سفر راعوث

سفر راعوث | 02 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر راعوث

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

مضمونه: ذهبت راعوث لتلتقط واتفق نصيبها في قطعة حقل بوعز من عشيرة أليمالك. وبعد ما عرف أنها من بلاد موآب أحسن إليها وسمح لها أن تلتقط في حقله حتى بين الحزم وأن تشرب مما استقاه الغلمان وتأكل من أكلهم فرجعت مساء إلى حماتها بما التقطته وهو كميّة غير عادية من الشعير وحدّثت حماتها عن لطف بوعز وفمهت منها أنه من ذوي قرباها.

١ «وَكَانَ لِنُعْمِي ذُو قَرَابَةٍ لِرَجُلِهَا، جَبَّارُ بَأْسٍ مِنْ عَشِيرَةِ أَلِيمَالِكَ، ٱسْمُهُ بُوعَزُ».

ص ٣: ٢ و١٢ ص ٤: ٢١ ومتّى ١: ٥

ذُو قَرَابَةٍ لا يُذكر نوع القرابة. يقول الربانيون أنه كان ابن أخي أليمالك ولكن هذا غير ثابت.

جَبَّارُ بَأْسٍ معنى ذلك اللقب الأصلي المقتدر في الحرب كجدعون (قضاة ٦: ١٢) ويفتاح (قضاة ١١: ١) ومعناه الثاني المقتدر في المال أي الغني ولعل بوعز كان جبار بأس من الجهتين فإنه كان من نسل نحشون (ص ٤: ٢٠) الذي كان رئيس سبط يهوذا (عدد ٢: ٣) وفي زمان حوادث هذا السفر كان حروب بين إسرائيل والفلسطينيين. ويظهر مما سيأتي أنه لم يخف أن يعمل ما رآه واجباً وموافقاً مهما قال الناس فكان من جبابرة الإيمان. والظاهر أنه متوسط في العمر لأنه دعى راعوث بنته (ع ٨). ولا نعرف إن كان عزباً أو أرملاً أو له امرأة لأنه في القديم كان بعضهم كإبراهيم ويعقوب والقانة ودواد يتزوجون غير واحدة.

٢ « فَقَالَتْ رَاعُوثُ ٱلْمُوآبِيَّةُ لِنُعْمِي: دَعِينِي أَذْهَبْ إِلَى ٱلْحَقْلِ وَأَلْتَقِطْ سَنَابِلَ وَرَاءَ مَنْ أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ. فَقَالَتْ لَهَا: ٱذْهَبِي يَا ٱبْنَتِي».

لاويين ١٩: ٩ وتثنية ٢٤: ١٩

دَعِينِي أَذْهَبْ طلبت إذناً من حماتها دليلاً على تواضعها واعتبارها لحماتها إذ لم ترد أن تعمل شيئاً إلا بعلمها ورضاها.

أَلْتَقِطْ سَنَابِلَ كان ذلك عمل الفقراء ويدل على عوزهما الكليّ. ولعل نُعمي لم تقدر أن تذهب بسبب مرضها أو ضعفها وأما راعوث فلم تستعفي من العمل ولم تتكبر ولم تكسل بل كانت راضية بأي عمل كان. والشريعة سمحت للفقراء أن يلتقطوا (لاويين ٢٣: ٢٣ وتثنية ٢٤: ١٩). ولكن ليس جميع أصحاب الحقول كانوا يعتبرون الشريعة أو يبالون بالفقراء. وكان من المحتمل أن هذه الفتاة الموآبية تُهان منهم أو من الفعلة الأشرار. وعلى رغم هذه الصعوبات ذهبت راعوث.

٣ «فَذَهَبَتْ وَجَاءَتْ وَٱلْتَقَطَتْ فِي ٱلْحَقْلِ وَرَاءَ ٱلْحَصَّادِينَ. فَٱتَّفَقَ نَصِيبُهَا فِي قِطْعَةِ حَقْلٍ لِبُوعَزَ ٱلَّذِي مِنْ عَشِيرَةِ أَلِيمَالِكَ».

فَٱتَّفَقَ أي لم تقصد حقل بوعز ولم تعرف أنه لبوعز ولم تخبرها نُعمي عن القرابة التي بينها وبين بوعز. فكان الأمر بتدبير الله الذي يهتم بجميع خلائقه ويدبر كل أمورهم ولا سيما الأرامل والضعفاء. وبالحقيقة أنه لا اتفاق في العالم بل ما نسميه حظاً أو اتفاقاً هو تدبير الله إذا كنا نعمل ما علينا ونحفظ وصاياه ونسلم كل أمر لإرادته تعالى.

٤ «وَإِذَا بِبُوعَزَ قَدْ جَاءَ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ وَقَالَ لِلْحَصَّادِينَ: ٱلرَّبُّ مَعَكُمْ. فَقَالُوا لَهُ: يُبَارِكُكَ ٱلرَّبُّ».

مزمور ١٢٩: ٧ و٨ ولوقا ١: ٢٨ و٢تسالونيكي ٣: ١٦

وَقَالَ لِلْحَصَّادِينَ سلام بوعز وجواب الحصادين يدلان على المعرفة بينه وبينهم وعلى لطفه واعتبارهم له. وزد على هذا أن الحصادين اعترفوا بأن الرب هو مصدر كل خير. فعلى جميع المستخدمين أن يعتبروا خدامهم كأولاد الله وعلى كل من المستخدِم والمستخدَم أن يعترف بأنه مفتقر إلى نعمة الله ومحتاج إلى الخلاص. فليس الإنسان بهيمة ولا آلة صناعية بلا نفس.

٥، ٦ «٥ فَقَالَ بُوعَزُ لِغُلاَمِهِ ٱلْمُوَكَّلِ عَلَى ٱلْحَصَّادِينَ: لِمَنْ هٰذِهِ ٱلْفَتَاةُ؟ ٦ فَأَجَابَ: هِيَ فَتَاةٌ مُوآبِيَّةٌ قَدْ رَجَعَتْ مَعَ نُعْمِي مِنْ بِلاَدِ مُوآبَ».

ص ١: ٢٢

لِمَنْ هٰذِهِ ٱلْفَتَاةُ لم يقل من هذه بل «لمن هذه» أي رآها ممتازة عن غيرها من الفتيات والنساء إما لأنها غريبة أو لما فيها من الجمال وحسن الأخلاق التي تدل على أن أهلها من الراقين فأراد أن يعرف مَن هم.

عرفنا أن بوعز ذو قرابة لنُعمي وقيل (ع ١١) أنه قد أُخبر بكل ما فعلت راعوث بحماتها ولكن سؤاله «لمن هذه الفتاة» يدل على أنه لم يرَ راعوث سابقاً. ويظهر أنه لم يكن قد ساعد نُعمي من ماله إما لأنه لم ينتبه إلى أمرها أو لأنه كان مفتكراً في أمرها ولكنه كان ينتظر فرصة أو طريقة موافقة لمساعدتها لأنه وليٌّ ولكن كان وليّ أقرب منه (ص ٣: ٣ و٦).

٧ «وَقَالَتْ: دَعُونِي أَلْتَقِطْ وَأَجْمَعْ بَيْنَ ٱلْحُزَمِ وَرَاءَ ٱلْحَصَّادِينَ. فَجَاءَتْ وَمَكَثَتْ مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى ٱلآنَ. قَلِيلاً مَّا لَبِثَتْ فِي ٱلْبَيْتِ».

وَأَجْمَعْ بَيْنَ ٱلْحُزَمِ أي في مكان لا يجوز الالتقاط فيه إلا بإذن خاص من صاحب الحقل أو وكيله.

مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى ٱلآنَ كانت مجتهدة جداً فمكثت كل النهار في الحقل ما عدا وقت قصير فيه لبثت في البيت أي البيت الوقتي أو المظلة المعدة للحصادين أو الوكيل.

٨ «فَقَالَ بُوعَزُ لِرَاعُوثَ: أَلاَ تَسْمَعِينَ يَا ٱبْنَتِي؟ لاَ تَذْهَبِي لِتَلْتَقِطِي فِي حَقْلِ آخَرَ، وَأَيْضاً لاَ تَبْرَحِي مِنْ هٰهُنَا، بَلْ هُنَا لاَزِمِي فَتَيَاتِي».

يَا ٱبْنَتِي هذا كلام رجل متوسط في العمر ولطيف كأنه أبوها.

لاَ تَذْهَبِي لِتَلْتَقِطِي فِي حَقْلِ آخَرَ هذه الوصية تتضمن وعداً أنه يعتني بها فلا تحتاج إلى الذهاب إلى غيره. وهكذا الوصية الأولى من وصايا الله العشر وهي «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي» تتضمن وعداً من الله إنه يعطينا كل ما نحتاج إليه.

٩ «عَيْنَاكِ عَلَى ٱلْحَقْلِ ٱلَّذِي يَحْصُدُونَ وَٱذْهَبِي وَرَاءَهُمْ. أَلَمْ أُوصِ ٱلْغِلْمَانَ أَنْ لاَ يَمَسُّوكِ؟ وَإِذَا عَطِشْتِ فَٱذْهَبِي إِلَى ٱلآنِيَةِ وَٱشْرَبِي مِمَّا ٱسْتَقَاهُ ٱلْغِلْمَانُ».

عَيْنَاكِ عَلَى ٱلْحَقْلِ هذه هي وصية بوعز لها وهذه هي الواجبات المطلوبة منها. لم يُعطها بلا تعب مع أنه كان يمكنه أن يعطيها كل ما تحتاجه بلا عمل أو تعب. إن العمل محك الطاعة والإيمان. والعمل في حقل الرب خيرٌ من الكسل. وخيرات الله لذيذة للذين يتعبون لكي يحصلّوها.

مِمَّا ٱسْتَقَاهُ ٱلْغِلْمَانُ لعله من البئر التي اشتاق داود إلى مياهها (٢صموئيل ٢٣: ١٤ و١٥).

١٠ «فَسَقَطَتْ عَلَى وَجْهِهَا وَسَجَدَتْ إِلَى ٱلأَرْضِ وَقَالَتْ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَيَّ وَأَنَا غَرِيبَةٌ!».

١صموئيل ٢٥: ٢٣

فَسَقَطَتْ عَلَى وَجْهِهَا أثر فيها كلام بوعز ليس فقط لأنه سمح لها أن تلتقط في حقله وتشرب من مائه لأن قيمة الشعير الذي أخذته والماء الذي شربته زهيدة جداً بل لأنه أظهر لها اللطف وهي غريبة. واشتياقها إلى المحبة أكثر من اشتياقها إلى الخبز وإن كانت فقيرة.

١١ «فَأَجَابَ بُوعَزُ: إِنَّنِي قَدْ أُخْبِرْتُ بِكُلِّ مَا فَعَلْتِ بِحَمَاتِكِ بَعْدَ مَوْتِ رَجُلِكِ، حَتَّى تَرَكْتِ أَبَاكِ وَأُمَّكِ وَأَرْضَ مَوْلِدِكِ وَسِرْتِ إِلَى شَعْبٍ لَمْ تَعْرِفِيهِ مِنْ قَبْلُ».

ص ١: ١٤ و١٦ و١٧

قَدْ أُخْبِرْتُ عرف بوعز ذلك كله قبل ما رأى راعوث في حقله ولكنه لم يساعدها سابقاً لأنه لم يعرف أنها محتاجة إلى هذه الدرجة أو لأنه كان ينتظر عملاً من الوليّ الأقرب منه أو فرصة موافقة لمساعدتها.

في كلام بوعز إشارة إلى إبراهيم الذي ترك أرض مولده وسار إلى بلاد لم يعرفها من قبل (تكوين ١٢: ١).

١٢ «لِيُكَافِئِ ٱلرَّبُّ عَمَلَكِ، وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلاً مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ».

١صموئيل ٢٤: ١٩ ص ١: ١٦ ومزمور ١٧: ٨ و٣٦: ٧ و٥٧: ١ و٦٣: ٧

رأى بوعز في راعوث فضيلة لم يرها غيره أي أنها كانت تركت أهلها وبلادها ليس لتأكل خبزاً في بلاد إسرائيل لأنه كان لها خبز لو بقيت في بلاد موآب بل أتت بلاد إسرائيل لمجرد محبتها لحماتها وللدين الحقّ.

لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ (انظر مزمور ٩٠: ١ و٤ ومتّى ٢٣: ٣٧).

١٣ «فَقَالَتْ: لَيْتَنِي أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ يَا سَيِّدِي لأَنَّكَ قَدْ عَزَّيْتَنِي وَطَيَّبْتَ قَلْبَ جَارِيَتِكَ، وَأَنَا لَسْتُ كَوَاحِدَةٍ مِنْ جَوَارِيكَ».

تكوين ٣٣: ١٥ و١صموئيل ١: ١٨ تكوين ٣٤: ٣ وقضاة ١٩: ٣ و٢صموئيل ٢٥: ٤١

لأَنَّكَ قَدْ عَزَّيْتَنِي ربما كان بوعز أول من التفت إليها وتكلم معها باللطف بعد وصولها إلى بلاد إسرائيل. كثيراً ما لا نفتكر في الغريب الذي بيننا وهو حزين ومحتاج إلى التعزية وننسى أن كلمة صغيرة منا من كلام المحبة تؤثر فيه تأثيراً عظيماً. أظهرت راعوث القناعة والشكر لأنها لم تتشكَّ من معاملة الناس لها وعدم الالتفات إليها.

لَسْتُ كَوَاحِدَةٍ مِنْ جَوَارِيكَ من تواضعها حسبت نفسها أدنى من جواري بوعز.

١٤ «فَقَالَ لَهَا بُوعَزُ: عِنْدَ وَقْتِ ٱلأَكْلِ تَقَدَّمِي إِلَى هٰهُنَا وَكُلِي مِنَ ٱلْخُبْزِ وَٱغْمِسِي لُقْمَتَكِ فِي ٱلْخَلِّ. فَجَلَسَتْ بِجَانِبِ ٱلْحَصَّادِينَ فَنَاوَلَهَا فَرِيكاً، فَأَكَلَتْ وَشَبِعَتْ وَفَضَلَ عَنْهَا».

ع ١٨

دعاها للأكل مع الحصادين وناولها من الطعام فأكلت وشربت وفضل عنها وأحسن إليها وأكرمها وطيّب قلبها. وهكذا ربنا يسوع يدعونا لوليمة الخلاص مع أننا غرباء وغير مستحقين (متّى ٢٢: ٤).

١٥، ١٦ «١٥ ثُمَّ قَامَتْ لِتَلْتَقِطَ. فَأَمَرَ بُوعَزُ غِلْمَانَهُ: دَعُوهَا تَلْتَقِطْ بَيْنَ ٱلْحُزَمِ أَيْضاً وَلاَ تُؤْذُوهَا. ١٦ وَأَنْسِلُوا أَيْضاً لَهَا مِنَ ٱلْحُزَمِ وَدَعُوهَا تَلْتَقِطْ وَلاَ تَنْتَهِرُوهَا».

عمل لها وسائل حتى تأخذ ولا تشعر بأنها أخذت على سبيل الإحسان. لم يؤذن لأحد أن يلتقط بين الحزم إلا لمن كان أميناً خيفة من السرقة.

١٧ « فَٱلْتَقَطَتْ فِي ٱلْحَقْلِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ، وَخَبَطَتْ مَا ٱلْتَقَطَتْهُ فَكَانَ نَحْوَ إِيفَةِ شَعِيرٍ».

خروج ١٦: ٣٦

فَٱلْتَقَطَتْ… وَخَبَطَتْ عملت باجتهاد وتعبت في عملها.

إِيفَةِ شَعِيرٍ نحو عشرة أرطال. وليس للملتقطين عادة أن يلتقطوا هذا المقدار في النهار. وكان ذلك من اجتهادها ومن كَرم بوعز.

١٨ – ٢٠ «١٨ فَحَمَلَتْهُ وَدَخَلَتِ ٱلْمَدِينَةَ. فَرَأَتْ حَمَاتُهَا مَا ٱلْتَقَطَتْهُ. وَأَخْرَجَتْ وَأَعْطَتْهَا مَا فَضَلَ عَنْهَا بَعْدَ شَبَعِهَا. ١٩ فَقَالَتْ لَهَا حَمَاتُهَا: أَيْنَ ٱلْتَقَطْتِ ٱلْيَوْمَ وَأَيْنَ ٱشْتَغَلْتِ؟ لِيَكُنِ ٱلنَّاظِرُ إِلَيْكِ مُبَارَكاً. فَأَخْبَرَتْ حَمَاتَهَا بِٱلَّذِي ٱشْتَغَلَتْ مَعَهُ وَقَالَتِ: ٱسْمُ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي ٱشْتَغَلْتُ مَعَهُ ٱلْيَوْمَ بُوعَزُ. ٢٠ فَقَالَتْ نُعْمِي لِكَنَّتِهَا: مُبَارَكٌ هُوَ مِنَ ٱلرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ ٱلْمَعْرُوفَ مَعَ ٱلأَحْيَاءِ وَٱلْمَوْتَى. ثُمَّ قَالَتْ لَهَا نُعْمِي: ٱلرَّجُلُ ذُو قَرَابَةٍ لَنَا. هُوَ ثَانِي وَلِيِّنَا».

ع ١٤ ع ١٠ ومزمور ٤١: ١ ص ٣: ١٠ و٢صموئيل ٢: ٥ وأيوب ٢٩: ١٣ أمثال ١٧: ١٧ لاويين ٢٥: ٢٥ وص ٣: ٩ و٤: ٦

عرفت حماتها من مقدار ما جمعته وما عندها من الطعام أن أحد المحسنين قد أحسن إليها فسألت عن اسمه وفرحت فرحاً عظيماً لما عرفت أن الرجل الذي التقطت راعوث في حقله هو بوعز وشكرت لله عنايته بهما لأن هذا الخير ليس من الحظ ولا من تدبير إنسان بل من تدبير الله وهو الذي أتى براعوث إلى حقل الرجل الوحيد في تلك المدينة الذي كان قادراً ومستعداً أن ينجيهما من ضيقتهما. وهكذا انتقلت نُعمي من اليأس إلى الرجاء كأنها أبلت من مرض عديم الشفاء وعادت إلى العافية ونالت حياة جديدة. فما أعظم تأثير كلامنا في الضعفاء وأعظم المعروف معهم وإن كان زهيداً.

لأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ ٱلْمَعْرُوفَ في العبراني التباس في الضمير المستتر في الفعل «يترك» من المحتمل أنه يعود إلى «الرب» فيكون المعنى أن الرب لم يترك المعروف معهم بل كما اعتنى بهم في زمان حياة أليمالك وابنيه هكذا اعتنى ببيتهم بعد موتهم. ومن المحتمل أيضاً أن الضمير يعود إلى «بوعز» والمعنى أن بوعز كان صديقاً لأليمالك وبنيه في حياتهم ولم يترك المعروف مع أرملته وكنته بعد موتهم.

مَعَ ٱلأَحْيَاءِ وَٱلْمَوْتَى أي في عمله ساعد نُعمي وراعوث وهما الأحياء وكرّم أليمالك وبنيه وهم الموتى لأنه إكراماً لذكرهم الطيّب لم يحتمل أن أهلهم يحتاجون. فالشكر للرب على كل حال لأنه هو الذي عمل بواسطة بوعز وحمله على عمله الصالح.

ثَانِي وَلِيِّنَا (لاويين ٢٥: ٢٥) الوليّ هو ذو القرابة أو النسيب الأقرب أو الحافظ النسب فله خيار أن يشتري حقل أليمالك (ص ٣: ١٢ و٤: ١ – ١٢) وبوعز هو الوليّ الثاني الذي له حق أن يشتري قطعة الأرض إذا رفضها الولي الأول. وكانت نُعمي فقيرة وإن كان لها قطعة أرض لأن الأرض كانت بلا فلاحة وزراعة أو بيد أناس لم يقدموا لها الأثمار. أو أن بيع الأرض يلزمه وقت. غير أن بعضهم يفهمون أن نُعمي كانت باعت الأرض (انظر تفسير ص ٤: ٣).

٢١ – ٢٣ «٢١ فَقَالَتْ رَاعُوثُ ٱلْمُوآبِيَّةُ: إِنَّهُ قَالَ لِي أَيْضاً لاَزِمِي فِتْيَانِي حَتَّى يُكَمِّلُوا جَمِيعَ حَصَادِي. ٢٢ فَقَالَتْ نُعْمِي لِرَاعُوثَ كَنَّتِهَا: إِنَّهُ حَسَنٌ يَا ٱبْنَتِي أَنْ تَخْرُجِي مَعَ فَتَيَاتِهِ حَتَّى لاَ يَقَعُوا بِكِ فِي حَقْلِ آخَرَ. ٢٣ فَلاَزَمَتْ فَتَيَاتِ بُوعَزَ فِي ٱلالْتِقَاطِ حَتَّى ٱنْتَهَى حَصَادُ ٱلشَّعِيرِ وَحَصَادُ ٱلْحِنْطَةِ. وَسَكَنَتْ مَعَ حَمَاتِهَا».

وهكذا مضت الأيام حتى انتهى حصاد الشعير وحصاد الحنطة. ولا شك أن راعوث أخذت ما يكفيها هي وحماتها من الطعام والمونة وازدادت الصداقة بينها وبين بوعز. وكان هو مهتماً بصيت راعوث الحسن إذ أوصاها أن تلازم فتيانه (ع ٢١) وقالت نُعمي «فتياته» (ع ٢٢). وكان أوصى فتيانه (ع ٩) أن لا يمسوها. وقال لها بوعز (ع ٨) وقالت حماتها أيضاً (ع ٢٢) أن لا تذهب إلى حقل آخر لئلا يقع بها فتيان أشرار. وكانت راعوث أيضاً مهتمة بنفسها لأنها سكنت مع حماتها.

فوائد

  1. جبار بأس: الغنى. الغنى قوة. للغني اعتبار واقتدار. الغنى إما للخير أو للشرّ. إذا أطعم الغني الجياع وكسا العراة وعلّم الجهال فللخير. وإذا خزن لنفسه أو أنفق على شهواته فللشر. وعلى الغني مسؤولية لأن غناه من الله وهو وكيل الله. ما أكثر أنسباء الغني المحتاجين وهو مرسل من الله لخدمتهم. ولا سرور كالسرور في الخدمة.
  2. دعوني ألتقط: الفقر. من مصائب الفقراء الحاجة القصوى وطلب الإحسان من الأغنياء والأعمال الشاقة والجوع والعري واليأس. ومن أسباب الفقر الجهل والكسل والشرور فيكون الفقر غالباً من الإنسان نفسه. أو من الظلم والقحط والمرض وموت رب البيت فيكون الفقر من الرب. وللفقراء تعزيات ومواعيد جمّة ويمكنهم أن يكونوا أغنياء في ما لله وورثة الحياة الأبدية.
  3. اتفق نصيبها: النصيب. بالحقيقة لا نصيب لأن الله يعتني بكل شيء ويدبّر كل شيء. وليس لكل فقيرة وفقير نصيب مثل نصيب راعوث ولكن يقول المسيح لكل منهنّ ومنهم (رؤيا ٣: ٢٠) «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي». ليس لكل راعوث بوعز أي ليس لكل فقيرة من يُحسن إليها مثل بوعز ولكن المسيح لكل من يقبله في قلبه وفي حياته وهو أفضل من أعظم الأغنياء.
  4. مبارك هو الرب: تدبير الله. هو يدبر كل أمور حياتنا. وتدبيره كله حسن. فعلينا أن نسلّم أنفسنا له بالإيمان والطاعة ونصبر ونثبت إلى النهاية.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى