سفر يشوع

سفر يشوع | 23 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر يشوع

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلعِشْرُونَ

وصية يشوع للشيوخ والرؤساء

١ «وَكَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، بَعْدَمَا أَرَاحَ ٱلرَّبُّ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَعْدَائِهِمْ حَوَالَيْهِمْ، أَنَّ يَشُوعَ شَاخَ. تَقَدَّمَ فِي ٱلأَيَّامِ».

ص ٣١: ٤٤ و٢٢: ٤ ص ١٣: ١

كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ غبّ الأمر عاقبته أو ما بعده. ويُظن أن ذلك كان في آخر سنة من حياة يشوع.

شَاخَ. تَقَدَّمَ فِي ٱلأَيَّامِ قوله «تقدمّ في الأيام» بيان لقوله «شاخ» ومثل هذا البيان كثير في هذا السفر. وهذه العبارة تكررت فيه (ص ١٣: ١).

٢ «فَدَعَا يَشُوعُ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ وَشُيُوخَهُ وَرُؤَسَاءَهُ وَقُضَاتَهُ وَعُرَفَاءَهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَنَا قَدْ شِخْتُ. تَقَدَّمْتُ فِي ٱلأَيَّامِ».

تثنية ٣١: ٢٨ وص ٢٤: ١ و١أيام ٢٨: ١

فَدَعَا يَشُوعُ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ أي دعا كل نواب شعب إسرائيل الذين يقومون مقام كل الشعب وعلى ذلك يكون العطف وهو قوله «وشيوخه الخ» عطف تفسير ويؤيد ذلك أن الواو العاطفة ليست في الأصل العبراني ففي ذلك الأصل «فدعا يشوع جميع إسرائيل شيوخه ورؤساءه الخ» فيكون قوله «شيوخه الخ» بيان مفصل لقوله «جميع إسرائيل» والبيان تفسير.

عُرَفَاءَهُ وفي الأصل العبراني «مسيطروه». و«العرفاء» جمع عريف ومن معاني العريف في العربية مما يناسب المقام هنا ثاني الرئيس والمسيطر فيها الرقيب الحافظ والمتسلط على الشيء ليشرف عليه ويتعهد أحواله ويكتب عمله. وهذا مناسب للمقام كل المناسبة.

ولعلّ هذا الاجتماع كان في تمنة سارح مسكن يشوع (ص ١٩: ٥٠) وأما الاجتماع الآخر المذكور في (ص ٢٤: ١) فكان في شكيم.

وأظهر يشوع محبته المخلصة لشعب إسرائيل فاهتمّ بهم ليس فقط بالحال في حياته بل أيضاً بما سيكونون فيه بعد موته. فيشبه والداً حنوناً لا يكتفي بأن يعول أولاده ويربيهم في حياته بل يجمع لهم من المال لينتفعوا منه بعد موته ويقدم لهم نصائح يحفظونها في ذاكرتهم لأجل السنين القادمة. وهكذا موسى في آخر آيامه (تثنية ص ٣١ – ٣٣). ولكلام يشوع هذا تأثير عظيم لكونه كلامه الأخير وخاتمة حياته الطويلة وخلاصه اختباره. فكان حكمه في الأمور العالمية كحكم من أشرف على السماء فعرف حق المعرفة نسبة الزمنيات إلى الأبدية.

٣ «وَأَنْتُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ كُلَّ مَا عَمِلَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ بِجَمِيعِ أُولَئِكَ ٱلشُّعُوبِ مِنْ أَجْلِكُمْ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ هُوَ ٱلْمُحَارِبُ عَنْكُمْ».

خروج ١٤: ١٤ وص ١٠: ١٤ و٤٢

أَنْتُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ كُلَّ مَا عَمِلَ ٱلرَّبُّ في هذه العبارة أمران يجب الانتباه لهما الأول أن يشوع استشهد نظرهم ومشاهدتهم بإحسان الله وهذا يوجب عليهم الذكرى والإنباء به لنسلهم وزيادة المسؤولية عليهم لأن ذنب غيرهم بالتقصير في الحمد لله أخفّ من ذنبهم لأن غيرهم عرف ما عمله الله بالسمع وهم عرفوه بالمشاهدة. والثاني أن يشوع داس الافتخار بنفسه والكبرياء وأراد ترفيع الرب وتمجيده فلم يقل أنتم رأيتم كل ما فعلته لكم بل كل ما عمل الرب. فكان لسان حاله يردد قول المرنم «لَيْسَ لَنَا يَا رَبُّ لَيْسَ لَنَا، لٰكِنْ لاسْمِكَ أَعْطِ مَجْداً» (مزمور ١١٥: ١).

لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ هُوَ ٱلْمُحَارِبُ عَنْكُمْ بعد أن نفى المحد عن نفسه نفى الفضل عنهم وأثبت الأمرين لله. إن الله لو لم يحارب عن الإسرائيليين ما استولى على موطئ قدم من أرض كنعان فإنهم ما كانوا إلا بمنزلة آلة في يده تعالى.

٤ «اُنْظُرُوا. قَدْ قَسَمْتُ لَكُمْ بِٱلْقُرْعَةِ هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبَ ٱلْبَاقِينَ مُلْكاً حَسَبَ أَسْبَاطِكُمْ، مِنَ ٱلأُرْدُنِّ وَجَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّتِي قَرَضْتُهَا، وَٱلْبَحْرِ ٱلْعَظِيمِ نَحْوَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ».

ص ١٣: ٢ و٦ و١٨: ١٠

اُنْظُرُوا. قَدْ قَسَمْتُ لَكُمْ بِٱلْقُرْعَةِ لكي لا تختلفوا بعد ولكي تتعاونوا على الاستيلاء على أنصبتكم فإن الله لا يساعدكم ويوليكم على ذلك ما لم تسعوا وتعملوا حسب ما اقتضته حكمته وعنايته الأزليتان.

هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبَ ٱلْبَاقِينَ غير مسلمين لكم الأرض فأنا على يقين من أنكم تخضعونهم وتستولون على أرضهم إن قمتم بما يجب عليكم من محاربتهم بالتوكل على الله الذي لا قوة لكم بدونه وقد علمتكم ودربتكم وأرشدتكم إلى طريق الاستيلاء.

٥ «وَٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ هُوَ يَنْفِيهِمْ مِنْ أَمَامِكُمْ وَيَطْرُدُهُمْ مِنْ قُدَّامِكُمْ، فَتَمْلِكُونَ أَرْضَهُمْ كَمَا كَلَّمَكُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

خروج ٢٣: ٣٠ و٣٣: ٢ و٢٤: ١١ وتثنية ١١: ٢٢ وص ١٣: ٦ عدد ٣٣: ٥٣

وَٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ هُوَ يَنْفِيهِمْ… فَتَمْلِكُونَ على الله نفيهم ولكم الملك وهذا من أعظم النعم.

كَمَا كَلَّمَكُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ بلسان موسى (انظر عدد ٣٣: ٥٠ – ٥٣) فالله وعدكم بملك هذه الأرض وهو لا يخلف الميعاد لأنه على كل شيء قدير. قال يشوع هذا ترغيباً وتشجيعاً لهم.

٦ «فَتَشَدَّدُوا جِدّاً لِتَحْفَظُوا وَتَعْمَلُوا كُلَّ ٱلْمَكْتُوبِ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى حَتَّى لاَ تَحِيدُوا عَنْهَا يَمِيناً أَوْ شِمَالاً».

ص ١: ٧ تثنية ٥: ٣٢ و٢٨: ١٤

فَتَشَدَّدُوا جِدّاً أي لذلك أي لأن الله وعدكم تشجعوا وتقوّوا ما استطعتم.

لِتَحْفَظُوا وَتَعْمَلُوا الحفظ لا يُغني عن العمل والعمل لا يكون صحيحاً إلا على وفق المحفوظ فوجب الحفظ والعمل معاً.

كُلَّ ٱلْمَكْتُوبِ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى من وجوب الاستيلاء على أرض أعدائه وحفظ توحيده. وكانت هذه الوصية ضرورية لأنهم داخلون إلى أرض وثنية فيها فخاخ الشرك والفجور والرذائل (انظر ع ٧ وص ١: ١ – ٩).

إن يشوع لما كان خادم الشريعة بعد موسى أراد أن يكون خلفاؤه خدامها أيضاً وأن يراعوا كل ما هو مكتوب فيها.

٧ «حَتَّى لاَ تَدْخُلُوا إِلَى هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبِ أُولَئِكَ ٱلْبَاقِينَ مَعَكُمْ، وَلاَ تَذْكُرُوا ٱسْمَ آلِهَتِهِمْ وَلاَ تَحْلِفُوا بِهَا وَلاَ تَعْبُدُوهَا وَلاَ تَسْجُدُوا لَهَا».

خروج ٢٢: ٣٣ وتثنية ٧: ٢ و٣ وأمثال ٤: ١٤ وأفسس ٥: ١١ خروج ٢٣: ١٣ وعدد ٣٢: ٣٨ ومزمور ١٦: ٤ وإرميا ٥: ٧ وصفنيا ١: ٥

لاَ تَدْخُلُوا إِلَى هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبِ أي لا تخالطوهم ولا تشهدوا ولائمهم وتعتادوا عباراتهم الوثنية وعاداتهم المحظورة ولا تتشبهوا بهم وتلتصقوا بقرابةٍ (انظر ع ١٢) «فإن المعاشرات الرديّة تفسد الأخلاق الجيدة» «لا تدخل في سبيل الأشرار ولا تسر في طريق الأثمة» «ولا تشتركوا في أعمال الظلمة».

لاَ تَذْكُرُوا ٱسْمَ آلِهَتِهِمْ لئلا تألفها مسامعكم فيضعف كرهكم إياها واقشعراركم منها فلا تتلفظوا بأسمائها إلا عند التحذير منها والنهي عنها (انظر تفسير خروج ٢٣: ١٣) وبذلك تميتون ذكرها. وهذا على وفق قول داود «لاَ أَذْكُرُ أَسْمَاءَهُمْ بِشَفَتَيَّ» وقوله تعالى «وَأَنْزِعُ أَسْمَاءَ ٱلْبَعْلِيمِ مِنْ فَمِهَا فَلاَ تُذْكَرُ أَيْضاً بِأَسْمَائِهَا» (مزمور ١٦: ٤ وهوشع ٢: ١٧).

وَلاَ تَحْلِفُوا بِهَا لأنه لا يُحلف إلا بالعظيم والقادر على الانتقام فالحلف بالآلهة الباطلة اعتراف بعظمتها وقدرتها وهي أحقر الأشياء وأضعف من كل ضعيف (انظر تفسير تثنية ٦: ١٣).

٨ «وَلٰكِنِ ٱلْصَقُوا بِٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ كَمَا فَعَلْتُمْ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

تثنية ١٠: ٢٠ و١١: ٢٢ و١٣: ٤ وص ٢٢: ٥

ٱلْصَقُوا بِٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ أي لوذوا به والجأوا إليه واقتربوا منه كل الاقتراب وقفوا أنفسكم له ولتمجيده واستمروا على ذلك بكل أمانة وإخلاص. وهذه العبارة من أبلغ الإيجاز وأجمله.

كَمَا فَعَلْتُمْ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ أي كما اجتهدتم أن تفعلوا وكما فعلتم على قدر إمكانكم باعتبار أنكم بشر ضعفاء فإن الإسرائيليين لم يكونوا معصومين ولكنهم كانوا مؤمنين مجتهدين في كل المدة التي قادهم يشوع فيها. وعبارة «هذا اليوم» كثيرة في هذا السفر.

٩ «قَدْ طَرَدَ ٱلرَّبُّ مِنْ أَمَامِكُمْ شُعُوباً عَظِيمَةً وَقَوِيَّةً. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ قُدَّامَكُمْ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

تثنية ١١: ٢٣ ص ١: ٥

طَرَدَ ٱلرَّبُّ مِنْ أَمَامِكُمْ شُعُوباً عَظِيمَةً وَقَوِيَّةً وسيطرد أمثالهم أمامكم (انظر تفسير تثنية ١١: ٢٣). وربما كان المراد أنه سيطرد وعبّر عن المستقبل بالماضي للتحقيق أو التحقق.

فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ قُدَّامَكُمْ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ فلا يقف أحد أمامكم بعده إذا بقيتم ملتصقين بالرب.

١٠ «رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُ أَلْفاً، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ هُوَ ٱلْمُحَارِبُ عَنْكُمْ كَمَا كَلَّمَكُمْ».

لاويين ٢٦: ٨ وتثنية ٣٢: ٣٠ وقضاة ٣: ٣١ و١٥: ١٥ و٢صموئيل ٢٣: ٨ خروج ١٤: ١٤ و٢٣: ٢٧ وتثنية ٣: ٢٢

رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُ أَلْفاً الخ هذا القول جرى يومئذ مجرى المثل على طرق مختلفة لتأكيد القوة والنصر على أن الله قادر أن يطرد ألفاً بإنسان واحد إذا كان هو المحارب عنه (انظر لاويين ٢٦: ٨ وتثنية ٣٢: ٣٠ وقضاة ٣: ٣١ و١٥: ١٥ وإشعياء ٣٠: ١٧).

١١ «فَٱحْتَفِظُوا جِدّاً لأَنْفُسِكُمْ أَنْ تُحِبُّوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ».

ص ٢٢: ٥

فَٱحْتَفِظُوا جِدّاً لأَنْفُسِكُمْ الخ أي انتبهوا واحفظوا لأنفسكم كل الحفظ محبة الرب فإن هذا هو شرط النجاح.

١٢ «وَلٰكِنْ إِذَا رَجَعْتُمْ وَلَصِقْتُمْ بِبَقِيَّةِ هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبِ، أُولَئِكَ ٱلْبَاقِينَ مَعَكُمْ، وَصَاهَرْتُمُوهُمْ وَدَخَلْتُمْ إِلَيْهِمْ وَهُمْ إِلَيْكُمْ».

عبرانيين ١٠: ٣٨ و٣٩ و٢بطرس ٢: ٢٠ و٢١ تثنية ٧: ٣

وَصَاهَرْتُمُوهُمْ وجعلتم قرابة بينكم وبينهم بالزيجة. إن اقتران الموحدين بالمشركات يفسد أذهان النسل لأن الأولاد يأخذون أول المبادئ عن الأمهات ومبادئ الوثنيات فاسدة مفسدة تتمكن في الولد إذ تغرس في ذهنه منذ أول إدراكه. وقد نهاهم موسى عن مصاهرتهم وفسر المصاهرة بقوله «لاَ تُعْطِ لابْنِهِ وَٱبْنَتَهُ لاَ تَأْخُذْ لابْنِكَ» وبيّن علة هذا النهي بقوله «لأَنَّهُ يَرُدُّ ٱبْنَكَ مِنْ وَرَائِي فَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى» (تثنية ٧: ٣ و٤).

وَدَخَلْتُمْ إِلَيْهِمْ وَهُمْ إِلَيْكُمْ أي تخالطتم وتعاشرتم.

١٣ «فَٱعْلَمُوا يَقِيناً أَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ لاَ يَعُودُ يَطْرُدُ أُولَئِكَ ٱلشُّعُوبَ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَيَكُونُوا لَكُمْ فَخّاً وَشَرَكاً وَسَوْطاً عَلَى جَوَانِبِكُمْ وَشَوْكاً فِي أَعْيُنِكُمْ، حَتَّى تَبِيدُوا عَنْ تِلْكَ ٱلأَرْضِ ٱلصَّالِحَةِ ٱلَّتِي أَعْطَاكُمْ إِيَّاهَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

قضاة ٢: ٣ خروج ٢٣: ٣٣ وعدد ٣٣: ٥٥ وتثنية ٧: ١٦ و١ملوك ١١: ٤

فَٱعْلَمُوا يَقِيناً أي اعلموا علم اليقين. قال هذا توكيداً للنعمة وتقريراً للتحذير في أذهانهم.

لَا يَعُودُ يَطْرُدُ أي لا يعود إلى أن يطرد أو يعود ولا يطرد. فترى من هنا أن مواعيد الله مقيّدة بالشروط فإذا لم تراعَ الشروط ولم يُنل الموعود ما توقعه ولم يكن ذلك إخلاف وعدٍ بل قياماً بالوعيد. فالله وعد بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية بشرط الإيمان فمن لم يؤمن يحرم منهما وهذا ليس بإخلاف الوعد بل ذلك إتمام الوعيد وهو «ومن لم يؤمن يدان».

فَخّاً وَشَرَكاً الخ فيصيدونكم لإرادتهم ويذيقونكم عذاب الهون ويطرحونكم يوم الدين حيث يُطرحون. ويقوون عليكم في هذه الأرض ويُبيدونكم فترجع البلاد إلى العبادة الوثنية بعد أن دخلتها العبادة الحقة بمشقات وتجارب وأرزاء كثيرة وتذهبون طعاماً للشيطان ويكون عذابكم يوم الدين وما بعده أضعاف عذاب الوثنيين لأنكم شاهدتم ما لم يشاهدوا وعرفتم ما لم يعرفوا من حقوق الله وآلائه وسمعتم صوت الله بفم أنبيائه الذي صنعوا المعجزات أمام عيونكم وأدركتم معاني الشريعة الإلهية واختبرتم عاقبة المعصية والخيانة وعرفتم أن الرب إله غيور مع أنه محب رحيم.

١٤ – ١٦ «١٤ وَهَا أَنَا ٱلْيَوْمَ ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا. وَتَعْلَمُونَ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَكُلِّ أَنْفُسِكُمْ أَنَّهُ لَمْ تَسْقُطْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جَمِيعِ ٱلْكَلاَمِ ٱلصَّالِحِ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ عَنْكُمُ. ٱلْكُلُّ صَارَ لَكُمْ. لَمْ تَسْقُطْ مِنْهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. ١٥ وَيَكُونُ كَمَا أَنَّهُ أَتَى عَلَيْكُمْ كُلُّ ٱلْكَلاَمِ ٱلصَّالِحِ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ عَنْكُمْ، كَذٰلِكَ يَجْلِبُ عَلَيْكُمُ ٱلرَّبُّ كُلَّ ٱلْكَلاَمِ ٱلرَّدِيءِ حَتَّى يُبِيدَكُمْ عَنْ هٰذِهِ ٱلأَرْضِ ٱلصَّالِحَةِ ٱلَّتِي أَعْطَاكُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ. ١٦ حِينَمَا تَتَعَدَّوْنَ عَهْدَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمُ ٱلَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ وَتَسِيرُونَ وَتَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى وَتَسْجُدُونَ لَهَا، يَحْمَى غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَيْكُمْ فَتَبِيدُونَ سَرِيعاً عَنِ ٱلأَرْضِ ٱلصَّالِحَةِ ٱلَّتِي أَعْطَاكُمْ».

١ملوك ٢: ٢ وعبرانيين ٩: ٢٧ ص ٢١: ٤٥ ولوقا ٢١: ٣٣ تثنية ٢٨: ٦٣ لاويين ٢٦: ١٦ وتثنية ٢٨: ١٥ و١٦ الخ

ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا أي ذاهب في الطريق التي يذهب فيها كل الأحياء على الأرض وهي طريق الموت أو الطريق إلى القبر والهاوية. وهذه العبارة جرت عندهم مجرى المثل في عموم الموت (انظر ١ملوك ٢: ٢). فالموت سفر الجسد إلى التراب والنفس إلى المقام الأبدي في دار السعادة أو دار الشقاء. وأنبأهم يشوع بقرب وفاته ليحرصوا على كلماته الأخيرة كل الحرص إذ بعد قليل يسكت ذلك الفم الذي اعتادته مسامعهم فتتأصل كلماته في أفئدتهم التي يكاد ذلك النبأ يذيبها. ولا يخفى على العاقل ما لكلام المشرف على الوفاء من التأثير وانطباع النفوس على حب سمع آخر كلمات الحبيب المحب الباذل نفسه في سبيل أحبائه.

وَتَعْلَمُونَ وإذ علمتم ذلك وجب أن تثقوا بأن الله لا يرجع عن وعده ولا وعيده فإن قمتم بشرط الوعد وفى لكم به وإلا قام بما اقتضاه الوعيد فغضب عليكم وأبادكم من الأرض الطيبة وشتتكم في البلاد وضرب عليكم الذلّ وصبّ عليكم الأرزاء وجعلكم عبرة للعالمين.

فوائد

  1. إنه يجب أن يزيد الإنسان على توالي تقدمه في السن علماً واختباراً وحكمة وتقوى كما كان من تقدم يشوع في سنه. فإنه وهو في سن العاشرة والمئة كان يغار للرب ويحبه ويحب شعبه ويسعى في خيرهم.
  2. إنه يجب أن تكون خاتمة حياتنا سارّة لله ولأنفسنا ولأهلنا ومعارفنا وأمتنا وسائر الناس كما كانت خاتمة حياة يشوع.
  3. إنه يجب تنبيه الصديق عند حصوله على الراحة لئلا ينسى واهبها له (ع ١ – ١٦).
  4. إنه يجب إطاعة كل الشريعة فلا يجوز لنا أن نطيع بعضها ونتعدى سائرها (ع ٧).
  5. إنه يجب أن نعيش في العالم كأننا لسنا في العالم (ع ٧).
  6. إنه يجب أن لا نذكر الأشرار ولا الأمور القبيحة ولا نفتكر بها إلا ما يقتضي لإنذار غيرنا (ع ٧).
  7. إن القيام بالواجبات ضمانة للانتصار على التجارب (ع ٦ – ٨).
  8. إن فوزنا بقوة الله لا بقوتنا وإن كان بذلها في سبيل الله واجباً (ع ٩ و١٠) فسرّ النجاح عون الله.
  9. إن الرجل الواحد الذي هو مع الله والله معه هو جيش كبير (ع ١٠).
  10. إنه يجب علينا أن نحب الله (ع ١١) ولا شيء يحرّضنا على الخدمة ويثبتنا فيها إلا المحبة.
  11. إٰن تأثير محبتنا لله في نفوسنا شدة الرغبة في أن نفعل ما يرضيه (ع ١١ ورومية ١٣: ١٠) ورغبتنا في إرضائه دليل على محبتنا له.

    إن معاشرة الرذلاء خسران عظيم فإن قرين السوء يعدي قرينه. ويستدل على صفات المرء من صفات عشيره وخليطه (ع ١٣ و١٤) قال الشاعر:

  12. عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

    إن الموت عام لكل حي على الأرض (ع ١٤) فيجب أن نستعد للموت كل يوم ونعيش للأبدية لا لهذا العالم الزائل.

  13. إن الله الذي لا يخلف الميعاد لا يخلف الوعيد (ع ١٥).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى