حسب استحسانه لا كما أمره الرب. ونحن نخطئ عندما نفضّل الموافق على الواجب واستحساننا على تعليم الكتاب الواضح.
حَرَّمَ جَمِيعَ ٱلشَّعْبِ أي قتل جميع الذين وقعوا بيده غير أن كثيرين هربوا وخلصوا ولم يكونوا في الحرب (ص ٢٧: ٨ و٣٠: ١ و٢صموئيل ٨: ١٢). وآخر ذكرهم في (١أيام ٤: ٤٣).
خِيَارِ ٱلْغَنَمِ أخذوا لذواتهم ما كان للرب وأبطلوا وصيته فلم تكن الحرب لمجرد إتمام الوصية بل لنفعهم الخاص. وهكذا جميع الذين يظنون أن التقوى تجارة يحفظون وصايا الرب بعض الحفظ ولكن غايتهم العظمى الربح الزمني. وأما الأتقياء المخلصون فيحفظون وصايا الرب وإن خسروا كل شيء.
١٠، ١١ «١٠ وَكَانَ كَلاَمُ ٱلرَّبِّ إِلَى صَمُوئِيلَ: ١١ نَدِمْتُ عَلَى أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكاً، لأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ وَرَائِي وَلَمْ يُقِمْ كَلاَمِي. فَٱغْتَاظَ صَمُوئِيلُ وَصَرَخَ إِلَى ٱلرَّبِّ ٱللَّيْلَ كُلَّهُ».
تكوين ٦: ٦ و٧ وخروج ٣٢: ١٤ و٢صموئيل ٢٤: ١٦ و١ملوك ٩: ٦ و٧ خروج ٣٢: ١١ – ١٣ ولوقا ٦: ١٢
نَدِمْتُ عرف الرب كل ما فعل شاول وكل ما كان في قلبه. وندامة الله والتغيير في تدبيره ناتجان من تغيير الإنسان. فإذا تاب الخاطئ يندم الرب على الشر الذي أوعد به (خروج ٣٢: ١٤) وإذا أخطأ شعبه يندم على الخير الذي وعدهم به. إن الله يعبّر عن عواطفه للبشر بلغتهم كما يعبّر الإنسان للإنسان ليفهموا.
ٱغْتَاظَ صَمُوئِيلُ لأن شاول الملك الأول مسحه صموئيل وعلّمه وأنذره وكان يرجو أن شاول يخلّص إسرائيل من أعدائهم إذ كان له صفات ملكية حميدة.
صَرَخَ إِلَى ٱلرَّبِّ (ص ٧: ٥) صلى موسى لأجل إسرائيل (خروج ٣٢: ١١ – ١٣) وسمع الرب صلاته وعفا عن شعبه ولكنه لم يعف عن شاول ولعل السبب في ذلك أولاً أن شاول لم يتب وثانياً أن الرب قصد أن يقيم لشعبه ملكاً أفضل من شاول. كان يسوع يقضي الليل كله في الصلاة (لوقا ٦: ١٢).
١٢ «فَبَكَّرَ صَمُوئِيلُ لِلِقَاءِ شَاوُلَ صَبَاحاً. فَأُخْبِرَ صَمُوئِيلُ: قَدْ جَاءَ شَاوُلُ إِلَى ٱلْكَرْمَلِ، وَهُوَذَا قَدْ نَصَبَ لِنَفْسِهِ نَصَباً وَدَارَ وَعَبَرَ وَنَزَلَ إِلَى ٱلْجِلْجَالِ».
ص ٢٥: ٢ ويشوع ٥: ٥٥ ص ١٣: ١٣ و١٤
ٱلْكَرْمَلِ في جنوب يهوذا على بُعد سبعة أميال من حبرون إلى الجنوب منها وكانت مسكن نابال (ص ٢٥).
نَصَبَ لِنَفْسِهِ نَصَباً تذكاراً لانتصاره على عماليق ولكنه بالحقيقة كان تذكاراً لعصيانه ورفضه. من يرفع نفسه يتضع.
إِلَى ٱلْجِلْجَالِ فيها نادوا بشاول ملكاً أمام الرب (ص ١١: ١٤) وفيها لامه صموئيل على عصيانه وأنذره بالرفض (ص ١٢: ١٤). وفيها حصل هذا التنبيه الثاني والأخير.
١٣ «وَلَمَّا جَاءَ صَمُوئِيلُ إِلَى شَاوُلَ قَالَ لَهُ شَاوُلُ: مُبَارَكٌ أَنْتَ لِلرَّبِّ. قَدْ أَقَمْتُ كَلاَمَ ٱلرَّبِّ».
تكوين ١٤: ١٩ و٢صموئيل ٢: ٥
مُبَارَكٌ أَنْتَ لِلرَّبِّ هنّأ نفسه بانتصاره وهنّأ صموئيل الذي أرسله بموجب أمر الرب. وهو راضٍ عما كان عمله فلم يَلُم نفسه بشيء.
١٤، ١٥ «١٤ فَقَالَ صَمُوئِيلُ: وَمَا هُوَ صَوْتُ ٱلْغَنَمِ هٰذَا فِي أُذُنَيَّ، وَصَوْتُ ٱلْبَقَرِ ٱلَّذِي أَنَا سَامِعٌ؟ ١٥ فَقَالَ شَاوُلُ: مِنَ ٱلْعَمَالِقَةِ، قَدْ أَتَوْا بِهَا لأَنَّ ٱلشَّعْبَ قَدْ عَفَا عَنْ خِيَارِ ٱلْغَنَمِ وَٱلْبَقَرِ لأَجْلِ ٱلذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. وَأَمَّا ٱلْبَاقِي فَقَدْ حَرَّمْنَاهُ».
خروج ٣٢: ٢ – ٢٤ ع ٩ و٢١ وتكوين ٣: ١٢ و١٣ وخروج ٣٢: ٢٢ و٢٣
عندما سأله صموئيل عن الغنم والبقر انتبه ضميره وفهم أنه لم يحفظ وصية الرب كما يجب وحاول أن يبرّر نفسه (١) بجعله المسؤلية على الشعب (٢) باحتجاجه أنهم عفوا عن خيار الغنم والبقر لكي يقدموها للرب (٣) بادعائه أنه حفظ وأطاع الرب إلا في أمر زهيد. وقوله «للرب إلهك» يشير إلى أنه لم يعرف الرب كل المعرفة فلم يكن إلهه كما كان إله صموئيل.
١٦، ١٧ «١٦ فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: كُفَّ فَأُخْبِرَكَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ إِلَيَّ هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ. فَقَالَ لَهُ: تَكَلَّمْ. ١٧ فَقَالَ صَمُوئِيلُ: أَلَيْسَ إِذْ كُنْتَ صَغِيراً فِي عَيْنَيْكَ صِرْتَ رَأْسَ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ وَمَسَحَكَ ٱلرَّبُّ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ».
ص ٩: ٢١ و١٠: ٢٢
كُفَّ لم يرد أن يسمع بعد الحجج الباطلة.
تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ (ع ١٠ و١١).
صَغِيراً فِي عَيْنَيْكَ لما مسحه صموئيل كان متواضعاً (ص ٩: ٢١) ولكن بعد حروبه ونجاحه تكبر ونسي أن الرب هو الذي ملّكه فيجب أن يطيعه.
١٨ «وَأَرْسَلَكَ ٱلرَّبُّ فِي طَرِيقٍ وَقَالَ: ٱذْهَبْ وَحَرِّمِ ٱلْخُطَاةَ عَمَالِيقَ وَحَارِبْهُمْ حَتَّى يَفْنُوا؟».
ع ٣
ٱلْخُطَاةَ عَمَالِيقَ كانوا جماعة لصوص وقتلة. خطيئتهم الخاصة أمام الرب مقاومتهم لشعبه.
١٩ – ٢١ «١٩ فَلِمَاذَا لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ، بَلْ ثُرْتَ عَلَى ٱلْغَنِيمَةِ وَعَمِلْتَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ؟ ٢٠ فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ وَذَهَبْتُ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّتِي أَرْسَلَنِي فِيهَا ٱلرَّبُّ وَأَتَيْتُ بِأَجَاجَ مَلِكِ عَمَالِيقَ وَحَرَّمْتُ عَمَالِيقَ. ٢١ فَأَخَذَ ٱلشَّعْبُ مِنَ ٱلْغَنِيمَةِ غَنَماً وَبَقَراً، أَوَائِلَ ٱلْحَرَامِ لأَجْلِ ٱلذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ فِي ٱلْجِلْجَالِ».
ص ١٤: ٣٢ ع ١٣
ثُرْتَ عَلَى ٱلْغَنِيمَةِ كانت مسوؤلية العمل على شاول لكونه ملكاً.
أَتَيْتُ بِأَجَاجَ ذكر أجاج ليثبت قوله أنه ذهب في الطريق التي أرسله فيها الرب.
لأَجْلِ ٱلذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ لاحظ (١) إنه نسب العمل للشعب (٢) جعل لهم عذراً لأن تقديم أوائل الحرام ذبيحة للرب أحسن من تحريمها الذي ليس منه فائدة مطلقاً وأظهر أن عملهم أفضل مما أوصاهم الرب به (٣) أبان أن قصد الشعب إكرام صموئيل بتقديمهم الذبائح لإلهه.
٢٢، ٢٣ «٢٢ فَقَالَ صَمُوئِيلُ: هَلْ مَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِٱلْمُحْرَقَاتِ وَٱلذَّبَائِحِ كَمَا بِٱسْتِمَاعِ صَوْتِ ٱلرَّبِّ؟ هُوَذَا ٱلٱسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ ٱلذَّبِيحَةِ وَٱلإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ ٱلْكِبَاشِ. ٢٣ لأَنَّ ٱلتَّمَرُّدَ كَخَطِيَّةِ ٱلْعِرَافَةِ، وَٱلْعِنَادُ كَٱلْوَثَنِ وَٱلتَّرَافِيمِ. لأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلاَمَ ٱلرَّبِّ رَفَضَكَ مِنَ ٱلْمُلْكِ!».
ع ١٥ وخروج ٣٢: ٢٢ و٢٣ مزمور ٤٠: ٦ – ٨ و٥١: ١٦ و١٧ وإشعياء ١: ١١ – ١٥ وميخا ٦: ٦ – ٨ إرميا ٧: ٢٢ و٢٣ وهوشع ٦: ٦ ومرقس ١٢: ٣٣ تثنية ١٨: ١٠ تكوين ٣١: ١٩ و٣٤ ص ١٣: ١٤
إن الوصية التي خالفها شاول هي وصية الرب وليست وصية صموئيل فلا ننسب لصموئيل الكبرياء أو حب الرئاسة لأن صموئيل كان خادماً للرب ونبيّه فتكلم كما أمره (انظر الشواهد). ومضمون قول صموئيل هذا وأقوال الأنبياء المشار إليها بالشواهد هو:
- إن الله لا يحتاج إلى التقدمات ولا ينتفع من خدمة الناس لأن كل شيء منه وله وهو القادر على كل شيء.
- إن الله يطلب من الناس السجود بالروح والحق والخدمة الناتجة من المحبة كخدمة البنين لا خدمة العبيد وإنه ينظر إلى القلب والنيّات لا إلى الأعمال فقط.
- إن الله يطلب القلب كله فنحن وأموالنا وأيامنا وقوانا العقلية والجسدية له فعلينا أن نعمل ونفتكر كما يريد ومن له هذه المحبة المخلصة لا يمكنه أن يحب الخطيئة أو يخالف عمدَ عينٍ إحدى الوصايا.
- إن من يقدّم خدمة خارجية للرب ولا يقدّم نفسه له يهينه لأنه بهذا يعامله كما يعامل إنساناً نظيره.
«العرافة» هي طلب معرفة أمور مجهولة ومستقبلة بوسائل لم يعيّنها الله. ومن هذه الوسائل استشارة أرواح الموتى والأرواح النجسة وفحص أمعاء الحيوانات وما يحدث اتفاقاً الخ (خروج ٢١: ٢١ و٢٢). وخطيئة العرافة جعلها لله بديلاً لأن من يدّعي أنه يعرف المستقبل فقد جعل نفسه في مكان الله.
«الترافيم» هي الآلهة البيتية. كانت في بيت يعقوب (تكوين ٣١: ١٩) وبيت ميخا (قضاة ١٧: ٥) وبيت داود (ص ١٩: ١٣) حتى أيام يوشيا (٢ملوك ٢٣: ٢٤). وكان يقتنيها الإسرائيليون أحياناً لزعمهم أن وجودها في البيت بركة. غير أن البركة من الرب وحده. والترافيم هنا مذكورة مع الأوثان. «والعناد» كالوثن والترافيم لأن العنيد يعمل إرادة نفسه فيجعل نفسه في مكان الله. ولعل هنا إشارة إلى نفي شاول أصحاب الجان والتوابع (ص ٢٨: ٣) وإلى أن عناد شاول خطيئة كخطيئة العرافة التي كان نهاه عنها صموئيل والرب لا يرفض إلا من كان رفض الرب أولاً.
٢٤، ٢٥ «٢٤ فَقَالَ شَاوُلُ لِصَمُوئِيلَ: أَخْطَأْتُ لأَنِّي تَعَدَّيْتُ قَوْلَ ٱلرَّبِّ وَكَلاَمَكَ، لأَنِّي خِفْتُ مِنَ ٱلشَّعْبِ وَسَمِعْتُ لِصَوْتِهِمْ. ٢٥ وَٱلآنَ فَٱغْفِرْ خَطِيَّتِي وَٱرْجِعْ مَعِي فَأَسْجُدَ لِلرَّبِّ».
عدد ٢٢: ٣٤ و٢صموئيل ١٢: ١٣ ومزمور ٥١: ٤ أمثال ٢٩: ٢٥ وإشعياء ٥١: ١٢ و١٣ خروج ١٠: ١٧
أثّر كلام صموئيل تأثيراً عظيماً في شاول ولا سيما قوله «إن الرب رفضه من الملك» فإن من جعله ملكاً يقدر أن يرفضه أيضاً. ولكنه لم يتب توبة حقيقية ولم يعترف بخطيئته كما يجب بل نظر إلى ما يأتيه من التعب والخسارة إذا تركه صموئيل الذي كان مهوباً جداً عند الشعب (انظر مزمور ٥١) وقابل توبة داود بتوبة شاول ولاحظ أن داود حزن على الخطيئة نفسها ولم يذكر عواقبها وطلب رضى الله دون رضى الشعب.
٢٦، ٢٧ «٢٦ فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: لاَ أَرْجِعُ مَعَكَ لأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلاَمَ ٱلرَّبِّ، فَرَفَضَكَ ٱلرَّبُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ. ٢٧ وَدَارَ صَمُوئِيلُ لِيَمْضِيَ، فَأَمْسَكَ بِذَيْلِ جُبَّتِهِ فَٱنْمَزَقَ».
ص ١٣: ١٤ و١٦: و١ملوك ١١: ٣٠ و٣١
إن الرب بواسطة نبيه لم يقبل توبة شاول ولم يغيّر كلامه السابق (ع ٢٣) ومزّق ذيل الجبة علامة مزق المملكة عن شاول. كما مزّق شاول جبة صموئيل هكذا نقض شريعة الرب وقصد أن يخطف لنفسه ما ليس له أي الاستقلال عن حكم الرب. والرب نزع عن شاول منصبه الملكي الذي كان يلبسه كجبة.
٢٨ «فَقَالَ لَهُ صَمُوئِيلُ: يُمَزِّقُ ٱلرَّبُّ مَمْلَكَةَ إِسْرَائِيلَ عَنْكَ ٱلْيَوْمَ وَيُعْطِيهَا لِصَاحِبِكَ ٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ».
ص ٢٨: ١٧ و١٨
صَاحِبِكَ أي داود. وفي الوقت المذكور لم يعرفه شاول ولكنه بعد ذلك اتخذه رفيقاً في الحرب ومؤاكلاً وزفّ ابنته له.
٢٩ «وَأَيْضاً نَصِيحُ إِسْرَائِيلَ لاَ يَكْذِبُ وَلاَ يَنْدَمُ لأَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَاناً لِيَنْدَمَ».
أيوب ٢٩: ١١ ومزمور ١٨: ١ و٢ عدد ٢٣: ١٩ وحزقيال ٢٤: ١٤
نَصِيحُ إِسْرَائِيلَ هو الله والاسم يشير إلى الجلال والسلطة والقدرة والحكمة والإخلاص.
لاَ يَكْذِبُ وَلاَ يَنْدَمُ (انظر ع ١١ وتفسيره). ولا مناقضة بين الآيتين. الله لا يتغيّر ولا يغيّر قوله وأما الإنسان فيتغيّر فمثله مثل بحري تائه في الليل يرى طوراً نجم القطب أمامه وتارة وراءه مع أن النجم لا يتغير. والإنسان يرى الله أحياناً معه وأحياناً عليه مع أن الله لا يتغيّر. جعل الرب شاول ملكاً لأن شاول سمع كلام الرب في الأول وخدمه خدمة صالحة مقبولة ثم تكبّر وابتدأ يعمل كما يريد تاركاً الرب فرفضه الرب ولم يقبل توبته لأنها ليست توبة حقيقية فالله لم يغيّر قوله برفضه شاول.
٣٠، ٣١ «٣٠ فَقَالَ: قَدْ أَخْطَأْتُ. وَٱلآنَ فَأَكْرِمْنِي أَمَامَ شُيُوخِ شَعْبِي وَأَمَامَ إِسْرَائِيلَ، وَٱرْجِعْ مَعِي فَأَسْجُدَ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. ٣١ فَرَجَعَ صَمُوئِيلُ وَرَاءَ شَاوُلَ وَسَجَدَ شَاوُلُ لِلرَّبِّ».
يوحنا ١٢: ٤٣ إشعياء ٢٩: ١٣
أَكْرِمْنِي أَمَامَ شُيُوخِ أحبّ شاول مجد الناس أكثر من مجد الله (يوحنا ١٢: ٤٣).
فَرَجَعَ صَمُوئِيلُ أكرم صموئيل شاول إكراماً سياسياً وهذا الإكرام واجب وإن كان الملك وثنياً أو ظالماً أو مرفوضاً من الرب كشاول (متى ٢٢: ٢١ ورومية ١٣: ١ و١بطرس ٢: ٧) ولكن من ذلك اليوم وقع على شاول كآبة وغمّ وحيرة. وهذا نصيب كل من يترك الرب وإن بقي في حال الصحة والراحة الجسدية.
سَجَدَ لِلرَّبِّ وإن كان قد ترك الرب ولم يخدمه خدمة حقيقية قلبية كاملة لم يرد أن يظهر للشعب أنه رجل لا دين له. وكثيرون من أبناء العالم يريدون اسم التقوى ويمارسون الفرائض الدينية وإن كانوا بلا تقوى حقيقية لكي يكون لهم مجد من الناس.
٣٢، ٣٣ «٣٢ وَقَالَ صَمُوئِيلُ: قَدِّمُوا إِلَيَّ أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ. فَذَهَبَ إِلَيْهِ أَجَاجُ فَرِحاً. وَقَالَ أَجَاجُ: حَقّاً قَدْ زَالَتْ مَرَارَةُ ٱلْمَوْتِ. ٣٣ فَقَالَ صَمُوئِيلُ: كَمَا أَثْكَلَ سَيْفُكَ ٱلنِّسَاءَ كَذٰلِكَ تُثْكَلُ أُمُّكَ بَيْنَ ٱلنِّسَاءِ. فَقَطَعَ صَمُوئِيلُ أَجَاجَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْجِلْجَالِ».
تكوين ٩: ٦ وقضاة ١: ٧ ومتّى ٧: ٢
كان شاول والشعب عفوا عن أجاج وظنّ أجاج أن صموئيل النبي والشيخ لا يكون أقل منهم شفقة. ولكن أمر الرب أوجب من الشفقة.
كَمَا أَثْكَلَ سَيْفُكَ كان العمالقة لصوصاً وقتلة وأجاج مقدامهم فتجازى حسب أعماله.
قَطَعَ قتله وصيّره إرباً إرباً ليرى إسرائيل فيعرفون غضب الله على العمالقة ويعرفون أيضاً أهمية وصية الرب لشاول بتحريم العمالقة وخطيئة شاول في مخالفته الوصية.
أَمَامَ ٱلرَّبِّ فلم يكن عمله قساوة ولا لمجرد إرادته (ع ٣ وتفسيره) وربما أن صموئيل لم يعمل هذا بيده بل أمر به.
ٱلْجِلْجَالِ (ع ١٢).
٣٤، ٣٥ «٣٤ وَذَهَبَ صَمُوئِيلُ إِلَى ٱلرَّامَةِ. وَأَمَّا شَاوُلُ فَصَعِدَ إِلَى بَيْتِهِ فِي جِبْعَةِ شَاوُلَ. ٣٥ وَلَمْ يَعُدْ صَمُوئِيلُ لِرُؤْيَةِ شَاوُلَ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ، لأَنَّ صَمُوئِيلَ نَاحَ عَلَى شَاوُلَ، وَٱلرَّبُّ نَدِمَ لأَنَّهُ مَلَّكَ شَاوُلَ عَلَى إِسْرَائِيلَ».
ص ٧: ١٧ ص ١١: ٤ ص ١٩: ٢٤ ص ١٦: ١
ٱلرَّامَةِ (ص ٧: ١٧).
وَلَمْ يَعُدْ صَمُوئِيلُ لِرُؤْيَةِ شَاوُلَ لم يقصد صموئيل أن يرى شاول بعد ولكن شاول رآه (ص ١٩: ٢٤) ولكن انقطعت العلاقة الروحية بينهما ومن ذلك الوقت لم يكلم الرب شاول لا بواسطة صموئيل ولا غيره وليست مصيبة أعظم من أن يُترك الإنسان لنفسه.
نَاحَ عَلَى شَاوُلَ (ع ١٠).
وَٱلرَّبُّ نَدِمَ (ع ١١).
- يجب أن نعرف غضب الله على الخطاة لكي نكره الخطيئة ونخاف منها. فلا نتأمل في محبة الله ورحمته فقط ونتكلم عنهما بل لنبحث عن عدله وقداسته أيضاً (ع ٢ و٣).
- لا يمكننا أن نتجنّب معاشرة الخطاة ما دمنا في هذا العالم ولكن يجب أن نتجنب الاشتراك معهم في خطاياهم لئلا نشترك معهم في هلاكهم (ع ٦).
- يجب أن نعمل كل شيء كما يريد الرب وهو لا يقبل إلا خدمة كاملة من كل القلب (ع ١٩).
- كانت وصية الرب لشاول واضحة فلم يقدر أن يعتذر بأنه لم يعرفها أو لم يفهمها. ووصايا الله لنا واضحة وإن كنا لا نقدر أن نفهم كل أعمال الله ولا كل تعليم الكتاب. ومن هذه الوصايا أن نتوب عن الخطيئة ونرجع عنها ونؤمن بالمسيح الخ.
- إن كلام الله لا يقبل الإصلاح كأن فيه شيئاً من الغلط أو النقص (ع ٢١).
- من استغنى بواسطة الحرام لا يتبرر بتقديمه شيئاً من ماله للرب (ع ٢١).
- إن وعيد الله كوعده ثابت فلا بدّ من إتمامه (ع ٢٩).
- إذا دخلت الجسد جراثيم مرض مميت فكثيراً ما لا يظهر المرض إلا بعد زمان. وهكذا الابتعاد عن الله فإن الخاطئ في أول الأمر لا يشعر بشيء ولا يعرف أن الموت الروحي قد ابتدأ فيه عمله الذي سيكمله أيضاً (ع ٣٠ و٣١).
-
إذا وجدنا في الكتاب المقدس ما لا نقدر أن نفهمه أو نستحسنه لا نخلص من الصعوبة بإنكارنا وحي الكتاب لأن نفس الصعوبات موجودة في حوادث أيامنا كالزلازل والحروب والأوبئة وموت النساء والأطفال ظلماً وهذه كلها بعلم الله. فيجب أن لا نجحد الله والكتاب لعلة أننا لا نفهم كل شيء وأحسن جواب للمعترض أن المسيح مات على الصليب. فبالصليب ظهرت عظمة الخطيئة لأن الخلاص منها لا يتم إلا بموت ابن الله وظهرت عظمة محبة الله لأنه بذل ابنه الوحيد.
السابق |
التالي |