سفر القضاة

سفر القضاة | 02 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر القضاة

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

ملاك الرب وتوبة الشعب ع ١ إلى ٥

١ «وَصَعِدَ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ مِنَ ٱلْجِلْجَالِ إِلَى بُوكِيمَ وَقَالَ: قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَقْسَمْتُ لآبَائِكُمْ، وَقُلْتُ: لاَ أَنْكُثُ عَهْدِي مَعَكُمْ إِلَى ٱلأَبَدِ».

ع ٥ تكوين ١٧: ٧

مَلاَكُ ٱلرَّبِّ اختلف المفسرون في معنى «ملاك الرب» هنا فزعم بعضهم أنه نبي لاستعمال هذه اللفظة للنبي كما في (حجي ١: ١٣) وتُرجمت هناك «برسول» ونص الآية في ترجمتنا «فقال حجي رسول الرب» وفي العبراني «ملاك يهوه» وأيّد زعمه بأن ذلك مناسب لقول الكاتب أنه «صعد من الجلجال إلى يوكيم». ورأى بعضهم أنه فينحاس الكاهن لاستعمال تلك اللفظة للكهنة أيضاً. ففي نبوءة ملاخي «لأَنَّ شَفَتَيِ ٱلْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ ٱلشَّرِيعَةَ لأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ ٱلْجُنُودِ» (ملاخي ٢: ٧) وفي الأصل العبراني «ملاك رب» الخ. وجاء في الترجوم «نبي أرسله الرب» فأيّد القول الأول. ورجّح كثيرون أنه الملاك الذي هو رئيس جند الرب أي ملاك الذي ظهر ليوشع عند أريحا وبنوا ترجيحهم على ثلاثة أمور:

  • الأول: إن الملاك ما جاء في مثل هذه العبارة إلا بالمعنى المشهور (ص ٦: ١١ و١٢ و٢١ و٢٢ و١٣: ٣ و١٣ و١٥).
  • الثاني: إنه جاء في هذه العبارة في غير هذا الموضع بالمعنى عينه (تكوين ١٦: ٧ و٢٢: ١١ وخروج ٣: ٢ و٦ و١٤ وعدد ٢٢: ٢٢).
  • الثالث: إن الملاك قال «قد أصعدتكم» فسند الإصعاد إلى نفسه ولم يقدّم على ذلك قوله «يقول الرب» كعادة الأنبياء.

ٱلْجِلْجَالِ قرية في سهل أريحا (انظر يشوع ٤: ١٩ والتفسير).

كانت الجلجال بين أريحا والأردن على تخم أريحا الشرقي. حلّ الشعب فيها ونصبوا فيها الاثني عشر حجراً التي أخذوها من الأردن. وفي الجلجال اختتنوا وعملوا الفصح. وفي الجلجال مركز عبادة. والقول هنا إن «ملاك الرب صعد من الجلجال إلى بوكيم» يشير إلى انتقال مركز العبادة من الجلجال.

بُوكِيمَ وفي الأصل العبراني «البوكيم» أي الباكين. قال الأستاذ لياس القس اللاهوتي «لم يعرف من أمر بوكيم شيء». وجاء في الترجمة السبعينية «محل البكاء» وزادت «إلى بيت إيل وبيت إسرائيل» فدلّت على أن بوكيم في جوار بيت إيل ولعل الذي حمل المترجم على هذه الزيادة زيادة البيان كون ألّون بكوت أي بلوطة البكاء قرب بيت إيل (اكوين ٣٥: ٨) وعلى تسمية المكان «بوكيم» ذُكرت في (ع ٤ و٥).

وَقَالَ: قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ لأن مصر منخفضة عن أرض الميعاد فالخروج من مصر إليها صعود.

وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَقْسَمْتُ لآبَائِكُمْ على أني أعطيكم إياها كما تدل القرينة. وهذا وما بعده لا يجوز أن يقوله مخلوق فقائله الأزلي الواجب الوجود. وقد أخرجهم من مصر بآيات ومعجزات دلت على أنه القادر على كل شيء كما هو مفصل في سفر الخروج والرب أقسم بنفسه أن يعطيهم الأرض لأن ليس في الوجود أعظم منه ولا مثله لكي يقسم به. واستعير القسَم هنا للتأكيد الشديد أي إن الله أكد لآبائهم كل التأكيد إنه يعطيهم الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً.

لاَ أَنْكُثُ أي لا أنقض. استُعير الحبل للعهد أو النقض لإبطاله كما استُعير الإبرام لإثباته (انظر تكوين ١٧: ٧ ومزمور ٨٩: ٢٨ و٣٤ ولوقا ١: ٥٤ و٥٥).

عَهْدِي العهد هنا الوعد المضمون أو التكفل بوفائه وهو أن الله يكون مع شعبه ويورثهم الأرض.

ٱلأَبَدِ أي الدهر أو مدة بقائه على الأرض ويصح أن يكون الزمان الذي لا نهاية له بمعنى أن يكون معهم على الأرض ما داموا عليها وفي السماء بلا انتهاء. ولكن يجب أن يُعلم أن كل عهود الله ومواعيده موقوفة على شرط وهو حفظ وصاياه تعالى (خروج ١٩: ٥) فإن لم يراعَ هذا الشرط كان لله أن لا يفي بوعده إن شاء. فلو آمن بنو إسرائيل الإيمان الحق مدة وجودهم وراعوا على سننه تعالى وحفظوا وصاياه ما صاروا إلى ما صاروا إليه من التشتت والذل وغير ذلك من الأرزاء على أن الباب لا يزال مفتوحاً والطريق ممهداً واضحاً للرجوع إلى ملكهم وربهم رئيس جند الرب ملاك العهد الأبدي.

٢ «وَأَنْتُمْ فَلاَ تَقْطَعُوا عَهْداً مَعَ سُكَّانِ هٰذِهِ ٱلأَرْضِ. ٱهْدِمُوا مَذَابِحَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي. فَمَاذَا عَمِلْتُمْ؟».

تثنية ٧: ٢ تثنية ١٢: ٣ ع ٢٠ ومزمور ١٠٦: ٣٤

وَأَنْتُمْ فَلاَ تَقْطَعُوا عَهْداً مَعَ سُكَّانِ هٰذِهِ ٱلأَرْضِ هذا هو شرط عهد الله لهم وهو متضمن توحيدهم لله والابتعاد عن الأوثان وحفظ كل وصاياه والعهد هنا وضع شروط السلام بينهم وبين الأمم والمخالفة وهي تستلزم أن يعترف كل من الفريقين بآلهة الآخر (انظر خروج ٢٣: ٣٢ والتفسير) ويخالط بعضهم بعضاً وهم قد أُمروا أن يستأصلوا الأعداء وأن لا يخالطوهم ما لم يؤمنوا بالإله الحق ويوحدوه ويرجعوا عن معاداتهم لشعبه.

ٱهْدِمُوا مَذَابِحَهُمْ وهي المذابح التي كان الوثنيون يقدّمون عليها الذبائح لآلهتهم الباطلة فأراد الرب هدمها لئلا تكون عثرة للإسرائيليين فتميل قلوبهم إلى عبادة الأوثان ومجاراتهم للوثنيين كما وقع فعلاً (انظر ع ١٩). وكانت هذه الذبائح تُقام غالباً في الآجام وعلى الأنجاد والتلال والجبال (تثنية ١٢: ٢ و٣) فكانت عرضة لنظر شعب الله وكان شعب الله عرضة لنجاستها وعبادتها (ع ٣).

وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي لم تطيعوني ولم تراعوا شروط العهد كإنكم لم تسمعوا ما أمرتكم به أو شرطته عليكم فتعديتموه (ع ٢٠ ومزمور ١٠٦: ٣٤).

فَمَاذَا عَمِلْتُمْ لا يُراد بهذا طلب البيان بل التنبيه على الخطإ والضلال والتوبيخ عليه فكأنه قال لهم انتبهوا لأنكم القطيع فإنكم قد أوجبتم الهلاك على أنفسكم فهو كقوله تعالى لحواء «ما هذا الذي فعلتِ» (تكوين ٣: ١٣).

٣ «فَقُلْتُ أَيْضاً: لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ بَلْ يَكُونُونَ لَكُمْ مُضَايِقِينَ، وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ لَكُمْ شَرَكاً».

عدد ٣٣: ٥٥ ويشوع ٢٣: ١٣ ص ٣: ٦ خروج ٢٣: ٣٣ و٣٤: ١٢ وتثنية ٧: ١٦ ومزمور ١٠٧: ٣٦

فَقُلْتُ أي فأقول ولكن أتى بصورة الماضي للتأكيد ومعنى «قلت» هنا رأيت أو قصدت.

أَيْضاً لفظة «أيضاً» هنا تدل على أنه قال مثل هذا القول قبلاً (عدد ٣٣: ٥٥ ويشوع ٢٣: ١٣) فكانت بمنزلة التوكيد لهم أو تكرار القول للتأكيد أي عزمت على ذلك عزماً بعد عزم. ورأى بعضهم أن لا محل للفظة «أيضاً» هنا فترجم الجملة بقوله «فأقول الآن» باء على أن اللفظة العبرانية تحتمل المعنيين.

يَكُونُونَ لَكُمْ مُضَايِقِينَ وفي الأصل العبراني «يكونون لكم في جوانبكم» أي يضغطونكم ويزحمونكم من كل جانب ومعنى هذا المضايقة. وفي الترجمة الإنكليزية «يكونون كأشواك في جوانبكم» كان المترجم رأى في العبارة حذفاً وعيّن المحذوف من وجوده في مثلها من العبارات. فجاء في سفر العدد «وَإِنْ لَمْ تَطْرُدُوا سُكَّانَ ٱلأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ يَكُونُ ٱلَّذِينَ تَسْتَبْقُونَ مِنْهُمْ أَشْوَاكاً فِي أَعْيُنِكُمْ وَمَنَاخِسَ فِي جَوَانِبِكُمْ، وَيُضَايِقُونَكُمْ عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِيهَا» (عدد ٣٣: ٥٥). وعلى هذا كان المناسب أن يُترجم العبارة بقوله «يكونون كمناخس في جوانبك». وفي سفر يشوع «إِنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ لاَ يَعُودُ يَطْرُدُ أُولَئِكَ ٱلشُّعُوبَ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَيَكُونُوا لَكُمْ فَخّاً وَشَرَكاً وَسَوْطاً عَلَى جَوَانِبِكُمْ وَشَوْكاً فِي أَعْيُنِكُمْ» (يشوع ٢٣: ١٣). ومفاد العبارات الثلاث المضايقة المؤلمة وعلى هذا جاء في كل من الترجمة الكلدانية والفلغاتا «يكونون لكم خصوماً» (أو منازعين).

وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ لَكُمْ شَرَكاً أي شَرَك شِرك فتعبدونها مع الله أو دونه تعالى (ع ١٢ و١٣) والشرك حبائل الصيد.

٤ «وَكَانَ لَمَّا تَكَلَّمَ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ ٱلشَّعْبَ رَفَعُوا صَوْتَهُمْ وَبَكَوْا».

رَفَعُوا صَوْتَهُمْ وَبَكَوْا رفع الصوت في البكاء يدل على شدة الأسف والألم وكان ذلك لما عرفوه من خسرانهم وما يتلو ذلك من أنواع الأرزاء لما ارتكبوه من المعاصي فأسفوا وبكوا على إثمهم واعترفوا به وسألوا الله المغفرة والإنقاذ وإن كان ذلك إلى حين كما ستعلم.

٥ «فَدَعَوْا ٱسْمَ ذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ «بُوكِيمَ». وَذَبَحُوا هُنَاكَ لِلرَّبِّ».

فَدَعَوْا ٱسْمَ ذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ «بُوكِيمَ» أي لذلك سموا المكان الذي بكوا فيه «بوكيم» وهو في العبرانية جمع بوكي أي باكٍ (انظر ع ١ والتفسير).

وَذَبَحُوا هُنَاكَ لِلرَّبِّ أي ذبحوا ذبائح الخطيئة لأن هذه هي التي اقتضها الحال يومئذ.

لا يستلزم تقديم ذبائح في بوكيم وجود الخيمة أو التابوت فيها فإنه يجوز تقديم ذبائح في أيّ مكان يكون الله فيه (ص ٦: ٢٠ و٢٦ و٢٨ و١٣: ١٦ و٢صموئيل ٢٤: ٢٥ وتثنية ١٢: ٥). ولكن تقديم الذبائح في بوكيم يستلزم إن الذي ظهر وتكلم هو ملاك الرب أي الرب نفسه وليس نبي أو ملاك مخلوق.

حال الإسرائيليين ويشوع قائدهم ع ٦ إلى ١٠

٦ «وَصَرَفَ يَشُوعُ ٱلشَّعْبَ، فَذَهَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ لأَجْلِ ٱمْتِلاَكِ ٱلأَرْضِ».

يشوع ٢٢: ٦ و٢٤: ٢٨

وَصَرَفَ يَشُوعُ ٱلشَّعْبَ اقتبس الكاتب قوله «وصرف الخ» لبيان حال الإسرائيليين في عصر يشوع وحالهم بعده. والمقتبس بشيء من التصرف.

والظاهر أن هذه الآيات المقتبسة هي مما كتبه كاتب سفر القضاة ذيلاً لسفر يشوع (انظر تفسر يشوع ٢٤: ٢٨ – ٣٣).

فَذَهَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ لأَجْلِ ٱمْتِلاَكِ ٱلأَرْضِ أي ذهب كل فرد من أفراد الأسباط إلى ما امتلكه سبطه لكي يستولي على ما بقي له من ميراثه في أرض كنعان لأنهم لم يستولوا على كل ميراثهم في عصر يشوع.

٧ «وَعَبَدَ ٱلشَّعْبُ ٱلرَّبَّ كُلَّ أَيَّامِ يَشُوعَ، وَكُلَّ أَيَّامِ ٱلشُّيُوخِ ٱلَّذِينَ طَالَتْ أَيَّامُهُمْ بَعْدَ يَشُوعَ ٱلَّذِينَ رَأَوْا كُلَّ عَمَلِ ٱلرَّبِّ ٱلْعَظِيمِ ٱلَّذِي عَمِلَ لإِسْرَائِيلَ».

يشوع ٢٤: ٣١

وَعَبَدَ ٱلشَّعْبُ ٱلرَّبَّ كُلَّ أَيَّامِ يَشُوعَ أي لم يشتركوا بالله ويتنجسوا بعبادة الأوثان كما فعلوا بعد موته وموت من طالت أيامهم من معاصريه.

والمظنون أن يشوع كان في نحو سن الثمانين أو الخامسة والثمانين حين الاستيلاء على أرض كنعان لأن ذلك كان سن تربه ورفيقه كالب (يشوع ١٤: ٧ – ١١) فيكون قد عاش نحو ثلاثين سنة أو خمساً وعشرين سنة بعد ذلك الاستيلاء.

وَكُلَّ أَيَّامِ ٱلشُّيُوخِ ٱلَّذِينَ طَالَتْ أَيَّامُهُمْ بَعْدَ يَشُوعَ إن كالب من أولئك الشيوخ فإذا كان الإسرائيليون عبدوا الرب ولم يتنجسوا بعبادة الأصنام كل أيام أولئك الشيوخ فيُظن إنهم لم يعبدوا البعل إلا بعد موت كالب. وقلنا يُظن لأنه لم يقل كل أيام كل الشيوخ بل كل أيام الشيوخ فتأمل.

رَأَوْا كُلَّ عَمَلِ ٱلرَّبِّ ٱلْعَظِيمِ ٱلَّذِي عَمِلَ لإِسْرَائِيلَ من العناية بهم والنصر على الأعداء وما صنعه أمام عيونهم من المعجزات كشق الأردن وإسقاط أسوار أريحا وما أشبه ذلك.

٨ «وَمَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونَ عَبْدُ ٱلرَّبِّ ٱبْنَ مِئَةٍ وَعَشَرَ سِنِينَ».

يشوع ٢٤: ٢٩

عَبْدُ ٱلرَّبِّ نُعت بهذا الأنبياء والرسل وكل خدم الرب حتى المسيح نفسه باعتبار كونه إنساناً أطاع الله كل الطاعة وخدمه أحسن الخدمة (انظر تثنية ٣٤: ٥ وعنوان مزمور ١٨ وإشعياء ٤٢: ١ و٤٣: ١٠ و٢تيموثاوس ٢: ٢٤).

وَمَاتَ يَشُوعُ… ٱبْنَ مِئَةٍ وَعَشَرَ سِنِينَ فعاش مقدار ما عاش يوسف (تكوين ٥٠: ٢٦). ومن غرائب الاتفاق إن أعمار يشوع وموسى ويعقوب على سلسلة حسابية فضلها ١٠ سنين وهي ١١٠ و١٢٠ و١٣٠.

٩ «فَدَفَنُوهُ فِي تُخُمِ مُلْكِهِ فِي تِمْنَةَ حَارَسَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، شِمَالِيَّ جَبَلِ جَاعَشَ».

يشوع ٢٤: ٣٠ يشوع ١٩: ٥٠ و٢٤: ٣٠

فَدَفَنُوهُ اعتاد الناس من أول عهد التاريخ إلى اليوم أن يذكروا مدافن الملوك والأبطال وغيرهم من المشاهير (تكوين ٢٣: ١٩ وإرميا ٢٢: ١٨). قال بعضهم ولعل ذلك الاعتداء بالمدافن كان في أول الأمر لوهن الرجاء إن النفوس خالدة وإنها ستعود إلى الأجسام في اليوم الأخير لأن تعليم القيامة لم يكن أُعلن تمام الإعلان.

تُخُمِ مُلْكِهِ (يشوع ١٩: ٤٩ و٥٠) وكان ذلك التخم جبل أفرايم فالمدفن في أرض وعرة جرداء. قال بعضهم اختيار يشوع لتلك الأرض وهو الذي قسم الأرض على إسرائيل يدل على أنه أنكر نفسه كل الإنكار.

تِمْنَةَ حَارَسَ وسُميت في سفر يشوع «تمنة سارح» بتبديل أمكنة حروف حارس (يشوع ٢٤: ٣٠). وحارس هو الاسم الأقدم غيره بعض الألسنة كما يقع اليوم بين الناس فاشتهرت المدينة بالاسمين. ومعنى «تمنة حارس» نصيب من الشمس. ومعنى «تمنة سارح» نصيب من الوفرة. وهي مدينة على جبل أفرايم. قال الربانيون سُميت «بتمنة حارس» إيماء إلى توقيف يشوع الشمس وذكرى لذلك وإنه رُسمت صورة الشمس على قبره. «وجيل أفرايم» جنوبي سهل يزرعيل وهو مرج ابن عمير وهو سلسلة هضاب في أرض أفرايم تمتد منها إلى تخوم بنيامين. واختلف العلاماء في موقعها فرأى بعضهم أنها تبنة على الطريق الرومانية بين أورشليم وأنتيباتريس وفيها آثار عدة قبور قديمة وقبر عظيم منفرد. وهي على غاية نحو ١٥ ميلاً من أورشليم وإلى شمالي الشمال الغربي منها ولم يبق سوى أطلالها. ورأى بعضهم اعتماداً على التقاليد اليهودية إنها كفر حارس وهي على غاية تسعة أميال من نابلس جنوباً. والسمرة يقولون أن يشوع بن نون وكالب مدفونان فيها فاتفق التقليدان تقليد اليهود وتقليد السمرة على أن مدفن يشوع فيها. ولعل هذا هو الصحيح فإن اليهود كانوا شديدي العناية بحفظ مدافن أنبيائهم وآبائهم وأثارهم وهم الذين حفظوا مدفن إبراهيم وبئر يعقوب وغير ذلك.

جَبَلِ جَاعَشَ أي جبل الزلزلة وهو قرب تمنة حارس ولكن لم يتعيّن أي التلال المجاورة لها هو. وذُكر في (٢صموئيل ٢٣: ٣٠ و١أيام ١١: ٣٢).

١٠ «وَكُلُّ ذٰلِكَ ٱلْجِيلِ أَيْضاً ٱنْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ، وَقَامَ بَعْدَهُمْ جِيلٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفِ ٱلرَّبَّ وَلاَ ٱلْعَمَلَ ٱلَّذِي عَمِلَ لإِسْرَائِيلَ».

خروج ٥: ٢ و١صموئيل ٢: ١٢ و١أيام ٢٨: ٩ وإرميا ٩: ٣ و٢٢: ١٦ وغلاطية ٤: ٨ و٢تسالونيكي ١: ٨ وتيطس ١: ١٦

وَكُلُّ ذٰلِكَ ٱلْجِيلِ أَيْضاً ٱنْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ أي لحقوا بأبائهم الموتى والمعنى أنهم ماتوا. وهذا كثرت أمثاله في الكتاب المقدس لأنهم كانوا يدفنون الموتى في مدافن أسلافهم أو لأنهم كانوا يذهبون إلى دار الأموات التي سبقهم إليها آباؤهم وتسمى عندهم شأول. ومن أمثال عبارة هذه الآية قوله تعالى ليوشيا «لِذٰلِكَ هَئَنَذَا أَضُمُّكَ إِلَى آبَائِكَ» (٢ملوك ٢٢: ٢٠). ومنها قوله تعالى لإبراهيم «وَأَمَّا أَنْتَ فَتَمْضِي إِلَى آبَائِكَ» (تكوين ١٥: ١٥ انظر أيضاً ١ملوك ١: ٢١ وأعمال ١٣: ٣٦). ومن أمثالها قول الكتاب في إبراهيم إنه «ٱنْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ» (تكوين ٢٥: ٨). ومنها قوله تعالى لموسى «هَا أَنْتَ تَرْقُدُ مَعَ آبَائِكَ» (تثنية ٣١: ١٦).

جِيلٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفِ ٱلرَّبَّ المراد «بالجيل» هنا أهل زمان واحد فكان الإسرائيليون بعد يشوع يتقدمون من شر إلى شر ويخرجون من ضلال إلى آخر وينسون الله (إرميا ٩: ٣).

والقول يشير (١) إلى قلة التعليم فالظاهر أن رؤساء الدين أي الكهنة واللاويون تكاسلوا في خدمتهم للشعب الدينية والتهذيبية والشعب تكاسلوا في الاستماع لشريعة الرب والوالدون تكاسلوا في تربية أولادهم. (٢) إلى عدم المعرفة القلبية الروحية. ولعلهم عرفوا الرب معرفة عقلية كما يعرف الإنسان أعمال العظماء القدماء ولكنهم لم يعرفوه كإله حي وحاضر وفاديهم يحبهم ويعتني بهم فيحبونه ويحفظون وصاياه.

معصية إسرائيل بعد موت يشوع ع ١١ إلى ٢٣

١١ «وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ وَعَبَدُوا ٱلْبَعْلِيمَ».

عدد ٢٥: ٣ و٥ ويشوع ٢٢: ١٧ وص ٨: ٣٣ و٢ملوك ١: ٢

وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ فعل الشر في الكتاب يدل على ترك الله أو الإيمان أو الارتداد عن الله وشريعته (انظر ص ٣: ٧ – ١٢ و٤: ١ و٦: ١ و١٠: ٦ و١٣: ١). فإنهم تركوا الله وعبدوا الأصنام مع شدة تحذير الله لهم منها (تثنية ٤: ١٥ – ١٩).

عَبَدُوا ٱلْبَعْلِيمَ أي البعول جمع بعل وهو في العربية يدل على معان منها رب الشيء ومالكه. وفي العبرانية الرب والمالك وهو إله باطل يعنون به الشمس وجمعوه إما للتعظيم كما جمع العبرانيون اسم الله على إلوهيم أي الآلهة وإما لتعدد صوره وتماثيله فكانوا يسمون كلا منها بعلاً. وكان يتعدد اسم البعل عندهم بتعدد أماكن عبادته وأصنامه وسيادته مثل بعل فغور وبعل زبوب أي إله الذُّباب وهو إله عقرون ولعل هذا من أسباب جمعه. وكان عباده الفينيقيين والكنعانيين وغيرهم من أهل المشرق ووصلت عبادته إلى أوربا فعبده قدماء السكندافيين والبريطانيين ولا يزال في استكلندا مكان يسمى تل بألتين أي تل بعلتين ومعناه تل نار البعل لأنهم كانوا يضرمون عليه النار للبعل. وانتشرت عبادته في غير ما ذُكر من البلاد ولا تزال آثاره في بعض أسماء القرطاجنين كحسدر وبعل وحنيبعل وهو المشهور بهنيبال ومهربعل وادهر بعل أو أدحر بعل. والخلاصة أن الأدلة كثيرة على أنه عبده أهل المشرق والمغرب.

وعلّة عبادة الناس للشمس ما رأوه من قوتها ومنفعتها من أنها حياة الحيوان والنبات ونموها وعلة الأبصار والجمال وغير ذلك فقالوا أنها رب الطبيعة ومالكتها وبهاء الكائنات وعبدوها بأجمل ما استطاعوا من الطرق فآثر ذلك في نفوس الإسرائيليين لما هو مشهور من تأثير الحواس في النفس فسقطوا في عبادتها وصاروا بعليين بعد أن كانوا إلهيين فكانت آلهة الأمم لهم شركاً (ع ٣). وعلّة علل الوثنية الجهل فاستبدلوا حق الله بالكذب وعبدوا المخلوق دون الخالق ولو علموا لرأوا أن الله هو خالق الشمس ومنافعها وجمالها فعبدوه وحمدوه على إحسانه ونسبوا القدرة إلى القادر على كل شيء لا إلى الشمس التي مع كل عظمتها ليست بشيء إلى ما خلقه من عظام الأجرام السماوية. وكان عبدة البعل يصورون بعلهم بصورة إنسان تحيط بوجهه مُثُل أشعة الشمس كما عُلم من الآثار وكانوا ينقشون رسمه في الحجارة ويجعلون منحوتاته كذلك. وكانت الشمس من أعظم آلهة المصريين القدماء. فكان الإسرائيليون عرضة للسقوط في عبادتها في حالَي العبودية والحرية. ولهذا كان الله يحذّرهم كل التحذير من محالفة الأمم ومخالطتهم ومع ذلك «فعلوا الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم».

١٢ «وَتَرَكُوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَ آبَائِهِمِ ٱلَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَسَارُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ حَوْلَهُمْ، وَسَجَدُوا لَهَا وَأَغَاظُوا ٱلرَّبَّ».

تثنية ٣١: ١٦ تثنية ٦: ١٤ خروج ٢٠: ٥

وَتَرَكُوا ٱلرَّبَّ (تثنية ٣١: ١٦ و١٧) هذا أكثر من الشرك فإن الشرك عبادة الرب وعبادة غيره معه ولكن العبارة نصّ في أنهم عبدوا البعليم وتركوا عبادة الرب وفي العبرانية يهوه وهو الإله الحق فكأنه قال عبدوا الإله الباطل وهجروا عبادة الإله الحق.

إِلٰهَ آبَائِهِمِ أي الإله الذي عبده آباؤهم وأخبروهم بحسن عنايته بهم وما صنعه من العظائم أمام عيونهم الذي هو خلق الشمس ويحكم عليها بالشروق والغروب وقد أوقفها بقدرته. فكان هذا الإله المتسلط على كل جنود السماء يجب أن يُعبد وأن تُترك عبادة كل ما سواه. ولكنهم أتوا ضد ذلك. اتخذوا الذي هو أدنى وتركوا الذي هو أعلى فما أفظع إثمهم وما أفحش جهلهم.

سَجَدُوا لَهَا (انظر تفسير ع ١٧).

وَأَغَاظُوا ٱلرَّبَّ بفظاعة إثمهم. وفظاعته من وجوه نذكر ثلاثة منها:

  • الأول: عبادة الرب كما عبدوه بواسطة العجل يوم ضلّوا في أيام غياب موسى عنهم (خروج ٣٢: ١ الخ).
  • الثاني: إنهم عبدوا آلهة الفينيقيين والأشوريين دون الله.
  • الثالث: إنهم ارتكبوا في تلك العبادة شّر المحظورات وهو تقديم الذبائح البشرية للبعل أو الشمس لأن ذلك كان من رسوم تلك العبادة (إرميا ١٩: ٥).

١٣ «تَرَكُوا ٱلرَّبَّ وَعَبَدُوا ٱلْبَعْلَ وَعَشْتَارُوثَ».

ص ٣: ٧ و١٠: ٦ ومزمور ١٠٦: ٣٦

ٱلْبَعْلَ وَعَشْتَارُوثَ جاء «البعل» هنا مفرداً وهو كذلك في الأصل العبراني والمراد به الشمس عينها بقطع النظر عن تعظيمها أو تعددها بتعدد الصور والتماثيل وأمكنة العبادة. و«عشتاروث» جمع مؤنث ويقال في جمعها كما قيل في جمع البعل (انظر تفسير ع ١١). وهي إلاهة الصيدونيين (١ملوك ١١: ٥) وفينس الفينيقيين وهي كوكب الزُّهرة. ورأى كثيرون من العلماء أن عشتاروث هي القمر واستدل على ذلك بعضهم من اسم المدينة عشتاروث قرنايم ومعناه عشتروث ذات القرنين فإن طرفي القمر وهو هلال يشبهان القرنين. وقالوا إن الأمم أرادوا «بالبعل» قوة الطبيعة الذكر و«بعشتاروث» قوتها الأثنى أي هما قوّتا الطبيعة الذكرية والأنثوية وكانوا ينصبون لها سواري على المرتفعات (١ملوك ١٦: ٣٣ و٢ملوك ٢٣: ٦). ودُعيت أيضاً «ملكة السماوات» (إرميا ٧: ١٨ و٤٤: ١٧) واكتُشف عدة هياكل للحثيين حديثاً وجدوا في بعضها منحوتاً على أحد وجهيه صورة رجل تمثل البعل يحيط بوجهه الأشعة وعلى الآخر صورة امرأة تمثل عشتاروث وعلى رأسها صورة الهلال. وشوهد كثير من منحوتات المصريين العادية مثل صورة هذه المرأة وهذا يدلنا على أن المصريين القدماء كانوا يعبدون عشتاروث كما كانوا يعبدون البعل أي الشمس. وجاء في كتابات رعمسيس الثاني في حروبه للحثيين أن عشتاروث من آلهتهم. وكان من عواصم عبادة عشتاروث في أرض كنعان مدينة أفيق وقد ذُكرت في (ص ١: ٣١ فارجع إليه وإلى تفسيره).

وكثيراً ما اقترنت عبادة البعل بعبادة عشتاروث (انظر ص ١٠: ٦ و١صموئيل ٧: ٤ و١٢: ١٠).

ولنا من كل ما تقدم ما يحملنا على أن الوثنيين الأقدمين ذهبوا إن البعل زوج القمر فإن من معاني البعل زوج المرأة مع معنى السيادة وإنهما ولدا العالمين فأثبتوا إلهين أزليين أحدهما ذكر والآخر أنثى.

١٤ «فَحَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَدَفَعَهُمْ بِأَيْدِي نَاهِبِينَ نَهَبُوهُمْ، وَبَاعَهُمْ بِيَدِ أَعْدَائِهِمْ حَوْلَهُمْ، وَلَمْ يَقْدِرُوا بَعْدُ عَلَى ٱلْوُقُوفِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ».

ص ٣: ٨ ومزمور ١٠٦: ٤٠ و٤١ و٤٢ و٢ملوك ١٧: ٢٠ ص ٣: ٨ و٤: ٢ ومزمور ٤٤: ١٢ وإشعياء ٥٠: ١ لاويين ٢٦: ٣٧ ويشوع ٧: ١٢ و١٣

فَحَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ (مزمور ٧٨: ٥٨ و٥٩) والنتيجة المحزنة في سائر هذه الآية لها أمثال في عدة آيات متفرقة في الكتاب المقدس (تثنية ٣٢: ٥ الخ و٢ملوك ١٧: ٧ – ٢٠ و٢٤: ١ – ٤ و٢أيام ٣٦: ١١ – ٢١ ومزمور ١٠٦: ٣٤ – ٤٥ وإرميا ١١: ٢ – ١٤). ومعنى قوله «حمي غضب الرب» عظم كثيراً حتى أوجب الانتقام. شبه الكاتب في نفسه غضب الله من معصية إسرائيل بالنار واثبت له الحموّ دلالة على التشبيه المضمر في النفس ووجه الشبه بين ذلك الغضب والنار الإيلام والإعدام.

ويجب أن يُعلم هنا أن الله لا يتأثر كما يتأثر الناس فيغضب كما يغضبون فالقصد إن الله انتقم منهم انتقام من يتّقد غضبه من الناس ممن كان علة إتقاده.

فَدَفَعَهُمْ بِأَيْدِي نَاهِبِينَ (٢ملوك ١٧: ٢٠) في بعض التراجم «فدفعهم إلى أيدي ناهبين» وفي العبرانية «فدفعهم بيد ناهبين» فالباء على ما في بعض التراجم بمعنى إلى وجمع اليد في الترجمة لمناسبة المضاف إليه وتصحّ إضافة المفرد إلى الجمع وإرادة تعدده إذا فُهم من القرينة كما هنا في اللغتين العبرانية والعربية. وتأتي الباء بمعنى إلى في تينك اللغتين. ولكن إذا قطعنا النظر عن ترجمة الباء بإلى احتمل الكلام أن تكون الباء بمعنى في الظرفية وتضمين الدفع الطرح لأنه من لوازم الدفع فيكون المعنى فدفعهم فطرحهم في أيدي ناهبين أي جعلهم ملكاً لهم. والمعنى على التقديرين إن الله تركهم للأعداء ينهبون أموالهم وأولادهم ونساءهم ورجالهم الصالحين للخدمة فإنهم كانوا يستعبدون بعضهم ويبيعونه بيع الرقيق فيا ويل من حمي غضب الرب عليه.

بَاعَهُمْ بِيَدِ أَعْدَائِهِمْ يكاد هذا يكون تفسيراً للعبارة السابقة ومعناه ملّك الأعداء إيّاهم كما يملّك البائع الشاري ما يبيعه إيّاه. وقد جاء كثير من مثل هذه العبارة في الكتاب المقدس (انظر ص ٣: ٨ و٤: ٢ و١٠: ٧ وتثنية ٣٢: ٣٠ ومزمور ٤٤: ١٢ وإشعياء ٥٠: ١).

وَلَمْ يَقْدِرُوا بَعْدُ عَلَى ٱلْوُقُوفِ أَمَامَ أَعْدَائِهِم أي لم يستطيعوا بعد ذلك أن يثبتوا في حومة القتال فكان كثيرون يقعون قتلى ومن بقوا أحياء يهربون أو يؤسرون (انظر لاويين ٢٦: ١٧ وتثنية ٢٨: ١٥ – ٦٨).

١٥ «حَيْثُمَا خَرَجُوا كَانَتْ يَدُ ٱلرَّبِّ عَلَيْهِمْ لِلشَّرِّ كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ وَكَمَا أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ لَهُمْ. فَضَاقَ بِهِمُ ٱلأَمْرُ جِدّاً».

لاويين ٢٦ وتثنية ٢٨

كَانَتْ يَدُ ٱلرَّبِّ عَلَيْهِمْ بعد أن كانت معهم (يشوع ١: ٩) أي إنه صار يحاربهم بعد أن كان يحارب معهم وينصرهم. وأسند الفعل إلى اليد لأنها هي الآلة التي تضرب بالسيف وتطعن بالرمح وترمي السهام وتضغط الأعداء وتوصل الأضرار.

لِلشَّرِّ لا للبركة فإنها كانت تقترن بوضع اليد ولا للوقاية. والشرّ ضد الخير وعرفوه بعدم ملاءمة الشيء للطبع.

كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ (انظر لاويين ٢٦: ١٧ وتثنية ١٨: ٢٥ الخ و٢٩: ١ الخ).

وَكَمَا أَقْسَمَ أي أكد لأن القسم للتأكيد.

فَضَاقَ بِهِمُ ٱلأَمْرُ معنى «الأمر» هنا الحادثة أو الشيء الذي أعلنه لهم الرب من نتائج غيظه عليهم فكانوا مضغوطين به كمن هم في مكان ضيق يزحم بعضهم بعضاً ويضغطه ولا مندوحة للتخلُّص. ولفظة «الأمر» ليست في الأصل العبراني إنما زادها المترجم للإيضاح. والضمير في «ضاق» في العبرانية يرجع إلى ما فهموه من عواقب غضب الله عليهم.

جِدّاً يعني بالغ الغاية في العظم أي ضاق بهم الأمر ضيقاً ما وراءه من ضيق. وخلاصة ما ذُكر إن الله صار عدواً لهم ومحارباً وتركهم للعنة التي أنذرهم بها حتى لم يبق لهم من مهرب للنجاة من نتائج غضبه وذلك أشد الضيق.

١٦ «وَأَقَامَ ٱلرَّبُّ قُضَاةً فَخَلَّصُوهُمْ مِنْ يَدِ نَاهِبِيهِمْ».

ص ٣: ٩ و١٠ و١٥ و١صموئيل ١٢: ١١ وأعمال ١٣: ٢٠

وَأَقَامَ ٱلرَّبُّ قُضَاةً حكاماً مطلقي السلطة أكثرهم قوّاد لجنود وهم عثنيئيل وأهود وشمجر ودبورة وباراق وجدعون وتولع ويائير ويفتاح وأبصان وإيلون وعبدون وشمشون وعددهم اثنا عشر إذا اعتبرنا دبورة وباراق واحداً لأنهما اتحدا في الحكم على إسرائيل وتركا أبيمالك لأنه اغتصب المملكة ولم يُعيَّن من الله وانتهينا في شمشون لأن عالي كان كاهناً وصموئيل نبياً (انظر ١صموئيل ١٢: ١٠ و١١ وأعمال ١٣: ٢٠) وأكثرهم أنقذ إسرائيل من استعباد الأمم (انظر القسم الثاني من الفصل الخامس من المقدمة). وكان أولئك القضاة فوق قيامهم بالأحكام والحروب يؤيدون الشريعة ويحثون الشعب على حفظها ويبتون المخاصمات.

فَخَلَّصُوهُمْ مِنْ يَدِ نَاهِبِيهِمْ أي أيديهم (انظر تفسير ع ١٤). هذه الرحمة تنافي في الظاهر ما قيل في (ع ١٤ و١٥) قلنا فلا شك في أنهم استغاثوا بالرب لما «ضاق بهم الأمر جداً» (انظر ع ١٨ و١صموئيل ١٢: ١٠ و١١) فأقام لهم القضاة فخلصوهم. ويدفع المنافاة أيضاً أنه تم ما أنذرهم به الرب من تسليمهم إلى أعدائهم لكنه لم يتركهم إلى الأبد لأنه «رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ ٱلرُّوحِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ. لاَ يُحَاكِمُ إِلَى ٱلأَبَدِ وَلاَ يَحْقِدُ إِلَى ٱلدَّهْرِ» (مزمور ١٠٣: ٨ و٩). وإنه أقام لهم القضاة فخلّصوهم من أعدائهم ليسمعوا نصحهم ويرجعوا إليه تعالى فيوحدوه ويعبدوه ويطرحوا أصنامهم التي عبدوها دونه.

١٧ «وَلِقُضَاتِهِمْ أَيْضاً لَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ زَنَوْا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا. حَادُوا سَرِيعاً عَنِ ٱلطَّرِيقِ ٱلَّتِي سَارَ بِهَا آبَاؤُهُمْ لِسَمْعِ وَصَايَا ٱلرَّبِّ. لَمْ يَفْعَلُوا هٰكَذَا».

خروج ٣٤: ١٥ و١٦ ولاويين ١٧: ٧

وَلِقُضَاتِهِمْ أَيْضاً لَمْ يَسْمَعُوا أي أقام لهم الله القضاة ليعتنوا بهم ويخلّصوهم ويردوهم إليه تعالى فعصوا القضاة أيضاً لفرط حماقتهم. «إن الحماقة أعيت من يداويها»«دَاوَيْنَا بَابِلَ فَلَمْ تُشْفَ» (إرميا ٥١: ٩).

بَلْ زَنَوْا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى استعار الزنى للسير وراء الآلهة الباطلة فقال «زنوا وراء آلهة أخرى» بدلاً من ساروا وراءها أي استعمل زنوا استعمال ساروا (انظر ع ١٢). وشُبهت عبادة الأوثان بالزنى لأن إسرائيل بمنزلة عروس لله لأنه اختاره لنفسه وأحبه كما يختار الرجل عروسه ويحبها (انظر إرميا ٢: ٢) فعبادتهم الأوثان وتركهم لله كحب زوجة لغير زوجها وترك زوجها واقترانها بذاك (حزقيال ١٦: ٢ – ٢٦). على أن إسرائيل زنى بعبادة غير الله مجازاً وحقيقة (انظر خروج ٣٤: ١٥ و١٦) وسمى علماء الدين عبادة الأوثان بالزنى الروحي (قابل ما ذُكر بما في إشعياء ٥٤: ٥ وإرميا ٣: ٨ وحزقيال ٢٣: ٣٧ وهوشع ٢: ٧ و٢كورنثوس ١١: ٢). وقد تبين من (ع ١١ و١٣) بعض تلك الآلهة الأخرى وهو البعليم وعشتاروث.

سَجَدُوا لَهَا السجود في الوضع الخضوع والانحناء. والمرجّح أنه هنا الجثو ووضع الجبهة على الأرض كما هو المشاهد اليوم في سجود العبادة في الشرق.

حَادُوا سَرِيعاً عَنِ ٱلطَّرِيقِ أي طريق الهدى والحق.

آبَاؤُهُمْ إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى ويشوع وغيرهم من أتقياء الرب الذين كانوا قبلهم. وقد ذُكرت طريقهم في (ع ٧ فارجع إليه).

لِسَمْعِ وَصَايَا ٱلرَّبِّ أي لطاعتها والسير بمقتضاها.

لَمْ يَفْعَلُوا هٰكَذَا أي كما فعل آباؤهم وهذه العبارة تأكيد لما قبلها بالمعنى وهي قوله «حادوا الخ».

١٨ «وَحِينَمَا أَقَامَ ٱلرَّبُّ لَهُمْ قُضَاةً كَانَ ٱلرَّبُّ مَعَ ٱلْقَاضِي، وَخَلَّصَهُمْ مِنْ يَدِ أَعْدَائِهِمْ كُلَّ أَيَّامِ ٱلْقَاضِي، لأَنَّ ٱلرَّبَّ نَدِمَ مِنْ أَجْلِ أَنِينِهِمْ بِسَبَبِ مُضَايِقِيهِمْ وَزَاحِمِيهِمْ».

يشوع ١: ٥ تكوين ٦: ٦ وخروج ٢٢: ١٢ و١٤ وتثنية ٣٢: ٣٦ ومزمور ١٠٦: ٤٤ و٤٥

كَانَ ٱلرَّبُّ مَعَ ٱلْقَاضِي أي إن القاضي لم يستطع أن يخلصهم بقدرة نفسه بل بمساعدة الله إياه أو إن القاضي بالنظر إلى نفسه لم يستطع أن يعمل شيئاً نافعاً لإسرائيل إنما الله أنقذهم به كأنه آلة في يده تعالى (انظر تثنية ٨: ١٧ ومزمور ٤٤: ٣).

ٱلرَّبَّ نَدِمَ أي رجع عن المؤاخذة فالكلام كناية أو مجاز لأن الذي ينجم على عمل يرجع عنه لأن الله منزه عن الندم. وجاء في كلام علماء العربية وفي القرآن إسناد التوبة إلى الله مع أن التوبة الندم على الذنب مع الإقرار بعدم العذر على ارتكابه ولكن بمعنى أنه رجع من التشديد إلى التخفيف كما قال بعضهم والأحسن أن يقال رجع من المؤاخذة إلى المغفرة. وفرقوا بين توبة الرب وتوبة العبد بحرف التعدية فقالوا تاب فلان عن ذنب فتاب الله عليه. فبين العبرانية والعربية مشابهة في التعبير عن عفو الله عن المذنبين بما يتنزه الله عنه إذا لم يُقصد المجاز أو الكتابة. ومثل ذلك إثبات اليد والوجه وغيرهما من الأعضاء إليه سبحانه وتعالى. واختير هذا التعبير مراعاة لفهم البشر ومبالغة في المعنى.

وأما الاعتراض بجواز المعنى الحقيقي أو الوضعي في الكناية يصح على المكنيّ عنه إن لم يمنع مانع من الاستحالة بالنظر إلى طبيعته والله يستحيل أن يندم وعلة الاستحالة كماله وعلمه كل شيء قبل أن يكون ومثل ذلك كثير في أفصح الكتب العبرانية والعربية كنسبة القرآن الغضب والمكر وما أشبههما إليه تعالى (سورة النساء وسورة آل عمران) ولهذه العبارة نظائر في الكتاب المقدس (تكوين ٦: ٦ وخروج ٣٢: ١٤ و١صموئيل ١٥: ٣٥ ويوئيل ٢: ١٣ وعاموس ٧: ٣ ويونان ٣: ١٠). والقرينة على أن الندم من جانب الله تعالى كناية أو مجاز العقل ونص الكتاب. ففي سفر العدد ما نصه «لَيْسَ ٱللّٰهُ إِنْسَاناً فَيَكْذِبَ، وَلاَ ٱبْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَلْ يَقُولُ وَلاَ يَفْعَلُ؟ أَوْ يَتَكَلَّمُ وَلاَ يَفِي» (عدد ٢٣: ١٩).

مِنْ أَجْلِ أَنِينِهِمْ الخ هذا علة ندمه أي رجوعه عن الانتقام منهم والأنين التوجع والصوت من الألم وهو أنين الأسف على ما ارتكبوه من الآثام وتوجعهم في الصلاة لله. وهو خلاف أنين المعاندين مما يعتريهم من الآلام الناشئة عن معاصيهم.

١٩ «وَعِنْدَ مَوْتِ ٱلْقَاضِي كَانُوا يَرْجِعُونَ وَيَفْسُدُونَ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِهِمْ بِٱلذَّهَابِ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَعْبُدُوهَا وَيَسْجُدُوا لَهَا. لَمْ يَكُفُّوا عَنْ أَفْعَالِهِمْ وَطَرِيقِهِمِ ٱلْقَاسِيَةِ».

ص ٣: ١٢ و٤: ١ و٨: ٣٣

وَعِنْدَ مَوْتِ ٱلْقَاضِي كَانُوا يَرْجِعُونَ وَيَفْسُدُونَ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِهِمْ أي يرجع الإسرائيليون نسل الذين تابوا في حياة النبي واقتدى ذلك النسل بهم. فالذين تابوا في حياة النبي كانوا قد رجعوا عن الله إلى البطل والفساد ثم لما ذاقوا شرّ العاقبة رجعوا إليه تعالى وأنّوا واستغاثوا به واقتدى بهم أولادهم وهؤلاء الأولاد رجعوا عنه تعالى وفسدوا أكثر من آبائهم قبل التوبة فالآباء هنا هم الآباء المحدثون لا القدماء كإبراهيم وإسحاق ويعقوب. ومعنى الفساد هنا ضد الصلاح فإنهم صاروا بعد الصلاح أشراراً أو الفساد التغيُّر من الصلاح إلى الطلاح.

بِٱلذَّهَابِ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى أي بسبب عبادتهم غير الله من الأصنام والكواكب وغيرها من المخلوقات.

لَمْ يَكُفُّوا عَنْ أَفْعَالِهِمْ فظلوا يرجعون عن الله بعد التوبة سريعاً كعادتهم أو لم يرجعوا عن عبادة الأوثان وسائر ضلالهم.

طَرِيقِهِمِ ٱلْقَاسِيَةِ وهي طريق الضلال وقساوة القلب والعناد والمعصية. «وطريقهم القاسية» على وفق العبارة العبرانية (دركم هقشة) وهي بمنزلة قول الله عليهم «شعب صلب الرقبة» (خروج ٣٢: ٩ قابل هذا بما في تثنية ١٠: ١٦ وأعمال ٧: ٥١). على ذلك يكون إسناد القساوة إلى الطريق مجاز عقلي لأن القساوة هي قساوة قلوبهم في الحقيقة. ويصح أن يكون النعت حقيقي للطريق فإن طريق الشر قاسية صعبة لما يترتب على السير فيها من التعب والأضرار فتكون الطريق القاسية استعارة لمقصدهم ارتكاب المعاصي المؤدي إلى سوء العواقب.

٢٠ «فَحَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ هٰذَا ٱلشَّعْبَ قَدْ تَعَدَّوْا عَهْدِيَ ٱلَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ آبَاءَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي».

ع ١٤ يشوع ٢٣: ١٦

فَحَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ (انظر تفسير ع ١٤). والكلام من هذه الآية بسط وتفسير لقول الملاك من (ع ١ – ٣).

هٰذَا ٱلشَّعْبَ وفي الأصل العبراني «هذه الأمة» (هغوي أو هجوي والجيم تُلفظ كالجيم في مصر). وهذا اللفظ يُستعمل لغير الإسرائيليين فأنزلهم الله منزلة الأمم لا منزلة الشعب المختار لأنهم صاروا كأمة وثنية لعبادتهم الأوثان فكان المناسب أن تترجم العبارة بهذه الأمة. واللفظة العبرانية المستعملة لشعب إسرائيل في الكتاب المقدس في غير هذه الحال (عم). وجاء العم في العربية بمعنى الجماعة الكثيرة.

تَعَدَّوْا عَهْدِيَ أي تركوا وصيتي لهم لأنهم لا يعبدون سواي (يشوع ٢٣: ١٦).

آبَاءَهُمْ أي أسلافهم.

وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي أي لم ينتبهوا لكلامي ولم يطيعوا أوامري.

٢١ «فَأَنَا أَيْضاً لاَ أَعُودُ أَطْرُدُ إِنْسَاناً مِنْ أَمَامِهِمْ مِنَ ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ تَرَكَهُمْ يَشُوعُ عِنْدَ مَوْتِهِ».

يشوع ٢٣: ١٣

فَأَنَا أَيْضاً لاَ أَعُودُ أَطْرُدُ إِنْسَاناً مِنْ أَمَامِهِمْ أي أعود (أي أصبر) لا أطرد الخ أو لا أعود إلى أن أطرد الخ كما كنت أطرد أعداءهم من أمامهم. وفي بعض التراجم الأجنبية فأنا أيضاً لا أطرد بعد ذلك الخ وهو المعنى المقصود. وهذا إذا استمروا على معاصيهم وإلا فإذا تابوا يعود إلى مساعدتهم ونصرهم وحسن عنايته بهم. وهذا شرط معهود لا حاجة إلى ذكره دائماً.

مِنَ ٱلأُمَمِ الكنعانية.

ٱلَّذِينَ تَرَكَهُمْ يَشُوعُ عِنْدَ مَوْتِهِ ولو بقي حياً ما تركهم ولكن منعه الموت من ذلك.

٢٢ «لأَمْتَحِنَ بِهِمْ إِسْرَائِيلَ: أَيَحْفَظُونَ طَرِيقَ ٱلرَّبِّ لِيَسْلُكُوا بِهَا كَمَا حَفِظَهَا آبَاؤُهُمْ، أَمْ لاَ».

تثنية ٨: ٢ و١٦ و١٣: ٣ وص ٣: ١ و٤

لأَمْتَحِنَ بِهِمْ إِسْرَائِيلَ لكي يعرفوا ضعفهم ويرجعوا إليّ ويتدربوا (انظر تفسير ص ٣: ١) فإن الله يقصد بتجربة شعبه وامتحانهم الخير لهم لا مجرد الانتقام فيمزج الدينونة بالرحمة ويترك للتجربة منفذاً (١كورنثوس ١٠: ١٣). فإن هذه التجربة قد قصد بها الخير الحالي أو القريب كما قصد الخير المستقبل أو البعيد (انظر خروج ٢٣: ٢٩ و٣٠ وتثنية ٧: ٢٢ وص ١: ١ – ٣).

أَيَحْفَظُونَ طَرِيقَ ٱلرَّبِّ لِيَسْلُكُوا بِهَا استعار «الطريق» هنا للشريعة من الأوامر والنواهي بجامع التأدية إلى المقصود. وقال «أيحفظون» الخ لا أن يحفظوا توبيخاً لهم لأنهم صاروا بمنزلة من يُشك في توبته ويُظن بقاؤه في المعصية لكثرة تقلباتهم وعنادهم المتواتر وإلا فالله منزّه عن أن يجهل العواقب.

آبَاؤُهُمْ هم من ذُكروا في (ع ٧) ويصحّ أن يراد معهم سائر أسلافهم الأتقياء.

٢٣ «فَتَرَكَ ٱلرَّبُّ أُولَئِكَ ٱلأُمَمَ وَلَمْ يَطْرُدْهُمْ سَرِيعاً وَلَمْ يَدْفَعْهُمْ بِيَدِ يَشُوعَ».

فَتَرَكَ ٱلرَّبُّ أُولَئِكَ ٱلأُمَمَ ترك الرب الأمم (١) لأنه لو طردهم في سنة واحدة لصارت الأرض خربة وكثرت الوحوش لأن الأرض واسعة وكان عدد بني إسرائيل قليل بالنسبة إلى اتساع الأرض (خروج ٢٣: ٢٩ و٣٠). (٢) لتتعلم العصور القادمة من بني إسرائيل الحرب ويتعلموا أن النجاح في الحرب من الرب ويتعلموا أيضاً أن الخيرات التي يتعبون في تحصيلها أثمن من التي يأخذونها بلا تعب (ص ٣: ١ و٢) وذلك كله لخير إسرائيل ومن رحمة الرب لهم.

ولكن إذا تكاسل الإسرائيليون وضعف إيمانهم وتركوا الرب واتحدوا بالأمم وسجدوا لآلهتهم يتركهم الرب ولا يطرد الأمم أمامهم مطلقاً ليكونوا لهم مضايقين وذلك على سبيل عقاب خطيئة إسرائيل.

وَلَمْ يَدْفَعْهُمْ بِيَدِ يَشُوعَ أي إلى يده أو في يده (انظر تفسير ع ١٤) لعلمه بما يأتيه إسرائيل في المستقبل.

فوائد

  1. كلام الله. الرب يكلم شعبه في هذه الأيام (١) بالكتاب المقدس فلا يحتاجون إلى أنبياء ولا إلى كلام مسموع. (٢) بالذاكرة والضمير. (٣) بتربية المرشدين والمعلمين والوالدين ومشورة الإخوة الأتقياء (ع ١).
  2. سبب الخطيئة (١) الاتكال على أنفسنا فنظن أننا قادرون أن نسكن مع الأشرار وننتفع منهم ونمتنع عن خطاياهم وننسى أن الإنسان ولو أراد لا يقدر أن يخلص تماماً من تأثير المعاشرات

    عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

    فلينتبه الغافل ويتأمل العاقل. (٢) العمل حسب استحساننا وليس حسب أوامر الرب. فإن الإسرائيليون لم يستحسنوا طرد الكنعانيين طرداً كاملاً. (٣) ميل القلب الفاسد إلى الخطيئة. ولكن ليس عذر حقيقي للخطيئة وليس جواب لسؤال الملاك «فماذا عملتم» (ع ٢ انظر متّى ٢٢: ١٢).

  3. للبكاء مكان وزمان فإنه يدل على ضمير حيّ والحزن على الخطيئة (متّى ٢٦: ٧٥) ولكن البكاء وحده لا يكفي بل يلزم أيضاً العمل (ع ٥).
  4. تأثير الرجل الصالح. كان تأثير يشوع في الإسرائيليين عظيماً جداً (١) لأنه خدمهم ولم يطلب الربح ولا المجد لنفسه. (٢) لأنه خدم الرب أولاً فإن جميع الناس يعتبرون من لا يخاف منهم بل يخاف الرب. (٣) لأنه كان شجاعاً ونشيطاً وثابتاً في العمل. ويمكن كل واحد منا أن يؤثر في أبناء عصره متى كان فيه روح يشوع. والكل من الرب (ع ٧).
  5. الجهل يهدي إلى الخطيئة. إذا تكاسل الوالدون والمعلمون والمرشدون في التعليم من الكتاب المقدس سيترك القرن القادم الرب.
  6. منافع الخطيئة زهيدة ووقتية وعواقب الخطيئة مرة جداً (ع ١٤).
  7. رحمة الرب إلى الأبد فيغفر للذين يرجعون إليه بتوبة حقيقية ويخلصهم (ع ١٦).
  8. لا يتم الخلاص دفعة واحدة بل يلزم الإنسان أن يسهر ويجاهد كل أيامه وإلا سقط في الخطيئة (ع ١٧).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى