سفر القضاة | 12 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر القضاة
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ
محتويات هذا الأصحاح:
- خشونة أفرايم (ع ١).
- جواب يفتاح المحكم (ع ٢ و٣).
- انكسار أفرايم (ع ٤).
- امتحان منفلتي أفرايم بلفظة شِبولت (ع ٥ و٦).
- موت يفتاح (ع ٧).
- تولي أبصان القضاء (ع ٨ – ١٠).
- تولي إيلون القضاء (ع ١١ و١٢).
- تولي عبدون القضاء (ع ١٣ – ١٥).
محاربة يفتاح للأفرايميين وموته ع ١ إلى ٧
١ «وَٱجْتَمَعَ رِجَالُ أَفْرَايِمَ وَعَبَرُوا إِلَى جِهَةِ ٱلشِّمَالِ، وَقَالُوا لِيَفْتَاحَ: لِمَاذَا عَبَرْتَ لِمُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ وَلَمْ تَدْعُنَا لِلذَّهَابِ مَعَكَ؟ نُحْرِقُ بَيْتَكَ عَلَيْكَ بِنَارٍ!».
ص ٨: ١
وَٱجْتَمَعَ رِجَالُ أَفْرَايِمَ بأن دعا بعضهم بعضاً للشغب والفتنة ولذلك جاء في الفلغاتا «وقام الشغب في أفرايم». ولا شك أن أبطال أفرايم الذين دعوا قومهم للاجتماع بواسطة الكتابة أو الرسل (ص ٧: ٢٣ و٢٤ و١٠: ١٧).
وكان بنو أفرايم أبطالاً ولكنهم كانوا متكبرين يرون إنه يجب على كل رؤساء إسرائيل أن يسألوا رأيهم ويكلوا إليهم أمرهم ولعلهم ظنوا أن قصد يفتاح هو أن يترأس عليهم كما يترأس على جلعاد فكان منهم مع يفتاح هنا ما كان منهم مع جدعون (ص ٨: ١) وتكلموا هنا بغلظة أشد من الغلظة التي تكلموا بها مع جدعون. وجدعون أجابهم بتواضع ولطف فصرف غضبهم أما يفتاح فحجهم بالحق كما حجّ ملك بني عمون فلم يقبلوا حجته كما لم يقبلها ذاك فحاربهم كما حاربه فاللوم كل اللوم على أولئك المتكبرين. فإن يفتاح وإن كان جبار بأس لم يتكبر عليهم بشيء بل أبان عذره وأقام حجته فكان عليهم أن يسلموا بالحق ولا يوقدوا نار الحرب على بطل إسرائيلي حارب أعداء إسرائيل وغلبهم فكان عليهم أن يمدحوه لا أن يحاربوه. فالحرب الشعبية نشأت عن كبريائهم لا عن خطإ من يفتاح.
وَعَبَرُوا إِلَى جِهَةِ ٱلشِّمَالِ أي إلى المصفاة مصفاة جلعاد لأنها كانت على الشمال الشرقي من سبط أفرايم وفي الأصل العبراني «عبروا صفونه» وفي بعض النسخ السبعينية «صفنيا» ولذلك ظنها بعضهم صافون في أرض جاد (يشوع ١٣: ٢٧) في وادي الأردن غير بعيدة عن سكوت. وفي التلمود أنها «أماثوس» وهي اليوم خربة إلى الجنوب الشرقي من بحر طبرية تُعرف بأماثا أو أمماتة.
لِمَاذَا عَبَرْتَ لِمُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ وَلَمْ تَدْعُنَا لِلذَّهَابِ مَعَكَ قال أحد المفسرين «اشتهر سبط أفرايم في سفر القضاة بالكسل وحمل الضيم من الأعداء لكنه كان يتعظم ويتكبر ويهيج الشغب على غيره من الإسرائيليين إذا انتصروا على الأعداء» (يشوع ١٧: ١٤ – ١٨ وقضاة ٨: ١). إن الأفرايمين كانوا عظماء وأقوياء ولكنهم استخدموا قوتهم لإهانة النافعين من إخوتهم وقعدوا عن حرب الأعداء وما نفع العظمة والقوة مع الكسل والكبرياء.
نُحْرِقُ بَيْتَكَ عَلَيْكَ بِنَارٍ أي إنا سنحرقك حياً في بيتك ونحرق البيت معك فحسبوا إنقاذ يفتاح الجلعاديين وسائر الإسرائيليين من ظلم العمونيين دون اعترافه بسيادتهم وامتيازهم ذنباً لا يُغفر. وهذا التهديد دلّ على شدة غلاظتهم وكبريائهم وظلمهم وخشونة كثيرين من الناس في ذلك العصر (ص ١٤: ١٥).
٢ «فَقَالَ لَهُمْ يَفْتَاحُ: صَاحِبَ خِصَامٍ شَدِيدٍ كُنْتُ أَنَا وَشَعْبِي مَعَ بَنِي عَمُّونَ، وَنَادَيْتُكُمْ فَلَمْ تُخَلِّصُونِي مِنْ يَدِهِمْ».
فَقَالَ لَهُمْ يَفْتَاحُ في الحال لأنه كان قد أتى ما قرر الجواب في ذهنه وكان جوابه لطيفاً مع قوة بيانه لكذبهم وظلمهم وكبريائهم.
صَاحِبَ خِصَامٍ شَدِيدٍ كُنْتُ أَنَا وَشَعْبِي مَعَ بَنِي عَمُّونَ الخصام الجدال وهو يكون بين اثنين أو فريقين كل منهما يدعي أنه على الحق وغيره على الباطل فإذا اشتد أدّى إلى البغض وربما أدى إلى الضرب والقتل. وكان الخصام قد اشتد بين يفتاح وملك عمون فلم يكن من سبيل إلى المنابأة. ومع ذلك لم يترك يفتاح باباً لعتاب أفرايم بل استصرخهم فخذلوه كما يأتي. وفي كلام يفتاح هنا إعلان إنه هو القائد.
وَنَادَيْتُكُمْ فَلَمْ تُخَلِّصُونِي مِنْ يَدِهِمْ أي استغثتكم أو دعوتكم إلى الإغاثة فأبيتم. هذه حجة دامغة وهي تستلزم أنهم بلا مروءة ولا حمية ولا غيرة لم يعتد عليهم العمونيون فأحبوا الراحة ولم يكترثوا بمصائب إخوتهم الجلعاديين فآثروا نفوسهم على غيره من شعب إسرائيل. والذي يخطر على البال هنا أنه لما جار العمونيون على الجلعاديين استصرخ الجلعاديون بني أفرايم فخذلوهم وإلا ما اضطروا أن يلجأوا إلى يفتاح الطريد ويختاروه قائداً ورئيساً. ولما رضي يفتاح ذلك لم يغفل عن مناداة أفرايم فلم يجيبوه. وهنا صح قول الشاعر:
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً | ولكن لا حياة لمن تنادي |
ونارٌ إن نفختَ بها أضاءت | ولكن أنت تنفخ في رمادِ |
فكان على بني أفرايم أن يقوموا على أعداء إسرائيل لا على إخوتهم الجلعاديين ولكن كثيراً ما يشكو المذنب البار والمقصر المجتهد والجبان الشجاع.
٣ «وَلَمَّا رَأَيْتُ أَنَّكُمْ لاَ تُخَلِّصُونَ، وَضَعْتُ نَفْسِي فِي يَدِي وَعَبَرْتُ إِلَى بَنِي عَمُّونَ، فَدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ لِيَدِي. فَلِمَاذَا صَعِدْتُمْ عَلَيَّ ٱلْيَوْمَ هٰذَا لِمُحَارَبَتِي؟».
١صموئيل ١٩: ٥ و٢٨: ٢١ وأيوب ١٣: ١٤ ومزمور ١١٩: ١٠٩
وَلَمَّا رَأَيْتُ أَنَّكُمْ لاَ تُخَلِّصُونَ لم يذكر علة ذلك إذ كان غرضه أن يدفع دعواهم وما ذكره كافٍ. ومعنى العبارة إني لما علمت وتيقنت أنكم لا تغيثونني قدمت على الخطر العظيم كما يأتي. والعلة كما ذكرنا رخاؤهم وعدم اكتراثهم لغيرهم ونزيد هنا على ذلك أنه مما يُظن أنهم خافوا قوة العمونيين وأنفوا من أن يكون يفتاح على ما عُرف من أمره قائداً لهم ولكن هذا أيضاً ليس بعذر على تقصيرهم فوق إنه برهان على بطلان دعواهم.
وَضَعْتُ نَفْسِي فِي يَدِي أي عرّضت نفسي لأعظم الأخطار والعبارة كناية عن ذلك فإن الشيء إذا كان في اليد كان عرضة للسقوط لأن الإنسان لا يستغني عن حركة يده وفتحها في أعماله وعرضة لخطف الخاطفين وسلب السالبين لأن ما في اليد يُرى بسهولة فوضع النفس في اليد تجاه الأعداء كوضع الشيء الثمين فيها أمام الناهبين. أو ذلك كناية عن تسليم الروح عند الاقتضاء فكأنه وضع نفسه في يده ليؤديها كما يضع الدراهم فيها لذلك. والمعنى أنه أقدم على الموت. ومن أقوال العرب عند النزول إلى حومة القتال في هذه الأيام «أنا فلان لا راحم ولا مرحوم رخيص الروح أبو فلان أو فلانة» وما أشبه ذلك. وقد جاء مثل عبارة الكتاب في عدة مواضع من الأسفار المقدسة (انظر ١صموئيل ١٩: ٥ و٢٨: ٢١). والهنود كثيراً ما يستعملون هذه العبارة في التعرض للخطر العظيم فسُمع أحد الهنود يقول «عاد ابني من البلاد البعيدة وحياته في كفه» أو «نفسه في يده». وهذه العبارة كثيرة في كثير من لغات المشرق.
فَدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ لِيَدِي أي فنصرني عليهم. وهذا دليل على أن عملي أرضى الله وإني لم أنتصر بقوتي بل بقوته تعالى وعنايته فلم يبق لكم شيء تشتكونني به.
فَلِمَاذَا صَعِدْتُمْ عَلَيَّ ٱلْيَوْمَ هٰذَا لِمُحَارَبَتِي أي إذا كان الله سُرّ بأن ينصرني دونكم واتخذني آلة لإعلان مجده فما لذي ضركم مني حتى قمتم عليّ وأي شيء مني حملكم على محاربتي. وكان لسان حال يفتاح هنا يقول «أيها الظالمون أتيتم لمعاداة الله لا لمعاداتي وكان لي أن أشكوكم وأذمكم لأني استغثتكم وأنتم إخوتي فخذلتموني وأنا سكتّ عن الشكوى وعن المذمة. فكان عليكم أن تندموا على ما فعلتم وتشكروا الله على نصره للإسرائيليين وأنتم بمعزل عن التعب والخطر. وفوق ذلك تريدون أن تصلوا نار الحرب الأهلية وتقاتلوا الإخوة بدلاً من أن تقاتلوا الأعداء». ولكن بني أفرايم لشرّم وكبريائهم أبوا السلم فاضطر يفتاح إلى قتالهم.
٤ «وَجَمَعَ يَفْتَاحُ كُلَّ رِجَالِ جِلْعَادَ وَحَارَبَ أَفْرَايِمَ، فَضَرَبَ رِجَالُ جِلْعَادَ أَفْرَايِمَ لأَنَّهُمْ قَالُوا: أَنْتُمْ مُنْفَلِتُو أَفْرَايِمَ. جِلْعَادُ بَيْنَ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى».
١صموئيل ٢٥: ١٠ ومزمور ٧٨: ٩
وَحَارَبَ أَفْرَايِمَ كما حارب ملك عمون إذ سعى في السلم مع كل منهم فأباه.
لأَنَّهُمْ قَالُوا لم يعيّن أي الفريقين القائل ونظم الكلام يقتضي ترجيح أن القائلين هم الأفرايميون ولكن هذا القول لا يوجب الحرب والضرب إنما الذي أوجبهما تعدّي الأفرايمين وإبائتهم السلم لكن ذلك يصدق على المتمدنين العارفين الحق والإسرائيليين كانوا في ذلك العصر قد نسوا الشريعة وتخلقوا بأخلاق من جاورهم من الوثنيين فإنه مرّ عليهم وقت طويل ولم يُذكر أنه كان بينهم كهنة ولا أدنى ذكر للأوريم والتميم ولا التابوت ولا الخيمة أو قبة الشهادة. ولعل المعنى أنهم ضربوهم ضرباً شديداً لما قالوه وهو ما يأتي.
أَنْتُمْ مُنْفَلِتُو أَفْرَايِمَ أي أنتم فرقة من أفرايم أثموا في بلادهم وارتكبوا المحظورات فهربوا من العقاب. ومعناهم أن الجلعاديين أوباش من لصوص وقتلة وأشباه ذلك هربوا إلى هذه الأرض وتواروا فيها خوفاً من العقاب. وترجم بعضهم العبارة العبرانية بما معناه أن الجلعاديين قالوا للأفرايمين «أنتم منفلتو أفرايم» أي أنهم فرقة من الأثمة الأوباش جاءوا لمحاربته فأثموهم وبرروا سائر أفرايم وهذا لا يصح أن يكون تعليلاً لضربهم أفرايم والأولى أن يكون تعليلاً لضرب الأفرايميين الجلعاديين وهو خلاف النص.
جِلْعَادُ بَيْنَ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى أي كانت أرض جلعاد بين أرضي أفرايم ومنسى. جاء الكاتب بهذه العبارة لبيان قول الأفرايميين أن الجلعاديين منفلتو أفرايم أي كانوا يهربون من أفرايم ولا يدخلون أرض منسى بل يلجأون إلى ما بين الأرضين.
٥، ٦ «٥ فَأَخَذَ ٱلْجِلْعَادِيُّونَ مَخَاوِضَ ٱلأُرْدُنِّ لأَفْرَايِمَ. وَكَانَ إِذْ قَالَ مُنْفَلِتُو أَفْرَايِمَ: دَعُونِي أَعْبُرْ. كَانَ رِجَالُ جِلْعَادَ يَسْأَلُونَهُ: أَأَنْتَ أَفْرَايِمِيٌّ؟ فَإِنْ قَالَ: لاَ ٦ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: قُلْ إِذاً: شِبُّولَتْ. فَيَقُولُ: سِبُّولَتْ. وَلَمْ يَتَحَفَّظْ لِلَّفْظِ بِحَقٍّ. فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ وَيَذْبَحُونَهُ عَلَى مَخَاوِضِ ٱلأُرْدُنِّ. فَسَقَطَ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ مِنْ أَفْرَايِمَ ٱثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفاً».
يشوع ٢٢: ١١ وص ٣: ٢٨ و٧: ٢٤ مزمور ٦٩: ٢ و١٥ وإشعياء ٢٧: ١٢
فَأَخَذَ ٱلْجِلْعَادِيُّونَ مَخَاوِضَ ٱلأُرْدُنِّ ليمنعوا الأفرايميين من الهرب إلى أرض أفرايم إذ لا مجاز لهم سواها. وتقدم الكلام على مخاوض الأردن في تفسير ص ٣: ٢٨.
لأَفْرَايِمَ أي إلى أرض أفرايم.
كَانَ رِجَالُ جِلْعَادَ يَسْأَلُونَهُ أَأَنْتَ أَفْرَايِمِيٌّ فكان لا بد أن يقول نعم أو لا فإن قال نعم قتلوه وإن قال لا امتحنوه فعرفوه فإن أبان الامتحان أنه أفرايمي ثبت كذبه وقتلوه.
قُلْ إِذاً شِبُّولَتْ معنى هذه الكلمة مخاضة وجاءت بمعنى عمق المياه (مزمور ٦٩: ٢) وسبل المياه (مزمور ٦٩: ١٥) ومجرىً (إشعياء ٢٧: ١٢). وفي النسخة الاسكندرية السبعينية «فقل لنا إذن الشعار». والشعار نداء مخصوص يعرف به الأصدقاء بعضهم بعضاً في الحرب أو السفر وهو يناسب المقام ولكن لا يفيده الأصل.
فَيَقُولُ سِبُّولَتْ أي إن الأفرايميين كانوا يلفظون الشين سيناً اعتادوا هذا الغلط حتى صار من سجاياهم ومثل هذا كثير بين أكثر عامة السوريين وكثيرون من خاصتهم فيلفظون الثاء سيناً فيلفظون ثنتين سنتين وثلاثة سلاسة. وبعض العامة يلفظون الشين في بعض الألفاظ سيناً فيقولون السمس في الشمس. وأكثر أهل المدن يلفظون القاف همزة فيقولون في القوس الأوس وفي المقال المآل ويلفظون الذال زاياً عامتهم وكثيرون من خاصتهم فيلفظون ذم زم وذل زل وهلم جراً.
وَلَمْ يَتَحَفَّظْ لِلَّفْظِ بِحَقٍّ التحفظ الاحتراز والتصوّن. والظاهر أن علة ذلك ظنهم أن الكلمة شعار الحرب ولم يحترزوا لنفوسهم من لفظها كعادتهم لأنهم لم يخطر لهم أنها كانت امتحاناً للفرق بين الأفرايميين والجلعاديين فغلبتهم العادة لعدم الاحتراز وإلا لم يتعذر عليهم أن يلفظوا الشين كما لم يتعذر على الذين يقولون السمس أن يقولوا الشمس.
فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ وَيَذْبَحُونَهُ عَلَى مَخَاوِضِ ٱلأُرْدُنِّ هذا من شر أعمال التوحش والقساوة.
فَسَقَطَ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ مِنْ أَفْرَايِمَ ٱثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفاً منهم المقتولون في حومة القتال لا المذبوحون على المخاوض فقط. ولا شك في أن هذا خفض كبرياء أفرايم وبيّن لهم عاقبة البغي والتعدي وإثارة الحرب بين الإخوة. ولا نبرئ الفريقين من الجهل فإن الله أدبهم على حسب أفعالهم وهم سبب المصاب لأنفسهم والله عادل في قضائه وهم الظالمون.
ورأى بعض المفسرين أنه وقع غلط في عدد الذين سقطوا من أفرايم لأن عدد هذا السبط المذكور في (عدد ٢٦: ٣٧) هو ٣٢٥٠٠ فقط. والألفاظ العبرانية الواردة هنا «أربعيم وشنيم ألف» ولعل المقصود بها أربعون وألفان أي ٢٠٤٠.
٧ «وَقَضَى يَفْتَاحُ لإِسْرَائِيلَ سِتَّ سِنِينٍ. وَمَاتَ يَفْتَاحُ ٱلْجِلْعَادِيُّ وَدُفِنَ فِي إِحْدَى مُدُنِ جِلْعَادَ».
وَقَضَى يَفْتَاحُ لإِسْرَائِيلَ سِتَّ سِنِينٍ هذا نص على أنه كان قاضياً. وكانت مدة قضائه قصيرة ولعل شدة حزنه على ابنته قصّر حياته.
وَدُفِنَ فِي إِحْدَى مُدُنِ جِلْعَادَ وفي الأصل العبراني «ودُفن في مدن جلعاد» ولكن لا ريب في أن المراد أنه دُفن في إحدى تلك المدن بدليل القرينة العقلية. وحذف مثل هذا المضاف مألوف في العبرانية وغيرها من اللغات السامية. وجاء مثل هذا في سفر التكوين وهو إن الله «قلب المدن التي سكن فيها لوط» والمعنى التي سكن في إحداها لوط (تكوين ١٩: ٢٩).
٨ «وَقَضَى بَعْدَهُ لإِسْرَائِيلَ إِبْصَانُ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ».
يشوع ١٩: ١٥
إِبْصَانُ لا نعرف من أمر أبصان غير ما ذُكر في هذه الآية والآيتين اللتين بعدها.
بَيْتِ لَحْمٍ ظن يوسيفوس أنها بيت لحم يهوذا ولكن غيره من المفسرين نفوا قوله بدليلين الأول إن بيت لحم هذه مُيّزت عن بيت لحم يهوذا في هذا السفر عينه (ص ١٧: ٧ و٩ وراعوث ١: ٢). والثاني أن يهوذا كان حينئذ منفرداً عن أسلوب سائر الأسباط العالم فلم يبق إلا بيت لحم زبولون (يشوع ١٩: ١٠ و١٥). فإن خلف أبصان زبولوني (ع ١١). وكان هذا السبط قوياً وعظيماً في تلك الأيام (ص ٤: ١٠).
٩، ١٠ «٩ وَكَانَ لَهُ ثَلاَثُونَ ٱبْناً وَثَلاَثُونَ ٱبْنَةً أَرْسَلَهُنَّ إِلَى ٱلْخَارِجِ وَأَتَى مِنَ ٱلْخَارِجِ بِثَلاَثِينَ ٱبْنَةً لِبَنِيهِ. وَقَضَى لإِسْرَائِيلَ سَبْعَ سِنِينَ. ١٠ وَمَاتَ إِبْصَانُ وَدُفِنَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ».
ثَلاَثُونَ ٱبْناً وَثَلاَثُونَ ٱبْنَةً لكثرة ما كان له من الزوجات.
أَرْسَلَهُنَّ إِلَى ٱلْخَارِجِ أي أعطاهن زوجات لأزواج من الخارج.
وَأَتَى مِنَ ٱلْخَارِجِ بِثَلاَثِينَ ٱبْنَةً لِبَنِيهِ أي بثلاثين زوجة لكل ابن زوجة.
١١ «وَقَضَى بَعْدَهُ لإِسْرَائِيلَ إِيلُونُ ٱلزَّبُولُونِيُّ. قَضَى لإِسْرَائِيلَ عَشَرَ سِنِينٍ».
إِيلُونُ معناه بلوطة وكان الشرقيون يسمون الناس بأسماء الأشجار وغيرها من النبات ولا يزال بعض البيوت والأشخاص إلى اليوم يُسمى بمثل ذلك كبيت رمان وبيت فستق وبيت زيتون وبيت باذنجانة وبيت قرنفل وبيت زهر. ومن أسماء الرجال زهر وشقيق ومن أسماء النساء زهرة ووردة.
١٢ «وَمَاتَ إِيلُونُ ٱلزَّبُولُونِيُّ وَدُفِنَ فِي أَيَّلُونَ فِي أَرْضِ زَبُولُونَ».
ص ١: ٣٥
وَدُفِنَ فِي أَيَّلُونَ قال بعضهم معناها مكان الأيائيل. وقال آخر معناها ايّل أو غزال والجناس بين إيلون وإيّلون وقع اتفاقاً على غير قصد. وإيّلون هنا قرية في زبولون ظُنّ أنها هي ما يُعرف اليوم بيالون أو أنها كانت على القرب منها فهي ليست إيلون التي هي مدينة في سبط دان (يشوع ١٩: ٤٢).
١٣ «وَقَضَى بَعْدَهُ لإِسْرَائِيلَ عَبْدُونُ بْنُ هِلِّيلَ ٱلْفَرْعَتُونِيُّ».
عَبْدُونُ ومعناه عبد أو مستعبد أو خادم ظن بعضهم أنه بدان (١صموئيل ١٢: ١١) وكان من سبط أفرايم (ع ١٥).
هِلِّيلَ ومعنى هذا الاسم حَمدٌ وهذه أول مرة ذُكر فيها هذا الاسم. ثم اشتهر في تاريخ الأمة اليهودية وكان اسم أحد مشاهيرهم قبل ميلاد المسيح بقليل وكان أحسن ربانيي اليهود في عصره.
ٱلْفَرْعَتُونِيُّ نسبة إلى فرعتون وهي موضع في أفرايم (ع ١٥) ومنه عرف أنه أفرايمي.
١٤ «وَكَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ ٱبْناً وَثَلاَثُونَ حَفِيداً يَرْكَبُونَ عَلَى سَبْعِينَ جَحْشاً. قَضَى لإِسْرَائِيلَ ثَمَانِيَ سِنِينٍ».
ص ٥: ١٠ و١٠: ٤
أَرْبَعُونَ ٱبْناً لكثرة نسائه.
وَثَلاَثُونَ حَفِيداً الحفيد هنا ابن الابن.
يَرْكَبُونَ عَلَى سَبْعِينَ جَحْشاً أي يركب هذه الجحاش أبناؤوه الأربعون وحفدته الثلاثون وهذا يدل على الغنى والعظمة فإن الجحاش كانت يومئذ مطايا الأغنياء والكبراء والأمراء والملوك (انظر ص ١٠: ٤).
١٥ «وَمَاتَ عَبْدُونُ بْنُ هِلِّيلَ ٱلْفَرْعَتُونِيُّ وَدُفِنَ فِي فَرْعَتُونَ فِي أَرْضِ أَفْرَايِمَ فِي جَبَلِ ٱلْعَمَالِقَة».
٢صموئيل ٢٣: ٣٠ و١أيام ١١: ٣١ ص ٣: ١٣ و٢٧ و٥: ١٤
فَرْعَتُونَ مدينة ظن روبنصن أنها المسماة اليوم فرعاتا وهي غربي نابلس وعلى غاية ستة أميال منها وظن غيره أنها المعروفة اليوم بفرعون غربي السامرة وعلى غاية عشرة أميال منها.
فِي جَبَلِ ٱلْعَمَالِقَةِ من جبال أفرايم وهذا يدل على أن العمالقة كانوا يسكنون قديماً أواسط فلسطين. ومرّ الكلام على العمالقة في تفسير (ص ٣: ١٣).
فوائد
- كل من يرتقي ويشتهر عرضة للحسد والمقاومة.
- كثيرون ينتقدون عملاً وهم لا يقدرون إن يعملوا أحسن منه.
- المتكبرون لا يطلبون نجاح العمل بل نجاح أنفسهم.
- من يأخذ السيف فبالسيف يهلك.
- إن عدم الشكر من أردإ الخطايا وأعظمها.
- العظيم الحقيقي لا ينسب النجاح لنفسه بل للرب.
- وجوب الاهتمام بالأمور الزهيدة. فإن حياة الإنسان تتوقف أحياناً على لفظ حرف واحد. وكثيراً ما تظهر سجايا الإنسان بواسطة كلمة واحدة. ومن يريد أن يصلح أموره الزهيدة فعليه أن يصلح قلبه الذي منها مخارج الحياة.
- الاهتمام الزائد بأمور زهيدة. كالفريسيين الذين عشروا النعنع والشبث والكمون وتركوا أثقل الناموس الحقة والرحمة والإيمان. يجب أن لا نقيس الناس بقياس شبّولت أي أن نقبل من يعتقد اعتقادنا ونرفض من لا يعتقده بل أن نقبل كل من يقرب إيمانه بالرب يسوع المسيح وإن كان من غير طائفتنا.
-
الذين قضوا لإسرائيل في أيام الراحة لهم ذكر مختصر فقط فاشتهروا لمراكيبهم وكثرة أولادهم. وأما الأفاضل المذكورون في (عبرانيين ص ١١) فهم الذين قضوا لإسرائيل في أيام الضيق والحروب.
السابق |
التالي |