سفر القضاة

سفر القضاة | 20 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر القضاة

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ

محتويات هذا الأصحاح:

  1. اجتماع بني إسرائيل في المصفاة وقصّ اللاوي عليهم ما أصابه في جبعة (ع ١ – ٧).
  2. اجتماع الشعب كرجل واحد وعزمهم على عقاب أهل جبعة (ع ٨ – ١١).
  3. محاماة سبط بنيامين عن المذنبين الجبعيين والتعصب لهم لأنهم منهم (ع ١٢ – ١٤).
  4. عدد الفريقين (ع ١٥ – ١٧).
  5. انتصار بنيامين على سائر الإسرائيليين مرتين (ع ١٨ – ٢٥).
  6. الوعد بالانتصار بعد الصوم في بيت إيل (ع ٢٦).
  7. خدعة الإسرائيليين وفوزهم (ع ٢٩ – ٤١).
  8. انكسار البنيامينيين ودمارهم (ع ٤٢ – ٤٦).
  9. نجاة ست مئة من بنيامين (ع ٤٧ و٤٨).

نظر الإسرائيليين في أمر اللاوي والعزم على تأديب المعتدين ع ١ إلى ١١

١ «فَخَرَجَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَٱجْتَمَعَتِ ٱلْجَمَاعَةُ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ مَعَ أَرْضِ جِلْعَادَ، إِلَى ٱلرَّبِّ فِي ٱلْمِصْفَاةِ».

تثنية ١٣: ١٢ الخ ويشوع ٢٢: ١٢ وص ٢١: ٥ و١صموئيل ١١: ٧ ص ١٨: ٢٩ و١صموئيل ٣: ٢٠ و٢صموئيل ٣: ١٠ و٢٤: ٢ ص ١٠: ١٧ و١١: ١١ و١صموئيل ٧: ٥ و١٠: ١٧

ٱجْتَمَعَتِ ٱلْجَمَاعَةُ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ كانت هذه العبارة مما أُلفت من أحوال الإسرائيليين في البرية وانقطعت بعد عصر سليمان لأنهم انقسموا (١ملوك ١٢: ٢٠).

مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ أي من أحد طرفي أرض إسرائيل إلى الآخر على ما كانت في زمان كاتب هذا السفر (انظر ١صموئيل ٣: ٢٠ و٢صموئيل ٣: ١٠ الخ). ودان هي لايش وتسمى لشم أيضاً (يشوع ١٩: ٤٧) وهي على الطرف الشمالي من أرض بني إسرائيل في نصيب نفتالي في سفح جبل حرمون المعروف اليوم بجبل الشيخ. أخذها الدانيون وسموها دان كما ذُكر في (ص ١٨: ٢٩) وكانت ذات شأن في التجارة. زعم بعضهم أنها بانياس والأرجح أنها تل القاضي (انظر تفسير ص ١٨: ٧ و٢٩) وبئر سبع الطرف الجنوبي من أرض كنعان وهي جنوبي حبرون المعروفة اليوم بالخليل وعلى غاية عشرين ميلاً منها. ولا تزال تُعرف باسمها إلى هذا اليوم.

أَرْضِ جِلْعَادَ شرقي الأردن كثيرة الصخور ووعرة تُعرف اليوم بجبل عجلون. أجاب سكانها الدعوة ما عدا أهل مدينة يابيش جلعاد وهي خربة اليوم على جبل عجلون.

إِلَى ٱلرَّبِّ أي إلى بيت الرب وهو خيمة الشهادة التي فيها تابوت العهد وكانت في شيلوه المعروفة اليوم بسيلون (انظر تفسير ص ١٨: ٣١) وربما نُقلت إلى المصفاة (انظر تفسير ع ١٨ و٢٣ و٢٦ – ٢٨).

ٱلْمِصْفَاةِ ذُكر عدة مدن كل منها يسمى بالمصفاة ومنها ما تسمى أيضاً بمصفاة جلعاد (قضاة ١١: ٢٩) ورامة المصفاة (يشوع ١٣: ٢٦) وراموت جلعاد (١ملوك ٤: ١٣) ظن بعض المفسرين أنها هي المصفاة في هذه الآية والمرجّح أنها مدينة في أرض بنيامين ظنها البعض ما يُعرف اليوم بقرية النبي صموئيل وهو المرجّح وهي على أكمة تبعد أربعة أميال عن جبعة. ورأى بعضهم غير ذلك (انظر قاموس الكتاب وتفسير ص ١٠: ١٧ و١١: ١١). ومن المتواتر أنها كانت مقام صموئيل زمان قضائه لإسرائيل (انظر ١صموئيل ٧: ٥ – ١٧ و١٠: ١٧ الخ).

٢ «وَوَقَفَ وُجُوهُ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ، جَمِيعُ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ فِي مَجْمَعِ شَعْبِ ٱللّٰهِ، أَرْبَعُ مِئَةِ أَلْفِ رَاجِلٍ مُخْتَرِطِي ٱلسَّيْفِ».

ص ٨: ١٠

وُجُوهُ أي وجهاء.

فِي مَجْمَعِ شَعْبِ ٱللّٰهِ أي شعب الله المجتمعون اجتماعاً مقدساً لأجل عمل الرب للانتقام من الذين أخطأوا.

أَرْبَعُ مِئَةِ أَلْفِ رَاجِلٍ مُخْتَرِطِي ٱلسَّيْفِ الاختراط سلّ السيف من غمده. وكانوا راجلين أي مشاة لأن الكنعانيين منعوهم من اتخاذ المركبات والخيل (انظر ص ١: ١٩ و٤: ٣).

٣ «فَسَمِعَ بَنُو بِنْيَامِينَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ صَعِدُوا إِلَى ٱلْمِصْفَاةِ. وَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: تَكَلَّمُوا! كَيْفَ كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْقَبَاحَةُ؟».

فَسَمِعَ بَنُو بِنْيَامِينَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ صَعِدُوا إِلَى ٱلْمِصْفَاةِ سمعوا ذلك ممن بلغهم الدعوة إلى النظر في تأديب أهل جبعة كما ذكرنا فإنها لا ريب في أنهم دُعوا إلى ذلك لأن الدعوة كانت عامة وهم رفضوها (ص ١٩: ٢٩) ويؤيد ذلك ما في (ع ١٢ و١٣). وذُكر إسرائيل بمقابلة بني بنيامين لأنهم الأكثرون ولأن بني بنيامين صاروا بمنزلة الخارجين عنهم.

ٱلْمِصْفَاةِ (انظر تفسير ع ١).

وَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: تَكَلَّمُوا جاء الخطاب بصيغة الجمع والمشتكي واحد لأن المطلوب أن يتكلم في الحادثة كل من عرف شيئاً من أمورها والمعنى أن الإسرائيليين طلبوا أن يسمعوا كيف حدث قتل المرأة من كل إنسان عرف ذلك.

كَيْفَ كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْقَبَاحَةُ المراد بالقباحة هنا الإثم الفظيع لا المكروه فقط.

٤ «فَأَجَابَ ٱللاَّوِيُّ بَعْلُ ٱلْمَرْأَةِ ٱلْمَقْتُولَةِ: دَخَلْتُ أَنَا وَسُرِّيَّتِي إِلَى جِبْعَةَ ٱلَّتِي لِبِنْيَامِينَ لِنَبِيتَ».

ص ١٩: ١٥

دَخَلْتُ أَنَا وَسُرِّيَّتِي لم يذكر الغلام لأن التقرير في شأنه وشأن المرأة والغلام بمنزلة شاهد (ص ١٩: ١٥). ولا نشك في أنّ الغلام كان حاضراً حتى يشهد بقول اللاوي.

٥ «فَقَامَ عَلَيَّ أَصْحَابُ جِبْعَةَ وَأَحَاطُوا عَلَيَّ بِٱلْبَيْتِ لَيْلاً وَهَمُّوا بِقَتْلِي، وَأَذَلُّوا سُرِّيَّتِي حَتَّى مَاتَتْ».

ص ١٩: ٢٢ ص ١٩: ٢٥ و٢٦

أَصْحَابُ جِبْعَةَ لعلهم رؤساؤها على ما يفيد الأصل العبراني إذ يقال لمالك الشيء صاحبه. وقد أُطلق الصاحب في كتب اللغة العربية على مالك الأمر والتصرّف.

وَهَمُّوا بِقَتْلِي لم يُذكر ذلك في النبإ الذي في (ص ١٩: ٢٢ – ٢٥) والظاهر أن لا حاجة إلى هذا البيان فإنهم طلبوا أن يفعلوا به ما يؤدي إلى الموت كما أدى بجاريته إليه وهذا كاف لصحة تقريره (ص ١٩: ٢٢).

٦ «فَأَمْسَكْتُ سُرِّيَّتِي وَقَطَّعْتُهَا وَأَرْسَلْتُهَا إِلَى جَمِيعِ حُقُولِ مُلْكِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُمْ فَعَلُوا رَذَالَةً وَقَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ».

ص ١٩: ٢٩ يشوع ٧: ١٥

فَأَمْسَكْتُ الخ لذلك أمسكت الخ (انظر تفسير ع ٣ وص ١٩: ٢٩).

٧ «هُوَذَا كُلُّكُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ. هَاتُوا حُكْمَكُمْ وَرَأْيَكُمْ هٰهُنَا».

ص ١٩: ٣٠

هُوَذَا كُلُّكُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أي أنتم هنا كلكم إسرائيليون والعار وقع بذلك على الإسرائيليين لأن الجبعيين أساءوا إلى لاويهم.

هَاتُوا حُكْمَكُمْ وَرَأْيَكُمْ هٰهُنَا أي أعلنوا قضائكم بما يستحق المعتدون ورأيكم في إجراء العقاب (ص ١٩: ٣٠) فإنه «مع المتشاورين حكمة» (أمثال ١٣: ١٠).

٨ «فَقَامَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: لاَ يَذْهَبُ أَحَدٌ مِنَّا إِلَى خَيْمَتِهِ وَلاَ يَمِيلُ أَحَدٌ إِلَى بَيْتِهِ».

فَقَامَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ أي اهتموا بالأمر وتولّوه.

كَرَجُلٍ وَاحِدٍ أي برأي واحد وقصد واحد كأنهم رجل واحد.

خَيْمَتِهِ أي مسكنه. أطلقوا الخيمة على المسكن لأن الإسرائيليين اعتادوا ذلك منذ كانوا يسكنون الخيام في البرية (انظر تفسير عدد ١٩: ٩) أو لكون كثيرين من الإسرائيليين أو أكثرهم كانوا يومئذ يسكنون الخيام كأهل البادية لا في المدن والقرى.

٩ «وَٱلآنَ هٰذَا هُوَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي نَعْمَلُهُ بِجِبْعَةَ. عَلَيْهَا بِٱلْقُرْعَةِ».

عَلَيْهَا بِٱلْقُرْعَةِ أي لنصعد أو اصعدوا على جبعة بالقرعة ولذلك جاء في السبعينية «نصعد عليها» واختلفت أقوال المفسرين في قوله «بالقرعة» فرأى بعضهم إن المراد بذلك تقسيم جبعة بعد الإستيلاء عليها بالاقتراع فإن القسمة كانت تجري بذلك بين الإسرائيليين وغيرهم (عدد ٣٣: ٥٤ ويشوع ١٣: ٦ ومزمور ٢٢: ١٨). ورأى بعضهم إن المراد بها القرعة الدينية التي تُعلن بها إرادة الرب أو يُعيّن المذنب كما عُيّن بها عخان (يشوع ٧: ١٣ – ١٩). وقد أشار إلى هذه القرعة الحكيم بقوله «ٱلْقُرْعَةُ تُلْقَى فِي ٱلْحِضْنِ، وَمِنَ ٱلرَّبِّ كُلُّ حُكْمِهَا» (أمثال ١٦: ٣٣). والذي ظهر للأكثرين أن المراد بذلك القرعة الإلهية كما ذُكر لكن لتعيين من يصعد منهم على جبعة أولاً وعدد الصاعدين ويؤيد ذلك ما في (ع ١٨).

١٠ «فَنَأْخُذُ عَشَرَةَ رِجَالٍ مِنَ ٱلْمِئَةِ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، وَمِئَةً مِنَ ٱلأَلْفِ، وَأَلْفاً مِنَ ٱلرَّبْوَةِ، لأَجْلِ أَخْذِ زَادٍ لِلشَّعْبِ لِيَفْعَلُوا عِنْدَ دُخُولِهِمْ جِبْعَةَ بِبِنْيَامِينَ حَسَبَ كُلِّ ٱلْقَبَاحَةِ ٱلَّتِي فَعَلَتْ بِإِسْرَائِيلَ».

فَنَأْخُذُ عَشَرَةَ رِجَالٍ مِنَ ٱلْمِئَةِ أي نأخذ عُشر الشعب بالقرعة من السبط القليل والسبط الكثير كما يدل ما بقي من الآية.

أَلْفاً مِنَ ٱلرَّبْوَةِ الربوة عشرة آلاف وهذا يدل على أنهم متعودون الحرب وإنهم توقعوا حرباً يلزمهم الاستعداد لها.

١١ «فَٱجْتَمَعَ جَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ عَلَى ٱلْمَدِينَةِ مُتَّحِدِينَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ».

مُتَّحِدِينَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ أي كأنهم رجل واحد لا متعددين فيرى بعضهم غير ما يراه الآخر. قال بعضهم «ومعنى الأصل العبراني كأصحاب رجل واحد» أي كأنهم يعملون بأمر رجل واحد. والمراد على الوجهين شدة الاتفاق في الرأي والعمل.

عمل إسرائيل وجواب بنيامين ع ١٢ إلى ١٧

١٢ «وَأَرْسَلَ أَسْبَاطُ إِسْرَائِيلَ رِجَالاً إِلَى جَمِيعِ أَسْبَاطِ بِنْيَامِينَ قَائِلِينَ: مَا هٰذَا ٱلشَّرُّ ٱلَّذِي صَارَ فِيكُمْ؟».

تثنية ١٣: ١٤ ويشوع ٢٢: ١٣ و١٦

وَأَرْسَلَ هذا ما تقتضيه الحكمة لأنه بذلك لا بد من أحد أمرين تسليم المذنبين أو الحرب العادلة ولأن سبط بنيامين دُعي إلى الاجتماع المقدس وأبى الإجابة.

أَسْبَاطِ بِنْيَامِينَ السبط هنا العشيرة أو الأسرة المعروفة في هذه الأيام بالعائلة وإلا فبنو بنيامين سبط واحد لا أسباط وكون معناه العشيرة هو الأصل (انظر تفسير ص ١٨: ٣٠).

مَا هٰذَا ٱلشَّرُّ ٱلَّذِي صَارَ فِيكُمْ أي حدث بينكم والاستفهام هنا للتعجب أي ما أفظع ما ارتكبه بعضكم من الآثام.

١٣ «فَٱلآنَ سَلِّمُوا ٱلْقَوْمَ بَنِي بَلِيَّعَالَ ٱلَّذِينَ فِي جِبْعَةَ لِنَقْتُلَهُمْ وَنَنْزِعَ ٱلشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ. فَلَمْ يُرِدْ بَنُو بِنْيَامِينَ أَنْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ إِخْوَتِهِمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

تثنية ١٣: ١٣ وص ١٩: ٢٢ تثنية ١٧: ١٢

فَٱلآنَ سَلِّمُوا ٱلْقَوْمَ بَنِي بَلِيَّعَالَ أو اللؤماء الذين ارتكبوا ذلك الإثم الفظيع.

فَلَمْ يُرِدْ بَنُو بِنْيَامِينَ أَنْ يَسْمَعُوا فكانوا بذلك شركاء أهل جبعة في إثمهم وقباحتهم بل شراً من هم لأن المدافع عن الأثيم شرّ منه لأنه يشجعه على تماديه في الفظائع. ومعنى السمع هنا الطاعة والتسليم.

١٤ «فَٱجْتَمَعَ بَنُو بِنْيَامِينَ مِنَ ٱلْمُدُنِ إِلَى جِبْعَةَ لِيَخْرُجُوا لِمُحَارَبَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

لِيَخْرُجُوا لِمُحَارَبَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لو سلموا المذنبين وهم قليلون ما هلك ألوف كثيرة من إخوتهم وقربوا هم من الانقراض بما فعلوه كما سيأتي فزادوا الويل ويلات كثيرة.

١٥ «وَعُدَّ بَنُو بِنْيَامِينَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ مِنَ ٱلْمُدُنِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ مُخْتَرِطِي ٱلسَّيْفِ، مَا عَدَا سُكَّانَ جِبْعَةَ ٱلَّذِينَ عُدُّوا سَبْعَ مِئَةِ رَجُلٍ مُنْتَخَبِينَ».

مِنَ ٱلْمُدُنِ أربع عشرة مدينة مع ضياعها (يشوع ١٨: ٢١ – ٢٨).

سِتَّةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وسكان جبعة سبع مئة رجل فكان المجموع ستة وعشرين ألفاً وسبع مئة.

مُخْتَرِطِي ٱلسَّيْفِ أي مستلي السيوف كناية عن أنهم أبطال حرب.

١٦ «مِنْ جَمِيعِ هٰذَا ٱلشَّعْبِ سَبْعُ مِئَةِ رَجُلٍ مُنْتَخَبُونَ عُسْرٌ. كُلُّ هٰؤُلاَءِ يَرْمُونَ ٱلْحَجَرَ بِٱلْمِقْلاَعِ عَلَى ٱلشَّعْرَةِ وَلاَ يُخْطِئُونَ».

ص ٣: ١٥ و١أيام ١٢: ٢

عُسْرٌ جمع أعسر وهو الذي يعمل بشماله كما يعمل غيره بيمينه. ومن الغريب أن يكون في أبناء بنيامين ومعناه ابن اليمين كل هؤلاء وغيرهم من العُسر (ص ٣: ١٥).

يَرْمُونَ ٱلْحَجَرَ بِٱلْمِقْلاَعِ عَلَى ٱلشَّعْرَةِ وَلاَ يُخْطِئُونَ والمقلاع نسيجة أو جلدة على هيئة الكف ذات ساعدين يُشد طرف أحدهما إلى إحدى الأصابع ويُمسك الآخر معها ويوضع فيها حجر وتدار على موازاة الأفق حتى تشتد مقاومتها لليد فتترك الساعد الممسوكة فينطلق الحجر في الهواء بصوت كالأنين فإذا أصاب الإنسان المرمي به جرحه وآلمه إيلاماً شديداً وربما قتله. وكانت المقاليع من أدوات الحرب. ولا يزال الأحداث في بعض قرى سورية ومدنها يحارب بها بعضهم بعضاً إلى هذا اليوم. والعبارة مبالغة في الإصابة. ولا يزال الناس إلى اليوم في هذه البلاد يقولون فلان صيّاد يصيب الشعرة. وداود بن يسّى صرع جليات الجبار بحجر المقلاع واعتمد هذه الآلة وفضلها على السيف وغيره من أدوات الحرب وكان يحسن الإصابة بها كل الإحسان (١صموئيل ١٧: ٤٩).

١٧ «وَعُدَّ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ (مَا عَدَا بِنْيَامِينَ) أَرْبَعَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُلٍ مُخْتَرِطِي ٱلسَّيْفِ. كُلُّ هٰؤُلاَءِ رِجَالُ حَرْبٍ».

أَرْبَعَ مِئَةِ أَلْفِ (انظر ع ٢ والتفسير).

الحرب في جبعة ع ١٨ إلى ٤٨

١٨ «فَقَامُوا وَصَعِدُوا إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَسَأَلُوا ٱللّٰهَ: مَنْ يَصْعَدُ مِنَّا أَوَّلاً لِمُحَارَبَةِ بَنِي بِنْيَامِينَ؟ فَقَالَ ٱلرَّبُّ: يَهُوذَا أَوَّلاً».

ع ٢٣ و٢٦ عدد ٢٧: ٢١ وص ١: ١

وَصَعِدُوا إِلَى بَيْتِ إِيلَ تقدّم مراراً أن كاتب هذا السفر اختار الإيجاز في مواضع كثيرة اعتماداً على دلالة الالتزام والقرائن. والذي نراه من دلالة الالتزام أن الخيمة كانت حينئذ في بيت إيل فإنها نُقلت إليه كما نُقلت من شيلوه إلى المصفاة (انظر ع ٢٧). وكانت بيت إيل موضعاً مقدساً منذ زمن قديم لأن الرب ظهر فيها ليعقوب (تكوين ٢٨: ١١ – ١٩ و٣١: ١٣). وهي شرقي خط يمتد من أورشليم إلى شكيم أي من القدس إلى نابلس وعلى نصف المسافة بين المدينتين واسمها اليوم بيتين.

وَسَأَلُوا ٱللّٰهَ بالأوريم والتميم فكان الحبر العظيم يذهب إلى حيث تُنقل الخيمة بما فيها.

فَقَالَ ٱلرَّبُّ هذا يدل على أن الله والرب هنا اسمان للقدير الأزلي الواجب الوجود على أن الرب ترجمة يهوه الذي هو من أسماء الإله الأزلي الخاصة.

يَهُوذَا أَوَّلاً أي يهوذا يصعد أولاً. كان سؤالهم «من يصعد منا أولاً لمحاربة بني بنيامين» وكان الصواب لو عرفوه أن يسألوا الله «هل نحارب إخوتنا» أولاً. نعم أصابوا بالدعوة إلى المشورة لكن أخطأوا بالقصد. لا يقال إنه لم يبقَ من سبيل إلا إلى الحرب لأنا نقول كان عليهم أن يخاطبوا بني بنيامين ويشاوروهم مراراً ويبينوا لهم خطأ إخوتهم في جبعة بالرفق والمحبة والمحاكمة بالعدل قبل العزم على الحرب ويصيروا شيئاً على عناد سبط بنيامين. وعلى كل حال كان الرب يرشدهم إلى الصواب لو سألوه وعنده من الحكمة ما ليس عند البشر. ومعنى قوله «يهوذا أولاً» إن سبط يهوذا يكون المتقدم رئيساً وقائداً. ويهوذا هو السبط الذي يكون المسيح منه (تكوين ٤٩: ٨ – ١٢).

١٩ «فَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي ٱلصَّبَاحِ وَنَزَلُوا عَلَى جِبْعَةَ».

فَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيلَ شرعوا في الحرب.

جِبْعَةَ (انظر تفسير ص ١٩: ١٢).

٢٠ «وَخَرَجَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لِمُحَارَبَةِ بِنْيَامِينَ، وَصَفَّ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَنْفُسَهُمْ لِلْحَرْبِ عِنْدَ جِبْعَةَ».

وَصَفَّ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَنْفُسَهُمْ أي رتبوا أنفسهم صفوفاً ويهوذا الأول (ع ١٨).

٢١ «فَخَرَجَ بَنُو بِنْيَامِينَ مِنْ جِبْعَةَ وَأَهْلَكُوا مِنْ إِسْرَائِيلَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ إِلَى ٱلأَرْضِ».

تكوين ٤٩: ٢٧

فَخَرَجَ بَنُو بِنْيَامِينَ رجال السبط كله فإنهم اجتمعوا في جبعة ليدفعوا عن تلك المدينة الشريرة بحماستهم الجاهلية وكبريائهم المشهورة لأنهم نسل محبوب يعقوب ويوسف فصدق عليهم قول الشاعر:

يفاخرون بأجداد لهم سلفوا نعمَ الجدود ولكن بئس ما خلفوا


وكانت تلك المدينة على تلّ فأشبهت الحصن الحصين وتمكن من فيها من الدفاع الشديد.

وَأَهْلَكُوا… ٱثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ إِلَى ٱلأَرْضِ أي صرعوهم أو طرحوهم بإهلاكهم إياهم على الأرض ضمن الإهلاك معنى الصرع أو الطرح. ووقوع مثل هذا العدد قتلى يدلك على شدة تلك الحرب وتوحش أهلها فكان عدد قتلى إسرائيل يقرب من عدد محاربي بنيامين (ع ١٥).

٢٢ «وَتَشَدَّدَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ وَعَادُوا فَٱصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي ٱصْطَفُّوا فِيهِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَوَّلِ».

وَتَشَدَّدَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ رجال إسرائيل بيان للشعب. وعلة تشددهم كثرة عددهم بالنسبة إلى عدد البنيامينيين واتكالهم على شجاعتهم ونسبتهم انكسارهم إلى الخطإ في الحركات الحربية. وقد سمح الله بهذه الحرب الضروس تأديباً للفريقين على جهلهما وإهمالهما شريعته المقدسة ليرجعا إليه ويتضعا أمامه.

٢٣ «ثُمَّ صَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَبَكَوْا أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلْمَسَاءِ، وَسَأَلُوا ٱلرَّبَّ: هَلْ أَعُودُ أَتَقَدَّمُ لِمُحَارَبَةِ بَنِي بِنْيَامِينَ أَخِي؟ فَقَالَ ٱلرَّبُّ: ٱصْعَدُوا إِلَيْهِ».

ع ٢٦ و٢٧

وَسَأَلُوا أي سأل الكاهن عنهم كلهم (ع ٢٨).

هَلْ أَعُودُ أَتَقَدَّمُ لِمُحَارَبَةِ… أَخِي كان مقتضى الظاهر أن يُقال هل نعود ولكنه أفرد لأن السؤال من واحد وهو الكاهن نائباً عنهم أو أنزلهم منزلة الواحد باعتبار أنهم شعب واحد. وفي قولهم «أخي» إيماء إلى شعورهم بأنهم كُسروا لمحاربتهم إخوتهم.

فَقَالَ ٱلرَّبُّ: ٱصْعَدُوا إِلَيْهِ لو قالوا يا رب هل ننتصر على بنيامين لقال لهم لا لكنهم قالوا «هل نعود إلى المحاربة» فقال لهم «عودوا» لأن في عودهم إليها ما أراده من تأديبهم.

٢٤ «فَتَقَدَّمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بِنْيَامِينَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي».

ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي ليوم سؤالهم الرب لا لأول أيام الحرب.

٢٥ «فَخَرَجَ بِنْيَامِينُ لِلِقَائِهِمْ مِنْ جِبْعَةَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي، وَأَهْلَكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْضاً ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ إِلَى ٱلأَرْضِ. كُلُّ هٰؤُلاَءِ مُخْتَرِطُو ٱلسَّيْفِ».

ع ٢١

وَأَهْلَكَ… ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ فكان عدد من أهلكهم بنو بنيامين من رجال إسرائيل في الواقعتين ٤٠٠٠٠ وذلك يزيد على كل رجال بنيامين ١٣٣٠٠ لأن عدد البنياميين كان ٢٦٧٠٠ (ع ١٥) وهذا يدل على مقدرة البنياميين وإحكامهم الرمي بالمقلاع ومناسبة موقفهم في الحرب.

٢٦ «فَصَعِدَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَبَكَوْا وَجَلَسُوا هُنَاكَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَصَامُوا ذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ إِلَى ٱلْمَسَاءِ، وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ أَمَامَ ٱلرَّبِّ».

ع ١٨

جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ قال بعض المفسرين إن معنى ذلك جميع المحاربين وغير المحاربين. والمعنى الذي يقتضيه النص جميع المحاربين وغيرهم من النساء والأولاد فإنه لما قُتل أربعون ألفاً من إسرائيل عمّ الحزن أحداث الأبناء والبنات وسائر النساء فأتوا بيت الرب جميعاً مع رجال الحرب يبكون خوفاً من زيادة ذلك البلاء. ولا ريب في أنهم شعروا بخطإهم بإسراعهم إلى محاربة إخوتهم وإن ما حلّ بهم كان عقاباً لهم على ذلك الخطإ. قال بعض المفسرين إن هذا التأديب لم يكن لخطإهم في أمر السؤال من الرب فقط بل أيضاً لابتعادهم عن الرب وسجودهم للتماثيل (ص ١٨: ٣٠ و٣١).

وَصَامُوا إن زمان الصوم زمان الحزن والبلاء.

مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ (انظر لاويين ١: ٣ و٧: ١١ – ٢١ و٢٩ – ٣٤).

٢٧ «وَسَأَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلرَّبَّ: وَهُنَاكَ تَابُوتُ عَهْدِ ٱللّٰهِ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ».

يشوع ١٨: ١ و١صموئيل ٤: ٣ و٤

وَهُنَاكَ أي في بيت إيل (ع ٢٦).

تَابُوتُ عَهْدِ ٱللّٰهِ هذا النص يدل على أن التابوت كان قد نُقل إلى بيت إيل والمرجّح أن الخيمة نُقلت إليها أيضاً. ومن أسباب نقله على ما نرى التفاؤل والتشاؤم بالأمكنة كعادة الناس في تلك العصور. على أن التفاؤل والتشاؤم لا يزالان إلى اليوم من عادات كثيرين في كل أقطار الأرض.

٢٨ «وَفِينَحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ وَاقِفٌ أَمَامَهُ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ «أَأَعُودُ أَيْضاً لِلْخُرُوجِ لِمُحَارَبَةِ بَنِي بِنْيَامِينَ أَخِي أَمْ أَكُفُّ؟» فَقَالَ ٱلرَّبُّ: ٱصْعَدُوا، لأَنِّي غَداً أَدْفَعُهُمْ لِيَدِكَ».

يشوع ٢٤: ٣٣ تثنية ١٠: ٨ و١٨: ٥

فِينَحَاسُ كان فينحاس لا يزال الحبر العظيم إلى ذلك اليوم وهو حفيد هارون من ابنه العازار. وكان يهوناثان حفيد موسى من ابنه جرشوم (ص ١٨: ٣٠). ولكن فينحاس كان على الهدى على ما ظهر من غيرته في البرية (عدد ٢٥: ٦ – ٨ ومزمور ١٠٦: ٣٠) على خلاف يهوناثان. لكن فينحاس كان عاجزاً هنا عن إصلاح بني إسرائيل ولا عجب فإنهم عصوا الله في زمان جده هارون وأخي جده موسى كليم الله وعبدوا العجل وارتكبوا غير ذلك من فظائع الآثام.

أَأَعُودُ أَيْضاً الخ والظاهر من السؤال أنهم لم يريدوا أن يعودوا للمحاربة.

غَداً أَدْفَعُهُمْ كان يقول لهم «اصعدوا» ولا يعدهم بشيء فهنا قال «اصعدوا» ووعدهم بالنصر ليؤدب إخوتهم كما أدبهم. ويريهم أن النصر لا يكون بالاتكال على القوة وكثرة العدد بل بتوفيق الله وإرادته.

٢٩ «وَوَضَعَ إِسْرَائِيلُ كَمِيناً عَلَى جِبْعَةَ مُحِيطاً».

يشوع ٨: ٤

وَوَضَعَ إِسْرَائِيلُ كَمِيناً إنهم وإن كان الرب قد وعدهم بالانتصار قد استعملوا الوسائل اللازمة. وهذه الخدعة القديمة مع بساطتها كانت وسيلة الانتصار على عاي (يشوع ٨: ١ – ٢٣) وعلى شكيم (ص ٩: ٤٣).

٣٠ «وَصَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى بَنِي بِنْيَامِينَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ وَٱصْطَفُّوا عِنْدَ جِبْعَةَ كَٱلْمَرَّةِ ٱلأُولَى وَٱلثَّانِيَةِ».

فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ من الأيام التي وقعت فيها الحرب.

٣١ «فَخَرَجَ بَنُو بِنْيَامِينَ لِلِقَاءِ ٱلشَّعْبِ وَٱنْجَذَبُوا عَنِ ٱلْمَدِينَةِ، وَأَخَذُوا يَضْرِبُونَ مِنَ ٱلشَّعْبِ قَتْلَى كَٱلْمَرَّةِ ٱلأُولَى وَٱلثَّانِيَةِ فِي ٱلسِّكَكِ (ٱلَّتِي إِحْدَاهَا تَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، وَٱلأُخْرَى إِلَى جِبْعَةَ) فِي ٱلْحَقْلِ نَحْوَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ إِسْرَائِيلَ».

يَضْرِبُونَ مِنَ ٱلشَّعْبِ قَتْلَى والمعنى أنهم يضربون رجالاً يصيرون قتلى نحو ثلاثين رجلاً (فقتلى) مفعول به و«من الشعب» متعلق بحال مقدمة و«نحو» بدل من قتلى. والتعبير عن المضروبين بالقتلى مجاز مرسل من باب تسمية الشيء باسم ما يصير إليه لأنهم بعد أن ضُربوا صاروا قتلى. ومثل هذا كثير في العربية حتى لغة العامة كقولهم خبز الخبز أي عجيناً يصير خبزاً.

فِي ٱلسِّكَكِ السكك الطرق المستوية.

ٱلَّتِي إِحْدَاهَا… وَٱلأُخْرَى كانت السكك فرقتين إحداهما تصعد إلى بيت إيل والأخرى إلى جبعة في الحقل.

فِي ٱلْحَقْلِ يقول بعضهم أن جبعة في الحقل مدينة غير جبعة المذكورة سابقاً. فإحدى الطريقين تصعد من جبعة إلى بيت إيل والأخرى من جبعة إلى جبعة في الحقل ولعلها جبع المذكورة في (يشوع ٢١: ١٧). وغيرهم يقدّرون كلمة «مارة» فيكون الجملة كلها «الأخرى إلى جبعة المارة في الحقل». وخرج بنو بنيامين من مدينتهم بعضهم في طريق بيت إيل وبعضهم في طريق جبع (أو الطريق المارة في الحقل) وأخذوا يضربون بني إسرائيل.

٣٢ «وَقَالَ بَنُو بِنْيَامِينَ: إِنَّهُمْ مُنْهَزِمُونَ أَمَامَنَا كَمَا فِي ٱلأَوَّلِ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: لِنَهْرُبْ وَنَجْذِبْهُمْ عَنِ ٱلْمَدِينَةِ إِلَى ٱلسِّكَكِ».

إِنَّهُمْ مُنْهَزِمُونَ أَمَامَنَا إن الإسرائيليين تظاهروا بالهزيمة فقال البنيامينيون ذلك والكاتب أوجز اعتماداً على ما ذُكر وما سيُذكر.

وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: لِنَهْرُبْ وَنَجْذِبْهُمْ عَنِ ٱلْمَدِينَةِ هذا إيضاح لكل ما ذُكر في الآية السابقة وأول هذه الآية.

٣٣ «وَقَامَ جَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَاكِنِهِمْ وَٱصْطَفُّوا فِي بَعْلِ تَامَارَ، وَثَارَ كَمِينُ إِسْرَائِيلَ مِنْ مَكَانِهِ مِنْ عَرَاءِ جِبْعَةَ».

بَعْلِ تَامَارَ معنى هذا الاسم «إله التمر» أو «إله النخل» وهو مكان قريب من جبعة. قال بعضهم ولعله هو المسمى بنخلة دبورة (ص ٤: ٥) بين الرامة وبيت إيل. وهو يبعد قليلاً عن «السكك» وكان اسمه في عصر أوسابيوس وجيروم باتامار ثم عُرف ببيت تامار.

مِنْ عَرَاءِ جِبْعَةَ العراء الفضاء لا يُستتر فيه بشيء. وهو في الأصل العبراني «معره» أي «أرض بلا شجر» أو «سهل بلا شجر ولا بيوت» وهذا كله من معاني العراء. ولعله كان على حدود هذا العراء صخور كبيرة حجبته عن أبصار البنيامينيين.

٣٤ «وَجَاءَ مِنْ مُقَابِلِ جِبْعَةَ عَشَرَةُ آلاَفِ رَجُلٍ مُنْتَخَبُونَ مِنْ كُلِّ إِسْرَائِيلَ، وَكَانَتِ ٱلْحَرْبُ شَدِيدَةً، وَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ ٱلشَّرَّ قَدْ مَسَّهُمْ».

يشوع ٨: ١٤ وإشعياء ٤٧: ١١

عَشَرَةُ آلاَفِ وهؤلاء غير الكمين المذكور في (ع ٢٩) وهم الذين كانوا أمام بني بنيامين بينما ثار الكمين من مكانه واقتحموا المدينة وبالآخر ثار بنو إسرائيل كلهم وأحاطوا ببنيامين من كل الجهات.

وَهُمْ أي البنيامينيون على ما تفيد القرينة.

لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ ٱلشَّرَّ قَدْ مَسَّهُمْ أي جهلوا أن وراءهم كميناً وإنه قرب منهم كل القرب وهم لم يشعروا لأنهم كانوا غافلين عمّن وراءهم بمن هم أمامهم يخدعونهم بأنه منهزمون منهم.

٣٥ «فَضَرَبَ ٱلرَّبُّ بِنْيَامِينَ أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، وَأَهْلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ بِنْيَامِينَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وَمِئَةَ رَجُلٍ. كُلُّ هٰؤُلاَءِ مُخْتَرِطُو ٱلسَّيْفِ».

فَضَرَبَ ٱلرَّبُّ أي خذل البنيامينيين فضربهم الإسرائيليون وما يأتي في (ع ٣٦ – ٤٣) تفصيل لما ذُكر.

٣٦ «وَرَأَى بَنُو بِنْيَامِينَ أَنَّهُمْ قَدِ ٱنْكَسَرُوا. وَأَعْطَى رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مَكَاناً لِبِنْيَامِينَ لأَنَّهُمُ ٱتَّكَلُوا عَلَى ٱلْكَمِينِ ٱلَّذِي وَضَعُوهُ عَلَى جِبْعَةَ».

يشوع ٨: ١٥

أَنَّهُمْ أي الإسرائيليين لا البنيامينين كما يُعلم من (ع ٣٢). وهذه الآية بداءة تفصيل ما أُجمل من تظاهر الإسرائيليين بالانهزام وما نشأ عنه.

وَأَعْطَى رِجَالُ إِسْرَائِيلَ الخ هذا بيان العلة لرؤية البنيامينيين إن الإسرائيليين قد انكسروا.

٣٧ «فَأَسْرَعَ ٱلْكَمِينُ وَٱقْتَحَمُوا جِبْعَةَ، وَزَحَفَ ٱلْكَمِينُ وَضَرَبَ ٱلْمَدِينَةَ كُلَّهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ».

يشوع ٨: ١٩ ص ٤: ٦

وَٱقْتَحَمُوا أي هجموا.

وَزَحَفَ ٱلْكَمِينُ أي مشى الكامنون.

٣٨ «وَكَانَ ٱلْمِيعَادُ بَيْنَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ وَبَيْنَ ٱلْكَمِينِ إِصْعَادَهُمْ بِكَثْرَةٍ عَلاَمَةَ ٱلدُّخَانِ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ».

وَكَانَ ٱلْمِيعَادُ الخ أي إن الوعد كان إن الكمين إذا دخل المدينة يُعلن لسائر الإسرائيليين ذلك بعلامة هي الدخان الكثير.

٣٩ «وَلَمَّا ٱنْقَلَبَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْحَرْبِ ٱبْتَدَأَ بِنْيَامِينُ يَضْرِبُونَ قَتْلَى مِنْ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ نَحْوَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً، لأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّمَا هُمْ مُنْهَزِمُونَ مِنْ أَمَامِنَا كَٱلْحَرْبِ ٱلأُولَى».

وَلَمَّا ٱنْقَلَبَ أي رجع على ما ذُكر في (ع ٣١ و٣٢).

يَضْرِبُونَ قَتْلَى الخ أي يضربون رجالاً يقعون أو يصيرون قتلى الخ (انظر ع ٣١ والتفسير).

٤٠ «وَلَمَّا ٱبْتَدَأَتِ ٱلْعَلاَمَةُ تَصْعَدُ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ عَمُودَ دُخَانٍ، ٱلْتَفَتَ بِنْيَامِينُ إِلَى وَرَائِهِ وَإِذَا بِٱلْمَدِينَةِ كُلِّهَا تَصْعَدُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ».

وَإِذَا بِٱلْمَدِينَةِ كُلِّهَا تَصْعَدُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ أي احترقت المدينة كلها فاستحالت إلى دخان يرتفع إلى السماء. وهذا ضربٌ من المبالغة الكثيرة في اللغات السامية.

٤١ «وَرَجَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ وَهَرَبَ رِجَالُ بِنْيَامِينَ بِرَعْدَةٍ، لأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ ٱلشَّرَّ قَدْ مَسَّهُمْ».

ٱلشَّرَّ قَدْ مَسَّهُمْ أي أدركهم أو قرب منهم كل القرب.

٤٢ «وَرَجَعُوا أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي طَرِيقِ ٱلْبَرِّيَّةِ، وَلٰكِنَّ ٱلْقِتَالَ أَدْرَكَهُمْ، وَٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْمُدُنِ أَهْلَكُوهُمْ فِي وَسَطِهِمْ».

ٱلْبَرِّيَّةِ هي البرية المعروفة يومئذ ببرية بيت آون (يشوع ١٨: ١٢). وهي البرية الصاعدة من أريحا في جبل بيت إيل (يشوع ١٦: ١) وبيت آون شرقي بيت إيل.

وَٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْمُدُنِ أَهْلَكُوهُمْ فِي وَسَطِهِمْ رجع البنيامينيون عن الإسرائيليين الذين تبعوهم إذ رجع الإسرائيليون إليهم بعد تظاهرهم بالانهزام فأبلوا في الحرب فهرب البنيامينيون إلى مدنهم للالتجاء فقابلهم وأحاط الفريقان بهم فوقعوا في وسطهم قتلى.

٤٣ «فَحَاوَطُوا بِنْيَامِينَ وَطَارَدُوهُمْ بِسُهُولَةٍ، وَأَدْرَكُوهُمْ مُقَابِلَ جِبْعَةَ لِجِهَةِ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ».

فَحَاوَطُوا بِنْيَامِينَ الفاء هنا الفاء الفصيحة وهي ما أفصحت عن فعل شرط مقدّر أي إن أردت أن تعرف كيف «أهلكوهم في وسطهم» حاوطوا الخ.

مُقَابِلَ جِبْعَةَ هنا «أهلكوهم في وسطهم».

٤٤ «فَسَقَطَ مِنْ بِنْيَامِينَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ. جَمِيعُ هٰؤُلاَءِ ذَوُو بَأْسٍ».

فَسَقَطَ مِنْ بِنْيَامِينَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ وكانوا كلهم ستة وعشريين ألفاً وسبع مئة فأهلك هنا أكثر من ثلثيهم.

٤٥ «فَدَارُوا وَهَرَبُوا إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ إِلَى صَخْرَةِ رِمُّونَ. فَٱلْتَقَطُوا مِنْهُمْ فِي ٱلسِّكَكِ خَمْسَةَ آلاَفِ رَجُلٍ، وَشَدُّوا وَرَاءَهُمْ إِلَى جِدْعُومَ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ أَلْفَيْ رَجُلٍ».

يشوع ١٥: ٣٢

صَخْرَةِ رِمُّونَ أي صخرة رمّان وهي حصن في أرض كثيرة الرمان ولعلها كانت عند قرية رمون وهي على قنة أكمة بين بيت إيل والأردن. وهي ليست بعيدة عن جبعة وهي في شمالي أورشليم وعلى غاية ١٥ ميلاً منها وشرقي بيت إيل وعلى أمد ثلاثة أميال منها ولا تزال تسمى رِمّون.

فَٱلْتَقَطُوا مِنْهُمْ فِي ٱلسِّكَكِ شبههم بتفرقهم في السكك بسنابل تترك وراء الحاصد وشبّه القبض عليهم بالتقاط تلك السنابل. وجاء مثل هذا التمثيل في إرميا وهو قوله تعالى «تَعْلِيلاً يُعَلِّلُونَ كَجَفْنَةٍ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ» (إرميا ٦: ٩).

وَشَدُّوا وَرَاءَهُمْ أي تبعوا البنيامينيين شادّين القوى أو السير.

إِلَى جِدْعُومَ مكان بين جبعة وصخرة رمون لم يزل مجهولاً.

٤٦ «وَكَانَ جَمِيعُ ٱلسَّاقِطِينَ مِنْ بِنْيَامِينَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ مُخْتَرِطِي ٱلسَّيْفِ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ. جَمِيعُ هٰؤُلاَءِ ذَوُو بَأْسٍ».

خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ ١٨٠٠٠ قُتلوا في الحرب و٥٠٠٠ في الطرق و٢٠٠٠ عند صخرة رمون والمجموع ٢٥٠٠٠ يزاد عليه ١٠٠ من ع ٣٥ لأجل التدقيق وبقي ٦٠٠ (ع ٤٧) فالجملة ٢٥٧٠٠ ولكن عدد البنيامينيين كان ٢٦٧٠٠ فأين البقية وهي ألف والمرجّح أنهم قُتلوا في اليوم الأول (ع ٢١) واليوم الثاني (ع ٢٥) وأما الست المئة فاختبأوا في صخرة رمّون (ع ٤٧).

٤٧ «وَدَارَ وَهَرَبَ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ إِلَى صَخْرَةِ رِمُّونَ سِتُّ مِئَةِ رَجُلٍ وَأَقَامُوا فِي صَخْرَةِ رِمُّونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ».

ص ٢١: ١٣

وَدَارَ انحرف عن طريق الهرب لقطعها.

إِلَى صَخْرَةِ رِمُّونَ المذكورة في (ع ٤٥) واختبأوا في الكهوف فإنها كثيرة هناك ولا يزال هنالك أربعة كهوف كبيرة إلى هذا اليوم.

وَأَقَامُوا فِي صَخْرَةِ رِمُّونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يُقال هنا كيف عاش ٦٠٠ رجل هناك مدة أربعة أشهر. لنا احتمالات كثيرة منها أنهم كانوا يصيدون البهائم والطيور ويجنون الأثمار والحبوب التي يستطيعون الوصول إليها ويسرقون وينهبون على قدر ما لهم من الفرص كما يفعل كثيرون من لصوص الآجام والكهوف إلى هذا اليوم وكان الإسرائيليون لا يكترثون بهم حينئذ لقلتهم.

٤٨ «وَرَجَعَ رِجَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بِنْيَامِينَ وَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ بِأَسْرِهَا، حَتَّى ٱلْبَهَائِمَ، حَتَّى كُلَّ مَا وُجِدَ. وَأَيْضاً جَمِيعُ ٱلْمُدُنِ ٱلَّتِي وُجِدَتْ أَحْرَقُوهَا بِٱلنَّارِ».

بَنِي بِنْيَامِينَ أي بعض الباقين من البنيامينيين.

وَضَرَبُوهُمْ الخ لا ريب في أن الإسرائيليين جاروا بما فعلوا كثيراً. نعم إن البنيامينيين كانوا مستحقين العقاب لكن لم يستحقوه إلى هذا الحدّ. ولماذا أحرقوا المدن والبهائم والله لم يأمرهم بها ولا باستئصال أصحابها. فترى من ذلك أنهم لم يأتوا هذه الأفعال الفظيعة انتصاراً لله أو للدين بل شفاء لغيظهم ورغبتهم في إذلال إخوتهم بل إهلاكهم من كبيرهم إلى صغيرهم وبهائمهم ومساكنهم. إن الإسرائيليين لم يكونوا أبرّ من البنيامينيين. وكانوا جميعاً مستحقي التأديب فسمح الديان العادل الحكيم بتأديب الجميع ليرجعوا إليه ولكنهم ظلوا كما كانوا.

فوائد

  1. إن الاتحاد قوّة ولكن يجب أن يكون في الخير على الشر لكي يكون اتحاداً يسر الله وينفع المتحدين (ع ١ و١١).
  2. إن كبرياء البنيامينيين من الأسباب التي حملتهم على الانتصار لإخوتهم الجبعيين وكبرياء الإسرائيليين حملتهم على المحاربة دون استعمال وسائل للصلح. فاهرب من الكبرياء (ع ١٣).
  3. إنه يجب السؤال من الرب بنيّة مخلصة فنطلب منه أن يهدينا طريقاً لنسلك فيه وليس طريقاً نختاره نحن (ع ١٨).
  4. إن الله يترك الناس ليسلكوا في طريقهم ليتعلموا أن طريقه أفضل (ع ٢٣).
  5. من الكسر نتعلم (١) التأمل (٢) التوبة (٣) الرجوع إلى الله (٤) الاجتهاد الجديد (ع ٢٦).
  6. إن مواعيد الله لا تغنينا عن استعمال الوسائل (ع ٢٩).
  7. إننا محاطون بمخاطر لا نعرفها (ع ٣٤).
  8. لبنيامين بقيّة ومن تلك البقية شاول الملك الأول وبولس الرسول وهكذا أظهر الله عنايته ومقاصده الصالحة (ع ٤٧).
  9. الغيرة حسنة في ما هو حسن فغيرة إسرائيل للعدل كانت حسنة لكن تبيّن أنها كانت للانتقام الشديد الخارج عن دائرة العدل. فيلزمنا الحكمة والحكم على أنفسنا في بداءة الأمور.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى