سفر القضاة

سفر القضاة | 10 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر القضاة

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ

محتويات هذا الأصحاح:

  1. تولع بن فواة من يساكر وقضاؤه لإسرائيل ثلاثاً وعشرين سنة (ع ١ و٢).
  2. يائير الجلعادي وقضاؤه اثنتين وعشرين سنة (ع ٣ – ٥).
  3. ارتداد إسرائيل (ع ٦).
  4. استعباد الفلسطينيين وغيرهم إياهم (ع ٧ – ٩).
  5. توبة إسرائيل وإجابة الله صلواتهم (ع ١٠ – ١٤).
  6. تركهم الأصنام (ع ١٥ و١٦).
  7. اجتماع العمونيين (ع ١٧).
  8. قلق الجلعاديين (ع ١٨).

قضاء تولع ويائير ع ١ إلى ٥

١ «وَقَامَ بَعْدَ أَبِيمَالِكَ لِتَخْلِيصِ إِسْرَائِيلَ تُولَعُ بْنُ فُوَاةَ بْنِ دُودُو، رَجُلٌ مِنْ يَسَّاكَرَ، كَانَ سَاكِناً فِي شَامِيرَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ».

ص ٢: ١٦

قَامَ بَعْدَ أَبِيمَالِكَ لا في رتبة القاضوية بل في الزمان لأن أبيمالك لم يكن قاضياً (انظر تفسير ص ٢: ١٦).

لِتَخْلِيصِ إِسْرَائِيلَ لا يُستنتج من هذا بالتحقيق أن الإسرائيليين كانوا مظلومين في الوقت المشار إليه لأنه من المحتمل أن القاضي المذكور حفظهم بسياسته من التعدّي.

تُولَعُ بْنُ فُوَاةَ بْنِ دُودُو لا نعرف عنه إلا ما ذُكر هنا والإسمان تولع أو تولاع وفواة أو فوّة وردا عند ذكر بني يساكر (تكوين ٤٦: ١٣ و١أيام ٧: ١).

رَجُلٌ مِنْ يَسَّاكَرَ فسمى أو لقّب ابنه وحفيده باسمي اثنين من أبناء يساكر.

شَامِيرَ موقعها مجهول وهي غير المدينة التي بهذا الاسم في جبال يهوذا (يشوع ١٥: ٤٨) والظاهر أنها قريبة من تخم يساكر في الشمال الشرقي من جبل أفرايم.

جَبَلِ أَفْرَايِمَ أي أرض أفرايم الجبلية.

٢ «فَقَضَى لإِسْرَائِيلَ ثَلاَثاً وَعِشْرِينَ سَنَةً وَمَاتَ وَدُفِنَ فِي شَامِيرَ».

فَقَضَى لإِسْرَائِيلَ كان تولع قاضياً شرعياً لا ملكاً مغتصباً كأبيمالك.

ثَلاَثاً وَعِشْرِينَ سَنَةً لم يذكر ما كان من الحوادث في هذه السنين فالظاهر أنها كانت سني سلام.

٣ «ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ يَائِيرُ ٱلْجِلْعَادِيُّ، فَقَضَى لإِسْرَائِيلَ ٱثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً».

ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ يَائِيرُ ٱلْجِلْعَادِيُّ وفي سفر العدد إن يائير بن منسى أخذ مزارع جلعاد ودعاهن حوّوث يائير أي مزارع يائير (عدد ٣٢: ٤١). ولا نعرف ما نسبة يائير في هذه الآية إلى يائير المذكور في سفر العدد إلا أن يائير سفر العدد كان من سبط يهوذا من جهة أبيه وكان من جهة الأم حفيد منسى.

يظن بعضهم أن يائير المذكور هنا هو يائير المذكور في (عدد ٣٢: ٤١) فكان ابن منسى بالمعنى أنه من نسل منسى وذكره في سفر العدد وفي سفر التثنية إضافة على ما كُتب في زمان موسى. ويظن غيرهم وهو الأرجح أن يائير من نسل المذكور في سفر العدد والمدن التي كانت لسلفه ثُبتت له وبقيت على اسمها القديم.

فَقَضَى لإِسْرَائِيلَ ٱثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً لم يذكر الكاتب حوادثها لأنها على ما يرجّح كانت سني سلام.

٤ «وَكَانَ لَهُ ثَلاَثُونَ وَلَداً يَرْكَبُونَ عَلَى ثَلاَثِينَ جَحْشاً، وَلَهُمْ ثَلاَثُونَ مَدِينَةً. يَدْعُونَهَا «حَوُّوثَ يَائِيرَ» إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ. هِيَ فِي أَرْضِ جِلْعَادَ.

ص ٥: ١٠ و١٢: ١٤ عدد ٣٢: ٤١ وتثنية ٣: ١٤

وَكَانَ لَهُ ثَلاَثُونَ وَلَداً لنا أن نستنتج من هذا أنه كان كثير الزوجات.

يَرْكَبُونَ عَلَى ثَلاَثِينَ جَحْشاً هذا دليل الثروة والوجاهة فإن الجحاش كانت يومئذ مطايا الكبراء والرؤساء وكانت غالية الثمن لقلة الخيل في فلسطين.

وَلَهُمْ ثَلاَثُونَ مَدِينَةً اسمها الآتي يدل على أنها مزارع فتسميتها بالمدن تدل على إنهم زادوها عمارة وأبينة حتى صارت مدناً.

يَدْعُونَهَا «حَوُّوثَ يَائِيرَ» أي مزارع يائير. والذي سماها حوّوث يائير هو يائير بن منسى وظل الناس يدعونها بذلك الاسم إلى عصر الكاتب.

ثم إن هذه المدن أو المزارع شرقي الأردن استولى عليها يائير بن منسى (عدد ٣٢: ٤١) وكانت معدودة بين الستين مدينة التي أُعطيها منسى (يشوع ١٣: ٣٠ و١أيام ٢: ٢٣). وكانت تلك المزراع تابعة للكورة التي كانت تُعد الحاصلات للملك سليمان (١ملوك ٤: ١٣) وهي «في أرض جلعاد» وكان نصف جلعاد لمنسى ونصفها لجاد.

٥ «وَمَاتَ يَائِيرُ وَدُفِنَ فِي قَامُونَ».

قَامُونَ لم يزل موقعها مجهولاً. قال أوسابيوس هي على غاية ستة أميال من مجدّو. وقال يوسيفوس إن قامون المذكورة هنا هي قري يبلا في جلعاد.

رجوع إسرائيل إلى الوثنية ع ٦ إلى ٩

٦ «وَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ، وَعَبَدُوا ٱلْبَعْلِيمَ وَٱلْعَشْتَارُوثَ وَآلِهَةَ أَرَامَ وَآلِهَةَ صَيْدُونَ وَآلِهَةَ مُوآبَ وَآلِهَةَ بَنِي عَمُّونَ وَآلِهَةَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَتَرَكُوا ٱلرَّبَّ وَلَمْ يَعْبُدُوهُ».

ص ٢: ١١ و٣: ٧ و٤: ١ و٦: ١ و١٣: ١ ص ٢: ١٣ ص ٢: ١٢ و١ملوك ١١: ٣٣ ومزمور ١٠٦: ٣٦

وَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَ ٱلشَّرَّ أي عادوا إلى الشرك بالله وهو عبادة الأوثان لأنهم جسديون لا روحيون وقد ألفوا عادات الأمم وعبادتهم وطول الألفة تحسن القبيح للغافلين الدنيويين.

فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ إن الرب كان معهم يعتني بهم وهم ارتكبوا الآثام الفظيعة في حضرته مع أنه في كل مكان لا يخفى عليه شيء.

وهذا الفصل مقدمة لما يأتي في (ص ١١ إلى ص ١٦) فإن يفتاح خلّص إسرائيل من العمونيين في الشرق (ص ١١ و ١٢) وشمشون خلّصهم من الفلسطينيين في الغرب (ص ١٣ – ١٦).

عَبَدُوا ٱلْبَعْلِيمَ وَٱلْعَشْتَارُوثَ أي الشموس والأقمار فإن البعل الشمس وعشتار أو أشتار القمر وجمعوهما باعتبار تعدّد طلوعها وصورهما وتماثيلهما. وأراد بعض الوثنيين بعشتاروث الزهرة وانتشرت عبادة الشمس والقمر في أنحاء كثير من المعمور (راجع تفسير ص ٢: ١١ – ١٣).

آلِهَةَ أَرَامَ أرام هي الأرض التي كانت عاصمتها دمشق (٢أيام ٢٨: ٢٣). وذُكر من آلهتها رمّون (٢ملوك ٥: ١٨) وهو إله الرعد والأمطار.

آلِهَةَ صَيْدُونَ أي صيداء ومنها البعل وعشتاروث مع اختلاف عن غيرهم من عبادهما الكنعانيين بالشعائر والفرائض.

آلِهَةَ مُوآبَ أي بني موآب بن لوط (تكوين ١٩: ٣٧) ومن آلهتهم كموش وبعل فغور.

آلِهَةَ بَنِي عَمُّونَ ومنها ملكوم أو مولك (لاويين ١٨: ٢١). وأعظم آلهة أولئك الوثنيين البعليم والعشتاروث.

وَآلِهَةَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ ومنها داجون وهو إله السمك وكان صنمه مركب من وجه إنسان ويدي إنسان وبدن سمكة.

وَتَرَكُوا ٱلرَّبَّ وَلَمْ يَعْبُدُوهُ أشركوا به أولاً فعبدوه وعبدوا الآلهة الباطلة معاً ثم قصروا عبادتهم على الأصنام التي لا حياة لها وتركوا الإله الحي فهبطوا إلى الدرك الأسفل. وهذا دأب الذين ينحرفون عن الرب.

٧ «فَحَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَبَاعَهُمْ بِيَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ وَبِيَدِ بَنِي عَمُّونَ».

ص ٢: ١٤ و١صموئيل ١٢: ٩

فَحَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ أي هاج كالنار المتقدة التي تحرق كل ما أصابته (انظر ص ٢: ١٤ – ٢٠).

وَبَاعَهُمْ بِيَدِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ أي دفعهم إلى يد الفلسطينيين كأنهم ملك لهم اشتروه من الله أي إن الله تركهم للأعداء الفلسطينيين يتصرفون بهم كيف شاءوا كما يتصرف الإنسان بملكه الذي يشتريه. والفلسطينيون سكان أرض فلسطين وهي الأرض التي في الجنوب الغربي من أرض كنعان على شط البحر المتوسط وحدود هذه الأرض كانت تتغير من وقت إلى آخر.

وَبِيَدِ بَنِي عَمُّونَ وهم نسل بن عمي بن لوط (تكوين ١٩: ٣٨) وكانت أرضهم شرقي أرض جلعاد.

٨ «فَحَطَّمُوا وَرَضَّضُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ. ثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً. جَمِيعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ فِي أَرْضِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلَّذِينَ فِي جِلْعَادَ».

تثنية ٣: ١ إلى ١٨

فَحَطَّمُوا وَرَضَّضُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ «حطموا» كسروا «ورضضوا» دقوا وجرشوا. والكلام استعارة من وضع الحبوب في ثغرة الرحى فيكسر أولاً ثم يُدق ويُجرش حتى يصير سحقاً على الترتيب وهذا يدل على أن ذلك كان في آخر مدة الاستعباد حتى لم يبق للإسرائيليين من قوة تمسكهم أي إلى أن صاروا طحيناً تحت رحى العبودية.

فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ السنة الأولى من الثماني عشرة سنة وسنة وفاة يائير أو السنة الأخيرة من الاستعباد وسنة صراخهم إلى الرب ورجوعهم إليه وقيام يفتاح ليخلّصهم.

ثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً أي استعبدوهم وظلموهم وعذبوهم ثماني عشرة سنة. وحذف الفعل فعل الاستعباد أو الظلم لدلالة ما قبله من توالي الاضطهاد وزيادته عليه. فكأنه قال كانوا يزيدون عذاب الإسرائيليين على توالي سني الاستعباد حتى لم يبقوا لهم من قوة.

جَمِيعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هذا بيان لقوله «فحطموا ورضضوا إسرائيل».

ٱلَّذِينَ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ أي الأرض المتصلة بشاطئ الأردن الشرقي.

أَرْضِ ٱلأَمُورِيِّينَ مملكتي عوج وسيحون. كان الأموريون في الأرضين الجبلية بين الأردن والبحر المتوسط قبل دخول الإسرائيليين أرض كنعان لكنهم لم يكتفوا بذلك فأخذوا يوسعون أرضهم إلى أن بلغوا حضيض حرمون المعروف اليوم بجبل الشيخ واستولوا على كل باشان وجلعاد.

ٱلَّذِينَ فِي جِلْعَادَ جلعاد قسم من أرض الأموريين شرقي الأردن.

٩ «وَعَبَرَ بَنُو عَمُّونَ ٱلأُرْدُنَّ لِيُحَارِبُوا أَيْضاً يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ وَبَيْتَ أَفْرَايِمَ. فَتَضَايَقَ إِسْرَائِيلُ جِدّاً».

وَعَبَرَ بَنُو عَمُّونَ ٱلأُرْدُنَّ بعد أن استعبد العمونيون الإسرائيليين الذين في شرقي الأردن قطعوا الأردن ليذللوا ويستعبدوا سائر الإسرائيليين ولا يبقوا قوة لإسرائيلي على وجه الأرض.

لِيُحَارِبُوا أَيْضاً يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ وَبَيْتَ أَفْرَايِمَ وُصفت أرض يهوذا في سفر يشوع (يشوع ص ١٥) فارجع إليه وإلى التفسير. وكانت أرض بنيامين بين أرضي أفرايم ويهوذا وكان طولها ستة وعشرين ميلاً وعرضها اثني عشر ميلاً وهي تعلو سطح البحر بنحو ألفي قدم وكلها مخصب وفيها ست وعشرون مدينة منها أورشليم عاصمة أرض الميعاد. وكانت حدود أرض أفرايم من الغرب البحر المتوسط ومن الشرق الأردن ومن الشمال قسم من نصيب منسى ومن الجنوب أقسام من أرض دان وبنيامين.

فَتَضَايَقَ إِسْرَائِيلُ جِدّاً أين ذهبت عزة إفرايم وقوة أبطال إسرائيل. إنهم تركوا الله فتركهم فصار عزّهم ذلاً وقوتهم ضعفاً فأدبهم الله بسيف الأمم.

توبة إسرائيل والأخذ في محاربة الأعداء ع ١٠ إلى ١٨

١٠ «فَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ: أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ لأَنَّنَا تَرَكْنَا إِلٰهَنَا وَعَبَدْنَا ٱلْبَعْلِيمَ».

١صموئيل ١٢: ١٠

فَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ هذا دأبهم لا يذكرون الله إلا في وقت الشدة وينسونه في زمن الرخاء فهم أحبوا نفوسهم ولم يحبوا الله (ص ٣: ١٥ و٦: ٦).

أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ إذا أراد الله أن يرجع الخاطئ إليه أراه أولاً خطيئته ومتى رأى الخاطئ خطيئته أمامه وعقابها يتبعها هرب إلى الله والتجأ إليه.

لأَنَّنَا تَرَكْنَا إِلٰهَنَا وَعَبَدْنَا ٱلْبَعْلِيمَ عرفوا خطيئتهم عند ترك الله إياهم وتبين لهم إن الجزاء من جنس العمل أي إنه تعالى تركهم لأنهم تركوه ولم يكتفوا بذلك حتى اتخذوا البعليم رباً بدلاً منه تعالى.

١١ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَلَيْسَ مِنَ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَبَنِي عَمُّونَ وَٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ خَلَّصْتُكُمْ؟».

خروج ١٤: ٣٠ عدد ٢١: ٢١ و٢٤ و٢٥ ص ٣: ١٢ و١٣ ص ٣: ٣١

فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لا نظن أن الله خاطب كل بني إسرائيل بالذات بل خاطبهم بواسطة كاهن أو نبي فإن بني إسرائيل مع ارتدادهم عن الله كان منهم من بقي مع الرب ولم ينقطع الوحي عنهم.

أَلَيْسَ مِنَ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَبَنِي عَمُّونَ وَٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ خَلَّصْتُكُمْ أي خلصتكم من كل هؤلاء (انظر خروج ١٤: ٣٠ وعدد ٢١: ٢١ و٢٤ و٢٥ وص ٣: ١٢ و١٣ و٣٠ و٣١ وراجع تفسير كل ذلك).

١٢ «وَٱلصَّيْدُونِيُّونَ وَٱلْعَمَالِقَةُ وَٱلْمَعُونِيُّونَ قَدْ ضَايَقُوكُمْ فَصَرَخْتُمْ إِلَيَّ فَخَلَّصْتُكُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ؟».

ص ٥: ١٩ ص ٦: ٣ مزمور ١٠٦: ٤٢ و٤٣

وَٱلصَّيْدُونِيُّونَ وَٱلْعَمَالِقَةُ وَٱلْمَعُونِيُّونَ قَدْ ضَايَقُوكُمْ لم يُذكر أن الصيدونيون استعبدوهم وإن الله خلّصهم منهم ولكن من تأمل في أن يابين ملك كنعان كان من أملاكه صيدون رأى أن الصيدونيون لا بد من أنهم حاربوا إسرائيل معه فإنقاذهم من يابين ملك كنعان إنقاذ لهم من الصيدونيون أيضاً. وفي نشيد دبورة «جَاءَ مُلُوكٌ. حَارَبُوا. حِينَئِذٍ حَارَبَ مُلُوكُ كَنْعَانَ» (ص ٥: ١٩). وكانت صيدون أم مدن فينيقية فلا بد من أنه كان لها ملك وكان ملكها من أكابر ملوك الفينيقيين والكنعانيين وإن الصيدونيين كانوا يضايقون الإسرائيليين كثيراً على أنه عرف الكنعانيون الشماليون بالصيدونيين (ص ١٨: ٨) وأما العمالقة فقد ذُكر جورهم على إسرائيل وبمضايقتهم لهم في ما مرّ من هذا السفر (انظر ص ٦: ٣ والتفسير).

والمعونيون ظنهم البعض المديانيين بناء على الترجمة السبعينية واللفظ يدل على أنهم منسوبون إلى معون وهي أمة حامية كانت تحارب الإسرائيليين وتظلمهم ولما ملك عزيا وضعهم تحت الجزية جزاء لهم على ظلمهم السابق للإسرائيليين (انظر ١أيام ٤: ٤٠ و٤١ و٢أيام ٢٦: ٧). وأما معون فالأرجح أنها معان الحالية على طريق الحج من الشام إلى مكة وقريبة من وادي موسى.

ذُكر في (ع ٦) سبعة من آلهة الوثنيين عبدها الإسرائيليين وذُكر هنا سبعة من الشعوب الوثنية استعبدوا الإسرائيليين فكان عقابهم بمقدار عصيانهم.

١٣ «وَأَنْتُمْ قَدْ تَرَكْتُمُونِي وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى. لِذٰلِكَ لاَ أَعُودُ أُخَلِّصُكُمْ».

تثنية ٣٢: ١٥ وإرميا ٢: ١٣

لاَ أَعُودُ أُخَلِّصُكُمْ وليس المعنى إن الرب لا يخلصهم مطلقاً بل (١) إنه لا يخلصهم ما داموا في خطاياهم بل عليهم التوبة وإزالة الآلهة الغريبة والرجوع إليه. وكثيراً ما يقول الرب إنه سيعمل شيئاً ولا يعمله وليس ذلك لأنه يتغير أو لا يصدق في كلامه بل لأن الإنسان يتغير بتركه أعماله السيئة فتتغير معاملة الرب له (خروج ٣٢: ٩ – ١٤ و٢ملوك ٢٠: ١ – ٦).

(٢) إنه تركهم لكي يعرفوا وهن الآلهة التي عبدوها دونه وعجزها عن إنقاذهم.

(٣) إن لرحمته حداً. وظهر ذلك بعد زمان القضاة لما سلم إسرائيل لملك أشور تسليماً تاماً (٢ملوك ١٧: ٧ – ٢٣). ويظهر ذلك في معاملة الرب للناس أفراداً لأن من أحزن الروح القدس ورفض المسيح بتركه الروح فيتقسى قلبه فلا تُغفر خطاياه ولا يخلص (متّى ١٢: ٣١ وعبرانيين ٦: ٤ – ٦).

١٤ «اِمْضُوا وَٱصْرُخُوا إِلَى ٱلآلِهَةِ ٱلَّتِي ٱخْتَرْتُمُوهَا. لِتُخَلِّصْكُمْ هِيَ فِي زَمَانِ ضِيقِكُمْ».

تثنية ٣٢: ٣٧ و٣٨ و٢ملوك ٣: ١٣ وإرميا ٢: ٢٨

اِمْضُوا وَٱصْرُخُوا إِلَى ٱلآلِهَةِ ٱلَّتِي ٱخْتَرْتُمُوهَا الأمر هنا لا لطلب الفعل بل للتعجيز باعتبار استحالة النفع من المضي والصراخ إلى الآلهة الباطلة التي اختاروها مع ما فيه من التوبيخ لهم على جهلهم واختيارهم الباطل على الحق (قابل هذا بما في تثنية ٣٢: ٣٧ و٣٨ و٢ملوك ٣: ١٣ وإرميا ٢: ٢٨).

لِتُخَلِّصْكُمْ فتعلموا عجزكم عن الانتفاع بها وعجزها عن نفعكم إذ يستحيل عليها أن تنفعكم شيئاً.

فِي زَمَانِ ضِيقِكُمْ لأنهم إن كانوا آلهة قادرين فالحاجة إليهم في مثل هذا الوقت. وهذا هزءٌ وبيان لم يبق سبيلاً إلى الهرب من الاعتراف بعجز تلك الآلهة الباطلة (قابل بهذا ما في ١ملوك ١٨: ٢٧ وأمثال ١: ٢٦).

١٥ «فَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِلرَّبِّ: أَخْطَأْنَا فَٱفْعَلْ بِنَا كُلَّ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ. إِنَّمَا أَنْقِذْنَا هٰذَا ٱلْيَوْمَ».

١صموئيل ٣: ١٨ و٢صموئيل ١٥: ٢٦

أَخْطَأْنَا عرفنا خطاءنا وأسفنا عليه.

فَٱفْعَلْ بِنَا كُلَّ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ إننا نستحق العقاب ونرضى بكل ما تؤدبنا به.

إِنَّمَا أَنْقِذْنَا هٰذَا ٱلْيَوْمَ أي لا تنقذنا إلا هذا اليوم إن عدنا إلى الأوثان. إن الله وافر الرحمة لكن لا ينقذ التائب إليه بمجرد الكلام بل ينقذ التائب إليه بالفعل ولذلك لم يفرّج عنهم إلا بعد أن تركوا أصنامهم ورجعوا فعلاً إلى ربهم وإلههم كما سترى. على أن بني إسرائيل كثيراً ما استغفروا ووعدوا بحفظ وصايا الرب ثم ارتدوا عن الله فأدبهم بالضربات لا انتقاماً وشفاء للغيظ بل محبة ورحمة لهم ليرجعوا إليه.

١٦ «وَأَزَالُوا ٱلآلِهَةَ ٱلْغَرِيبَةَ مِنْ وَسَطِهِمْ وَعَبَدُوا ٱلرَّبَّ، فَضَاقَتْ نَفْسُهُ بِسَبَبِ مَشَقَّةِ إِسْرَائِيلَ».

٢أيام ٧: ١٤ و١٥: ٨ وإرميا ١٨: ٧ و٨ مزمور ١٠٦: ٤٤ و٤٥ وإشعياء ٦٣: ٩

وَأَزَالُوا ٱلآلِهَةَ ٱلْغَرِيبَةَ مِنْ وَسَطِهِمْ وَعَبَدُوا ٱلرَّبَّ فبرهنوا أن توبتهم حقة. لا يثبت القول ما لم يشهد العمل. فسمع الله لهم.

فَضَاقَتْ نَفْسُهُ بِسَبَبِ مَشَقَّةِ إِسْرَائِيلَ يجب على القارئ هنا أن يتأمل وينتبه. فإن ضيق النفس لا يجوز أن يُنسب إلى الله حقيقة وهو كناية عن الجزع أي عدم الصبر والاحتمال ويلزم منه مع علاقته بمشقة إسرائيل الحزن. والله منزه عن كل ذلك باعتبار المعنى الحقيقي. فالمعنى إن الله رأى إسرائيل في مشقة تهيج الجزع والحزن في قلب كل منصف. ونسب الله ذلك إلى نفسه لأن إسرائيل حبيبه والإساءة إلى الحبيب إساءة إلى المحبّ. إن الإسرائيليين أولاد الله فمصابهم لا يرضى الله به كما لا يرضى الوالد بمصاب أولاده. والعبارة كلها تصوير للمعقول بصورة المحسوس من إمارات الندم لأنه أقرب إلى الإفهام. والإدراك بطريق الحس أمكن في النفس من الإدراك العقلي الصرف. وهذا التعبير كثير في اللغات السامية التي منها العبرانية والعربية.

١٧ «فَٱجْتَمَعَ بَنُو عَمُّونَ وَنَزَلُوا فِي جِلْعَادَ، وَٱجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَنَزَلُوا فِي ٱلْمِصْفَاةِ».

تكوين ٣١: ٤٩ وص ١١: ١١ و٢٩

فَٱجْتَمَعَ بَنُو عَمُّونَ الفاء سببية لما في (ع ٩). والسبب قصدهم محاربة من بقي من الإسرائيليين واستعبادهم كما استعبدوا إخوتهم الذين شرقي الأردن. ولعل إن العمونيين عرفوا برجوع إسرائيل إلى الرب والاستعداد للتخلص من عبوديتهم.

جِلْعَادَ (انظر تفسير ع ٨).

ٱلْمِصْفَاةِ معنى هذا الاسم برج النواطير وهو موضع في جلعاد ودُعي أيضاً مصفاة جلعاد (ص ١١: ٢٩) ورامة المصفاة (يشوع ١٣: ٢٦) وراموت جلعاد (١ملوك ٤: ١٣). وهي في نصيب جاد ورأى بعضهم أنها هي المعروفة اليوم بالسلط.

١٨ «فَقَالَ ٱلشَّعْبُ رُؤَسَاءُ جِلْعَادَ ٱلْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: أَيٌّ هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَبْتَدِئُ بِمُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ رَأْساً لِجَمِيعِ سُكَّانِ جِلْعَادَ».

ص ١١: ٨ و١١

فَقَالَ ٱلشَّعْبُ رُؤَسَاءُ جِلْعَادَ أراد «بالشعب» أي شعب جلعاد نواب ذلك الشعب أو رؤساءه لأنهم قائمون مقامه. وأبان هذا المراد بقوله «رؤساء جلعاد». فرؤساء جلعاد عطف بيان للشعب.

أَيٌّ… يَبْتَدِئُ بِمُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ رَأْساً الخ كان هو يفتاح (ص ١١: ١١).

فوائد

  1. إن أحاسن الناس قد يكونون أقلّ الناس اشتهاراً. إنا لم نعرف شيئاً عن أمور تولع ويائير إلا أنهما قضيا لبني إسرائيل ولكن عرفنا كثيراً من أمور أبيمالك الشرير.
  2. إن الكوشي لا يغيّر جلده وتاريخ إسرائيل أحسن بيان لذلك (ع ٦).
  3. إن المصيبة مقترنة بالإثم أبداً (ع ٧ – ٩).
  4. إن الراحة والرغد كثيراً ما يكونان وسيلة إلى التعب والضيق. استراح الإسرائيليون من الأعداء فنسوا الرب فأدّى بهم ذلك إلى شر الأحوال.
  5. يجب أن تكون نتيجة المصائب رجوع الإنسان إلى الله.
  6. إن الله يضرب للشفاء ويجرح للبرء (ع ١٤ و١٦).
  7. إن أول اهتداء الضال شعوره بأنه خاطئ وبعد ذلك الحزن على إنه اخطأ ثم الرجوع عن الإثم إليه تعالى والتسليم له بكل ما يقضي به عليه (ع ١٥).
  8. إن العمل الصالح متصل بالتوبة الحقة (ع ١٦).
  9. إن الإيمان يردّ إلى المؤمن الشجاعة والقوة (ع ١٧).
  10. إن مصائب الجماعة تؤلف بين قلوبهم وتحملهم على الاتحاد (ع ١٨).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى