سفر القضاة

سفر القضاة | 17 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر القضاة

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ

محتويات هذا الأصحاح:

  1. سرقة ميخا شواقل الفضة من أمه واعترافه بها (ع ١ و٢).
  2. تقديسها الفضة للرب لكن لعبادته بواسطة تمثال (ع ٣ – ٥).
  3. بيان أنه لم يكن يومئذ ملك لإسرائيل (ع ٦).
  4. مجيء لاوي من بيت لحم إلى بيت ميخا واتخاذ ميخا إياه كاهناً (ع ٧ – ١٣).

إن النبأين في الأصحاحات الخمسة الباقية من سفر القضاة منقطع أحدهما عن الآخر وعن الأصحاحات التي قبلها. وهما في الحقيقة ملحقان لبيان الانحطاط الديني والأدبي في نظام المدنيّة غير الملكي. وكان ذلك في عهد متأخر عن عهد أكثر ما مر من حوادث هذا السفر على أن كلا الأمرين كان قبل ملك شاول (ص ١٧: ٦ و١٨: ١). وكان فينحاس بن العازار حياً زمان حدوث ثانيهما (ص ٢٠: ٢٨). ولا ريب في أن النبأين كليهما كانا قبل قضاء شمشون. ورأى يوسيفوس أن حوادث النبأين كانت بعد موت يشوع ولكن في زمن ليس ببعيد عنه وقبل زمان كثيرين من القضاة.

سرقة ميخا والعبادة للوثن ع ١ إلى ٦

١ «وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ ٱسْمُهُ مِيخَا».

وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ ٱسْمُهُ مِيخَا ما يأتي حدث قبل زمان شمشون كما تقدم. و«الواو» قبل «كان» واو الاستئناف لا واو العطف. والمراد «بجبل أفرايم» أرض أفرام الجبلية (انظر ص ٢: ٩ والتفسير). و«ميخا» في العبرانية «ميخيهو» أي «مَن مثل الرب» ثم تصرف به للاختصار فقيل ميخا. وقال علماء اليهود إن اسمه صار ميخا بدلاً من ميخيهو لأنه عبد الأوثان. وكيف كان الأمر فإن اسمه الأول يدل على أن أبويه كانا تقيين موحدين يعتقدان أن الله لا مثل له. ولكن أمه زاغت عن نور التوحيد فأشركت بعبادتها الله بواسطة الأصنام إذ جعلت الأوثان أمثالاً لله وهو يخالف معنى اسم ابنها وهو «مَن مثل الرب». والآية لم تعيّن موضعه من أرض أفرايم ولكن في التلمود إنه كان في جرب وهي موضع غير بعيد عن شيلوه.

٢ «فَقَالَ لأُمِّهِ: إِنَّ ٱلأَلْفَ وَٱلْمِئَةَ شَاقِلِ ٱلْفِضَّةِ ٱلَّتِي أُخِذَتْ مِنْكِ، وَأَنْتِ لَعَنْتِ وَقُلْتِ أَيْضاً فِي أُذُنَيَّ. هُوَذَا ٱلْفِضَّةُ مَعِي. أَنَا أَخَذْتُهَا. فَقَالَتْ أُمُّهُ: مُبَارَكٌ أَنْتَ مِنَ ٱلرَّبِّ يَا ٱبْنِي».

تكوين ١٤: ١٩ وراعوث ٣: ١٠

فَقَالَ لأُمِّهِ ظاهر الآية تحمل على الظن إن أباه كان قد مات وإن أمه كانت غنية.

ٱلأَلْفَ وَٱلْمِئَةَ شَاقِلِ ٱلْفِضَّةِ وذلك ما قيمته نحو ١٣٦ ليرة إنكليزية. وهو قدر ما أعطاه كل من أقطاب الفلسطينيين دليلة خليلة شمشون (ص ١٦: ٥).

ٱلَّتِي أُخِذَتْ مِنْكِ أي سُرقت. قال ذلك بناء على أنها لم تعرف السارق.

وَأَنْتِ لَعَنْتِ وَقُلْتِ أَيْضاً فِي أُذُنَيَّ أي لعنت السارق وأنا أسمع ذلك. الظاهر أنها جمعت من ظنت أنهم سارقوها أو أن أحدهم سرقها ولعنت السارق إذا لم يرد المسروق. فخاف ابنها من أن تقع عليه لعنة الله فرد الفضة إلى أمه فهو مع أنه سرق وأشرك بالله بعبادة الوثن خشي وقوع لعنة الله عليه فالدّين وإن خالطه شيء من الضلال خيرٌ من الكفر.

أَنَا أَخَذْتُهَا أي سرقتها. فلا تتهمي غيري بها فأسألك أن تغفري لي.

مُبَارَكٌ أَنْتَ مِنَ ٱلرَّبِّ يَا ٱبْنِي سألت الله أن يباركه لأنه تاب واعترف لها بحقها وسُرّت بذلك كثيراً على ما سيأتي. ولعلها سُرّت بدفع اللعنة عن ولدها لا بوجدان الفضة لأنها لم تأخذها.

٣ «فَرَدَّ ٱلأَلْفَ وَٱلْمِئَةَ شَاقِلِ ٱلْفِضَّةِ لأُمِّهِ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: تَقْدِيساً قَدَّسْتُ ٱلْفِضَّةَ لِلرَّبِّ مِنْ يَدِي لابْنِي لِعَمَلِ تِمْثَالٍ مَنْحُوتٍ وَتِمْثَالٍ مَسْبُوكٍ. فَٱلآنَ أَرُدُّهَا لَكَ».

خروج ٢٠: ٤ و ٢٣ ولاويين ١٩: ٤

تَقْدِيساً قَدَّسْتُ ٱلْفِضَّةَ لِلرَّبِّ وقفتها للرب. أي قدستها الآن شكراً لله على رجوعها إليّ.

مِنْ يَدِي لابْنِي قال أحد المفسرين «أي لمنفعة ابني». وكان من مقتضى الظاهر أن تقول «من يدي لك» لكنها وضعت الظاهر وهو ابني مكان المضمر وهو الكاف في لك تصريحاً بحبها الوالدي له ورضاها عنه.

لِعَمَلِ تِمْثَالٍ مَنْحُوتٍ وَتِمْثَالٍ مَسْبُوكٍ هذه تقوى جهلية فإنها لجهلها شريعة الله رأت بمقتضى تخيلاتها أنه يرضي الرب أن تصنع له تمثالين أحدهما منحوتاً والآخر مسبوكاً أي مصبوباً من ذوب الفضة وكلاهما نهت الشريعة عنه. ففي الوصية الثانية «لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً الخ» (خروج ٢٠: ٤). وفي سفر التثنية «مَلْعُونٌ ٱلإِنْسَانُ ٱلَّذِي يَصْنَعُ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً أَوْ مَسْبُوكاً الخ» (تثنية ٢٧: ١٥). والأرجح أن التمثال كان تمثال عجل كالذي صنعه هارون (خروج ٣٢: ٤) ويربعام (١ملوك ١٢: ٢٨). وكان المقصود عبادة الرب بواسطة التمثال وليس عبادة نفس التمثال.

فَٱلآنَ أَرُدُّهَا لَكَ أي صنعت التمثال ليرضى الرب عنه فيغفر خطيئة سرقة الفضة. أو صنعت التمثال ليكون في بيت ميخا فيسجد للرب بواسطته وهو الأرجح.

٤ «فَرَدَّ ٱلْفِضَّةَ، لأُمِّهِ فَأَخَذَتْ أُمُّهُ مِئَتَيْ شَاقِلِ فِضَّةٍ وَأَعْطَتْهَا لِلصَّائِغِ فَعَمِلَهَا تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَتِمْثَالاً مَسْبُوكاً. وَكَانَا فِي بَيْتِ مِيخَا».

إشعياء ٤٦: ٦

فَرَدَّ ٱلْفِضَّةَ لأُمِّهِ تكرار ما ذُكر في (ع ٣).

فَأَخَذَتْ أُمُّهُ مِئَتَيْ شَاقِلِ فِضَّةٍ أي ما يقرب من خُمس الشواقل التي رُدت إليها. وما بقي من الشواقل وهو ٩٠٠ شاقل أبقتها للنفقة على ما تقتضيه العبادة لأنها وقفتها كلها للرب من أجل ابنها. ولعلها عملت أقل مما وعدت أي قدست للرب الكل ولكن بعد التأمل أعطت مئتي شاقل فقط.

وَأَعْطَتْهَا لِلصَّائِغِ وهذا عمل الجهل الذي أوضحه إشعياء بقوله «وَٱلْفِضَّةَ بِٱلْمِيزَانِ يَزِنُونَ. يَسْتَأْجِرُونَ صَائِغاً لِيَصْنَعَهَا إِلٰهاً. يَخُرُّونَ وَيَسْجُدُونَ» له (إشعياء ٤٦: ٦). لا ريب في أن قلب أم ميخا كان يهوى ذلك ويشعر بأنه عمل مرضي للرب الذي تحبه ولكنها جهلت طريق إرضاء من تحب فتحّصل من ذلك أن علة الضلال الجهل والهوى.

فِي بَيْتِ مِيخَا أي في بيت الآلهة أو بيت الله الذي في مسكنه لأن أمه قدّست الشواقل للرب لنفع ميخا ابنها.

٥ «وَكَانَ لِلرَّجُلِ مِيخَا بَيْتٌ لِلآلِهَةِ، فَعَمِلَ أَفُوداً وَتَرَافِيمَ وَمَلأَ يَدَ وَاحِدٍ مِنْ بَنِيهِ فَصَارَ لَهُ كَاهِناً».

ص ٨: ٢٧ تكوين ٣١: ١٩ و٣٠ وهوشع ٣: ٤ خروج ٢٩: ٩ و١ملوك ١٣: ٣٣

وَكَانَ لِلرَّجُلِ مِيخَا بَيْتٌ لِلآلِهَةِ وفي العبرانية «بيت لإلوهيم» وإلوهيم جمع إله ويطلق على الله فالأصل يحتمل أنه كان له بيت لله أو بيت للآلهة. ومن النبإ يتبين أن ميخا كان يؤمن بالله الإله الحق لكنه كان يعبده بواسطة التماثيل المنحوتة والمسبوكة. وعلى ما في متن ترجمتنا أن الكاتب سمى تلك التماثيل آلهة فأشار بذلك إلى أن ميخا خالف الوصية القائلة «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي» فهو خالف الوصيتين الأولى والثانية من الوصايا العشر. وهذا يدلنا على ما كان عليه الإسرائيليون يومئذ من الجهل العظيم فكانوا يغارون لله لكن ليس حسب المعرفة.

فَعَمِلَ أَفُوداً الأفود ثوب من ثياب الكهنة وكان من نسيج الكتان ولعله كان هنا كأفود الحبر الأعظم مطرزاً بألوان مختلفة مؤلفاً من قطعة للظهر وأخرى للصدر تتصلان بأعلى الكتفين بحجرين من الجزع على كل منهما ستة من أسماء الأسباط الاثني عشر. وعلى القطعة المقدمة الصدرة وكان مشدود الوسط بزنار من ذهب واسمانجوني وقرمز وبوص مبروم. ويسمى هذا الأفود بالرداء أيضاً وقد استوفى وصفه في سفر الخروج (انظر خروج ٢٨: ٦ – ٣٤ والتفسير). وربما كان هذا الأفود على غير ما في الكتاب لأنه لا يبعد عمن غيّر العبادة أن يغيّر الرداء لما صار إليه من الجهل.

وَتَرَافِيمَ هي تماثيل أشورية كانت تُعبد في البيوت. وكانت هذه التماثيل تُعبد أو يُعبد الله بواسطتها في بيوت الإسرائيليين إلى عصر الإصلاح الذي أتاه يوشيا الملك (٢ملوك ٢٣: ٨٤). وكانت الترافيم على ما يرجّح على صورة الإنسان أخذها العبرانيون عن الكلدانيين.

وَمَلأَ يَدَ وَاحِدٍ مِنْ بَنِيهِ فَصَارَ لَهُ كَاهِناً ومعنى القول الأصلي أنه جعل في يد ابنه تقدمات يقدمها للرب. والمعنى المجازي أنه خصصه أو سامه كاهناً (خروج ٢٩: ٩ و٢٢ – ٢٥). وكانت هذه الرسامة من ميخا وليس من الرب فكانت رسامة فاسدة (عدد ٣: ١٠ و١ملوك ١٣: ٣٣ و٢ملوك ١٧: ٣٢). وهذا يدلك على الجهل العظيم. فإن الكاهن لا يكون بمقتضى الشريعة إلا من سبط لاوي وابنه أفرايمي لأنه هو من جبل أفرايم (ع ١) وإنه يجب أن يُمسح وهذا غير ممسوح.

٦ «وَفِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ».

ص ١٨: ١ و ١٩: ١ و٢١: ٢٥ وتثنية ٣٣: ٥ تثنية ١٢: ٨

وَفِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ الخ قال بعضهم هذا مقدمة لاعتداء إسرائيل على شريعة الله دون خوف وعلّة لذلك فإنه لم يكن فيهم ملك ولا قاض أو متسلط ليصلح أمورهم ويدربهم لإرجاع العبادة الحقة والاتفاق عليها ويأمرهم بإتلاف الأوثان. وليس من يعاقب على التعدي على شريعة السماء أو يرد ميخا وأمثاله عن ضلالهم ولا من شيء يقف أمام طوفان الشر الذي ذهب بعقائد إسرائيل. على أنه ربما أُريد بالملك هنا المتسلط سواء أكان ملكاً كشاول وداود أو قاضياً كأحد القضاة في هذا السفر. ويحتمل القول أنه لم يكن الإسرائيليون قد أقاموا عليهم ملكاً على ما مرّ من قول موسى «فَإِنْ قُلْتَ: أَجْعَلُ عَلَيَّ مَلِكاً كَجَمِيعِ ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ حَوْلِي. فَإِنَّكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكاً ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ. مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكاً» (تثنية ١٧: ١٤ و١٥). وقد تكرر هذا القول في هذا السفر (انظر ص ١٨: ١ و١٩: ١ و٢١: ٢٥) دلالة على سهولة الضلال والتصرف في الدين والآداب بحسب المشيئة البشرية. فكان الإسرائيليون يمزجون العقائد والأعمال الكتابية بالعقائد والأعمال الوثنية وهم يظنون أنهم يُرضون الله. وهذا كان يصدر من الأتقياء كأم ميخا فماذا كان حال غير الأتقياء من الإسرائيليين.

اتخاذ ميخا الغلام اللاوي كاهناً ع ٧ إلى ١٣

٧ «وَكَانَ غُلاَمٌ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا مِنْ عَشِيرَةِ يَهُوذَا، وَهُوَ لاَوِيٌّ مُتَغَرِّبٌ هُنَاكَ».

يشوع ١٩: ١٥ وص ١٩: ١ وراعوث ١: ١ و٢ وميخا ٥: ٢ ومتّى ٢: ١ و٥ و٦

وَكَانَ غُلاَمٌ (انظر تفسير ص ١٨: ٣٠).

مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا معنى بيت لحم بيت الخبز وهي قرية صغيرة على أكمة في جنوبي أورشليم وعلى غاية ستة أميال منها تحيط بها تلال تكسوها الأشجار وفيها ينابيع عذبة اشتهرت بأنها مدفن راحيل ومسكن نعمي وبوعز وراعوث ومولد داود ومولد يسوع المسيح. وأُضيفت إلى يهوذا تمييزاً لها عن بيت لحم زبولون (يشوع ١٦: ١٥) وهي غربي الناصرة وعلى غاية ستة أميال منها.

مِنْ عَشِيرَةِ يَهُوذَا أي لاوي متغرب بين تلك العشيرة كما سيأتي ولعله كان كاهناً في تلك العشيرة. على أن هذه العبارة خلا منها بعض النسخ ولم تكن في الترجمة السريانية ولا في بعض نسخ السبعينية.

وَهُوَ لاَوِيٌّ مُتَغَرِّبٌ هُنَاكَ أي من سبط لاوي نزيل في بيت لحم. وكان من أسرة جرشوم كا سيأتي في ص ١٨ (قابل هذا بما في ص ١٩: ١). وسبق الظن أنه كان كاهناً لبعض بني يهوذا في بيت لحم. فإن اللاويين لما حدث من التشويش في الدين الإسرائيلي أُهمل كثيرون منهم حتى صاروا في شديد الحاجة إلى أسباب المعاش فانتشروا بين الإسرائيليين وعرضوا أنفسهم لخدمتهم الدينية ليحصلوا على ذلك. وكان مثل هذا الإهمال في أيام الاضطراب في عصر نحميا فاضطروا إلى العمل في الحقول (نحميا ١٣: ١٠)

٨، ٩ «٨ فَذَهَبَ ٱلرَّجُلُ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا لِيَتَغَرَّبَ حَيْثُمَا ٱتَّفَقَ. فَأَتَى إِلَى جَبَلِ أَفْرَايِمَ إِلَى بَيْتِ مِيخَا وَهُوَ آخِذٌ فِي طَرِيقِهِ. ٩ فَقَالَ لَهُ مِيخَا: مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟ فَقَالَ لَهُ: أَنَا لاَوِيٌّ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا، وَأَنَا ذَاهِبٌ لأَتَغَرَّبَ حَيْثُمَا ٱتَّفَقَ».

فَذَهَبَ… مِنْ بَيْتِ لَحْمِ لعل الناس أهملوه فيها لفتورهم في الدين وضلالهم وجهلهم.

١٠ «فَقَالَ لَهُ مِيخَا: أَقِمْ عِنْدِي وَكُنْ لِي أَباً وَكَاهِناً، وَأَنَا أُعْطِيكَ عَشَرَةَ شَوَاقِلِ فِضَّةٍ فِي ٱلسَّنَةِ، وَحُلَّةَ ثِيَابٍ، وَقُوتَكَ. فَذَهَبَ مَعَهُ ٱللاَّوِيُّ».

ص ١٨: ١٩ تكوين ٤٥: ٨ وأيوب ٢٩: ١٦

أَقِمْ عِنْدِي وَكُنْ لِي أَباً وَكَاهِناً لم يدعه أباً لكبر سنه لأنه كان غلاماً بل لأنه كان مرشداً ودليلاً وواعظاً يعتني بنفسه وحاجاته الروحية كما يعتني الأب بولده. ولم يزل بعض الفرق المسيحية يدعون قسوسهم بالآباء. فميخا مع جهله باتخاذ أحد بنيه كاهناً بقي في ذاكرته أن الكهنة من اللاويين حسب الشريعة فإذا وُجدوا لزم الاستغناء بهم عن غيرهم.

عَشَرَةَ شَوَاقِلِ فِضَّةٍ فِي ٱلسَّنَةِ الخ وذلك أجرة زهيدة جداً وهي نحو ١٨٥ غرشاً ولكنها كانت تكفيه إذ حلّة الثياب والطعام من ميخا. فانظر إلى حفيد موسى إلى أي حال صار لوهن إيمان الإسرائيليين يومئذ.

١١ «فَرَضِيَ ٱللاَّوِيُّ بِٱلإِقَامَةِ مَعَ ٱلرَّجُلِ، وَكَانَ ٱلْغُلاَمُ لَهُ كَأَحَدِ بَنِيهِ».

فَرَضِيَ ٱللاَّوِيُّ بِٱلإِقَامَةِ لما لقيه من الإكرام ومناسبة الأجرة في تلك الأيام وما كان عليه الغلام من الحاجة.

وَكَانَ ٱلْغُلاَمُ لَهُ كَأَحَدِ بَنِيهِ اتخذ ميخا الغلام ليكون له أباً فكان له ابناً. فإنه اتخذه أباً في الروحيات لكهانته وعامله معاملة ابن بعنايته به لحداثته.

١٢ «فَمَلأَ مِيخَا يَدَ ٱللاَّوِيِّ، وَكَانَ ٱلْغُلاَمُ لَهُ كَاهِناً، وَكَانَ فِي بَيْتِ مِيخَا».

ع ٥ ص ١٨: ٣٠

فَمَلأَ مِيخَا يَدَ ٱللاَّوِيِّ بالتقدمات والعطايا (انظر ع ٥).

وَكَانَ فِي بَيْتِ مِيخَا أي سكن وعاش معه في بيته وهذا قرينة على أن المراد بكون الغلام له ابناً حسن عنايته به. فكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويأويه ويهب له علاوة على الأجرة المعيّنة.

١٣ «فَقَالَ مِيخَا: ٱلآنَ عَلِمْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ يُحْسِنُ إِلَيَّ لأَنَّهُ صَارَ لِيَ ٱللاَّوِيُّ كَاهِناً».

فَقَالَ مِيخَا: ٱلآنَ عَلِمْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ يُحْسِنُ إِلَيَّ هذا يدل على أن ميخا أتى ما أتاه من صوغ التماثيل وتعيين الكاهن لمجرد الإخلاص فلم يكن خطأه لعناده بل لجهله. فإن الشريعة الموسوية كانت يومئذ غير مرعية وكاد كلها يُنسى فأشرك الإسرائيليون بالله وهم يحسبون أنهم يرضونها بما أشركوا لجهلهم شريعته بمخالطتهم الأمم وتركهم تلاوة كتابه.

لأَنَّهُ صَارَ لِيَ ٱللاَّوِيُّ كَاهِناً في هذا شيء من بقية شريعة الله فإن الكاهن في الشريعة لا يكون إلا من اللاويين. ولكن كان ميخا يجيز أن يكون من غيرهم لاتخاذه أحد أبنائه وكاهناً قبل اللاوي ولكنه كان يعتقد أن كون الكاهن لاوياً أحسن وأسر لله.

فوائد

  1. إن ترك تلاوة كلمة الله ومعاشرة الضالين يقودان إلى الضلال (ع ١ – ٦).
  2. إن الوثنيين إما مشركون يعبدون الله بواسطة المخلوقات وإما لا يعرفون الله ويعبدون غيره من الآلهة الباطلة إما من الموجودات كالشمس والقمر وإما من المتخيلات التي لا وجود لها في الطبيعة (ع ٥ و١٣).
  3. إن الضلال ولو عن إخلاص يوجب العقاب على الضال إذا كان للضال وسيلة إلى الهدى من العقل والطبيعة والكتاب (ع ٢ – ٤).
  4. قد يكون اعتبار زائد لفروض الدين في أيام انحطاط جوهره (ع ٣).
  5. إن ما يبقى في الذهن من آثار الحق قد ينفع ويمنع الإنسان من التعدي (ع ٢ و٣).
  6. من يعمل ما يحسن في عينيه يتقدم إلى ما يسوء في عيني الرب.
  7. إن الفقر تجربة يصعب مقاومتها ولو على خدم الدين (ع ٧ – ١١).
  8. إن الجاهل يحسب سيئات نفسه إحساناً من الرب (ع ١٣).
  9. إن خادم الدين يجب أن يُكرّم ويُحترم وعلى هذا اتفاق كل الملل والنحل (ع ١٠).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى