سفر القضاة | 09 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر القضاة
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ
محتويات هذا الأصحاح:
- استمالة أبيمالك لأهل شكيم (ع ١ – ٤).
- قتله إخوته (ع ٥ و٦).
- مثَل يوثام في طلب الأشجار أن تمسح عليها ملكاً (ع ٧ – ١٥).
- مضرب المثل أو بيان لما ضُرب فيه (ع ١٦ – ٢٠).
- هرب يوثام من وجه أبيمالك أخيه (ع ٢١).
- نفرة أهل شكيم من أبيمالك وغدرهم به (ع ٢٢ – ٢٥).
- حماية جَعَل لأهل شكيم ووثوقه بهم (ع ٢٦ – ٢٩).
- أخبار زبول لأبيمالك بمؤامرة جَعَل وأهل شكيم (ع ٣٠ – ٣٣).
- انكسار جَعَل وهربه من قدام أبيمالك (ع ٣٤ – ٤٠).
- قيام أبيمالك على أهل شكيم وأخذه شكيم وهدمها وقتله شعبها (ع ٤١ – ٤٥).
- إحراق أبيمالك الصرح والبرج بمن فيه (ع ٤٦ – ٤٩).
- محاصرة أبيمالك لتاباص (ع ٥٠ – ٥٢).
- موت أبيمالك قتلاً (ع ٥٣ – ٥٥).
- تذييل أدبيٌّ (ع ٥٦ و٥٧).
اغتصاب أبيمالك للسلطة ع ١ إلى ٦
١ «وَذَهَبَ أَبِيمَالِكُ بْنُ يَرُبَّعْلَ إِلَى شَكِيمَ إِلَى أَخْوَالِهِ، وَقَالَ لِجَمِيعِ عَشِيرَةِ بَيْتِ أَبِي أُمِّهِ».
ص ٨: ٣١
وَذَهَبَ أَبِيمَالِكُ هذا الذهاب أول الاستدراج إلى عقاب الله العادل على الخطائين اللذَين ارتكبهما جدعون وهما إكثار النساء وعمل الأفود دون مشورة الله فوقع الانتقام على بيته. فليحذر الوالدون من الخطاء لئلا يجلبوا به الشرّ على أولادهم.
إِلَى شَكِيمَ مدينة قديمة في أرض كنعان سمّاها اليونانيون نيابوليس أي المدينة الجديدة ثم نحتها العرب فقالوا نابلس وهي شمالي أورشليم وعلى غاية ٣٢ ميلاً منها.
إِلَى أَخْوَالِهِ (انظر ص ٨: ٣١). والمراد بهم أقرباء أمه وأصدقاؤها وأولاد قبيلتها لا مجرد إخوتها. ولا ريب في أنه كان لهم السطوة على كل سكان شكيم. وهذا خطأ ثالث ارتكبه جدعون وهو اقترانه بامرأة كنعانية. وكانت ثمرة هذا الاقتران ذلك الابن الشرير. إن معظم صلاح الأولاد وشرهم متوقف على الوالدات.
وجَمِيعِ عَشِيرَةِ بَيْتِ أَبِي أُمِّهِ العطف هنا عطف تفسير. ويظهر منه أن أهل أمه كان لهم الأمرة على سائر السكان ويؤيد ذلك ما يأتي من طلبه.
٢ «تَكَلَّمُوا ٱلآنَ فِي آذَانِ جَمِيعِ أَهْلِ شَكِيمَ. أَيُّمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ: أَأَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْكُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً، جَمِيعُ بَنِي يَرُبَّعْلَ، أَمْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ؟ وَٱذْكُرُوا أَنِّي أَنَا عَظْمُكُمْ وَلَحْمُكُمْ».
ص ٨: ٣٠ تكوين ٢٩: ١٤
تَكَلَّمُوا ٱلآنَ فِي آذَانِ جَمِيعِ أَهْلِ شَكِيمَ أي اسمعوهم الكلام حسناً واحترسوا من أن تتجاوز كلمة منه أسماعهم. وأهل شكيم هنا في العبرانية «بعلي شكم» أي أسياد شكيم أو أربابها لأنه إذا بلغ هؤلاء ما يأتي بلغوه كل من يسودونهم فيسمعه كل أهل شيكم.
أَأَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْكُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً على دعوى أبيمالك أن أبناء جدعون كانوا يدّعون إرث السلطة عن أبيهم جدعون مع أنه أبى التسلط لنفسه ولأولاده وقال للشعب «الرب يتسلط عليكم» والظاهر هذا من مظنوناته أو من معرفته أن الشعب يولي عليه كل هؤلاء الأبناء أو أن ذلك احتيال منه لجذب الجميع إلى نفسه.
أَنَا عَظْمُكُمْ وَلَحْمُكُمْ يريد بذلك أنه مولود امرأة منهم وهذا الخطاب لأخواله على أنه يجوز أن يكون للجميع إذ شكيم مدينة أمه فكأن كل سكانها أقرباؤه. وكان إسرائيليو شكيم أفرايميين وأبوه من منسى ومنسى وأفرايم ابنا يوسف (ص ٦: ١٥).
٣ «فَتَكَلَّمَ أَخْوَالِهِ عَنْهُ فِي آذَانِ كُلِّ أَهْلِ شَكِيمَ بِجَمِيعِ هٰذَا ٱلْكَلاَمِ. فَمَالَ قَلْبُهُمْ وَرَاءَ أَبِيمَالِكَ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: أَخُونَا هُوَ».
تكوين ٢٩: ١٥
فَتَكَلَّمَ أَخْوَالِهِ عَنْهُ لا ريب في أنهم بذلوا جهدهم في استمالة القلوب إليه لاعتقادهم أنه يكون معهم لا عليهم إذا حكم لأنهم أخواله بخلاف غيره من إخوته.
فَمَالَ قَلْبُهُمْ وَرَاءَ أَبِيمَالِكَ أي حملتهم عواطف قلوبهم على اتباعه وأفرد القلب لأنهم كانوا في اختياره كشخص واحد.
لأَنَّهُمْ قَالُوا: أَخُونَا هُوَ أي قريبنا فهو خير لنا من سواه.
٤ «وَأَعْطُوهُ سَبْعِينَ شَاقِلَ فِضَّةٍ مِنْ بَيْتِ بَعْلِ بَرِيثَ، فَٱسْتَأْجَرَ بِهَا أَبِيمَالِكُ رِجَالاً بَطَّالِينَ طَائِشِينَ، فَسَعَوْا وَرَاءَهُ».
ص ٨: ٣٣ ص ١١: ٣ و٢أيام ١٣: ٧ وأمثال ١٢: ١١ وأعمال ١٧: ٥
وَأَعْطُوهُ سَبْعِينَ شَاقِلَ فِضَّةٍ أي نحو تسع ليرات إنكليزية. هذا إذا قطعنا النظر عن أنهم كانوا ينهبون ويسلبون كل ما تصل إليه أيديهم لأن رجال أبيمالك كانوا رجالاً بطالين طائشين وإنه لم يكن محتاجاً إلا إلى نفقة بضعة أيام إذ أقاموه ملكاً على أثر قتله إخوته (ع ٦) وكان عدد الشواقل على عدد أبناء جدعون.
مِنْ بَيْتِ بَعْلِ بَرِيثَ أي من بيت المال في هيكل بعل العهود (ص ٨: ٣٣ انظر التفسير). وكان الهيكل عند الأقدمين معبداً وحصناً وخزانة ومثل هيكل بعل بريث كان هيكل فينس أي الزهرة على جبل إيركس وهيكل جوبتير أي المشتري.
فَٱسْتَأْجَرَ بِهَا أي بالشواقل السبعين.
رِجَالاً بَطَّالِينَ طَائِشِينَ البطالون الذين لا عمل لهم يرزقون منه فيضطرون إلى السرقة والنهب والقتل أحياناً والطائشون الحمقى النزقون أي السريعو الغضب الخفاف الأحلام الضعيفو العقول. ومثل هؤلاء كثيراً ما يخدمون في الحرب بلا أجرة بغية الغنيمة. وكثيراً ما كانوا يُستأجرون لارتكاب المظالم والتعديات.
فَسَعَوْا وَرَاءَهُ أي اتبعوه ساعين سعيه عاملين عمله.
٥ «ثُمَّ جَاءَ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ فِي عَفْرَةَ وَقَتَلَ إِخْوَتَهُ بَنِي يَرُبَّعْلَ، سَبْعِينَ رَجُلاً، عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ. وَبَقِيَ يُوثَامُ بْنُ يَرُبَّعْلَ ٱلأَصْغَرُ لأَنَّهُ ٱخْتَبَأَ».
ص ٦: ٢٤ و٢ملوك ١١: ١ و٢
جَاءَ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ فِي عَفْرَةَ جاء من شكيم مع رجاله البطالين الطائشين إلى إخوته في عفرة قرية أبيه كانت في سهم منسى قرب شكيم وهي المعروفة اليوم بفرعاتا على رأي كندر. ولعل أبيمالك انتهز الفرصة في وليمة أهلية كما انتهرها أبشالوم (٢صموئيل ١٣: ٢٣). ولا ريب في أن إخوته لم يكونوا قد عرفوا شيئاً من تدبيره لإسراعه إلى إدراك مقصده.
وَقَتَلَ إِخْوَتَهُ .. سَبْعِينَ رَجُلاً على ما أمر ونوى (انظر تفسير ع ١٨) فلم يبق من أبناء جدعون الأحد والسبعين إلا يوثام وابن السرّية وقتل أبيمالك إخوته لئلا ينازعوه الملك. وهذا أول ما ذكره الكتاب من قتل الطامعين بالملك لإخوتهم وأقربائهم من أولياء العهد وكل منازع في الملك (انظر ١ملوك ١٥: ٢٩ و١٦: ١١ و٢ملوك ١٠: ٧ و١١: ١) وفي التواريخ العالمية كثير من أمثال ذلك.
عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ قال أحد المفسرين لعل هذا الحجر هو الصخرة التي بنى عليها جدعون المذبح.
وَبَقِيَ يُوثَامُ… لأَنَّهُ ٱخْتَبَأَ لم يُذكر مخبأه ولعله لما رأى أن الأعداء هجموا على إخوته ورأى أنه لا يستطيع المقاومة هرب واختبأ في غارٍ أو ما شاكله لأنه كان ابن جدعون الأصغر.
٦ «فَٱجْتَمَعَ جَمِيعُ أَهْلِ شَكِيمَ وَكُلُّ سُكَّانِ ٱلْقَلْعَةِ وَذَهَبُوا وَجَعَلُوا أَبِيمَالِكَ مَلِكاً عِنْدَ بَلُّوطَةِ ٱلنَّصَبِ ٱلَّذِي فِي شَكِيمَ».
يشوع ٢٤: ٢٦
أَهْلِ شَكِيمَ أي رؤساء شكيم أو أصحابها أو أربابها.
سُكَّانِ ٱلْقَلْعَةِ وفي الأصل العبراني «بيت مِلُوا» أي بيت مِلُو ولم يُعلم أهو اسم مكان أو ملو المكان والبيت والسكان. ولكن جاء في الكلدانية «سكان القلعة» فجرى عليها المترجم وعلى هذا فالمراد بالقعلة برج شكيم (انظر ع ٤٦ – ٤٩). وتُرجم بيت ملو بالحصن والقلعة في (٢صموئيل ٥: ٩ و٢ملوك ١٢: ٢٠).
وَجَعَلُوا أَبِيمَالِكَ مَلِكاً فكان أول إسرائيلي لُقب بالملك. ولم يظهر أن اعترف له بذلك غير الأفرايميين. فاذكر هنا أن أباه جدعون أبى أن يكون متسلطاً (ص ٨: ٢٣).
عِنْدَ بَلُّوطَةِ ٱلنَّصَبِ النصب هنا في العبراينة «مصب» واختلف المترجمون بترجمتها فترجمها بعضهم «بالعمود» وبعضهم «بالتمثال» وآخر «بالعالية أو الرفيعة» وآخر «بالحصن» وغيره «بالحرس أو القلعة» ولكن هذه البلوطة هي التي طمر يعقوب تحتها الآلهة الغريبة والأقراط (تكوين ٣٥: ٤). فرأى بعضهم أن «مصب» علم لذلك الحجر والنصب في العربية العلم المنصوب وهذا يدل أنهم اتخذوا تلك البلوطة عموداً ينشرون عليه العَلَم.
دعوى يوثام واحتجاجه ع ٧ إلى ٢١
٧ «وَأَخْبَرُوا يُوثَامَ فَذَهَبَ وَوَقَفَ عَلَى رَأْسِ جَبَلِ جِرِزِّيمَ، وَنَادَى: اِسْمَعُوا لِي يَا أَهْلَ شَكِيمَ يَسْمَعْ لَكُمُ ٱللّٰهُ».
تثنية ١١: ٢٩ و٢٧: ١٢ ويشوع ٨: ٣٣ ويوحنا ٤: ٢٠
وَأَخْبَرُوا يُوثَامَ أي أخبروه بجعل أهل شكيم وسكان القلعة أبيمالك ملكاً.
وَقَفَ عَلَى رَأْسِ جَبَلِ جِرِزِّيمَ هو جبل فوق شكيم ترتفع قنته عنها ثماني مئة قدم وعن سطح البحر ٢٨٥٠ قدماً.
وَنَادَى: اِسْمَعُوا لِي يَا أَهْلَ شَكِيمَ إن قنة جرزّيم تعلو شكيم بنحو سدس ميل وقال بعض أهل الأسفار أنه سمع صوت المكاري على جرزّيم من أمد أبعد من ذلك. وإنه سمع صوت بعض الرعاة يخاطب الآخر ويجيبه على أبعد من هذه المسافة. هذا على أن قوله «وقف على رأس جرزيم» لا يلزم منه ضرورة أنه وقف على أعلى جزء منه فإنه قد يكون المنادي على الجبل في أقرب موضع من المنادى. ويقال إنه ناداه من رأس الجبل (ع ٧) على سبيل التقريب. أو المراد أنه ناداه من رأس أكمة من آكام ذلك الجبل.
يَسْمَعْ لَكُمُ ٱللّٰهُ جواب قوله «اسمعوا لي» أي إن سمعتم لي يسمع الله لكم أي يجازيكم خيراً بإجابته دعاءكم. أو هي جملة دعائية للاستعطاف ولا يزال أهل بلادنا يأتون أمثال ذلك إلى الآن مثل قولهم سهّل لي أمري سهّل الله أمرك. وقولهم هوّن عليّ هوّن الله عليك. وأفادنا أفادك الله وهلم جراً.
فإن قلت كيف تجاسر يوثام على ذلك ودماء إخوته لم يجف قلنا ما وقف هذا الموقف إلا وقد أعدّ المهرب أو المخبأ لأنه كان حذراً كما عرفت من هربه ففي جرزيم كثير من المخابئ والكهوف التي لا يهتدي إليها أو لا يجسر أحدٌ على الدخول إلى المختبئ فيها. وما هي أهمية شاب يصرخ على رأس جبل منفرداً حتى يهيج القوم على لحاقه والتفتيش عنه وأبيمالك صار ملكاً وكل أهل المدينة معه. ولعلهم لم يعرفوا أنه من أبناء جدعون إلى أن قرب من نهاية كلامه فكان له فرصة للهرب والاختباء (ع ١٨).
٨ «مَرَّةً ذَهَبَتِ ٱلأَشْجَارُ لِتَمْسَحَ عَلَيْهَا مَلِكاً. فَقَالَتْ لِلزَّيْتُونَةِ: ٱمْلِكِي عَلَيْنَا».
٢ملوك ١٤: ٩ ص ٨: ٢٢ و٢٣
ذَهَبَتِ ٱلأَشْجَارُ يراد بالأشجار هنا أهل شكيم. رأينا في هذه الآية أول تمثيل خيالي. والتمثيلات الخيالية تكثر في اللغات السامية وسائر لغات المشرق وأكثرها في أقوال الشعراء فهم أرباب التخيلات وعشراء الخيال واللائذون إليه عند بخل عالم الحس الظاهر عليهم بما يمثلون به فينسبون إلى المحسوسات ما ليس لها في الخارج. وقد جاء مثل ذلك في مواضع أُخر من الكتاب. ومنها تمثيل ناثان لفعل داود (٢صموئيل ١٢: ١ – ٤). وتمثيل داود لشعب إسرائيل (مزمور ٨٠: ٨ – ١٣). وتمثيل في آية التفسير هنا تمثيل يهوآش ملك إسرائيل لفعل أمصيا ملك يهوذا (٢ملوك ١٤: ٩). ونُسب الكلام إلى الأشجار والطيور والوحوش والبهائم في كثير من كتب المشارقة الأدبية مثل كتاب كليلة ودمنة المترجم إلى العربية من إحدى اللغات الهندية. والغاية من ذلك تقرير المقصود الأدبي في الأذهان لغرابة أسلوبه فإن الإنسان لو رأى الأشجار أو البهائم تتخاطب وتتآمر لما نسي ذلك إلى الأبد لما فيه من العجب. وقد يكون الغرض من ذلك تبليغ الحكمة على أسلوب لا يهين أحد الناس الذين يصدق عليهم التمثيل تلطفاً وتأدباً أو لغير ذلك من الأغراض المختلفة.
وقوله «ذهبت» الأشجار «أول عجائب هذا التمثيل لأن الأشجار لا تمشي». فلا بد من أن السامعين تصوروها تمشي كالناس وأثر ذلك في نفوسهم عجباً ولو كان تخييلاً. فإن التخيل كثيراً ما يؤثر تأثيراً عجيباً في النفوس. وهذا حمل السامعين على شدة الإصغاء إلى كلامه.
لِتَمْسَحَ عَلَيْهَا مَلِكا المسح في الكتاب المقدس صب الزيت أو الدهن على الموقوف لخدمة الله من الجماد والأحياء (تكوين ٢٨: ١٨ و٣١: ١٣ وخروج ٣٠: ٢٣ – ٣٣).
فَقَالَتْ لِلزَّيْتُونَةِ: ٱمْلِكِي عَلَيْنَا قدّم الزيتونة في التمثيل لأنها أنفع الأشجار بزيتونها وزيتها وخشبها وغير ذلك من أمورها. وكان الزيت من المتقدمات للرب ولمسح الكهنة والملوك وأدوات الخدمة الدينية وهو كثير النفع في الطب والعلاج وكان نور الأبصار ليلاً. ومن جمالها لمعان أوراقها وتألق خشبها المصقول الذي هو جمال كثير من أثاث بيوت الأغنياء ومنظر الشجرة حسن يبهج النظر والقلوب. وموطن الزيتون الأصلي أسيا ومنها نُقل إلى مصر وبلاد المغرب وجنوبي أوربا.
في قاموس الكتاب أن الزيتون من الأشجار المعروفة قديماً في فلسطين (تثنية ٦: ١١). ويقوم بهاؤه (هوشع ١٤: ٦) في أن أوراقه خضراء من الأعلى وسنجابية فضية من الأسفل حتى إذا هزتها الريح ظهرت الشجرة من بعيد كأنها مغطاة ببرقع فضي شفاف حسن جداً وزهره أبيض وكثيراً ما ينثر فتشبه به حينئذ العاقر (أيوب ١٥: ٣٣).
ويعيش الزيتون مئات من السنين ويحمل في الشيبة كالأرز والنخلة (مزمور ٩٢: ١٣ و١٤).
٩ «فَقَالَتْ لَهَا ٱلزَّيْتُونَةُ: أَأَتْرُكُ دُهْنِي ٱلَّذِي بِهِ يُكَرِّمُونَ بِيَ ٱللّٰهَ وَٱلنَّاسَ، وَأَذْهَبُ لأَمْلِكَ عَلَى ٱلأَشْجَارِ؟».
مزمور ١٠٤: ١٥
أَأَتْرُكُ دُهْنِي أي زيتي والدهن الذي يصنع منه بمزجه بغيره من الطيبات. والاستفهام هنا إنكاري والمعنى إني لا أترك دهني وفيه تنبيه على خطإ الأشجار وقس على ذلك استفهام التينة والكرمة في ما يأتي.
ٱلَّذِي بِهِ يُكَرِّمُونَ بِيَ ٱللّٰهَ وَٱلنَّاسَ أي الذي لأجله يكرم بي الناس الله ونفوسهم ويكرم الله والناس بي لأجل زيتي. فإكرام الله باتخاذ زيتها مسحة للموقوف لله من كل جنس ونوع وقرباناً عل مذبحه تعالى. وإكرام الناس بكونه طعاماً نافعاً لهم ودهناً مطهراً ومحسناً ومادة إضاءة الظلمات ودواء لأدواء كثيرة (انظر تفسير ع ٨ وانظر أيضاً خروج ٢٧: ٢٠ و٢٩: ٧ و٣٠: ٢٢ – ٣٣).
وَأَذْهَبُ لأَمْلِكَ عَلَى ٱلأَشْجَارِ يفيد ما في أول الآية إلى هنا أن الاشتغال بالملك يشغل عن كثير من الأعمال النافعة للناس لأن الملك عرضة لزيادة طلب السيادة والطمع في الخيرات العالمية والمجد الفاني. وفي رفض الزيتونة للملك إيماء إلى رفض الصالحين إياه وترك الملك لله كما كان من جدعون.
١٠ «ثُمَّ قَالَتِ ٱلأَشْجَارُ لِلتِّينَةِ: تَعَالَيْ أَنْتِ وَٱمْلِكِي عَلَيْنَا».
ثُمَّ قَالَتِ ٱلأَشْجَارُ لِلتِّينَةِ الخ ذكر التينة ثانية لأنها ثاني الزيتونة في النفع والجمال وهي ذات ثمر لذيذ مغذٍ. والتين شجر مشهور في سورية وفلسطين وكانت منزلته عند القدماء عظيمة. ومن خواصه الغريبة إن ثمره يظهر قبل أوراقه فإذا ظهرت في شجرته الأوراق ولم تظهر الأثمار قُنط من إثمارها. وإيراق التين في فلسطين من الأدلة على قرب الصيف (نشيد الأناشيد ٢: ١٣ ومتّى ٢٤: ٣٢ ولوقا ٢١: ٢٩ و٣٠). وثمره ثلاثة صنوف:
- الأول: الباكوري (نشيد الأناشيد ٢: ١٣) وينضج في أواخر حزيران وهو جميل لذيذ كثيراً (إرميا ٢٤: ٢). وشبّه هوشع النبي علاقة الرب ببني إسرائيل بهذا الصنف في قوله «رَأَيْتُ آبَاءَكُمْ كَبَاكُورَةٍ عَلَى تِينَةٍ فِي أَوَّلِهَا» (هوشع ٩: ١٠).
- الثاني: الصيفي وهو ينضج تمام النضج في آب وأيلول ويُجفف أكثره ويُذخر للشتاء.
- الثالث: الشتوي ويبقى على الأشجار إلى فصل الشتاء وقد يبقى عليها إلى الربيع وبعض صنوفه لا تنضج إلا في أواخر الخريف وأوائل الشتاء.
وكان الأقدمون ومن بعدهم يذخرون التين المجفّف طعاماً للشتاء كالمحدثين (١أيام ١٢: ٤٠) فإن أبيجايل لاقت داود بمئتي قرص من التين (١صموئيل ٢٥: ١٨). وكانوا يعالجون به بعض الأمراض (انظر ٢ملوك ٢٠: ٧).
١١ «فَقَالَتْ لَهَا ٱلتِّينَةُ: أَأَتْرُكُ حَلاَوَتِي وَثَمَرِي ٱلطَّيِّبَ وَأَذْهَبُ لأَمْلِكَ عَلَى ٱلأَشْجَارِ؟».
أَأَتْرُكُ حَلاَوَتِي وَثَمَرِي ٱلطَّيِّبَ إن الملك يشغل عن الحلاوة والثمر الطيب أي عن إبهاج الناس وتقديم ما هو طيّب من أسباب المعاش لهم.
١٢ «فَقَالَتِ ٱلأَشْجَارُ لِلْكَرْمَةِ: تَعَالَيْ أَنْتِ وَٱمْلِكِي عَلَيْنَا».
فَقَالَتِ ٱلأَشْجَارُ لِلْكَرْمَةِ أي لشجرة العنب ومن الغريب جعل الكرمة ثالثة مع أن حقها أن تكون الأولى فإن جمال العنب ولذته ومنافعه كثيرة كما يعلم الكبار والصغار وكانوا يكنون عن أزمنة الضيق بسوء حاله (إشعياء ٧: ٢٣ و٢٤: ٧). وعن أزمنة الرحب بحسن حاله (زكريا ٨: ١٢). ولعله ذكر الكرمة ثالثة لأنها لا ترتفع بنفسها كالزيتون والتين بل تمتد على الأرض ما لم يُبن لها عريش أو يُنصب لها مسماك. وفي الكتاب أن نوحاً غرس كرمة ولم يذكر أن أحداً قبله غرسها. وكان الكرم من أكرم أملاك العبرانيين. وموطنه الأصلي جبال أسيا الصغرى لكن سورية وفلسطين اشتهرتا بأحسن صنوفه.
١٣ «فَقَالَتْ لَهَا ٱلْكَرْمَةُ: أَأَتْرُكُ مِسْطَارِي ٱلَّذِي يُفَرِّحُ ٱللّٰهَ وَٱلنَّاسَ وَأَذْهَبُ لأَمْلِكَ عَلَى ٱلأَشْجَارِ؟».
مزمور ١٠٤: ١٥
أَأَتْرُكُ مِسْطَارِي المسطار هنا في الأصل العبراني «تيروش» ترجمها بعضهم بالخمر وقال بعضهم إنها قد تعني العنقود. ومعنى المسطار هنا الخمرة الحديثة ولعلها ما يُعرف اليوم عند العامة بالجلاب وهو ماء الزبيب وقد أخذ في الاختمار لا الخمرة الصارعة لشاربها. واسم الخمرة المسكرة في العبرانية «يين» لا «تيروش» (انظر في الأصل العبراني تكوين ٩: ٢١ وعدد ٦: ٣).
يُفَرِّحُ ٱللّٰهَ يفرّح المسطار الله بتقديمه له والمراد بتفريحه تعالى إرضاؤه بتقديم المسطار له مع الذبيحة اليومية (خروج ٢٩: ٣٨ – ٤٠ ومزمور ١٠٤: ١٥). على أنه لا غلو لأن تفريحه تعالى كناية عن إرضائه أو استعارة له ومثله كثير في الكتاب واللغات السامية كنسبة الندم إليه تعالى والغضب والغيظ والحزن والنسيان والمراد بها لوازم معانيها أو ما شُبه بها (خروج ٣٢: ١٤ ومزمور ٧٨: ٢١).
وَٱلنَّاسَ (انظر مزمور ١٠٤: ١٥).
١٤ «ثُمَّ قَالَتْ جَمِيعُ ٱلأَشْجَارِ لِلْعَوْسَجِ: تَعَالَ أَنْتَ وَٱمْلِكْ عَلَيْنَا».
لِلْعَوْسَجِ وهو في الأصل العبراني «اطد» والأطد في العربية عيدان العوسج. والعوسج على ما في محيط المحيط شجر يقارب الرمان في الارتفاع والتفريغ لكن له ورق حديد وشوك وعليه رطوبة تدبق وثمره كالحمص إلى طول ويكون غالباً في السباخ ويقيم زماناً طويلاً. فانظر أين هذا من الزيتون والتين والكرم وماذا يترك العوسج من النافعات إذا صار ملكاً على الأشجار أشوكه أو دبقه أم سباخه. إن أشوق الحيوان إلى الرفعة الدنيء.
١٥ «فَقَالَ ٱلْعَوْسَجُ لِلأَشْجَارِ: إِنْ كُنْتُمْ بِٱلْحَقِّ تَمْسَحُونَنِي عَلَيْكُمْ مَلِكاً فَتَعَالُوا وَٱحْتَمُوا تَحْتَ ظِلِّي. وَإِلاَّ فَتَخْرُجَ نَارٌ مِنَ ٱلْعَوْسَجِ وَتَأْكُلَ أَرْزَ لُبْنَانَ!».
إشعياء ٣٠: ٢ ودانيال ٤: ١٢ وهوشع ١٤: ٧ عدد ٢١: ٢٨ وع ٢٠ وحزقيال ١٩: ١٤ و٢ملوك ١٤: ٩ ومزمور ١٠٤: ١٦ وإشعياء ٢: ١٣ و٣٧: ٢٤ وحزقيال ٣١: ٣
إِنْ كُنْتُمْ بِٱلْحَقِّ تَمْسَحُونَنِي عَلَيْكُمْ مَلِكاً خوطبت الأشجار هنا بضمير العقلاء لأنها جُعلت في منزلة العقلاء في طلب ملك عليها. وقال العوسج هذا لشكه في أن الأشجار تختاره ملكاً مع ما هو عليه من القبح والدناءة.
فَتَعَالُوا وَٱحْتَمُوا تَحْتَ ظِلِّي إن الشوك والورق الحاد ظله كالعدم فقال يوثام هذا على سبيل الهزء والتهكم.
وَإِلاَّ فَتَخْرُجَ نَارٌ مِنَ ٱلْعَوْسَجِ الخ ما اكتفى العوسج بالطمع بالملك إذ عُرض عليهم والرغبة في أن يصير ملكاً فتهدد الأشجار بدلاً من الشكر لها على هذه الدعوة وهذا شأن الأدنياء اللؤماء. وما أحسن قول المتنبي هنا:
والمراد أن للعوسج شوكاً تنتشر فيه النار سريعاً والناس يأخذونه وقوداً لسرعة اشتعاله وإذا اشتعل العوسج امتدت ناره وأحرقت ما جاوره من الأشجار إلى أن يحرق أدغالاً وآجاماً كثيرة وأرز لبنان العظيم. وهذا نهاية تمثيل يوثام. ومعظم المقصود منه ثلاثة أمور:
- إن الضعيف الدنيء الذي ليس بأهل للملك يرغب فيه كل الرغبة وإن الحكيم القوي الفاضل الذي هو أهلٌ له يأباه.
- إن إكرام اللئيم يزيده لؤماً وتمرداً.
- إن من ملَّك من ليس أهلاً للملك أضرّ بنفسه وبسائر الرعيّة.
١٦ «فَٱلآنَ إِنْ كُنْتُمْ قَدْ عَمِلْتُمْ بِٱلْحَقِّ وَٱلصِّحَّةِ إِذْ جَعَلْتُمْ أَبِيمَالِكَ مَلِكاً، وَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ خَيْراً مَعَ يَرُبَّعْلَ وَمَعَ بَيْتِهِ. وَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ لَهُ حَسَبَ عَمَلِ يَدَيْهِ».
ص ٨: ٣٥
فَٱلآنَ أخذ هنا يبيّن ما ضرب مثله فيه أو في تفسير ما ذكره من التمثيل. وهذا البيان من هذه الآية إلى الآية العشرين كالنتيجة وما قبلها كالمقدمات.
إِنْ كُنْتُمْ قَدْ عَمِلْتُمْ بِٱلْحَقِّ وَٱلصِّحَّةِ أي إن كنتم أنصفتم وأصبتم. وهذا بيان لقول العوسج «إِنْ كُنْتُمْ بِٱلْحَقِّ تَمْسَحُونَنِي عَلَيْكُمْ مَلِكاً» (ع ١٥) ليبيّن أن أبيمالك هو المراد بالعوسج. وفيه ما فيه من شدة التوبيخ والتهكُّم.
وَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ خَيْراً مَعَ يَرُبَّعْلَ هذا من أشدّ التوبيخ والتهكم وبيان الكفر بالنعمة. واختار يوثام الاسم «يربّعل» على الاسم «جدعون» إشارة إلى ما فعله جدعون في طاعة الله من هدم مذبح البعل ليُظهر جهلهم وكفرهم ووهن البعل إلههم الباطل.
وَمَعَ بَيْتِهِ توبيخ شديد على مجاراتهم لبيت جدعون شراً على ما فعله لهم من الخير.
وَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ لَهُ حَسَبَ عَمَلِ يَدَيْهِ معنى هذه الآية كالخامسة والثلاثين من الأصحاح الثامن أتى بها على هذه الصورة للجمع بين الحقيقة والتهكم. ونصّ تلك الآية «ولم يعملوا معروفاً مع بيت يربعل جدعون نظير كل الخير الذي عمل مع إسرائيل».
١٧ «لأَنَّ أَبِي قَدْ حَارَبَ عَنْكُمْ وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ وَأَنْقَذَكُمْ مِنْ يَدِ مِدْيَانَ».
لأَنَّ أَبِي قَدْ حَارَبَ عَنْكُمْ وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ أعلن بقوله «أبي» إنه هو أحد أولاد جدعون فعرفه من لم يكن يعرفه منهم. وأوضح أن له الحق في توبيخهم على مجازاتهم الخير بالشر. وقوله «حارب عنكم» تلميح إلى ترك من تبعوه سوى الثلاث مئة. وبقوله «خاطر بنفسه» تلميح إلى نزوله ليلاً إلى معسكر الأعداء وتصديه لمحاربة ١٣٥ ألفاً بثلاث مئة (راجع ص ٧).
وَأَنْقَذَكُمْ مِنْ يَدِ مِدْيَانَ الذين استعبدوكم سبع سنين واعتزت يدهم عليكم وألجأوكم إلى سكنى الكهوف في الجبال ونهبوا زروعكم وأتلفوا غلالكم ولم يتركوا لكم قوت الحياة ولا غنماً ولا بقراً ولا حميراً (ص ٦: ١ – ٦).
١٨ «وَأَنْتُمْ قَدْ قُمْتُمُ ٱلْيَوْمَ عَلَى بَيْتِ أَبِي وَقَتَلْتُمْ بَنِيهِ، سَبْعِينَ رَجُلاً عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ وَمَلَّكْتُمْ أَبِيمَالِكَ ٱبْنَ أَمَتِهِ عَلَى أَهْلِ شَكِيمَ لأَنَّهُ أَخُوكُمْ!».
ع ٥ و٦
وَقَتَلْتُمْ بَنِيهِ سَبْعِينَ رَجُلاً كان أبيمالك قتل إخوته (ع ٥) وحُسب فعله فعل أهل شكيم لأنهم اتفقوا معه وأعطوه مالاً. حسب يوثام نفسه من القتلى بالنظر إلى نيتهم لأنه لو لم يهرب قتلوه لأن النيّة الثابتة كالعمل. ومثل هذا كثير في اللغات الساميّة. ومثله في العربية إن أسحاق لُقّب بالذبيح وهو لم يُذبح فعلاً بل نيّة على ما في قصة التوراة (تكوين ٢٢: ٩ – ١٢). وقال أبو العلاء المشهور بالمعرّي:
فلو صحّ التناسخ كنت موسى وكان أبوك إسحاق الذبيحا
قال شارح ديوانه: اسم هذا الممدوح كان موسى واسم أبيه إسحاق. يقول اجتمع فيك وفي أبيك خصال الأنبياء فلو كان القول بالتناسخ حقاً لقلنا أنك موسى بن عمران وإن أباك إسحاق بن إبراهيم الذبيح. والصحيح أن الذبيح هو إسحاق. قال هذا لأن بعض المسلمين ذهب إلى أن إسماعيل هو الذبيح.
عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ (انظر تفسير ع ٥).
وَمَلَّكْتُمْ أَبِيمَالِكَ ٱبْنَ أَمَتِهِ قصد بذلك تحقير أم أبيمالك لأنها كانت سريّة جدعون والسريّة تكاد تكون كالأَمة.
لأَنَّهُ أَخُوكُمْ أي لمجرد أنه ابن امرأة منكم لا لكونه أهلاً للملك ولا لكونه ابن يربّعل. وفي قوله أنه أخوهم بعد قوله أنه ابن أَمة أبيه تحقير لهم أيضاً. ولا يُستغرب مثل هذا الكلام من فتىً كفروا بنعمة والده وقتلوا إخوته ولولا فراره قتلوه أيضاً.
١٩ «فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ عَمِلْتُمْ بِٱلْحَقِّ وَٱلصِّحَّةِ مَعَ يَرُبَّعْلَ وَمَعَ بَيْتِهِ فِي هٰذَا ٱلْيَوْمِ، فَٱفْرَحُوا أَنْتُمْ بِأَبِيمَالِكَ، وَلْيَفْرَحْ هُوَ أَيْضاً بِكُمْ».
إشعياء ٨: ٦ وفيلبي ٣: ٣
فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ عَمِلْتُمْ بِٱلْحَقِّ وَٱلصِّحَّةِ أي فإن كنتم قد أنصفتم وأصبتم. حمل بعضهم ذلك على ظاهره كأنه فهم منه أن إقامتهم لأبيمالك كانت إكراماً لجدعون لأنه أبوه. ولكن القرينة والتمثيل المذكور آنفاً يدل على أن مراده أنهم لم ينصفوا ولم يصيبوا بمسحه ملكاً عليهم كما لم تنصف الأشجار ولم تصب بمسحها العوسج ملكاً عليها.
فَٱفْرَحُوا أَنْتُمْ بِأَبِيمَالِكَ، وَلْيَفْرَحْ هُوَ أَيْضاً بِكُمْ هذا تهكم.
٢٠ «وَإِلاَّ فَتَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَبِيمَالِكَ وَتَأْكُلَ أَهْلَ شَكِيمَ وَسُكَّانَ ٱلْقَلْعَةِ، وَتَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَهْلِ شَكِيمَ وَمِنْ سُكَّانِ ٱلْقَلْعَةِ وَتَأْكُلَ أَبِيمَالِكَ».
ع ١٥ و٥٦ و٥٧
وَإِلاَّ أي وإن كنتم قد جرتم وأخطأتم باختياركم أبيمالك ملكاً لمجرد أنه أخوكم.
فَتَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَبِيمَالِكَ كما تخرج من العوسج.
وَتَأْكُلَ أَهْلَ شَكِيمَ كما تأكل نار العوسج أرز لنبان.
وَتَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَهْلِ شَكِيمَ… وَتَأْكُلَ أَبِيمَالِكَ إن النار التي تخرج من العوسج تحرق غيره من الأشجار ونار الأشجار تحرقه. أي إن شر أبيمالك يقع عليه كما يقع على غيره. والمراد «بالقلعة» في الآية برج شكيم (انظر تفسير ع ٦).
إن أهل شكيم أخطأوا باختيار أبيمالك وأبيمالك أخطأ بسعيه في أن يكون ملكاً فوقع العقاب على الفريقين وكان كلام يوثام كالنبوءة كما ستعرف. وهنا نهاية بيان المضروب له المثل أو المراد من التمثيل.
٢١ «ثُمَّ هَرَبَ يُوثَامُ وَفَرَّ وَذَهَبَ إِلَى بِئْرَ، وَأَقَامَ هُنَاكَ مِنْ وَجْهِ أَبِيمَالِكَ أَخِيهِ».
٢صموئيل ٢٠: ١٤
هَرَبَ يُوثَامُ… إِلَى بِئْرَ اشترك أماكن كثيرة بفلسطين في هذا الاسم. ولا شيء يدلنا أين كان هذا الموضع ولعله بثيروت في سهم بنيامين (يشوع ٩: ١٧) وتسمى اليوم البيرة وهي في شمالي أورشليم وعلى غاية عشرة أميال منها.
مِنْ وَجْهِ أَبِيمَالِكَ أَخِيهِ أي من نظره وأثار الغيظ التي على وجهه وإرادته قتله فعلاً بعد أن كان قد قتله نيّة.
فتنة جَعَل ع ٢٢ إلى ٣٣
٢٢ «فَتَرَأَّسَ أَبِيمَالِكُ عَلَى إِسْرَائِيلَ ثَلاَثَ سِنِينَ».
فَتَرَأَّسَ أَبِيمَالِكُ عَلَى إِسْرَائِيلَ أي على بعض إسرائيل لا كلهم. قال الكاتب «ترأس» ولم يقل ملك مع أنهم مسحوه ملكاً ليدل أنه لم يحصل على احترام ملك بل كان بمنزلة رئيس أو شيخ لإسرائيل. ولعل كثيرين كرهوه ومقتوه لما فعله بإخوته ولأنه ابن سريّة ولأنه لم يكن ملكاً شرعياً بل مغتصباً. والمرجّح كل الترجيح أن رئاسته لم تمتد خارج شكيم إلا قليلاً وأكثر الإسرائيليين لم يكترثوا برئاسته ولم يسلموا بأنه ملك ولا رئيس بدليل أن المجاورين لشكيم كانوا يعصونه (انظر ع ٥٠).
ثَلاَثَ سِنِينَ كانت سنو الإسرائيليين شمسية وأشهرها قمرية وكانوا متى صار الفرق من الأشهر شهراً أو يقرب من شهر زادوه على السنة فكانت ثلاثة عشر شهراً لينطبق الحساب على السنة الشمسية.
٢٣ «وَأَرْسَلَ ٱلرَّبُّ رُوحاً رَدِيئاً بَيْنَ أَبِيمَالِكَ وَأَهْلِ شَكِيمَ، فَغَدَرَ أَهْلُ شَكِيمَ بِأَبِيمَالِكَ».
١صموئيل ١٦: ١٤ و١٨: ٩ و١٠ و١ملوك ١٢: ١٥ و٢٢: ٢٢ و٢أيام ١٠: ١٥ و١٨: ١٩ الخ وإشعياء ١٩: ٢ و١٤ إشعياء ٣٣: ١
وَأَرْسَلَ ٱلرَّبُّ رُوحاً رَدِيئاً للروح معان كثيرة أصلها الهواء المتحرك كالريح وهي تُذكَّر وتؤَنث وتطلق في الكتاب المقدس على الذوات المجردة عن المحسوسات كالنفوس والملائكة وتُطلق على الأميال والأخلاق فالأرواح الرديئة الملائكة الأشرار والأخلاق أو الأميال الرديئة. قال بعض المفسرين «لا نعلم المراد بالروح هنا أذات كالشيطان هو أم معنىً كالميل أو الخلق فإن الروح الرديئة جاءت بمعنى الذات الشريرة (١صموئيل ١٦: ١٤) وجاءت بمعنى الخلق الشرير» (عدد ١٤: ٢٤), وقال مفسر آخر «المعنى إن الله سمح بتفشي روح التشويش والخيانة». وكلا المعنيين صحيح وأحدهما يستلزم الآخر لأن الشيطان يحمل من تسلط عليه على التشويش والغدر. والميل إلى كل من الأمرين يستلزم إرضاء الشيطان وإبهاجه. فالروح الشرير الذي هو الشيطان والروح الشرير الذي هو الميل إلى التشويش والغدر وُجدا بين أبيمالك وأهل شكيم.
بَيْنَ أَبِيمَالِكَ وَأَهْلِ شَكِيمَ الذي سعى في إغراء أهل شكيم بالانتصار لأبيمالك (ع ١ – ٦) سعى في إغرائهم بالغدر به. وهذا دأب الروح الرديء ينصر الإنسان على ظلم غيره فيبهجه قليلاً فتأتي العاقبة المؤلمة طبعاً لأن الظم مرتع مبتغيه وخيم فيخذله كثيراً. يُذيق المجرب عسلاً ويشبعه حنظلاً.
فَغَدَرَ أَهْلُ شَكِيمَ بِأَبِيمَالِكَ الغدر عدم الوفاء ويعرف بإخلاف الوعد أيضاً فإن أخوال أبيمالك ومن انحاز إليهم من الأفرايميين أبانوا بما أتوه له أنهم يشدون إزره فأخلفوا بذلك وخلعوا نيره. فإن الله طويل الأناة لكنه شديد العقاب فأراه ثمرة جوره وقتله لإخوته وأتمّ على الفريقين ما أبانه يوثام بتمثيله. وما أحسن قول إشعياء هنا «وَيْلٌ لَكَ أَيُّهَا ٱلْمُخْرِبُ وَأَنْتَ لَمْ تُخْرَبْ، وَأَيُّهَا ٱلنَّاهِبُ وَلَمْ يَنْهَبُوكَ. حِينَ تَنْتَهِي مِنَ ٱلتَّخْرِيبِ تُخْرَبُ، وَحِينَ تَفْرَغُ مِنَ ٱلنَّهْبِ يَنْهَبُونَكَ» (إشعياء ٣٣: ١).
٢٤ «لِيَأْتِيَ ظُلْمُ بَنِي يَرُبَّعْلَ ٱلسَّبْعِينَ وَيُجْلَبَ دَمُهُمْ عَلَى أَبِيمَالِكَ أَخِيهِمِ ٱلَّذِي قَتَلَهُمْ، وَعَلَى أَهْلِ شَكِيمَ ٱلَّذِينَ شَدَّدُوا يَدَيْهِ لِقَتْلِ إِخْوَتِهِ».
١ملوك ٢: ٢٣ وأستير ٩: ٢٥ ومزمور ٧: ١٦ ومتّى ٢٣: ٣٥ و٣٦
لِيَأْتِيَ ظُلْمُ بَنِي يَرُبَّعْلَ… عَلَى أَبِيمَالِكَ (١ملوك ٢: ٥ ومتّى ٢٣: ٣٥ و٢٧: ٢٥) الجزاء من جنس العمل. والظالم مأخوذ بظلمه. والديّان العادل لا بدّ من أن ينصف وينتقم من الظالمين ولا سيما سافكي الدماء بغير حق. واللام في قوله ليأتي متعلقة بأرسل أو بغدر فالمعنى على الوجهين صحيح.
وَعَلَى أَهْلِ شَكِيمَ ٱلَّذِينَ شَدَّدُوا يَدَيْهِ شركاء الظالم في ظلمه شركاؤه في انتقام الله منه. احترق العوسج فأحرق ما حوله واشتعل ما حوله فزاده احتراقاً.
٢٥ «فَوَضَعَ لَهُ أَهْلُ شَكِيمَ كَمِيناً عَلَى رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ، وَكَانُوا يَسْتَلِبُونَ كُلَّ مَنْ عَبَرَ بِهِمْ فِي ٱلطَّرِيقِ. فَأُخْبِرَ أَبِيمَالِكُ».
فَوَضَعَ لَهُ أَهْلُ شَكِيمَ كَمِيناً عَلَى رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ قوله «فوضع له» لا يعني ضرورة أنهم وضعوا الكمين ليقبض عليه إذا مرّ به والمراد الذي يقتضيه سياق الكلام أنهم وضعوه للإضرار به وتبيين ضعفه وإعلان عداوتهم له. ووضعوا الكمين على رؤوس الجبال ولا سيما عيبال وجرزّيم ليتمكن من رؤية كل الماريّن من أتباعه.
فَأُخْبِرَ أَبِيمَالِكُ لعل الذين أخبروه بعض الذين سُلبت أموالهم من المسافرين.
٢٦ «وَجَاءَ جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ مَعَ إِخْوَتِهِ وَعَبَرُوا إِلَى شَكِيمَ فَوَثِقَ بِهِ أَهْلُ شَكِيمَ».
جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ لم نسمع بهذا الرجل إلا هنا. وجاء ذكره فجأة لأنه لم يكن منتظراً. والظاهر أنه من الكنعانيين الذين هاجروا من شكيم كراهة أن يكونوا تحت حكم أبيمالك لكرههم إياه وخوفهم من شره لأن الذي قتل سبعين أخاً لا يركن له الذين ليسوا من عشيرته ولا من شعبه أو لأمر آخر نجهله. ومعنى اسمه كراهة فهو كاسمه ومعنى عابد عبد.
مَعَ إِخْوَتِهِ لعلهم جماعة من اللصوص وقطّاع الطرق وهو زعيمهم أو المتقدم فيهم.
وَعَبَرُوا إِلَى شَكِيمَ فالظاهر أنهم كانوا يسلبون أبناء السبيل وعبروا من رؤوس الجبال إلى شكيم أو من الشاطئ الآخر من الأردن.
فَوَثِقَ بِهِ أَهْلُ شَكِيمَ لشيء رأوه لسبق معرفتهم إياه وإنه من القواد الذين يوثق بهم في محاربتهم لأبيمالك واستضعافهم أبيمالك لعلهم أن الإسرائيليين يكرهونه وإنه لولا أهل شكيم لم يستطع أن يملك.
٢٧ «وَخَرَجُوا إِلَى ٱلْحَقْلِ وَقَطَفُوا كُرُومَهُمْ وَدَاسُوا وَصَنَعُوا تَمْجِيداً، وَدَخَلُوا بَيْتَ إِلٰهِهِمْ وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَلَعَنُوا أَبِيمَالِكَ».
لاويين ١٩: ٢٤ وإشعياء ١٦: ٩ و١٠ وإرميا ٢٥: ٣٠ تثنية ١٢: ١٧ وع ٤
قَطَفُوا كُرُومَهُمْ وَدَاسُوا أي قطفوا العنب وداسوا قمساً منه ليصنعوه خمراً.
وَصَنَعُوا تَمْجِيداً أي وتغنوا بالتسبيح لإلههم الباطل. فإن قطاف العنب ودوسه لصنع الخمر كان عندهم من أبهج الأعمال ووقته من أبهج الأوقات فكانوا يحملون الجنيّ بالهتاف ويدوسون العنب بالترنم (انظر إشعياء ١٦: ٩ و١٠ وإرميا ٢٥: ٣٠). و«التمجيد» هنا في العبرانية «هلوليم» ولم ترد في الكتاب المقدس إلا هنا وفي (لاويين ١٩: ٢٤) وتُرجمت في كتابنا «بالتمجيد» في الموضعين والمراد به إعلان الفرح بالغناء.
وَدَخَلُوا بَيْتَ إِلٰهِهِمْ بعل بريث. كان الأمم يقيمون بعض الاجتماعات الجمهورية أو الشعبية في هياكل الأصنام (انظر ص ١٦: ٢٣).
وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا في هيكل البعل وكانوا يأتون بعض الولائم في هياكل الأصنام.
وَلَعَنُوا أَبِيمَالِكَ قال الأستاذ جورج بوش «أي حملوا اسمه أنجس التعييرات والشتائم ولعلهم سألوا إلههم أن يُصدق لعناتهم ويوقعها على أبيمالك». وفي كتب اللغة العريبة «لعنه طرده وأبعده من الخير وأخزاه (أي أهانه)». وفي تعريفات الجرجاني «اللعن من الله إبعاد العبد بسخطه ومن الإنسان الدعاء بسخطه». والخلاصة أن اللعن إبعاد الله الأثيم من رحمته ودعاء الناس عليه بالإبعاد عن كل خير وهو من أفظع ضروب الشتائم. وعملهم هذا هاج شديد البغض لأبيمالك وأغراهم بقتله لأن القتل من مواليد البغض الشديد.
٢٨ «فَقَالَ جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ: مَنْ هُوَ أَبِيمَالِكُ وَمَنْ هُوَ شَكِيمُ حَتَّى نَخْدِمَهُ؟ أَمَا هُوَ ٱبْنُ يَرُبَّعْلَ، وَزَبُولُ وَكِيلُهُ؟ ٱخْدِمُوا رِجَالَ حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ. فَلِمَاذَا نَخْدِمُهُ نَحْنُ؟».
١صموئيل ٢٥: ١٠ و١ملوك ١٢: ١٦ تكوين ٣٤: ٢ و٦
مَنْ هُوَ أَبِيمَالِكُ الاستفهام هنا للاستخفاف والاستهانة لا لطلب الفهم لأنه يعرف أبيمالك. وهو كثير في اللغات الساميّة. ومنه قوله تعالى «مَنْ هٰذَا ٱلَّذِي يُظْلِمُ ٱلْقَضَاءَ بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ» (أيوب ٣٨: ٢). وقول نابال «مَنْ هُوَ دَاوُدُ وَمَنْ هُوَ ٱبْنُ يَسَّى» (١صموئيل ٢٥: ١٠). وقول بولس الرسول «مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا ٱلْإِنْسَانُ ٱلَّذِي تُجَاوِبُ ٱللّٰهَ» (رومية ٩: ٢٠).
وَمَنْ هُوَ شَكِيمُ قال بعضهم إن هذا أيضاً استفهام للاستخفاف كالاستفهام الأول. والمراد «بشكيم» هنا أبيمالك وهو ملك شكيم الحديث والمقصود هو المقابلة بين هذا الملك الحديث ابن السريّة ورجال حمور أي سلالته وهو أقدم ملوك شكيم وأشرفهم.
وقال غيرهم أن الاستفهام هنا للتعظيم كالقول في (إشعياء ٦٣: ١) «مَنْ ذَا ٱلآتِي مِنْ أَدُومَ… أَنَا ٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلْبِرِّ، ٱلْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ» أي المسيح.
حَتَّى نَخْدِمَهُ الهاء في نخدمه تعود إلى أبيمالك.
أَمَا هُوَ ٱبْنُ يَرُبَّعْلَ أي ما هو إلا ابن يربعل ومعنى يربعل «يقاتل البعل» لقبه أبوه بذلك لأنه هدم مذبح البعل (ص ٦: ٣٢) وكيف يملك ابن عدوّ البعل على عبّاده ولا ريب في أن هذه مما هاج غضب السامعين على أبيمالك أشد الهياج. وما حمل جَعَل على هذا الكلام غيرته للبعل بل طمعه في الملك على أن كلا الأمرين إثمٌ وعلّة ضربة عادلة لجَعَل وأبيمالك.
وَزَبُولُ وَكِيلُهُ أي نائبه الذي يقوم مقامه في الملك وهو رئيس المدينة (ع ٣٠) أي ما كفى أن يملكنا ابن يربعل حتى يملكنا وكيله الذي هو دونه وهذا ذلٌّ على ذلّ.
ٱخْدِمُوا رِجَالَ حَمُورَ أي سلالة حمور لأنه إن كان لا بد لنا من أن نخدم فيجب أن نختار مخدومنا ممن هم أحق بأن يُخدموا وهم أهل السيادة الأصليون سلالة الملوك الشرعيين نسل حمور لا هذا الغريب المجهول الوضيع النّسب المحتقر. وهذا أحسن تمهيد أتاه جَعَل ليختاروه ملكاً لأنه من سلالة حمور أبي شكيم.
إن الكنعانيين كانوا أقوياء وإن الأفرايميين كانوا قد ارتدوا إلى عبادة الكنعانيين حتى أن أبيمالك اسم كنعاني (تكوين ٢٦: ١).
أَبِي شَكِيمَ شيكم اسم ابن حمور (تكوين ٣٤: ٢) وشكيم المدينة المعروفة اليوم بنابلس.
فَلِمَاذَا نَخْدِمُهُ نَحْنُ أي لا علة لأن نخدمه بل علل كثيرة لتركنا خدمته.
٢٩ «مَنْ يَجْعَلُ هٰذَا ٱلشَّعْبَ بِيَدِي فَأَعْزِلَ أَبِيمَالِكَ. وَقَالَ لأَبِيمَالِكَ: كَثِّرْ جُنْدَكَ وَٱخْرُجْ!»
٢صموئيل ١٥: ٤
مَنْ يَجْعَلُ هٰذَا ٱلشَّعْبَ بِيَدِي وفي بعض التراجم غير العربية «وددت لو جعل الله هذا الشعب تحت يدي» وترجمتنا على وفق لفظ الأصل العبراني والترجمة الأولى ترجمة معنوية. فكلمة الاستفهام هنا مستعملة للتمني أو الترجي أو بيان الميل فهي بمعنى أتمنى أو أرجو أو أودّ. فإن أدوات الاستفهام كثيراً ما تُستعمل في غير الاستفهام مما يناسب المقام بحسب معونة القرائن والقرينة هنا تدلّ على شدة رغبته في أن يكون ملكاً. وكلامه من باب براعة الطلب فكأنه قال لهم اجعلوني ملكاً فأعزل أبيمالك وأُخلص آل شكيم من عاره وأرد العز إلى الحويين. فما استطاع أن يكتم العلة التي حملته على إظهار أنه يريد دفع العار عن سلالة شكيم أو حمور أبي شكيم وأهل شكيم شأن كل مراء. قال الشاعر:
ثوب الرياء يشفّ عما تحته | فإذا اكتسيت به فإنك عار |
وَقَالَ لأَبِيمَالِكَ: كَثِّرْ جُنْدَكَ وَٱخْرُجْ أي اخرج إلى حومة القتال. الأمر هنا للتهديد وعدم الاعتداد بالعدو لحماسة أو كبرياء أو قوة. ولا دليل على أن أبيمالك كان حاضراً فهو تصوّره في الحضرة وخاطبه كما يحدث كثيراً من المغتاظين والراغبين في البطش أو الحرب. ويصحّ أنه قال له ذلك بواسطة أحد رسل أبيه. ومعنى قوله «كثّر جندك واخرج» إنه لا يكترث لكثرة جيوشه وإنه سيقتلهم ولو كانوا عدد الحصى. قال هذا ليبين للسامعين شجاعته وشدة بأسه ترغيباً لهم في أن يختاروه ملكاً.
٣٠ «وَلَمَّا سَمِعَ زَبُولُ رَئِيسُ ٱلْمَدِينَةِ كَلاَمَ جَعَلَ بْنِ عَابِدٍ حَمِيَ غَضَبُهُ».
وَلَمَّا سَمِعَ زَبُولُ رَئِيسُ ٱلْمَدِينَةِ رئيس هنا في الأصل العبراني «سر» فتدلّ اللفظة على أنه كان قائد العسكر فإذاً كان رئيس المدينة باعتبار العسكرية أو هو رئيس عساكر المدينة.
حَمِيَ غَضَبُهُ لأن جعلاً أهان مولاه أبيمالك واستهان بالجيش الذي هو قائده.
٣١ «وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى أَبِيمَالِكَ فِي تُرْمَةَ يَقُولُ: هُوَذَا جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ وَإِخْوَتُهُ قَدْ أَتَوْا إِلَى شَكِيمَ، وَهَا هُمْ يُهَيِّجُونَ ٱلْمَدِينَةَ ضِدَّكَ».
فِي تُرْمَةَ تحتمل الكلمة العبرانية معاني (١) إنها المكان الذي كان يسكنه أبيمالك على مقتضى لفظها هنا. (٢) المكر وهو إخباره أبيمالك من دون أن يعلم أحد للبطش بجَعَل فجأة. (٣) السر وهو هنا إرساله الرسل إلى أبيمالك خفية عن الجميع وهذا الذي اختارته السبعينية وعلى كونها اسم مكان تكون اسماً ثانياً لمسكن أبيمالك وهو أرومة (ع ٤١) وهي قرية قرب شكيم.
وَهَا هُمْ يُهَيِّجُونَ ٱلْمَدِينَةَ ضِدَّكَ يريد أنهم يغرّون أهل شكيم بالخروج عليه والعداوة له وإنه أخبره في الحال ليتدبر الأمر ويدفع الفتنة سريعاً.
٣٢، ٣٣ «٣٢ فَٱلآنَ قُمْ لَيْلاً أَنْتَ وَٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي مَعَكَ وَٱكْمِنْ فِي ٱلْحَقْلِ. ٣٣ وَيَكُونُ فِي ٱلصَّبَاحِ عِنْدَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ أَنَّكَ تُبَكِّرُ وَتَقْتَحِمُ ٱلْمَدِينَةَ. وَهَا هُوَ وَٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي مَعَهُ يَخْرُجُونَ إِلَيْكَ فَتَفْعَلُ بِهِ حَسْبَمَا تَجِدُهُ يَدُكَ».
١صموئيل ١٠: ٧ و٢٥: ٨ وجامعة ٩: ١٠
قُمْ لَيْلاً لكي لا يعلم أحد.
وَٱكْمِنْ فِي ٱلْحَقْلِ تظاهر زبول بأنه صديق لجَعَل وأهل شكيم لأنه لم يقدر أن يقاومهم وكانت مشورته لأبيمالك أن لا يحاول أن يدخل المدينة خفية من أنه لا يقوى عليها بل أن يمكن في الحقل حول المدينة حتى يخرج أهل شكيم لمحاربته فيقوى عليهم لكون موقع القتال في الخارج وليس في المدينة.
انكسار جَعَل ع ٣٤ إلى ٤٥
٣٤ «فَقَامَ أَبِيمَالِكُ وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي مَعَهُ لَيْلاً وَكَمَنُوا لِشَكِيمَ أَرْبَعَ فِرَقٍ».
فَقَامَ أَبِيمَالِكُ أي شرع في العمل المقصود.
كَمَنُوا لِشَكِيمَ أي لأهل شكيم ولعلهم كمنوا في بعض الجبال المجاورة لها (ع ٣٦).
أَرْبَعَ فِرَقٍ لكي يرى أهل شكيم عند البروز الواحدة على أثر الأخرى فيزيد خوفهم على التوالي.
٣٥ «فَخَرَجَ جَعَلُ بْنُ عَابِدٍ وَوَقَفَ فِي مَدْخَلِ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ. فَقَامَ أَبِيمَالِكُ وَٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي مَعَهُ مِنَ ٱلْمَكْمَنِ».
وَوَقَفَ فِي مَدْخَلِ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ كان مدخل المدينة مجلس الملوك والقضاة والكبراء والشيوخ (يشوع ٢٠: ٤) ولكن جَعَل وقف هناك للمراقبة والاستعداد للدفاع إذا حصل شيء من الخارج.
فَقَامَ أَبِيمَالِكُ الخ فشرع في إتمام العمل المقصود الذي تدبّره.
٣٦ «وَرَأَى جَعَلُ ٱلشَّعْبَ فَقَالَ لِزَبُولَ: هُوَذَا شَعْبٌ نَازِلٌ عَنْ رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ. فَقَالَ لَهُ زَبُولُ: إِنَّكَ تَرَى ظِلَّ ٱلْجِبَالِ كَأَنَّهُ أُنَاسٌ».
وَرَأَى جَعَلُ ٱلشَّعْبَ أي بعض جنود أبيمالك الذين كانوا كامنين.
فَقَالَ لِزَبُولَ كان جَعَل على ما سبق عدوا لزبول (ع ٢٨) وأما زبول فكان كثير المكر والخداع ولعله تظاهر أنه من حزب جَعَل ليطّلع على كل أسراره ويعلنها لأبيمالك. وكثيرون من القدماء أجازوا الكذب والخداع في الحرب.
هُوَذَا شَعْبٌ نَازِلٌ عَنْ رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ أي جنود كثيرة تنصب علينا كالسيل ولعلهم كانوا كامنين في تلك الفتن. وهذه إحدى الفرق الكامنة.
فَقَالَ لَهُ زَبُولُ: إِنَّكَ تَرَى ظِلَّ ٱلْجِبَالِ كَأَنَّهُ أُنَاسٌ هذا خداع من زبول ليعيقه عن الاستعداد ما أمكن ويغلق أبواب المدينة. ولعل جعل صدّق إن ما رآه ظلال الجبال لأن الظلال تنتقل بانتقال الشمس الظاهر. ولا يبعد أن يكون من أغراض زبول بهذا القول زيادة على الخداع الإيماء إلى جهل جَعَل والتعريض بجبنه وخوفه حتى صار يتخيل الظلال رجالاً على حد قول الشاعر:
وضاقت الأرض حتى صار هاربهم | إذا رآى غير شيء ظنه رجلاً |
٣٧ «فَعَادَ جَعَلُ وَقَالَ أَيْضاً: هُوَذَا شَعْبٌ نَازِلٌ مِنْ عِنْدِ أَعَالِي ٱلأَرْضِ، وَفِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ آتِيَةٌ عَنْ طَرِيقِ بَلُّوطَةِ ٱلْعَائِفِينَ».
تثنية ١٨: ١٠ و١٤
هُوَذَا شَعْبٌ نَازِلٌ هذا الشعب هو فرقة أخرى من الفرق الأربع التي كمنت.
مِنْ عِنْدِ أَعَالِي ٱلأَرْضِ أي الأرض المشاهدة أمامهم وأعاليها جبالها. وتُرجمت بسرّة الأرض ووسط الأرض والمرجّح ما في المتن.
وَفِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ عرف جَعَل هنا أن هنالك جيشاً قُسم إلى فرَق.
عَنْ طَرِيقِ بَلُّوطَةِ ٱلْعَائِفِينَ العائف المتكهن بالطير أو غيرها. والظاهر بأن هذه البلوطة اشتهرت بأن العائفين كانوا يقعدون تحتها فيقصدهم الناس وكل من الرقوة والعيافة من خرافات العصور المظلمة. وظنّ بعضهم أن البلوطة هنا هي الشجرة القديمة التي دفن يعقوب تحتها ما أخذه من أهل بيته من الآلهة الغريبة. ولكن تلك الشجرة كانت بطمة لا بلوطة (تكوين ٣٥: ٤).
٣٨ «فَقَالَ لَهُ زَبُولُ: أَيْنَ ٱلآنَ فَمُكَ ٱلَّذِي قُلْتَ بِهِ: مَنْ هُوَ أَبِيمَالِكُ حَتَّى نَخْدِمَهُ؟ أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي رَذَلْتَهُ. فَٱخْرُجِ ٱلآنَ وَحَارِبْهُ».
ع ٢٨ و٢٩
فَقَالَ لَهُ زَبُولُ وقد خلع برقع الرياء والمكر.
أَيْنَ ٱلآنَ فَمُكَ هذا كلام إهانة وتوبيخ كأنه أراد أن قوتك يا جَعَل لم تكن إلا فاك فهل يمنعك فمك من قوة أبيمالك. ولم يحسر زبول على ذلك إلا حين رأى جيش أبيمالك قد اقترب ولم يبق لجعل إلا أن يهرب أو أن يقدم على الحرب ولعله حسب كلام زبول تحميساً له فإن جَعَل على ما يظهر لم يكن من أرباب الحكمة والنباهة.
ٱلَّذِي قُلْتَ بِهِ: مَنْ هُوَ أَبِيمَالِكُ حَتَّى نَخْدِمَهُ فها أبيمالك أمامك فاثبت قولك بفعلك.
أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي رَذَلْتَهُ فعلام خنته. ولا ريب في أن زبول كان مع الانتقام منه بهذا الكلام يريد أن يهيجه على الحرب لكي تتم النقمة ويقع عليه الذل ويرذله الذين افتخر أمامهم بقوته وربما رأى زبول أن جَعَل سيُقتل في هذه الواقعة وإلا فيعرف أن زبول لا يُستخف به كما سبق من قول جَعَل (ع ٢٨).
فَٱخْرُجِ ٱلآنَ وَحَارِبْهُ إن كنت البطل كما ادّعيت وكان من تراهم ليسوا شيئاً عندك.
٣٩ «فَخَرَجَ جَعَلُ أَمَامَ أَهْلِ شَكِيمَ وَحَارَبَ أَبِيمَالِك».
فَخَرَجَ جَعَلُ أَمَامَ أَهْلِ شَكِيمَ رأى بعضهم معنى العبارة أنه خرج على مرأى أهل شكيم هو ورجاله. ورأى آخر أنه خرج قائداً لأهل شكيم. وعلى القولين إنه تهوَّر تهوُّر الجهلاء المتكبرين والرأي الأول هو المرجّح.
٤٠ «فَهَزَمَهُ أَبِيمَالِكُ، فَهَرَبَ مِنْ قُدَّامِهِ وَسَقَطَ قَتْلَى كَثِيرُونَ حَتَّى عِنْدَ مَدْخَلِ ٱلْبَابِ».
فَهَزَمَهُ أَبِيمَالِكُ، فَهَرَبَ مِنْ قُدَّامِهِ فعرف حينئذ «من هو أبيمالك» وما أغنت عنه كبرياؤه.
وَسَقَطَ قَتْلَى كَثِيرُونَ من جنود جَعَل.
حَتَّى عِنْدَ مَدْخَلِ ٱلْبَابِ أي من المكان الذي التظت فيه الحرب إلى باب مدينة شكيم فغطت جثث القتلى الطريق. وهنا كلام محذوف للاختصار ولدلالة المقام عليه وهو أن جَعَل ومن بقي معه لجأوا إلى المدينة وأغلقوا الباب فرجع أبيمالك وجنوده عنهم.
٤١ «فَأَقَامَ أَبِيمَالِكُ فِي أَرُومَةَ. وَطَرَدَ زَبُولُ جَعَلاً وَإِخْوَتَهُ عَنِ ٱلْإِقَامَةِ فِي شَكِيمَ».
فَأَقَامَ أَبِيمَالِكُ فِي أَرُومَةَ رجع هو وجيشه إليها لينظر في إتمام الانتصار واستئصال ما ينزع الملك منه وبات في أرومة ليلة فقط فرجع إلى محاربة شكيم في الغد (ع ٤٢). أما أرومة فموقعها مجهول والظاهر أنها قريبة من شكيم.
وَطَرَدَ زَبُولُ جَعَلاً وَإِخْوَتَهُ عَنِ ٱلْإِقَامَةِ فِي شَكِيمَ وكان ذلك بذات النهار لأننا نقرأ في (ع ٤٢) إنه في الغد خرج الشعب إلى الحقل فقام عليهم أبيمالك وضربهم ضربة نهائية. قال أحد المفسرين ليس المعنى هنا أن زبول حارب جَعَلاً وغلبه فهزمه من شكيم إذ لو كان قادراً على ذلك بمن معه من الرجال لما تركه يدخل شكيم بمن بقي معه من جنوده إنما حمل أهل شكيم على طرده بالحيلة والوشاية. واستند بذلك على ما قرره يوسيفوس وهو أن زبول شكاه إلى أهل شكيم بالجبن والجهل وإنه لم يحسن أن يقود الجيش وإنه لولا ذلك لانتصر الشكيميون فجبنه وجهله أوجبا انكسارهم وجلبا العار عليهم فقاموا عليه وطردوه. وعلى هذا يكون إسناد الطرد إلى زبول من إسناد الفعل إلى السبب. ونظن أن كثيرين من الشكيميين لم يكونوا ذوي ثقة بجعل. فخدع زبول أنصار جعل والجند المكسور أسرع الناس إلى التصديق بتهمة القائد ليدفع العار عن نفسه. وبهذا صار كل أهل شكيم عليه. وخدع زبول أهل شكيم أيضاً لأنه كان بالحقيقة من أتباع أبيمالك الذي أخذ المدينة وقتل الشعب الذي بها (ع ٤٥). وقال مفسر آخر أن من بقي مع جعل من الجيش شرذمة قليلة قدر زبول مع رجاله على طردهم.
٤٢ «وَكَانَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ ٱلشَّعْبَ خَرَجَ إِلَى ٱلْحَقْلِ وَأَخْبَرُوا أَبِيمَالِك».
وَكَانَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ ٱلشَّعْبَ خَرَجَ إِلَى ٱلْحَقْلِ ولعلهم كانوا مضطرين إلى جمع الغلال وغير ذلك من أمور الزراعة ذات الشأن وقد اطمأنوا برجوع أبيمالك وجنوده عن مدينتهم. ولعل زبول خدعهم بأن أبيمالك غايته قتل جَعَل وإخوته ونحن قد طردناه فهذا يرضيه ويمكنه من ضرب المطرود وأتباعه. ويجب مع ذلك أن نذكر أن الكاتب غايته الاختصار وبيان الواقع دون علله في كثير من المواضع. واللام في «الحقل» للجنس فيُراد به الحقول في وادي شكيم.
وَأَخْبَرُوا أَبِيمَالِكَ أي وأُخبر أبيمالك بخروجهم إلى الحقول. والإتيان بالفعل المعلوم مسند إلى ضمير لا يعلم مرجعه إذا كان الفاعل مجهولاً من مصطلحات اللغة العبرانية. والذي نراه أن المخبرين له جماعة أرسلهم زبول إلى أبيمالك وقد سبق إلى مثل ذلك (انظر ع ٣٠ – ٣٣). إن زبول معدن المكر والحيل.
٤٣ «فَأَخَذَ ٱلْقَوْمَ وَقَسَمَهُمْ إِلَى ثَلاَثِ فِرَقٍ، وَكَمَنَ فِي ٱلْحَقْلِ وَنَظَرَ وَإِذَا ٱلشَّعْبُ يَخْرُجُ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ وَضَرَبَهُمْ».
فَأَخَذَ ٱلْقَوْمَ وَقَسَمَهُمْ إِلَى ثَلاَثِ فِرَقٍ (ع ٣٤ و٧: ١٦) والحكمة في القسمة أن تتكفل كل فرقة بدفع الأعداء إلى جهة من الجهات.
وَكَمَنَ فِي ٱلْحَقْلِ أُخبر أبيمالك بأنهم خارجون فكمن لهم في الحقل قبل أن يصلوا إليه أو وهم يخرجون وقد رآهم من خلال ما كمن وراءه.
فَقَامَ عَلَيْهِمْ فشرع في قتالهم وهم عزل أي لا سلاح معهم إذ خرجوا لأمور زراعية لا للحرب.
وَضَرَبَهُمْ بالسيوف ضرب أناساً فلاحين عزلاً لا جنود حرب بلا أدنى شفقة. ولا عجب لأن من ذبح سبعين رجلاً بلا رحمة لا يرحم جماعة من الأعداء. فقد خرجت نار من العوسج وأحرقتهم (ع ١٥).
٤٤ «وَأَبِيمَالِكُ وَٱلْفِرْقَةُ ٱلَّتِي مَعَهُ ٱقْتَحَمُوا وَوَقَفُوا فِي مَدْخَلِ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ. وَأَمَّا ٱلْفِرْقَتَانِ فَهَجَمَتَا عَلَى كُلِّ مَنْ فِي ٱلْحَقْلِ وَضَرَبَتَاهُ».
وَأَبِيمَالِكُ وَٱلْفِرْقَةُ ٱلَّتِي مَعَهُ ٱقْتَحَمُوا وَوَقَفُوا فِي مَدْخَلِ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ فلم يبق لأهل شكيم أن يلجأوا إلى المدينة وتمكنت هذه الفرقة من حصرهم بين الفرقتين الأُخريين. ومعنى الاقتحام هنا الهجوم بعنف.
وَأَمَّا ٱلْفِرْقَتَانِ الأخريان من الفرق الثلاث (ع ٤٣).
عَلَى كُلِّ مَنْ فِي ٱلْحَقْلِ لم تعفوا عن أحد وكلهم بلا سلاح.
٤٥ «وَحَارَبَ أَبِيمَالِكُ ٱلْمَدِينَةَ كُلَّ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، وَأَخَذَ ٱلْمَدِينَةَ وَقَتَلَ ٱلشَّعْبَ ٱلَّذِي بِهَا، وَهَدَمَ ٱلْمَدِينَةَ وَزَرَعَهَا مِلْحاً».
ع ٢٠ تثنية ٢٩: ٢٣ و١ملوك ١٢: ٢٥ و٢ملوك ٣: ٢٥
حَارَبَ أَبِيمَالِكُ ٱلْمَدِينَةَ كُلَّ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ هذا يدل على أن الذين خرجوا إلى الحقل كانوا قسماً من أهل شكيم وربما كانوا قسماً صغيراً بالنسبة إلى الباقين وهم الفلاحون وإلا لما احتاج أبيمالك أن يشغل اليوم كله بمحاربة المدينة.
وَهَدَمَ ٱلْمَدِينَةَ وَزَرَعَهَا مِلْحاً (تثنية ٢٩: ٢٣). والأرض المزروعة ملحاً تصير خربة أو فلاة لا نبات فيها. وليس المراد هنا أن أبيمالك زرع أرض شكيم كلها ملحاً أو أن مقدار الملح كان يكفي لجلعها خربة وغير مثمرة إلى الأبد بل المقصود بزرعها ملحاً التعبير عن إرادة أبيمالك أن المدينة تبقى خربة وتظل أرضها غير مثمرة إلى الأبد. (قابل يشوع ٦: ٢٦) فإن لعنة يشوع لأريحا صدقت (١ملوك ١٦: ٣٤) وأما لعنة أبيمالك فلم تصدق بل قامت شكيم بعد خرابها فكانت مدينة معتبرة في زمان الملوك (١ملوك ١٢: ١ و٢٥). وفي بعض ما يتداوله العامة اليوم في الأساطير أن أحد المتحاربين قال للآخر لأفلح مدينتك بالسكة والفدان وأزرعها ملحاً كناية عن هدمها وتركها بلا ساكن ولا فائدة لأحد من أرضها. ووقع مثل هذه العبارة في بعض التواريخ غير العربية.
آخر حروب أبيمالك وموته ع ٤٦ إلى ٥٧
٤٦ «وَسَمِعَ كُلُّ أَهْلِ بُرْجِ شَكِيمَ فَدَخَلُوا إِلَى صَرْحِ بَيْتِ إِيلِ بَرِيثَ».
ص ٨: ٣٣ وع ٤
أَهْلِ بُرْجِ شَكِيمَ أي حرس القلعة أو بيت ملو (انظر ع ٦ والتفسير).
فَدَخَلُوا إِلَى صَرْحِ أي إلى البناء العالي وكان حصناً حصيناً وأُضيف إلى «بيت إيل بريث» لأنه في ذلك البيت والظاهر أن هذا الصرخ أو الحصن كان يلجأ إليه الهاربون وذلك البيت هو هيكل البعل ومعنى البعل الرب وسُمي في ما سبق «بعل بريث» وهنا «إله بريث» فإن الكاتب هنا كتب معنى اسمه لا اسمه العلم. ومعنى برث العهود فيكون معنى بعل بريث إله العهود (انظر تفسير ص ٨: ٣٣ وص ٩: ٤).
٤٧ «فَأُخْبِرَ أَبِيمَالِكُ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ بُرْجِ شَكِيمَ قَدِ ٱجْتَمَعُوا».
فَأُخْبِرَ أَبِيمَالِكُ (انظر ع ٣٠ و٣١ و٤٢).
٤٨ «فَصَعِدَ أَبِيمَالِكُ إِلَى جَبَلِ صَلْمُونَ هُوَ وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي مَعَهُ. وَأَخَذَ أَبِيمَالِكُ ٱلْفُؤُوسَ بِيَدِهِ، وَقَطَعَ غُصْنَ شَجَرٍ وَرَفَعَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَقَالَ لِلشَّعْبِ ٱلَّذِي مَعَهُ: مَا رَأَيْتُمُونِي أَفْعَلُهُ فَأَسْرِعُوا ٱفْعَلُوا مِثْلِي».
مزمور ٦٨: ١٤
جَبَلِ صَلْمُونَ قال أحد المفسرين المظنون أنه ما يُعرف اليوم بجبل سليمان وهو جزء من جبل جرزيم من القسم الجنوبي منه. ولا ريب في قربه من أبيمالك لأنه أخذ الحطب منه هو ورجاله على أكتفاهم ومشوا إلى ذلك الصرح. وفي قاموس الكتاب إنه «جبل يقرب شكيم… ويُسمى جبل عيبال والآن جبل السلامية وربما كان هذا الاسم مشتقاً من صلمون». ومعنى «صلمون» ظليل وفي قاموس الكتاب «ذو ظل». والظاهر أنه سُمي صلمون لكثرة أشجاره المظللة.
وَأَخَذَ أَبِيمَالِكُ ٱلْفُؤُوسَ أي أخذ فأساً لنفسه والبقية لجنده فأخذ كل منهم فأساً. وكانوا كثيراً ما يحملون الفؤوس في الحروب لأنها كانت من أسلحتهم وما يحتاجون إليه كثيراً (إرميا ٤٦: ٢٢).
بِيَدِهِ أي أخذ بعضها بيده وحمل آخرون البقية ووزعوها لأن يده لا تقدر تحمل كل تلك الفؤوس لكن يده كانت القائد أيدي الباقين إلى حمل الفؤوس فأسند الفعل إليه.
وَقَطَعَ غُصْنَ شَجَرٍ وَرَفَعَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ الخ أخذ أبيمالك هذه القاعدة العملية عن جدعون (ص ٧: ١٧) وهي من خير ما يأتيه القواد والرؤساء لإطاعة المرؤوسين لهم. وهي قاعدة مسملة مشهورة بين الحكماء. قال الشاعر.
فقد يسلك الأشرار في مقاصدهم مسلك الأبرار في غاياتهم.
٤٩ «فَقَطَعَ ٱلشَّعْبُ أَيْضاً كُلُّ وَاحِدٍ غُصْناً وَسَارُوا وَرَاءَ أَبِيمَالِكَ، وَوَضَعُوهَا عَلَى ٱلصَّرْحِ وَأَحْرَقُوا عَلَيْهِمِ ٱلصَّرْحَ بِٱلنَّارِ. فَمَاتَ أَيْضاً جَمِيعُ أَهْلِ بُرْجِ شَكِيمَ، نَحْوُ أَلْفِ رَجُلٍ وَٱمْرَأَةٍ».
وَأَحْرَقُوا عَلَيْهِمِ ٱلصَّرْحَ بِٱلنَّارِ فبرهن ذلك على أن كلام يوثام كان نبوءة (ع ٢٠) فأحرق العوسج أرز لبنان (ع ١٥).
فَمَاتَ أَيْضاً جَمِيعُ أَهْلِ بُرْجِ شَكِيمَ، نَحْوُ أَلْفِ رَجُلٍ وَٱمْرَأَةٍ هذا يحتمل أن بعضهم مات اتراقاً والآخر مات اختناقاً بالدخان. وعلى هذا جاء في الفلغاتا «فقتل بالدخان والنار» الخ.
٥٠ «ثُمَّ ذَهَبَ أَبِيمَالِكُ إِلَى تَابَاصَ وَنَزَلَ فِي تَابَاصَ وَأَخَذَهَا».
ثُمَّ ذَهَبَ أَبِيمَالِكُ إِلَى تَابَاصَ في قاموس الكتاب «تاباص… مدينة إلى الشمال الشرقي من شكيم داخلة ضمن تخوم أفرايم… وهي تبعد ١٣ ميلاً رومانياً عن نابلس على طريق بيسان و تدعى الآن توباص». وقال الدكتور فارار «هي إحدى مدن معاهدة بعل بريث أي إله العهود». وقال الأستاذ لياس «إنه لا ريب في أن سكان تاباص كانوا جزءاً من مملكة أبيمالك وخرجوا عليه في فتنة جَعَل وعصيانه».
٥١ «وَكَانَ بُرْجٌ قَوِيٌّ فِي وَسَطِ ٱلْمَدِينَةِ فَهَرَبَ إِلَيْهِ جَمِيعُ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاءِ وَكُلُّ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَأَغْلَقُوا وَرَاءَهُمْ وَصَعِدُوا إِلَى سَطْحِ ٱلْبُرْجِ».
وَكَانَ بُرْجٌ قَوِيٌّ فِي وَسَطِ ٱلْمَدِينَةِ كانت الأبراج أو القلاع كثيرة في فلسطين لكثرة الاضطرابات والفتن والحروب فيها فكان بعضها داخل المدينة وبعضها في ضواحيها فكانت آخر ما يلجأ إليه سكان المدينة والقرى عند الضيق وكانوا يضعون فيها ما يخافون عليه وما يذخرونه إلى وقت الحاجة الشديدة. ولا تزال هذه القلاع كثيرة في البلاد الباقية على الأخلاق القديمة.
سَطْحِ ٱلْبُرْجِ وراء الشرفات وهي مثلثات تُبنى حول السطح تُتخذ كالمتاريس.
٥٢ «فَجَاءَ أَبِيمَالِكُ إِلَى ٱلْبُرْجِ وَحَارَبَهُ، وَٱقْتَرَبَ إِلَى بَابِ ٱلْبُرْجِ لِيُحْرِقَهُ بِٱلنَّارِ».
وَٱقْتَرَبَ إِلَى بَابِ ٱلْبُرْجِ لِيُحْرِقَهُ هذه الشجاعة ورثها عن أبيه كما ورث الشر والقسوة عن أمه. على أن ما أتاه مجاوز حد الشجاعة من جانب الإفراط فهو تهور لا يأتيه الحكيم البصير بالعواقب (٢صموئيل ١١: ٢١). قد أتى مثل هذا التهور في إحراق الصرح ونجح وظن هنا أنه ينجح كذلك فكانت النتيجة غير ما توقّع.
٥٣ «فَطَرَحَتِ ٱمْرَأَةٌ قِطْعَةَ رَحىً عَلَى رَأْسِ أَبِيمَالِكَ فَشَجَّتْ جُمْجُمَتَهُ».
٢صموئيل ١١: ٢١
فَطَرَحَتِ ٱمْرَأَةٌ قِطْعَةَ رَحىً أي القطعة العليا من قطعتي الرحى وهي المتحركة عند الطحن.
فَشَجَّتْ أي كسرت.
جُمْجُمَتَهُ الجمجمة عظم الرأس الذي فيه الدماغ أو العظم الذي فوق الدماغ وهو المعروف بالقحف (٢صموئيل ١١: ٢١). وقد أتت النساء كثيراً مثل هذا في أزمنة الحصار كما هو مسطور في التواريخ.
٥٤ «فَدَعَا حَالاً ٱلْغُلاَمَ حَامِلَ عُدَّتِهِ وَقَالَ لَهُ: ٱخْتَرِطْ سَيْفَكَ وَٱقْتُلْنِي، لِئَلاَّ يَقُولُوا عَنِّي: قَتَلَتْهُ ٱمْرَأَةٌ. فَطَعَنَهُ ٱلْغُلاَمُ فَمَاتَ».
١صموئيل ٣١: ٤
حَامِلَ عُدَّتِهِ سلاحه أو أدواته الحربية. كان يصحب القوّاد خدم يحملون لهم السلاح (١صموئيل ٣١: ٤).
ٱخْتَرِطْ استلّ.
لِئَلاَّ يَقُولُوا عَنِّي قَتَلَتْهُ ٱمْرَأَةٌ هذا من مواليد الجهل والكبرياء والتعدي على الوصية الإلهية لأنه كالانتحار لأنه طلب أن يُقتل. وماذا يتوقع من مثل أبيمالك غير هذه الأثمار الرديئة وهو شجرة العوسج. وأي عار عليه من قتل امرأة إياه بطرحها حجر الرحى عليه خفية وهي لم تلاقه في الحرب. فإنها لو ألقت بصخرة على أسد قتلته فالعار عليه من جهله وتهوره لا من كسر الرحى جمجمته. ولعله لو أبى حامل عدته أن يقتله لقتل نفسه كما فعل شاول (١صموئيل ٣١: ٤).
٥٥ «وَلَمَّا رَأَى رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَنَّ أَبِيمَالِكَ قَدْ مَاتَ، ذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ».
لَمَّا رَأَى رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَنَّ أَبِيمَالِكَ قَدْ مَاتَ، ذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ انتهى شر الحرب بهلاك أبيمالك الشرير وأهل شكيم الأشرار. أحرقت نار العوسج الأشجار ونار الأشجار أحرقته فخمدت النار إذ نفد الوقود. إن الجزاء من جنس العمل وإن عواقب الإثم كثيرة.
٥٦، ٥٧ «٥٦ فَرَدَّ ٱللّٰهُ شَرَّ أَبِيمَالِكَ ٱلَّذِي فَعَلَهُ بِأَبِيهِ لِقَتْلِهِ إِخْوَتَهُ ٱلسَّبْعِينَ، ٥٧ وَكُلَّ شَرِّ أَهْلِ شَكِيمَ رَدَّهُ ٱللّٰهُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَأَتَتْ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ يُوثَامَ بْنِ يَرُبَّعْلَ».
ع ٢٤ وأيوب ٣١: ٣ ومزمور ٩٤: ٢٣ وأمثال ٥: ٢٢ ع ٢٠
هاتان الآيتان خلاصة قصة أبيمالك مع نتائجها وإيضاح تمثيل يوثام بن جدعون أصغر نبيه. وبيان إن الله يعاقب الواحد والجماعة على الإثم وإن لا عمل بلا جزاء وإن لا إثم بلا عقاب. وإن لذّات الأثيم من إثمه تكون آلات لإيلامه وتكثير آلامه. وإن الذي ذبح إخوته على حجر قتله حجر. وإن عبّاد الوثن أُهلكوا في هيكل وثنهم.
فَرَدَّ ٱللّٰهُ شَرَّ أَبِيمَالِكَ أي إن الله عاقبه على ما فعله بإخوته بمثل فعله فكأنه رد ما عمله إليه وأوقعه عليه.
إِخْوَتَهُ ٱلسَّبْعِينَ (انظر ع ٥ و٢٤ والتفسير).
وَكُلَّ شَرِّ أَهْلِ شَكِيمَ رَدَّهُ ٱللّٰهُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ (انظر ص ٨: ٣٣ – ٣٥ وص ٩: ٣ و٤).
وَأَتَتْ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ يُوثَامَ (ع ٢٠).
وما قيل في هذه القصة في يوثام وجعل كل ما عرفناه من أمرهما فإن يوثان بعد أن فرغ من تمثيله على الجبل هرب ولم نعلم ما كان من أمره وكذا جعل بعد انكساره وطرده من شكيم مع إخوته والمرجّح أنه أُهلك مع أهل شكيم فقصد المؤلف بيان عقاب الله للأشرار وقد أبانه بأوجز كلام وأحسن بيان.
فوائد
- يجب أن القرابة الجسدية لا تؤدي إلى المحاباة أو الاتحاد مع الأشرار (ع ١).
- إن المبادئ الأدبية والدينية عند الأشرار واسطة لنيل مقصادهم النفسية فيغيرونها عند الحاجة (قابل بهذا ع ٢ و٥).
- أنفقوا مالهم لهلاك نفوسهم (ع ٤).
- كما الشعب هكذا الملك (ع ٤).
- حب الرئاسة من صفات الأدنياء (ع ٨ – ١٥).
- عند الأفاضل الخدمة النافعة نخير من المجد العالمي (ع ١١).
- اتحاد الأشرار هو لغايات نفسية وإلى حين (ع ٢٣).
- قبل الكسر الكبرياء (ع ٢٨ و٢٩).
- لا يعلم الإنسان ماذا يلده الغد (ع ٤٢).
- الطمع والكبرياء يقودان الإنسان إلى القساوة (ع ٤٥).
- للقدوة تأثير أكثر من الكلام وذلك في الأعمال الصالحة والأعمال الشريرة أيضاً.
- يحفظ الإنسان شرفه في أمور زهيدة ويضيعه في أمور مهمة. فإن ابيمالك بعد أن قتل إخوته وخدع أتباعه وأهلك كثيرين من المساكين وترك الرب استصعب أن تقتله امرأة (ع ٥٤).
-
التدبير للرب (ع ٥٦)
السابق |
التالي |