صموئيل الأول

سفر صموئيل الأول | 31 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر صموئيل الأول

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاَثُونَ

١ «وَحَارَبَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ إِسْرَائِيلَ، فَهَرَبَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ وَسَقَطُوا قَتْلَى فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ».

١أيام ١٠: ١ – ١٢ ص ٢٨: ٤

بعد النبإ بما حدث لداود ورجاله عند رجوعهم إلى صقلغ رجع الكاتب إلى نبإ حرب الفلسطينيين وإسرائيل في يزرعيل وجبل جلبوع (٢٩: ١١). وقع في سهل يزرعيل أربع حروب مشهورة (١) حرب سيسرا في زمان دبورة وباراق (قضاة ٤) (٢) حرب المديانيين في زمان جدعون (قضاة ٧) (٣) حرب الفلسطينيين المذكورة هنا (٤) حرب فرعون نخو في زمان يوشيا (٢ملوك ٢٣: ٢٨ – ٣٠) والظاهر أن القتال وقع في سهل يزرعيل. وبعدما انكسر الإسرائيليون هربوا إلى جبل جلبوع فلحقهم الفلسطينيون وقتلوهم هناك.

٢ – ٥ «٢ فَشَدَّ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ وَرَاءَ شَاوُلَ وَبَنِيهِ، وَضَرَبَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ يُونَاثَانَ وَأَبِينَادَابَ وَمَلْكِيشُوعَ أَبْنَاءَ شَاوُلَ. ٣ وَٱشْتَدَّتِ ٱلْحَرْبُ عَلَى شَاوُلَ فَأَصَابَهُ ٱلرُّمَاةُ رِجَالُ ٱلْقِسِيِّ، فَٱنْجَرَحَ جِدّاً مِنَ ٱلرُّمَاةِ. ٤ فَقَالَ شَاوُلُ لِحَامِلِ سِلاَحِهِ: ٱسْتَلَّ سَيْفَكَ وَٱطْعَنِّي بِهِ لِئَلاَّ يَأْتِيَ هٰؤُلاَءِ ٱلْغُلْفُ وَيَطْعَنُونِي وَيُقَبِّحُونِي. فَلَمْ يَشَأْ حَامِلُ سِلاَحِهِ لأَنَّهُ خَافَ جِدّاً. فَأَخَذَ شَاوُلُ ٱلسَّيْفَ وَسَقَطَ عَلَيْهِ. ٥ وَلَمَّا رَأَى حَامِلُ سِلاَحِهِ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ شَاوُلُ، سَقَطَ هُوَ أَيْضاً عَلَى سَيْفِهِ وَمَاتَ مَعَهُ».

٢صموئيل ١: ٦ قضاة ٩: ٥٤ قضاة ١٤: ٣ و٢صموئيل ١: ٦ و١٠

الكلام هنا وفي ع ٦ في غاية الاختصار ولكن فيه ما يدمي الأفئدة ويجرح القلوب.

ٱشْتَدَّتِ ٱلْحَرْبُ عَلَى شَاوُلَ لأنه الملك ولأنه إذا سقط هو يسقط الجيش كله (١ملوك ٢٢: ٣١) وبما أن الرماة كانوا بعيدين عنه لم يقدر أن يضربهم ومن كثرتهم لم يقدر أن يخلص منهم.

وَيُقَبِّحُونِي كما عملوا في شمشون (قضاة ١٦: ٢١) أو ما هو أقبح من ذلك. وفضّل الموت عن يد حامل سلاحه على الموت عن يد الغلف الخارجين عن عهد الرب وهو ملك إسرائيل ومسيح الرب. وحامل سلاحه انتحر لأنه لم يرد أن يعيش بعد موت سيده.

٦ «فَمَاتَ شَاوُلُ وَبَنُوهُ ٱلثَّلاَثَةُ وَحَامِلُ سِلاَحِهِ وَجَمِيعُ رِجَالِهِ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ مَعاً».

لم يمت أشبوشث ابن شاول ولا أبنير رئيس الجيش. والقول «جميع رجاله» ربما يشير إلى حرّاسه. وقيل في (١أيام ١٠: ٦) كل بيته عوضاً عن جميع رجاله. ونجا بعض الباقين من الجيش. الانتحار كان نادراً عند اليهود وكثير الوقوع عند الوثنيين الذين كانوا يعتبرونه موتاً شريفاً.

٧ «وَلَمَّا رَأَى رِجَالُ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ فِي عَبْرِ ٱلْوَادِي وَٱلَّذِينَ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ أَنَّ رِجَالَ إِسْرَائِيلَ قَدْ هَرَبُوا، وَأَنَّ شَاوُلَ وَبَنِيهِ قَدْ مَاتُوا، تَرَكُوا ٱلْمُدُنَ وَهَرَبُوا، فَأَتَى ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ وَسَكَنُوا بِهَا».

عَبْرِ ٱلْوَادِي شمالي وادي يزرعيل أي أسباط نفتالي وزبولون ويساكر. وقيل في (١أيام ١٠: ٧) في الوادي.

عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ أي شرقي الأردن ولم يسكنوا في عبر الأردن إلا في بعض المدن في الشمال سكناً وقتياً لأننا نقرأ في (٢صموئيل ٢: ٩) أن إيشبوشث ملك على جلعاد. وعلى يزرعيل. أي أن الإسرائيليين بعد قليل استرجعوا المدن التي كان الفلسطينيون قد أخذوها. والفلسطينيون لم يأخذوا شيئاً جنوبي وادي يزرعيل فبقي أفرايم وبنيامين ويهوذا سالمين.

٨ – ١٠ «٨ وَفِي ٱلْغَدِ لَمَّا جَاءَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ لِيُعَرُّوا ٱلْقَتْلَى وَجَدُوا شَاوُلَ وَبَنِيهِ ٱلثَّلاَثَةَ سَاقِطِينَ فِي جَبَلِ جِلْبُوعَ، ٩ فَقَطَعُوا رَأْسَهُ وَنَزَعُوا سِلاَحَهُ وَأَرْسَلُوا إِلَى أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ فِي كُلِّ جِهَةٍ لأَجْلِ ٱلتَّبْشِيرِ فِي بَيْتِ أَصْنَامِهِمْ وَفِي ٱلشَّعْبِ. ١٠ وَوَضَعُوا سِلاَحَهُ فِي بَيْتِ عَشْتَارُوثَ، وَسَمَّرُوا جَسَدَهُ عَلَى سُورِ بَيْتِ شَانَ».

٢صموئيل ١: ٢٠ قضاة ١٦: ٢٣ و٢٤ ص ٧: ٣ وقضاة ٢: ١٣ ع ١٢ و٢صموئيل ٢١: ١٤ يشوع ١٧: ١١

بعد ذكر نتيجة انتصار الفلسطينيين في (ع ٧) رجع الكاتب إلى ما حدث في الغد بعد القتال.

لِيُعَرُّوا ٱلْقَتْلَى ليأخذوا ثيابهم وسلاحهم وكل ما عليهم مما هو ذو قيمة.

فَقَطَعُوا رَأْسَهُ كما قطع داود رأس جليات. وأرسلوا رسلاً ليبشروا في كل حهات أرض الفلسطينيين ونسبوا انتصارهم إلى أصنامهم. وفرحهم هذا الكثير دليل على أن خوفهم من شاول كان عظيماً جداً. ولما فرحوا تذكروا أعمال شاول ويوناثان العظيمة مدة سنين كثيرة وتقدُّم مملكة إسرائيل والخطر الذي كان عليهم من إسرائيل وفرحوا لأنهم ظنوا أنهم خلصوا من هذا الخطر.

بَيْتِ عَشْتَارُوثَ (٧: ٣) ربما هو الهيكل في أشقلون المذكور في هيرودتوس وهو أعظم هياكل عشتاروت وأقدمها.

سُورِ بَيْتِ شَانَ وهي بيسان الحالية على بعد خمسة أميال من نهر الأردن إلى الجهة الغربية. ودُعيت سكيثوبولس بعد السبي وكانت رئيسة المدن العشر (قاموس الكتاب). وسمروا أجساد شاول وبنيه على سور المدينة (أو شارعها ٢صموئيل ٢١: ١٢) لأجل الإهانة وليعرف الجميع أن عدوهم قد مات وأن قوة الفلسطينيين لا تُقهر.

١١ – ١٣ «١١ وَلَمَّا سَمِعَ سُكَّانُ يَابِيشَ جِلْعَادَ بِمَا فَعَلَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ بِشَاوُلَ، ١٢ قَامَ كُلُّ ذِي بَأْسٍ وَسَارُوا ٱللَّيْلَ كُلَّهُ، وَأَخَذُوا جَسَدَ شَاوُلَ وَأَجْسَادَ بَنِيهِ عَنْ سُورِ بَيْتِ شَانَ، وَجَاءُوا بِهَا إِلَى يَابِيشَ وَأَحْرَقُوهَا هُنَاكَ ١٣ وَأَخَذُوا عِظَامَهُمْ وَدَفَنُوهَا تَحْتَ ٱلأَثْلَةِ فِي يَابِيشَ، وَصَامُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ».

ص ١١: ١ – ١٣ و٢صموئيل ٢: ٤ – ٧ و٢أيام ١٦: ١٤ و٢صموئيل ٢١: ١٢ – ١٤ ص ٢٢: ٦ و٢صموئيل ١: ١٢

سُكَّانُ يَابِيشَ جِلْعَادَ تذكروا بشكر نجاتهم من ملك عمون عن يد شاول (ص ١١) والمظنون أن يابيش جلعاد إلى الجهة الجنوبية من وادي يابيش شرقي الأردن تبعد عن بيت شان ن حو ٢٠ ميلاً. وأظهر سكان يابيش الشجاعة أيضاً بسيرهم وأخذهم أجساد شاول وبنيه من يد الفلسطينيين.

أَحْرَقُوهَا ما فعلوه شذّ عن العادة بسبب الأحوال وخوفاً من أن يلحقهم الفلسطينيون ويسترجعوا الأجساد.

ٱلأَثْلَةِ نوع من الطرفاء وهي شجرة معروفة في زمان كاتب السفر. وبعد ذلك نقل داود العظام إلى قبر قيس أبي شاول في صيلع في أرض بنيامين (٢صموئيل ٢١: ١٢ – ١٤).

صَامُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ علامة النوح الشديد (تكوين ٥٠: ١٠).

فوائد

  1. الشجاعة والبأس من الرب. والخوف واليأس يلازمان كل من يتركه (ع ١).
  2. قد يموت الأبرياء جسدياً مع المذنبين وأما نفوسهم فتخلص (ع ٢) (يوناثان).
  3. الانتحار خطيئة (١) لأن أجَل الحياة معيّن من الله ومن يقتل ذاته يتعدى على مقاصده تعالى (٢) لأن على كل امرء شيئاً من العمل أو من احتمال المشقات ومن قتل ذاته يستعفي مما يطلبه الله منه (٣) لأن الانتحار جبانة وكثيراً ما يحمّل المنتحر غيره الأتعاب التي هرب منها (٤) لأن الانتحار كفر فلو آمن المرء بوجود الله ومجازاة الأشرار لما تجاسر أن ينقل ذاته إلى الآخرة دون إرادة الله (ع ٤ و٥).
  4. إن خطيئة شاول لم تؤثر فيه وفي شعبه فقط بل أيضاً في الاعتبار للدين لأنه بسببها جدّف الوثنيون على إله إسرائيل ومجدوا أصنامهم (ع ٩).
  5. يسمح الله أحياناً بانحطاط شعبه تأديباً لهم ولكنه لا يرفضهم كل الرفض (ع ٧) (وانظر ٢صموئيل ٨: ١).
  6. إن احترام جثة الميت من الأمور اللائقة والواجبة (ع ١١ – ١٣).
  7. ما أجمل الشكور الذي لا ينسى المعروف ولو كرّت السنون وانقلبت الأحوال (ع ١١ – ١٣).
  8. تأمل في المقابلة بين شاول وبولس الرسول. أولاً أوجه المشابهة (١) بالاسم (٢) كلاهما من سبط بنيامين (٣) حدة الطبع (٤) كلاهما مدعو لخدمة خطيرة. ثانياً أوجه التباين (١) شاول بنى في الأول وخرّب في الآخر وأما بولس فخرّب في الأول وبنى في الآخر (٢) شاول عاش لنفسه وأما بولس فللمسيح وشعبه (٣) انتحر شاول بلا رجاء وأما بولس فأكمل السعي وحفظ الإيمان (٤) شاول عِبرة فلا نتمثل بأعماله وأما بولس فأحسن مثال للمؤمنين في كل العصور.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى