سفر القضاة | 18 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر القضاة
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ
محتويات هذا الأصحاح:
- إرسال الدانيين خمسة جواسيس (ع ١ و٢).
- تشجيع اللاوي الشاب لهم (ع ٣ – ٦).
- رجوعهم بأنباء سرّت الدانيين (ع ٧ – ١٠).
- مهاجرة ست مئة من الدانيين (ع ١١ – ١٣).
- أخذ الدانيين آلهة ميخا (ع ١٤ – ١٨).
- تسليم اللاوي بالذهاب معهم (ع ١٩ – ٢١).
- خيبة ميخا من رد آلهته (ع ٢٢ – ٢٦).
- استيلاؤهم على لايش (ع ٢٧ – ٢٩).
- عبادتهم الوثن (ع ٣٠ و٣١).
إرسال الدانيين جواسيس واستعدادهم للمهاجرة ع ١ إلى ١٠
١ «وَفِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ، وَفِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ كَانَ سِبْطُ ٱلدَّانِيِّينَ يَطْلُبُ لَهُ مُلْكاً لِلسُّكْنَى لأَنَّهُ إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ لَمْ يَقَعْ لَهُ نَصِيبٌ فِي وَسَطِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ».
ص ١٧: ٦ و٢١: ٢٥ يشوع ١٩: ٤٧
وَفِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ أي أيام ميخا ومهاجرة الدانيين وذلك بعد قليل من وفاة يشوع (يشوع ١٩: ٤٧).
لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ ليحافظ على الشريعة (انظر تفسير ص ١٧: ٦). وكُررت هذه العبارة لتأكيد البيان أن ذلك علة التشويش في العبادة.
كَانَ سِبْطُ ٱلدَّانِيِّينَ أي الفرقة المعهودة للناس من الدانيين فإن السبط كما أُطلق على نسل من أُضيف إليه من أبناء يعقوب أُطلق على فرقة منه (انظر ص ٢٠: ١٢).
يَطْلُبُ لَهُ مُلْكاً لِلسُّكْنَى لأن ما حصلوا عليه من سهم لم يكن كافياً لكل سبط دان (يشوع ١٩: ٤٧).
إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ الذي هاجر فيه بعضهم.
لَمْ يَقَعْ لَهُ نَصِيبٌ كامل وهو السهم الذي عُيّن لذلك السبط فإنهم استولوا على بعضه ولم يستولوا عليه كله لمقاومة الفلسطينيين والأموريين لهم. ولهذا جاء في الترجمة الإنكليزية «لم يكن لهم نصيب» وقد بُيّن نصيبهم كله في سفر يشوع (انظر يشوع ١٩: ٤٠ – ٤٦). فكأن الكاتب أنزل ما حصلوا عليه من نصيبهم منزلة العدم لضيقه بهم. أو أراد أنه لم يكن لهم ما كان لغيرهم من الأسباط الذين حصلوا على الأرض الكافية. فإنهم كانوا في البرية أقوى أسباط إسرائيل ما عدا يهوذا وكان عددهم ٦٤٤٠٠ (عدد ٢٦: ٤٢ و٤٣).
٢ «فَأَرْسَلَ بَنُو دَانَ مِنْ عَشِيرَتِهِمْ خَمْسَةَ رِجَالٍ مِنْهُمْ، رِجَالاً بَنِي بَأْسٍ مِنْ صُرْعَةَ وَمِنْ أَشْتَأُولَ لِتَجَسُّسِ ٱلأَرْضِ وَفَحْصِهَا. وَقَالُوا لَهُمُ: ٱذْهَبُوا ٱفْحَصُوا ٱلأَرْضَ. فَجَاءُوا إِلَى جَبَلِ أَفْرَايِمَ إِلَى بَيْتِ مِيخَا وَبَاتُوا هُنَاكَ».
ص ١٣: ٢٥ عدد ١٣: ١٧ ويشوع ٢: ١ ص ١٧: ١
خَمْسَةَ رِجَالٍ مِنْهُمْ أو من أطرافهم أي أطراف أرضهم أو تخومها (انظر حاشية الكتاب ذي الشواهد).
رِجَالاً بَنِي بَأْسٍ عطف بيان «لرجال» في العبارة قبلها باعتبار نعتهم «ببني بأس» أي بأصحاب قوة أو شدة. وكثر استعمال الابن بمعنى صاحب أو مالك فيقال للعلماء أبناء العلم وللفضلاء أبناء الفضل وللمسافرين أبناء السبيل وهلم جراً.
مِنْ صُرْعَةَ وَمِنْ أَشْتَأُولَ (انظر تفسير ص ١٣: ٢ و٢٥).
لِتَجَسُّسِ ٱلأَرْضِ وَفَحْصِهَا كما فعل موسى ويشوع (عدد ١٣: ١٧ ويشوع ٢: ١). و«تجسس الأرض» البحث عن أحوالها وأحوال سكانها خفية و«فحصها» عطف تفسير على «تجسسها».
جَبَلِ أَفْرَايِمَ أي أرض أفرايم الجبلية. وكان أسهل عليهم لو أتوا من طريق أخرى لكنها كانت تمر في أرض لا يزال فيها سكانها الأصليون.
إِلَى بَيْتِ مِيخَا أي إلى منزل الضيوف من ذلك البيت (ع ٣).
٣ «وَبَيْنَمَا هُمْ عِنْدَ بَيْتِ مِيخَا عَرَفُوا صَوْتَ ٱلْغُلاَمِ ٱللاَّوِيِّ، فَمَالُوا إِلَى هُنَاكَ وَسَأَلُوهُ: مَنْ جَاءَ بِكَ إِلَى هُنَا، وَمَاذَا أَنْتَ عَامِلٌ فِي هٰذَا ٱلْمَكَانِ، وَمَا لَكَ هُنَا؟».
عِنْدَ بَيْتِ مِيخَا أي في المنزل الذي هو قسم منه عند مدخله.
عَرَفُوا صَوْتَ ٱلْغُلاَمِ ٱللاَّوِيِّ عدل كاتبه عن بيان العلة التي عرفوا بها صوته حق المعرفة. إن الغلام يهوناثان (ع ٣٠) كان من سكان بيت لحم والمخالطة بين سبطي دان ويهوذا كانت يومئذ كثيرة. فيحتمل أنهم عرفوه عياناً وألفوا صوته. ويمكن أنهم عرفوا صوته من لهجة خاصة والأرجح أنهم سمعوه وهو يخدم في المعبد فعرفوا أنه كاهنٌ. أو لعل هذا الغلام مرّ بالدانيين وهو يجول من مكان إلى آخر.
فَمَالُوا إِلَى هُنَاكَ أي إلى حيث كان الغلام ولعله كان في المعبد أي بيت الآلهة.
مَنْ جَاءَ بِكَ إِلَى هُنَا إذا رأينا من نعرفه في بلاد غريبة فكثيراً ما نقول له من جاء بك أو ما جاء بك إلى هنا فإنهم رأوه في أرض أفرايم ولم يتوقعوا أن يروا لاوياً هناك.
وَمَاذَا أَنْتَ عَامِلٌ فِي هٰذَا ٱلْمَكَانِ وهذا من سؤالات المعارف المعهودة عندنا فإذا رأينا من نعرفه في بلاد أجنبية فكثيراً ما نسأله عن عمله فيها.
وَمَا لَكَ هُنَا من الراتب أو الأجرة.
٤ «فَقَالَ لَهُمْ: كَذَا وَكَذَا عَمِلَ لِي مِيخَا، وَقَدِ ٱسْتَأْجَرَنِي فَصِرْتُ لَهُ كَاهِناً».
ص ١٧: ١٠
كَذَا وَكَذَا أي عشرة شواقل فضة في السنة وحلّة ثياب والطعام والشراب والمأوى (ص ١٧: ١٠).
٥ «فَقَالُوا لَهُ: ٱسْأَلْ إِذَنْ مِنَ ٱللّٰهِ لِنَعْلَمَ هَلْ يَنْجَحُ طَرِيقُنَا ٱلَّذِي نَحْنُ سَائِرُونَ فِيهِ؟».
١ملوك ٢٢: ٥ وإشعياء ٣٠: ١ وهوشع ٤: ١٢ ص ١٧: ٥ وع ١٤
ٱسْأَلْ إِذَنْ مِنَ ٱللّٰهِ لم يكن بين الإسرائيليين يومئذ نبي فكانوا يسألون الكهنة ولما رأوا الغلام كاهناً أنزلوه منزلة فينحاس وسألوه أن يسأل الله لهم ليعلموا مآل أمرهم من قصدهم الاستيلاء على أرض يسكنونها. ولعلهم حين مالوا إلى المعبد رأوا هنالك الأفود الكهنوتي الثمين فزادهم ذلك ثقة بأن الغلام يستطيع أن يسأل الله كالحبر العظيم.
٦ «فَقَالَ لَهُمُ ٱلْكَاهِنُ: ٱذْهَبُوا بِسَلاَمٍ. أَمَامَ ٱلرَّبِّ طَرِيقُكُمُ ٱلَّذِي تَسِيرُونَ فِيهِ».
١ملوك ٢٢: ٦
ٱذْهَبُوا بِسَلاَمٍ أي اذهبوا مصحوبين بالسلامة.
أَمَامَ ٱلرَّبِّ طَرِيقُكُمُ أي إن الله حارس لطريقكم وحافظكم فيها أو هو المعتني بكم في سفركم (أمثال ٥: ٢١). إن جواب يهوناثان كان شبيهاً بكلام الوحي مع أنه لم يكن واثقاً بما قال. ولعل كلامه كان دعاء لهم في صورة الخبر فتوهموه أنباء.
٧ «فَذَهَبَ ٱلْخَمْسَةُ ٱلرِّجَالِ وَجَاءُوا إِلَى لاَيِشَ. وَرَأَوُا ٱلشَّعْبَ ٱلَّذِينَ فِيهَا سَاكِنِينَ بِطُمَأْنِينَةٍ كَعَادَةِ ٱلصَّيْدُونِيِّينَ مُسْتَرِيحِينَ مُطْمَئِنِّينَ، وَلَيْسَ فِي ٱلأَرْضِ مُؤْذٍ بِأَمْرٍ وَارِثٌ رِيَاسَةً، وَهُمْ بَعِيدُونَ عَنِ ٱلصَّيْدُونِيِّينَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَمْرٌ مَعَ إِنْسَانٍ».
يشوع ١٩: ٤٧ ع ٢٧ و٢٨
لاَيِشَ هي لشم (انظر تفسير يشوع ١٩: ٤٧) واسمها اليوم تل القاضي في سفح جبل الشيخ أو كانت قريبة منها (انظر تفسير تكوين ١٤: ١٤) وهي على غاية أربعة أميال من بانياس وهي في الشمال الأقصى من فلسطين (ص ٢٠: ١) وهي على تل مستدير تحيط به الأشجار. وسُميت في سفر التكوين دان (تكوين ١٤: ١٤) وسيأتي الكلام على ذلك في (تفسير ع ٢٩). وسُميت في سفر يشوع «لشم» (يشوع ١٩: ٤٧).
وَرَأَوُا ٱلشَّعْبَ ٱلَّذِينَ فِيهَا… بِطُمَأْنِينَةٍ كَعَادَةِ ٱلصَّيْدُونِيِّينَ كان سكان لايش جماعة من مهاجري الصيدونيين. وكان الصيدونيون أرباب تجارة والتجار أميل الناس إلى السلم خوفاً على تجارتهم من الموانع فكانوا يبذلون جهدهم في مسالمة جميع الناس ولهذا كانوا مطمئنين.
وَلَيْسَ فِي ٱلأَرْضِ مُؤْذٍ بِأَمْرٍ وَارِثٌ رِيَاسَةً أي لم يكن عليهم ملك يرث الرئاسة عن سلفه فيؤذي الناس بالمكوس أو يريد الحرب لتوسيع ملكه. والظاهر أن حكم المدينة كاد جمهورياً تنوب عنهم لجنة يرأسها أحد المتقدمين منهم علماً واختباراً.
وَهُمْ بَعِيدُونَ عَنِ ٱلصَّيْدُونِيِّينَ الذين هم منهم فلا ناصر لهم في أرض غربتهم وكان بينهم وبين صيداء سفر يوم كامل.
وَلَيْسَ لَهُمْ أَمْرٌ مَعَ إِنْسَانٍ أي وليس بينهم وبين إنسان محالفة فينجيهم.
٨ «وَجَاءُوا إِلَى إِخْوَتِهِمْ إِلَى صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ. فَقَالَ لَهُمْ إِخْوَتُهُمْ: مَا أَنْتُمْ؟».
ع ٢ وراعوث ٣: ١٦
إِلَى إِخْوَتِهِمْ أهل سبطهم الذين أرسلوهم.
إِلَى صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ (ع ٢).
مَا أَنْتُمْ أي ما عندكم من الأخبار وهو كقولك لمن تريد أن تستخبره ما وراءك. وجيء بهذا التركيب للمبالغة لأن الاستفهام عن الذات يستلزم الاستفهام عن كل ما يتعلق بها فكأنهم قالوا لهم اكشفوا لنا كل أموركم التي حصلتم عليها بالتجسس (راعوث ٣: ١٦).
٩ «فَقَالُوا: قُومُوا نَصْعَدْ إِلَيْهِمْ، لأَنَّنَا رَأَيْنَا ٱلأَرْضَ وَهُوَذَا هِيَ جَيِّدَةٌ جِدّاً وَأَنْتُمْ سَاكِتُونَ. لاَ تَتَكَاسَلُوا عَنِ ٱلذَّهَابِ لِتَدْخُلُوا وَتَمْلِكُوا ٱلأَرْضَ».
عدد ١٣: ٣٠ ويشوع ٢: ٢٣ و٢٤ و١ملوك ٢٢: ٣
قُومُوا نَصْعَدْ إِلَيْهِمْ أي الذي عرفناه يحملنا على أن نقول لكم قوموا الخ.
وَأَنْتُمْ سَاكِتُونَ أي لا تأتون عملاً. وعبّر عن ذلك بالسكوت لأن تارك العمل لا تسمع له حركة فيشبه الساكت في أنه لا يُسمع صوته. ومثل هذا قول ملك إسرائيل لعبيده «أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَامُوتَ جِلْعَادَ لَنَا وَنَحْنُ سَاكِتُونَ عَنْ أَخْذِهَا مِنْ يَدِ مَلِكِ أَرَامَ» (١ملوك ٢٢: ٣).
لاَ تَتَكَاسَلُوا عَنِ ٱلذَّهَابِ لئلا يحدث ما يمنع من أخذها أو لئلا تفوت الفرصة. والكسل آفة العمل وخيبة الأمل.
١٠ «عِنْدَ مَجِيئِكُمْ تَأْتُونَ إِلَى شَعْبٍ مُطْمَئِنٍّ، وَٱلأَرْضُ وَاسِعَةُ ٱلطَّرَفَيْنِ. إِنَّ ٱللّٰهَ قَدْ دَفَعَهَا لِيَدِكُمْ. مَكَانٌ لَيْسَ فِيهِ عَوَزٌ لِشَيْءٍ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ».
ع ٧ و٢٧ تكوين ٣٤: ٢١ تثنية ٨: ٩
تَأْتُونَ إِلَى شَعْبٍ مُطْمَئِنٍّ لعدم تعرّضه للمقاومة فهم لا يقاومونكم وإن قاوموكم لا يقدرون عليكم.
وَٱلأَرْضُ وَاسِعَةُ ٱلطَّرَفَيْنِ أي بعيد ما بين طرفيها عرضاً وطولاً والمعنى أنها واسعة المساحة تكفيهم وتزيد على الكفاية.
إِنَّ ٱللّٰهَ قَدْ دَفَعَهَا لِيَدِكُمْ عبّر عما يحدث بالمستقبل بحدوثه في الماضي للتحقيق والتوكيد. أي إن الاستيلاء عليها محقق فيجب الإسراع إلى أخذها ولعلهم بنوا ذلك على نبوءة يهوناثان لأنه كاهن.
مَكَانٌ لَيْسَ فِيهِ عَوَزٌ لِشَيْءٍ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ أي مما يحتاج إليه الإنسان من كل ما في الدنيا ليعيش عيشة راضية من خصب الأرض وطيب الهواء ووفرة الماء النقي وجمال المنظر وما أشبه ذلك.
أخذ الدانيين معبودات ميخا ع ١١ إلى ٢١
١١ «فَٱرْتَحَلَ مِنْ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَةِ ٱلدَّانِيِّينَ مِنْ صُرْعَةَ وَمِنْ أَشْتَأُولَ سِتُّ مِئَةِ رَجُلٍ مُتَسَلِّحِينَ بِعُدَّةِ ٱلْحَرْبِ».
فَٱرْتَحَلَ أي هاجر. فإنهم لم يذهبوا لمجرد الحرب والاستيلاء بدليل أنهم أخذوا نساءهم وأولادهم وأمتعتهم معهم (ع ٢١).
سِتُّ مِئَةِ رَجُلٍ ومعهم النساء والأولاد فلا يبعد عن الظن أن كل هؤلاء النفوس نحو ثلاثة آلاف وهم جزء قليل من الدانيين فإن عددهم بمقتضى الإحصاء الأخير ٦٤٤٠٠ (عدد ٢٦: ٤٢ و٤٣).
١٢ «وَصَعِدُوا وَحَلُّوا فِي قَرْيَةِ يَعَارِيمَ فِي يَهُوذَا. (لِذٰلِكَ دَعُوا ذٰلِكَ ٱلْمَكَانَ «مَحَلَّةَ دَانٍ» إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ. هُوَذَا هِيَ وَرَاءَ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ)».
يشوع ١٥: ٦٠ ص ١٣: ٢٥
فِي قَرْيَةِ يَعَارِيمَ أي في جوار قرية يعاريم كما يدل آخر الآية ومعنى قرية يعاريم قرية الآجام رأى بعضهم أنها ما تعرف اليوم بقرية العنب وهي تبعد عن أورشليم تسعة أميال أو سفر ثلاث ساعات على طريق يافا واسمها الأصلي بعلة وقرية بعل (يشوع ١٥: ٩ و٦٠). ورأى آخر أنها ما تُعرف اليوم بعرمة وهي قرية شرقي عين شمس وعلى غاية أربعة أميال منها.
مَحَلَّةَ دَانٍ (انظر تفسير ص ١٣: ٢٥). وتسمية هذا المكان من حلولهم فيه تدل على أنهم لبثوا فيه زماناً. والمكان قريب من صرعة وأشتأول ولعلهم بقوا فيه زماناً ليكملوا استعدادهم لرحلتهم.
وَرَاءَ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ أي غربيها وهذا دليل واضح على أن المحلة لم تكن في قرية يعاريم نفسها (انظر تفسير العبارة الأولى من هذه الآية). وكان معنى «الوراء» هنا الغرب لأن الشرق يُعبّر عنه بالأمام (أو قدام) في الكتاب كأنه تجاه الوجه لشروق الشمس منه ومعرفة سائر الجهات بمعرفته فإن الإنسان إذا قابل الشرق كان الغرب وراءه والجنوب أو التيمن على يمينه والشمال على شماله.
١٣ «وَعَبَرُوا مِنْ هُنَاكَ إِلَى جَبَلِ أَفْرَايِمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ مِيخَا».
ع ٢
بَيْتِ مِيخَا ذُكر بيت ميخا في الآية الثانية من هذا الأصحاح. ورجّح بعض المفسرين أنه هنا اسم قرية سُميّت بذلك من المقدس الجديد الذي أنشأه ميخا هناك.
١٤ «فَقَالَ ٱلْخَمْسَةُ ٱلرِّجَالِ ٱلَّذِينَ ذَهَبُوا لِتَجَسُّسِ أَرْضِ لاَيِشَ لإِخْوَتِهِمْ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ فِي هٰذِهِ ٱلْبُيُوتِ أَفُوداً وَتَرَافِيمَ وَتِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَتِمْثَالاً مَسْبُوكاً. فَٱلآنَ ٱعْلَمُوا مَا تَفْعَلُونَ».
١صموئيل ١٤: ٢٨ ص ١٧: ٥
فَقَالَ ٱلْخَمْسَةُ ٱلرِّجَالِ كان قول هؤلاء الرجال جواباً لسؤال مقدّر سألهم إياه بعض أولئك المهاجرين لأن أولئك الرجال هم الجواسيس الذين علموا أحوال الأرض وذلك السؤال المقدّر قولهم ما هذا المكان أو نحو ذلك.
فِي هٰذِهِ ٱلْبُيُوتِ هذا يجمل على ظن أن بيت ميخا قرية تشتمل على عدة بيوت (انظر تفسير ع ١٣) ويحقق غنى أمه.
فَٱلآنَ ٱعْلَمُوا مَا تَفْعَلُونَ الظاهر أن الجواسيس اعتبروا ما في بيت ميخا من التماثيل والأفود والترافيم والهيكل أموراً مقدسة فضلاً عن كونها ثمينة فنبهوا القوم على وجوب احترامها واغتنامها للتبرك بها وأخذها للحصول على بركتها دائماً. واعتداؤهم على غيرهم وسلب ماله يدل على الفوضوية في تلك الأيام وعدم اعتبار الشريعة الإلهية والتمسك بالخرافات.
١٥ «فَمَالُوا إِلَى هُنَاكَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ ٱلْغُلاَمِ ٱللاَّوِيِّ، بَيْتِ مِيخَا، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ».
تكوين ٤٣: ٢٧ و١صموئيل ١٧: ٢٢
فَمَالُوا إِلَى هُنَاكَ أي إلى القرية التي هي بيت ميخا أو إلى البيوت المذكورة في (ع ١٤) والذين مالوا الجواسيس.
إِلَى بَيْتِ ٱلْغُلاَمِ ٱللاَّوِيِّ كاهن ميخا وكانوا قد عرفوه قبلاً (ع ٣).
وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ لما سبق لهم من معرفته. ومعنى «سلّموا عليه» هنا سألوه عن سلامته.
١٦ «وَٱلسِّتُّ مِئَةِ ٱلرَّجُلِ ٱلْمُتَسَلِّحُونَ بِعُدَّتِهِمْ لِلْحَرْبِ وَاقِفُونَ عِنْدَ مَدْخَلِ ٱلْبَابِ (هٰؤُلاَءِ مِنْ بَنِي دَانٍ)».
ع ١١
وَاقِفُونَ عِنْدَ مَدْخَلِ ٱلْبَابِ الظاهر أن المكان يضيق بهم فلم يدخلوا لا لأنهم وقفوا هناك تأدباً لأنه لا معرفة لهم بالكاهن فإنهم كانوا قد خلعوا كل أثواب الحياء والإنسانية على ما ظهر من أعمالهم.
هٰؤُلاَءِ مِنْ بَنِي دَانٍ ذكر أنهم من الدانيين في (ع ١١) وذكر هنا أنهم من بني دان لتذكير القارئ. وكان الجواسيس دعوا الكاهن ليعرّفوه بهم وقصدهم أن يشغلوه بمشاهدة أولئك ومكالمتهم ليتمكنوا من سرقة ما في المعبد بلا معارض أو عائق. لأنهم خشوا من أن ينبه ميخا ورجاله فيعيقوهم عن ذلك.
١٧ «فَصَعِدَ ٱلْخَمْسَةُ ٱلرِّجَالِ ٱلَّذِينَ ذَهَبُوا لِتَجَسُّسِ ٱلأَرْضِ وَدَخَلُوا إِلَى هُنَاكَ، وَأَخَذُوا ٱلتِّمْثَالَ ٱلْمَنْحُوتَ وَٱلأَفُودَ وَٱلتَّرَافِيمَ وَٱلتِّمْثَالَ ٱلْمَسْبُوكَ وَٱلْكَاهِنُ وَاقِفٌ عِنْدَ مَدْخَلِ ٱلْبَابِ مَعَ ٱلسِّتِّ مِئَةِ ٱلرَّجُلِ ٱلْمُتَسَلِّحِينَ بِعُدَّةِ ٱلْحَرْبِ».
ع ٢ و١٤ ص ١٧: ٤ و٥
فَصَعِدَ ٱلْخَمْسَةُ ٱلرِّجَالِ إلى الطبقة العليا من البيت لأن المعبد كان فيها.
وَٱلْكَاهِنُ وَاقِفٌ عِنْدَ مَدْخَلِ ٱلْبَابِ مشغولاً بمشاهدتهم ومخاطبتهم. ولعله كان مسروراً بهم.
وَدَخَلُوا… وَأَخَذُوا الخ بلا معارض ولا عائق فإن الكاهن كان مشغولاً كما ذُكر فلم ينبه ميخا ورجاله.
١٨ «وَهٰؤُلاَءِ دَخَلُوا بَيْتَ مِيخَا وَأَخَذُوا ٱلتِّمْثَالَ ٱلْمَنْحُوتَ وَٱلأَفُودَ وَٱلتَّرَافِيمَ وَٱلتِّمْثَالَ ٱلْمَسْبُوكَ. فَقَالَ لَهُمُ ٱلْكَاهِنُ: مَاذَا تَفْعَلُونَ؟».
وَهٰؤُلاَءِ أي الرجال الخمسة.
دَخَلُوا… وَأَخَذُوا أعاد الكلام للتقرير مع زيادة التفصيل وهو اعتراض الكاهن. وكان الذي أخذوه أربعة أشياء (١) التمثال المنحوت (٢) الأفود (٣) الترافيم (٤) التمثال المسبوك أي المصنوع من الفضة المذابة بصبها في قالب على أن هذا في أخذه شيء من الشك (انظر ع ٢٠ والتفسير).
مَاذَا تَفْعَلُونَ هذا تنبيه على خطإهم وإنه لا يجوز لهم وهو جسارة على الله حسب اعتقادهم يومئذ لأن ما أخذوه كان وسيلة إلى عبادته تعالى وهو يستلزم منعهم عن ذلك.
١٩ «فَقَالُوا لَهُ: ٱخْرَسْ! ضَعْ يَدَكَ عَلَى فَمِكَ وَٱذْهَبْ مَعَنَا وَكُنْ لَنَا أَباً وَكَاهِناً. أَهُوَ خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَكُونَ كَاهِناً لِبَيْتِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، أَمْ أَنْ تَكُونَ كَاهِناً لِسِبْطٍ وَلِعَشِيرَةٍ فِي إِسْرَائِيلَ؟».
أيوب ٢١: ٥ و٢٩: ٩ و٤٠: ٤ وأمثال ٣٠: ٣٢ وميخا ٧: ١٦ ص ١٧: ١٠
فَقَالُوا لَهُ: ٱخْرَسْ أي اسكت سكوت الأخرس أو كن كالأخرس في عدم التكلم.
ضَعْ يَدَكَ عَلَى فَمِكَ كأنها غلق له لكي لا تخرج منه كلمة. ولا تزال هاتان العبارتان مستعملتين في كلامنا اليوم وهما من التعابير القديمة وجاءت الثانية في عدة مواضع من الكتاب (أيوب ٢١: ٥ و٢٩: ٩ و٤٠: ٤ وأمثال ٣٠: ٣٢ وميخا ٧: ١٦).
وَكُنْ لَنَا أَباً وَكَاهِناً (انظر تفسير ص ١٧: ١٠).
لِسِبْطٍ وَلِعَشِيرَةٍ العطف هنا للتفسير وهو أن المراد بالسبط العشيرة أي القبيلة وهي هنا قسم من سبط دان. وقد تقدم ما يفيد أن السبط من معانيه حصة من جماعة يجمعهم أبٌ قديم كما يطلق على الجماعة كلها (انظر تفسير ع ١ وص ٢٠: ١٢).
٢٠ «فَطَابَ قَلْبُ ٱلْكَاهِنِ، وَأَخَذَ ٱلأَفُودَ وَٱلتَّرَافِيمَ وَٱلتِّمْثَالَ ٱلْمَنْحُوتَ وَدَخَلَ فِي وَسَطِ ٱلشَّعْبِ».
فَطَابَ قَلْبُ ٱلْكَاهِنِ أي انبسط وانشرح والمراد أنه سُرّ بما قيل له. وكان ذلك بمنزلة رشوة له لكي لا يخبر أحداً بسرقة معبد ميخا. ومن خالف شريعة الله ونسيها وصار كاهن لمشرك يسره أن يكون كاهناً لعشيرة تغنيه وتشبع أطماعه.
وَأَخَذَ ٱلأَفُودَ وَٱلتَّرَافِيمَ وَٱلتِّمْثَالَ ٱلْمَنْحُوتَ وحمل المسبوك غيره لثقله أو تركه فإنه لم يُذكر.
وَدَخَلَ فِي وَسَطِ ٱلشَّعْبِ فكانوا عليه حرساً وله سترة فكأنهم ستروا شخصه ولم يستطيعوا أن يستروا خزيه.
٢١ «ثُمَّ ٱنْصَرَفُوا وَذَهَبُوا وَوَضَعُوا ٱلأَطْفَالَ وَٱلْمَاشِيَةَ وَمَتَاعَهُمْ قُدَّامَهُمْ».
وَوَضَعُوا ٱلأَطْفَالَ الخ وهذا دليل على أنهم كانوا مهاجرين لا مجرد جنود حرب يقصدون الفتح. وذكر الأطفال يستلزم وجود النساء فاستغنى الكاتب به عنه ذكرهن للاختصار. وإنما وضعوا ذلك قدامهم للحراسة والوقاية ودفع العدو عنهم عند أول نظرهم إياه.
٢٢ «وَلَمَّا ٱبْتَعَدُوا عَنْ بَيْتِ مِيخَا ٱجْتَمَعَ ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْبُيُوتِ ٱلَّتِي عِنْدَ بَيْتِ مِيخَا وَأَدْرَكُوا بَنِي دَانَ».
وَلَمَّا ٱبْتَعَدُوا عَنْ بَيْتِ مِيخَا لأنه مرّ وقت قبل أن يعلم ميخا بسرقة معبده وشغل وقتاً بإنباء رجاله وأهل القرية بما جرى.
ٱجْتَمَعَ ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْبُيُوتِ ٱلَّتِي عِنْدَ بَيْتِ مِيخَا هذا دليل على أن بيت ميخا قرية سُميت باسم معبد ميخا. ومعنى بيت ميخا في عبارة الكتاب هنا معبده أو مسكنه.
وَأَدْرَكُوا بَنِي دَانَ لأنهم كانوا كلهم رجالاً مسرعين لإدراك السارقين. وكان سير بني دان بطيئاً بالنسبة إليهم وكانوا ينزلون لإراحة الأطفال والنساء والبهائم على اختلاف أنواعها.
٢٣ «وَصَاحُوا إِلَى بَنِي دَانٍ فَٱلْتَفَتُوا، وَقَالُوا لِمِيخَا: مَا لَكَ صَرَخْتَ؟».
مَا لَكَ صَرَخْتَ أي ما الذي أصابك فحملك على الصراخ. ويحتمل المترجم بصرخت «اجتمعت» ولهذا جاء في الترجمة الإنكليزية «ما لك حتى أتيت بمثل هذه الجماعة». والمقصود بالكلام الازدراء لأن ميخا وتابعيه ليسوا قادرين على مقاومة ست مئة محارب. فكان هنا «دَانُ حَيَّةً عَلَى ٱلطَّرِيقِ، أُفْعُواناً عَلَى ٱلسَّبِيلِ» (تكوين ٤٩: ١٧ قابل بهذا ما في تثنية ٣٣: ٢٢).
٢٤ «فَقَالَ: آلِهَتِي ٱلَّتِي عَمِلْتُ قَدْ أَخَذْتُمُوهَا مَعَ ٱلْكَاهِنِ وَذَهَبْتُمْ، فَمَاذَا لِي بَعْدُ؟ وَمَا هٰذَا تَقُولُونَ لِي: مَا لَكَ؟».
آلِهَتِي ٱلَّتِي عَمِلْتُ لم يستنكف أن يدعو المنحوت والترافيم آلهة له ( تكوين ٣١: ٣٠). هذا وقد اعترف بأنه هو عملها فاتخذ ما عمله هو بمقام عمل العالمين. وسماها آلهة لأنه عبد الله بواسطتها فكان كل منها كنائب عن الله أو ممثلاً لله الذي لا مثيل له.
فَمَاذَا لِي بَعْدُ أي لم يبقَ لي شيء من رضا الله أو سائل العبادة لله. قال ذلك لجهله أن الله روح وبالروح يُعبد.
وَمَا هٰذَا تَقُولُونَ لِي: مَا لَكَ أي وما قولكم لي بعد ذلك ما لك أي أنتم تعلمون ما لي وتتجاهلون.
٢٥ «فَقَالَ لَهُ بَنُو دَانٍ: لاَ تُسَمِّعْ صَوْتَكَ بَيْنَنَا لِئَلاَّ يَقَعَ بِكُمْ رِجَالٌ أَنْفُسُهُمْ مُرَّةٌ فَتَنْزِعَ نَفْسَكَ وَأَنْفُسَ بَيْتِكَ».
٢صموئيل ١٧: ٨
يَقَعَ بِكُمْ أي يقاتلكم قتالاً شديداً. يقال وقع بالأعداء أي بالغ في قتالهم.
أَنْفُسُهُمْ مُرَّةٌ (انظر ٢صموئيل ١٧: ٨) «رجاله (أي رجال داود) جبابرة وأنفسهم مرة كدبّة مثكل في الحقل» وكان بنو دان بلا لطف وإنسانية لم يسمعوا الكلام وتهددوه بالقتل والحرب فكان الحكم في الأمر للقوة وليس للعقل.
فَتَنْزِعَ نَفْسَكَ أي تكون سبباً لنزع نفسك من جسدك. أي إن لم تكفّ قتلناك.
وَأَنْفُسَ بَيْتِكَ أي أهل القرية المسماة ببيتك ورجالك الذين في مسكنك.
٢٦ «وَسَارَ بَنُو دَانَ فِي طَرِيقِهِمْ. وَلَمَّا رَأَى مِيخَا أَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنْهُ ٱنْصَرَفَ وَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ».
وَسَارَ بَنُو دَانَ فِي طَرِيقِهِمْ غير مكترثين لميخا ومن معه.
أَشَدُّ مِنْهُ أي أقوى لكثرة رجالهم مرارة أنفسهم وشجاعتهم.
الاستيلاء على لايش ع ٢٧ إلى ٣١
٢٧ «وَأَمَّا هُمْ فَأَخَذُوا مَا صَنَعَ مِيخَا، وَٱلْكَاهِنَ ٱلَّذِي كَانَ لَهُ، وَجَاءُوا إِلَى لاَيِشَ إِلَى شَعْبٍ مُسْتَرِيحٍ مُطْمَئِنٍّ، وَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ وَأَحْرَقُوا ٱلْمَدِينَةَ بِٱلنَّارِ».
تثنية ٣٣: ٢٢ وع ٧ و١٠ يشوع ١٩: ٤٧
لاَيِشَ (انظر تفسير ع ٧).
وَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ (انظر يشوع ١٩: ٤٧). ضربوهم وهم مطمئنون مسالمون ولا يخفى ما في ذلك من التوحش والقساوة والظلم.
وَأَحْرَقُوا ٱلْمَدِينَةَ بِٱلنَّارِ ولعلهم حرّموا لايش كما حُرّمت أريحا (يشوع ٦: ٢٤ و٨: ٨ و١١: ١٣ وقضاة ١: ٨ و٢٥).
٢٨ «وَلَمْ يَكُنْ مَنْ يُنْقِذُ لأَنَّهَا بَعِيدَةٌ عَنْ صَيْدُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْرٌ مَعَ إِنْسَانٍ، وَهِيَ فِي ٱلْوَادِي ٱلَّذِي لِبَيْتِ رَحُوبَ. فَبَنُوا ٱلْمَدِينَةَ وَسَكَنُوا بِهَا».
ع ٧ عدد ١٣: ٢١ و٢صموئيل ١٠: ٦
وَلَمْ يَكُنْ مَنْ يُنْقِذُ لأَنَّهَا بَعِيدَةٌ عَنْ صَيْدُونَ كان سكان لايش من الصيدونيين (ع ٧) فهم غرباء فيها لا ناصر لهم ممن حولهم من الأمم والصيدونيون الذين هم منهم بعيدون عنهم (انظر تفسير ع ٧).
وَهِيَ فِي ٱلْوَادِي ٱلَّذِي لِبَيْتِ رَحُوبَ عند حضيض أوطإ جبل لبنان قرب ينابيع الأردن (عدد ١٣: ٢١) شمالي بحيرة الحولة ويظن بعضهم بأنها بانياس.
فَبَنُوا ٱلْمَدِينَةَ أي بعد ما أحرقتها النار.
وَسَكَنُوا بِهَا كانت مهجراً للصيدونيين فصارت مهجراً للدانيين.
٢٩ «وَدَعَوُا ٱسْمَ ٱلْمَدِينَةِ «دَانَ» بِٱسْمِ دَانٍ أَبِيهِمِ ٱلَّذِي وُلِدَ لإِسْرَائِيلَ. وَلٰكِنَّ ٱسْمَ ٱلْمَدِينَةِ أَوَّلاً «لاَيِشُ».
يشوع ١٩: ٤٧ تكوين ١٤: ١٤ وص ٢٠: ١ و١ملوك ١٢: ٢٩ و٣٠ و١٥: ٢٠
وَدَعَوُا ٱسْمَ ٱلْمَدِينَةِ «دَانَ» بِٱسْمِ دَانٍ أَبِيهِمِ لتبقى شاهدة على أنهم دانيون من سبط دان وإسرائيليون من شعب الرب وخوفاً من أن يضيعوا نسبتهم إلى إله إسرائيل على مرور الزمان وبُعدهم عن سائر إخوتهم الدانيين. فانظر ما أحرصهم على نسبتهم إلى شعب الرب وأكثر تهاونهم بعبادته على سنن شريعته كأن النسبة إلى شعب الله تغني عن القيام بشريعته. وذهب بعضهم أن احد الملهمين بدل اسمها في سفر التكوين (تكوين ١٤: ١٤) بعد أن سماها الدانيون دان. على أنه يحتمل أن التي كانت في زمن إبراهيم غير لايش وإنها مجهولة الموقع اليوم لتقادم العهد عليها أو على خرابها.
وَلٰكِنَّ ٱسْمَ ٱلْمَدِينَةِ أَوَّلاً لاَيِشُ وقد مر بك إنها هي المعروفة اليوم بتل القاضي أو إنها كانت على القرب منها وقد ذهب بعضهم إلى أنها بانياس.
٣٠ «وَأَقَامَ بَنُو دَانٍ لأَنْفُسِهِمِ ٱلتِّمْثَالَ ٱلْمَنْحُوتَ. وَكَانَ يَهُونَاثَانُ بْنُ جَرْشُومَ بْنُ مَنَسَّى هُوَ وَبَنُوهُ كَهَنَةً لِسِبْطِ ٱلدَّانِيِّينَ إِلَى يَوْمِ سَبْيِ ٱلأَرْضِ».
ص ١٣: ١ و١صموئيل ٤: ٢ و٣ و١٠ و١١ و٢ملوك ١٥: ٢٩ ومزمور ٧٨: ٦٠ و٦١
وَأَقَامَ بَنُو دَانٍ لأَنْفُسِهِمِ ٱلتِّمْثَالَ ٱلْمَنْحُوتَ وهذا يقوّي القول بأنهم لم يأخذوا التمثال المسبوك. ولم يُذكر على أي صورة كان هذا التمثال. قال بعضهم أنه كان على صورة العجل فيكون المتواتر من أمره هو ما حمل يربعام على تجديد عبادة الله بواسطة العجل. فإنه عمل عجلي ذهب وضع أحدهما في بيت إيل والآخر في دان (١ملوك ١٢: ٢٨ – ٣٠) ولكنهم كانوا يعبدون الله بواسطته لا يعبدونه دون الله فهم مشركون لا كافرون أو معطلون وما ساقهم إلى ذلك إلا الجهل والهوى وهما والدا الضلال. وكان سبط دان ساقطاً حتى أنه حُذف من بين الأسباط في سفر (١أيام ص ١ – ص ١٢) وفي سفر الرؤيا (رؤيا ٧: ٤ – ٨).
وَكَانَ يَهُونَاثَانُ هو الغلام اللاوي الذي اتخذه ميخا كاهناً وأخذه الدانيون مع التمثال المنحوت والترافيم وجاءوا به إلى لايش التي أحرقوها وضربوا أهلها بحد السف ثم بنوها وأقاموا معبد المنحوت فيها.
بْنُ جَرْشُومَ إثبات ألِف ابن هنا تدل على أنه بدل من يهوناثان أو عطف بيان لا نعت.
مَنَسَّى قُرئ في بعض النسخ والترجوم والفلغاتا والسريانية وبعض نسخ السبعينية. والمرجّح عند جمهور العلماء أن القراءة الصحيحة موسى. وإن منسى غلط قديم وقع من النساخ لأن الفرق في العبرانية بين الأمم موسى والاسم منسى حرف واحد وهو حرف النون. وإذ كانت هذه القراءة قديمة مما وُجد في النسخة التي تُرجم كتابنا عنها أبقاها المترجم الأمين كما هي ونبّه في الحاشية على أنه قُرئ في بعض النسخ موسى. وعلى هذه القراءة يكون يهوناثان حفيد موسى الكليم. ورأى بعض المحققين أن النون في بعض النسخ المخطوطة موضوعة فوق الحرفين الأولين من الاسم دلالة على شك الناسخ في أن يكون ذلك الشرير حفيد موسى فأدخلها بعض النساخ كأنها حرف نُسي فكُتب فوق الحرفين لأنه لم يبق له موضع بينهما.
لِسِبْطِ ٱلدَّانِيِّينَ أي للجماعة الساكنة في دان.
إِلَى يَوْمِ سَبْيِ ٱلأَرْضِ أي إلى يوم سبي الفلسطينيون الإسرائيليين واستولوا على أرضهم (ص ١٣: ١) لا يوم سبي بابل. فإن حادثة ميخا كانت قبل سبي الفلسطينيين كما علمت مما مرّ ويؤيد ذلك ما في الآية الآتية من أنهم استمروا على عبادتهم هذه مدة الزمان الذي كان فيه بيت الله في شيلوه.
٣١ «وَوَضَعُوا لأَنْفُسِهِمْ تِمْثَالَ مِيخَا ٱلْمَنْحُوتَ ٱلَّذِي عَمِلَهُ، كُلَّ ٱلأَيَّامِ ٱلَّتِي كَانَ فِيهَا بَيْتُ ٱللّٰهِ فِي شِيلُوهَ».
يشوع ١٨: ١ وص ١٩: ١٨ و٢١: ١٢
كُلَّ ٱلأَيَّامِ ٱلَّتِي كَانَ فِيهَا بَيْتُ ٱللّٰهِ فِي شِيلُوهَ المراد «ببيت الله» هنا قبة الشهادة والتابوت. «وشيلوه» مدينة بين بيت إيل وشكيم المعروفتين اليوم ببتين ونابلس وتُسمى اليوم سيلون وهي شمالي أورشليم وعلى غاية سبعة عشر ميلاً منها. وانتهت أيام إقامة بيت الله في شيلوه لما أُخذ التابوت منها إلى بلاد الفلسطينيين (١صموئيل ٤: ١١) والتابوت لم يرجع إلى شيلوه.
فوائد
- على كل إنسان أن يسأل أولاً عما يحسن في عيني الرب ثم عما ينفع المجتمع فلا يعمل ما يحسن في عينيه (ع ١).
- السلاطين الكائنة مرتبة من الله وهم خدام الله للصلاح فلا تنجح بلاد إلا إذا كان حكامها يحكمون بخوف الله (ع ١).
- علينا أن نطلب الميراث السماوي برغبة كما يطلب الناس ميراثاً لأنفسهم على الأرض (ع ٢).
- يجب أن لا نسأل أولاً هل ينجح طريقنا الذي نحن سائرون فيه بل هل نحن سائرون في طريق الرب (ع ٥).
- ليس لنا حق أن ننتظر بركة الرب استجابة للصلاة إن لم نصلح طريقنا أولاً (ع ٦).
- الإله الذي لا يقدر أن يخلص نفسه ليس إلهاً حقيقياً (ع ١٧).
- لا تقدر القوة البشرية أن تأخذ منا إلها وأما ما يبعدنا عنه فهو خطايانا (ع ١٧).
- ليس لخادم الرب أن يخدم لمجرد الأجرة وليس له أن يقول للناس ما يوافق مقاصدهم الشريرة (ع ٦ و٣٠).
- أهل لايش خسروا مدينتهم وحياتهم من كسلهم ومحبتهم للمال وهكذا كثيرون يخسرون نفوسهم والميراث السماوي (ع ٢٨).
- كثيراً ما الأشرار يتمسكون كل التمسك بفرائض الدين الخارجية (ع ٣٠).
- لا يعتبر الأشرار إلا القوة الجسدية وكل ما يقدرون عليه فهو حق عندهم (ع ٢٧).
- إن للتربية الصالحة اعتباراً ولصيت الأجداد ما يُفتخر به ولكن من المحتمل أن أولادهم يضلّون (ع ٣٠).
- الابتعاد عن المعبد في شيلوه كان سبباً للضلال وهكذا الابتعاد عن الكنيسة وشركة المؤمنين (٣١).
-
كما افترى الدانيون على بيت ميخا يفتري غير المؤمنين على الكنيسة ولكن ليس للكنيسة أن تخاف منهم ما دامت ثابتة في الرب (ع ٣١).
السابق |
التالي |