سفر يشوع

سفر يشوع | 22 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر يشوع

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ

صرف السبطين ونصف السبط إلى أرضهم شرقي الأردن

١ «حِينَئِذٍ دَعَا يَشُوعُ ٱلرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَٱلْجَادِيِّينَ وَنِصْفَ سِبْطِ مَنَسَّى».

حِينَئِذٍ أي حين تمت قسمة الأرض غربي الأردن وتعيين مدن اللاويين الثماني والأربعين.

٢، ٣ «٢ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ قَدْ حَفِظْتُمْ كُلَّ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ، وَسَمِعْتُمْ صَوْتِي فِي كُلِّ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، ٣ وَلَمْ تَتْرُكُوا إِخْوَتَكُمْ هٰذِهِ ٱلأَيَّامَ، ٱلْكَثِيرَةَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، وَحَفِظْتُمْ مَا يُحْفَظُ وَصِيَّةُ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ».

عدد ٣٢: ٢٠ وتثنية ٣: ١٨ ص ١: ١٦ و١٧

هاتين الآيتين بيان إتمام ما قيل في (ص ١: ١٢ – ١٥) وقيام الرأوبينيين والجاديين ونصف سبط منسى بوعدهم في (ص ١: ١٦ – ١٨ وعدد ٣٢: ٢٥ – ٢٧).

حَفِظْتُمْ كُلَّ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ وهو قوله «إِنْ فَعَلْتُمْ هٰذَا ٱلأَمْرَ، إِنْ تَجَرَّدْتُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ لِلْحَرْبِ وَعَبَرَ ٱلأُرْدُنَّ كُلُّ مُتَجَرِّدٍ مِنْكُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ حَتَّى طَرَدَ أَعْدَاءَهُ مِنْ أَمَامِهِ، وَأُخْضِعَتِ ٱلأَرْضُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَبَعْدَ ذٰلِكَ رَجَعْتُمْ، فَتَكُونُونَ أَبْرِيَاءَ مِنْ نَحْوِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ نَحْوِ إِسْرَائِيلَ، وَتَكُونُ هٰذِهِ ٱلأَرْضُ مُلْكاً لَكُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ» (عدد ٣٢: ٢٠ – ٢٢). وقوله «مُتَجَرِّدِينَ تَعْبُرُونَ أَمَامَ إِخْوَتِكُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كُلُّ ذَوِي بَأْسٍ… حَتَّى يُرِيحَ ٱلرَّبُّ إِخْوَتَكُمْ مِثْلَكُمْ» (تثنية ٣: ١٨ – ٢٠).

سَمِعْتُمْ صَوْتِي الخ أي أطعتم كل أوامري حسب وعدكم (ص ١: ١٦ و١٧).

لَمْ تَتْرُكُوا إِخْوَتَكُمْ هٰذِهِ ٱلأَيَّامَ، ٱلْكَثِيرَةَ (ع ٣) وذلك نحو سبع سنين قضاها الإسرائيليون بإخضاع الكنعانيين والاستيلاء على الأرض. ولكن من المحتمل أنهم كانوا أحياناً يزورون عيالهم شرقي الأردن وقتاً قصيراً لهدنة أو لمانع من موانع الحرب. وكان رجال السبطين ونصف السبط نحو ٤٠٠٠٠ مستعدين لكل ما يُدعون إليه. ولا ريب في أنهم كانوا يبذلون الجهد في الجهاد والاستيلاء ليرجعوا إلى بيوتهم ويشاهدوا الأهل والأولاد ويعتنوا بأرضهم. ومع طول المدة كانوا صابرين على الفراق يجاهدون بأمانة إطاعة لله وقياماً بوفاء العهد فرجعوا إلى أوطانهم يباركون ويمدحون (ع ٦).

وَحَفِظْتُمْ مَا يُحْفَظُ وَصِيَّةُ ٱلرَّبِّ «وصية الرب» بيان لقوله «ما يُحفظ» والمعنى أنكم حفظتم ما يستحق أن يُحفظ وهو وصية الرب أي أطعتم أمر الرب ووفيتم بوعدكم وذلك من الأمور المستحقة أن تقوموا بها حق القيام. وفي هذا مدح لهم وتعظيم أوامر الله وحث على إطاعتها.

٤ «وَٱلآنَ قَدْ أَرَاحَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ إِخْوَتَكُمْ كَمَا قَالَ لَهُمْ. فَٱنْصَرِفُوا ٱلآنَ وَٱذْهَبُوا إِلَى خِيَامِكُمْ فِي أَرْضِ مُلْكِكُمُ ٱلَّتِي أَعْطَاكُمْ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ، فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ».

عدد ٣٢: ٣٣ وتثنية ٢٩: ٨ وص ١٣: ٨

ٱذْهَبُوا إِلَى خِيَامِكُمْ ربما تعجب بعض القرّاء من ذكر الخيام هنا مع أن الأرض التي استولوا عليها شرقي الأردن كانت كثيرة المدن والقرى وكانوا قد أصلحوا أو رمموا ما تهدّم منها كديبون وعطاروت وعروعير وعطروت شوفان ويعزيز ويجبهة وبيت نمرة وبيت هاران من المدن المحصنة (عدد ٣٢: ٣٤ – ٣٨ انظر التفسير أيضاً). ولكن يرتفع العجب إذا عُرف أن الإسرائيليين تقضّى عليهم أربعون سنة يسكنون فيها الخيام في البرية ولما استولوا على أرض كنعان ضربوا تلك الخيام في الساحات وعلى السطوح وكانوا في فصل الصيف يخرجون من المدن وينصبون الخيام في الحقول والبساتين. وكانت هذه العادة منذ عصر أيوب وما زال كذا حتى غلب اسم الخيمة كل أسماء المنازل فأُطلقت على البيوت الحجرية وغيرها بناء على أن كل أبنية هذا العالم زائلة كالخيمة. وربما أراد يشوع هذا المعنى هنا على أن لا حاجة هنا إلى المجاز وإن كثر في هذا السفر (انظر ٢صموئيل ١٨: ١٧ و٢٠: ١ و١ملوك ١٢: ١٦ وأيوب ٢٩: ٤ و٣١: ٣١ ومزمور ٧٨: ٦٧ و١٣٢: ٣ وإرميا ١٠: ٢٠ وأعمال ١٥: ١٦).

٥ «وَإِنَّمَا ٱحْرِصُوا جِدّاً أَنْ تَعْمَلُوا ٱلْوَصِيَّةَ وَٱلشَّرِيعَةَ ٱلَّتِي أَمَرَكُمْ بِهَا مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ أَنْ تُحِبُّوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ وَتَسِيرُوا فِي كُلِّ طُرُقِهِ وَتَحْفَظُوا وَصَايَاهُ وَتَلْصَقُوا بِهِ وَتَعْبُدُوهُ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَبِكُلِّ نَفْسِكُمْ».

تثنية ٦: ٦ و١٧ و١١: ٢٢ تثنية ١٠: ١٢

إِنَّمَا ٱحْرِصُوا جِدّاً أَنْ تَعْمَلُوا ٱلْوَصِيَّةَ وَٱلشَّرِيعَةَ الخ أي أنكم أطعتم الرب ووفيتم بوعدكم ولكن يجب أن تبقوا على إطاعة أوامر الله في الشريعة فقيامكم بالواجب اليوم لا يغنيكم عن القيام بالواجب غداً. وأمر يشوع إياهم ذلك يدل على حبه لهم وغيرته لله وتزويده إياهم أحسن الزاد.

٦ «ثُمَّ بَارَكَهُمْ يَشُوعُ وَصَرَفَهُمْ، فَذَهَبُوا إِلَى خِيَامِهِمْ».

تكوين ٤٧: ٧ وخروج ٣٩: ٤٣ وص ١٤: ١٣ و٢صموئيل ٦: ١٨ ولوقا ٢٤: ٥٠

بَارَكَهُمْ دعا لهم بالبركات والمواهب الروحية والجسدية والحفظ والوقاية وسائر ما يسرّ الله ويسرّهم وأن يصلوا إلى أرضهم بسلام ويسرّون بالأهل والأولاد ويسرّ أولئك بهم إلى غير ذلك من أمثاله. قد أكملوا الحرب ورجعوا إلى الوطن وطن الراحة والسلام. والمسيحي متى أكمل جهاده على هذه الأرض يدخل الوطن السماوي وطن المسرّة والسعادة الأبدية.

٧ «وَلِنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى أَعْطَى مُوسَى فِي بَاشَانَ، وَأَمَّا نِصْفُهُ ٱلآخَرُ فَأَعْطَاهُمْ يَشُوعُ مَعَ إِخْوَتِهِمْ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ غَرْباً. وَعِنْدَمَا صَرَفَهُمْ يَشُوعُ أَيْضاً إِلَى خِيَامِهِمْ بَارَكَهُمْ».

ص ١٧: ٥

وَلِنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى أَعْطَى مُوسَى فِي بَاشَانَ هذه الآية كلام معترض جاء به بياناً لعلة أن نصف منسى أخذ نصيبه غربي الأردن دون النصف الآخر. و«باشان» كورة من أرض كنعان بين جبل حرمون وهو جبل الشيخ وجبل جلعاد.

٨، ٩ «٨ وَقَالَ لَهُمْ: بِمَالٍ كَثِيرٍ ٱرْجِعُوا إِلَى خِيَامِكُمْ، وَبِمَوَاشٍ كَثِيرَةٍ جِدّاً بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَمَلاَبِسَ كَثِيرَةٍ جِدّاً. اِقْسِمُوا غَنِيمَةَ أَعْدَائِكُمْ مَعَ إِخْوَتِكُمْ. ٩ فَرَجَعَ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى، وَذَهَبُوا مِنْ عِنْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ شِيلُوهَ ٱلَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ لِيَسِيرُوا إِلَى أَرْضِ جِلْعَادَ، أَرْضِ مُلْكِهِمِ ٱلَّتِي تَمَلَّكُوا بِهَا حَسَبَ قَوْلِ ٱلرَّبِّ عَلَى يَدِ مُوسَى».

عدد ٣١: ٢٧ و١صموئيل ٣٠: ٢٤ عدد ٣٢: ١ و٢٦ و٢٩

بِمَالٍ كَثِيرٍ ٱرْجِعُوا إِلَى خِيَامِكُمْ لعله ظهر لهم في أول الأمر أنه أحسن لهم أن يبقوا مع أهلهم ومواشيهم في أنصبتهم شرقي الأردن ولا يتعبوا أو يسخروا أو يخاطروا بنفوسهم باشتراكهم في حروب إخوتهم غربي الأردن. ولعلهم قالوا في قلوبهم لماذا نحارب معهم ما دام نفع الحرب كله لهم. ولكنهم حفظوا شرفهم ووفوا بوعدهم فلم يخسروا بل ربحوا أولاً رضى الله ثم رضى إخوتهم وتوطيد المملكة كلها شرقاً وغرباً وفوق ذلك مالاً كثيراً. وكل من يطلب أولاً ملكوت الله أي القيام بواجباته لله يُزاد له من خيرات هذا العالم.

اِقْسِمُوا غَنِيمَةَ أَعْدَائِكُمْ مَعَ إِخْوَتِكُمْ أي الذين بقوا منهم شرقي الأردن يحرسون العيال والأملاك وهذا الأمر لا يستلزم أن حصص المجاهدين والباقين من الغنيمة متساوية. والذي يظهر للعقل ويؤيده الكتاب أن الذين خرجوا للحرب كانوا الأبطال المجرّبين وهؤلاء أقل من الباقين فكان النصف لهم والنصف للباقين (انظر عدد ٣١: ٢٧).

ويجب على القوي أن يحمل الضعفاء وعلى المقتدرين على تحصيل المال أن ينفقوا على نسائهم وأولادهم ووالديهم العواجز والمرضى والفقراء. والعواجز هم القسم الأكبر في العالم.

١٠ «وَجَاءُوا إِلَى دَائِرَةِ ٱلأُرْدُنِّ ٱلَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَبَنَى بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى هُنَاكَ مَذْبَحاً عَلَى ٱلأُرْدُنِّ، مَذْبَحاً عَظِيمَ ٱلْمَنْظَرِ».

تكوين ١٣: ١٠ و١١ و١٢ و١٩: ١٧ و٢٥

دَائِرَةِ ٱلأُرْدُنِّ وتُسمى اليوم الغور (انظر تفسير تكوين ١٣: ١٠). والظاهر أنها سُميت «بالدائرة» لأن الأرض بين منحنىً كبير من الأردن صارت به الأرض كشبه جزيرة على هيئة الدائرة.

وَبَنَى… مَذْبَحاً عَظِيمَ ٱلْمَنْظَرِ كان هذا المذبح من الحجارة عالياً يُنظر من أمد بعيد وأقاموه آية على أنهم من بني إسرائيل وإنهم عبدة إله إسرائيل الإله الحق الحي الأزلي الأبدي وجعلوه على هيئة مذبح المحرقة في خيمة الشهادة ليكون شاهداً لهم بأن الإسرائيليين الذين غربي الأردن هم منهم وارثوا أرض كنعان معهم (انظر ع ٢١ و٢٩). والمرجّح أن ذلك المذبح كان على شاطئ الأردن الغربي. ظنّ كوندر أنه عند قرون سرطانه على بُعد ١١ ميلاً إلى الشمال الشرقي من سيلون أي شيوله و٢٠ ميلاً شمالي أريحا وقرب الطريق الممتدة من شيلوه إلى جلعاد. وعلوّ هذا الجبل عن السهل نحو ٢٠٠٠ قدم إلا من جهة الغرب فعلوه ٢٧٠ قدماً فيُرى من بعيد من كل الجهات. وعلى قمة الجبل بناء قديم علوه ١١ قدماً من حجارة كبيرة منحوتة على شكل قاعدة مذبح. واسم الوادي من الجهة الشمالية طلعة أبو عيد.

١١، ١٢ «١١ فَسَمِعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَوْلاً: هُوَذَا قَدْ بَنَى بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى مَذْبَحاً فِي وَجْهِ أَرْضِ كَنْعَانَ فِي دَائِرَةِ ٱلأُرْدُنِّ مُقَابِلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ١٢ وَلَمَّا سَمِعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱجْتَمَعَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي شِيلُوهَ لِيَصْعَدُوا إِلَيْهِمْ لِلْحَرْبِ».

تثنية ١٣: ١٢ الخ وقضاة ٢٠: ١٢ قضاة ٢٠: ١

لِيَصْعَدُوا إِلَيْهِمْ لِلْحَرْبِ لأنهم ظنوهم أنهم أقاموا ذلك المذبح ليستقلوا عن الجماعة ويعبدوا الرب بتقديم الذبائح والمحرقات في غير الموضع الذي عيّنه الرب أو أنهم بنوه لإله آخر.

١٣، ١٤ «١٣ فَأَرْسَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى إِلَى أَرْضِ جِلْعَادَ، فِينَحَاسَ بْنَ أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنَ ١٤ وَعَشَرَةَ رُؤَسَاءَ مَعَهُ، رَئِيساً وَاحِداً مِنْ كُلِّ بَيْتِ أَبٍ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ رَئِيسُ بَيْتِ آبَائِهِمْ فِي أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ».

تثنية ١٣: ١٤ وقضاة ٢٠: ١٢ خروج ٦: ٢٥ وعدد ٢٥: ٧ عدد ١: ٤

فَأَرْسَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الذين غربي الأردن وهم التسعة الأسباط ونصف السبط.

فِينَحَاسَ بْنَ أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنَ لأن المسئلة دينية وذات شأن (انظر عدد ٢٥: ٧ والتفسير).

كان فينحاس بن العازار بن هارون وامتاز لغيرته للرب عندما اخطأ بنو إسرائيل في بعل فغور وابتدأ الوباء بينهم (عدد ٢٥: ٧) فمدحه الرب ووعده ونسله بكهنوت أبدي (عدد ٢٥: ١٠ – ١٣). فارتقى وكان مدبراً ومشيراً في أزمنة خطرة كحرب مديان (عدد ٣١: ٦) وهنا وفي حرب بنيامين (قضاة ٢٠: ٢٨). وذُكر في مزمور ١٠٦: ٣٠ و٣١). وذُكر بنو فينحاس بين الكهنة الذين رجعوا من السبي (عزرا ٨: ٢). واسم فينحاس اسم مصري وقيل إن قبره عند أوسته على بعد ٤ أميال من نابلس.

وَعَشَرَةَ رُؤَسَاءَ هم نواب الأسباط التسعة ونصف السبط لينظروا مع الكاهن في أمر ذلك المذبح ويخطبوا البانين له في أمره.

١٥، ١٦ «١٥ فَجَاءُوا إِلَى بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى إِلَى أَرْضِ جِلْعَادَ، وَقَالَ لَهُمْ: ١٦ هٰكَذَا قَالَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ ٱلرَّبِّ: مَا هٰذِهِ ٱلْخِيَانَةُ ٱلَّتِي خُنْتُمْ بِهَا إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ، بِٱلرُّجُوعِ ٱلْيَوْمَ عَنِ ٱلرَّبِّ، بِبُنْيَانِكُمْ لأَنْفُسِكُمْ مَذْبَحاً لِتَتَمَرَّدُوا ٱلْيَوْمَ عَلَى ٱلرَّبِّ؟».

لاويين ١٧: ٨ و٩ وتثنية ١٢: ١٣ و١٤

هٰكَذَا قَالَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ ٱلرَّبِّ أي كل بني إسرائيل الذين غربي الأردن. وقال «كل جماعة الرب» ولم يقل كل الإسرائيليين ليبين لهم الحق في الانتصار للرب لأنهم جماعته.

مَا هٰذِهِ ٱلْخِيَانَةُ الخ كان بناء المذبح هنا أو في مكان آخر غير الذي عيّنه الرب خيانة بناء على ما جاء في سفر اللاويين (انظر لاويين ١٧: ٨ و٩ والتفسير) وما جاء في سفر التثنية (انظر تثنية ١٢: ١٣ و١٤ والتفسير) ويدلك أن هذا هو المعنى جواب بناء المذبح لهم (انظر ع ٢١ – ٢٩).

«والخيانة» ضد الأمانة ونقض العهد وعدم الإخلاص. «والتمرد» هنا العصيان مع الكبرياء والعتوّ. وسخط الرب على كل إسرائيل لخطاء بعضهم يتمّ بسكوت غير المرتكبين الخطاء عن الذين ارتكبوه. وهذه من جملة حجتهم على بناء ذلك المذبح. «والسخط» الغضب أو هو غضب الأعلى على الأدنى أو غضب العاقل على من هو دونه.

١٧، ١٨ «١٧ أَقَلِيلٌ لَنَا إِثْمُ فَغُورَ ٱلَّذِي لَمْ نَتَطَهَّرْ مِنْهُ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، وَكَانَ ٱلْوَبَأُ فِي جَمَاعَةِ ٱلرَّبِّ، ١٨ حَتَّى تَرْجِعُوا أَنْتُمُ ٱلْيَوْمَ عَنِ ٱلرَّبِّ؟ فَيَكُونُ أَنَّكُمُ ٱلْيَوْمَ تَتَمَرَّدُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ، وَهُوَ غَداً يَسْخَطُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ».

عدد ٢٥: ٣ و٤ وتثنية ٤: ٣ عدد ١٦: ٢٢

أَقَلِيلٌ لَنَا إِثْمُ فَغُورَ أي عبادة البعل التي كانت عبادته تُقام في مدينة فغور (عدد ٢٥: ١ – ٣ انظر التفسير) فإن بعض الإسرائيليين مالوا إلى النساء الموآبيات فدعونهم إلى عبادة البعل فأكلوا طعام ولائم الذبح لذلك الإله الباطل وسجدوا له فضرب الله كل الشعب بالوباء فأهلك أربعة وعشرين ألفاً لأن الشعب لم ينتبه لذلك ويسعى في كف الزناة ومعاقبتهم. والاستفهام هنا إنكاري فمعنى العبارة أن الإثم الذي هو السجود لبعل فغور ليس بقليل أي هو إثم فظيع جداً.

ٱلَّذِي لَمْ نَتَطَهَّرْ مِنْهُ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ أي ما زلنا نتألم من تذكاره ولا يزال عاره علينا فلم نخلص من العقاب عليه. إن تذكار الإثم وعاره من عقابه الدائم. ولعل هذا القول وغيره من أقوال الأتقياء في العهد القديم يشير إلى أنه لا تُرفع الخطايا إلا بدم المسيح (عبرانيين ١٠: ٤). ولعل فينحاس ظن أن الغاية في بناء المذبح عبادة وثنية قبيحة كعبادة البعل في بيت فغور.

ومفاد هاتين الآيتين أن بناء مذبح لغير الرب أو تقديم الذبائح والمحرقات له على غير المذبح الذي عيّنه رجوع عن الرب فيضرب كل الشعب لإثم الذين بنوه كما ضربه لإثم الذين سجدوا لبعل فغور وما كان ذلك الإثم بقليل حتى تزيدوا عليه ولم نتخلص من عقابه إلى الآن حتى تجلبوا علينا عقاباً جديداً بارتكابكم هذا الإثم وهو بناء هذا المذبح لما ذُكر.

عَلَى كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ (انظر ع ٢٠).

١٩ «وَلٰكِنْ إِذَا كَانَتْ نَجِسَةً أَرْضُ مُلْكِكُمْ فَٱعْبُرُوا إِلَى أَرْضِ مُلْكِ ٱلرَّبِّ ٱلَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا مَسْكَنُ ٱلرَّبِّ وَتَمَلَّكُوا بَيْنَنَا، وَعَلَى ٱلرَّبِّ لاَ تَتَمَرَّدُوا، وَعَلَيْنَا لاَ تَتَمَرَّدُوا بِبِنَائِكُمْ لأَنْفُسِكُمْ مَذْبَحاً غَيْرَ مَذْبَحِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا».

ص ١٨: ١

وَلٰكِنْ إِذَا كَانَتْ نَجِسَةً أَرْضُ مُلْكِكُمْ هذا فرض ثالث لإقامتهم ذلك المذبح فإن نوّاب العشرة الأسباط فرضوا في الآيتين السابقتين فرضين الأول أن السبطين ونصف السبط بنوا ذلك المذبح لغير الرب. والثاني أنهم بنوه للرب وهو ممنوع كما ذُكر أنفاً (انظر تفسير ع ١٥ و١٦). والثالث أنهم رأوا أرضهم نجسة لخلوها من مذبح تُقدّم عليه الذبائح والمحرقات للرب فأرادوا تطهيرها بإقامة ذلك المذبح. والفروض الثلاثة ليست بصحيحة كما سيأتي.

فَٱعْبُرُوا إِلَى أَرْضِ مُلْكِ ٱلرَّبِّ الخ أي إنهم يعطونهم أنصبة من أنصبتهم غربي الأردن وإن ذلك أيسر عليهم من أن يتمردوا على الرب وعليهم.

أَرْضُ مُلْكِكُمْ… أَرْضِ مُلْكِ ٱلرَّبِّ إشارة إلى أن أرض مُلكهم هي أرض اختاروها لنفوسهم وليست أرض الرب أرض مقدسة وأما أرض إخوتهم فهي الأرض الموعود بها والمعيّنة لهم من الرب. والظاهر أن حكمه في هذا الأمر حكم بلا معرفة كافية لأن سكناهم شرقي الأرض بإذن الرب (ص ١: ١٣) وبعد اشتراكهم في حروب إخوتهم. ومع ذلك لنا فائدة روحية وهي أن من يختار لنفسه يكون عرضة للخطر والتعب والخسارة فالأولى إن الرب يختار لنا فنقبل بالشكر مهما يعطينا.

٢٠ «أَمَا خَانَ عَخَانُ بْنُ زَارَحَ خِيَانَةً فِي ٱلْحَرَامِ، فَكَانَ ٱلسَّخَطُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ رَجُلٌ لَمْ يَهْلِكْ وَحْدَهُ بِإِثْمِهِ».

ص ٧: ١ و٥

أَمَا خَانَ عَخَانُ بْنُ زَارَحَ هذا دليل ثانٍ على أن الرب يضرب كل الشعب لإثم بعضه إذا غفل الشعب عنه ولم يعاقبه عليه. والدليل الأول إثم السجود للبعل على ما ذُكر في الآيات السابقة. وخيانة عخان ذُكرت في (ص ٧) وفُصلّت في التفسير فارجع إليه.

لَمْ يَهْلِكْ وَحْدَهُ بِإِثْمِهِ أي مع أنه شخص واحد ضرب الشعب كله بإثمه فكيف تكون ضربة الشعب بإثم سبطين ونصف سبط من اثني عشر أو إثم خمسة من أربعة وعشرين. فإنه هلك كل أهل بيت عخان بإثمه وستة وثلاثون من أبطال الحرب وانكسرت جنود إسرائيل.

٢١ – ٢٩ «٢١ فَأَجَابَ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى رُؤَسَاءَ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ: ٢٢ إِلٰهُ ٱلآلِهَةِ ٱلرَّبُّ، إِلٰهُ ٱلآلِهَةِ ٱلرَّبُّ هُوَ يَعْلَمُ، وَإِسْرَائِيلُ سَيَعْلَمُ. إِنْ كَانَ بِتَمَرُّدٍ وَإِنْ كَانَ بِخِيَانَةٍ عَلَى ٱلرَّبِّ، لاَ تُخَلِّصْنَا هٰذَا ٱلْيَوْمَ. ٢٣ بُنْيَانُنَا لأَنْفُسِنَا مَذْبَحاً لِلرُّجُوعِ عَنِ ٱلرَّبِّ، أَوْ لإِصْعَادِ مُحْرَقَةٍ عَلَيْهِ أَوْ تَقْدِمَةٍ أَوْ لِعَمَلِ ذَبَائِحِ سَلاَمَةٍ عَلَيْهِ، فَٱلرَّبُّ هُوَ يُطَالِبُ. ٢٤ وَإِنْ كُنَّا لَمْ نَفْعَلْ ذٰلِكَ خَوْفاً وَعَنْ سَبَبٍ قَائِلِينَ: غَداً يَقُولُ بَنُوكُمْ لِبَنِينَا: مَا لَكُمْ وَلِلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ! ٢٥ قَدْ جَعَلَ ٱلرَّبُّ تُخُماً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يَا بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ. ٱلأُرْدُنُّ. لَيْسَ لَكُمْ قِسْمٌ فِي ٱلرَّبِّ. فَيَرُدُّ بَنُوكُمْ بَنِينَا حَتَّى لاَ يَخَافُوا ٱلرَّبَّ. ٢٦ فَقُلْنَا نَصْنَعُ نَحْنُ لأَنْفُسِنَا. نَبْنِي مَذْبَحاً، لاَ لِلْمُحْرَقَةِ وَلاَ لِلذَّبِيحَةِ، ٢٧ بَلْ لِيَكُونَ هُوَ شَاهِداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَجْيَالِنَا بَعْدَنَا، لِنَخْدِمَ خِدْمَةَ ٱلرَّبِّ أَمَامَهُ بِمُحْرَقَاتِنَا وَذَبَائِحِنَا وَذَبَائِحِ سَلاَمَتِنَا، وَلاَ يَقُولُ بَنُوكُمْ غَداً لِبَنِينَا: لَيْسَ لَكُمْ قِسْمٌ فِي ٱلرَّبِّ. ٢٨ وَقُلْنَا: يَكُونُ مَتَى قَالُوا كَذَا لَنَا وَلأَجْيَالِنَا غَداً، أَنَّنَا نَقُولُ: اُنْظُرُوا شِبْهَ مَذْبَحِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي عَمِلَ آبَاؤُنَا، لاَ لِلْمُحْرَقَةِ وَلاَ لِلذَّبِيحَةِ، بَلْ هُوَ شَاهِدٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. ٢٩ حَاشَا لَنَا مِنْهُ أَنْ نَتَمَرَّدَ عَلَى ٱلرَّبِّ وَنَرْجِعَ ٱلْيَوْمَ عَنِ ٱلرَّبِّ لِبِنَاءِ مَذْبَحٍ لِلْمُحْرَقَةِ أَوِ ٱلتَّقْدِمَةِ أَوِ ٱلذَّبِيحَةِ، عَدَا مَذْبَحِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا ٱلَّذِي هُوَ قُدَّامَ مَسْكَنِهِ».

تكوين ٣٣: ٢٠ وتثنية ١٠: ١٧ و١ملوك ٨: ٣٩ وأيوب ١٠: ٧ و٢٣: ١٠ ومزمور ٤٤: ٢١ و١٣٩: ١ و٢ وإرميا ١٢: ٣ و٢كورنثوس ١١: ١١ و٣١ تثنية ١٨: ١٩ و١صموئيل ٢٠: ١٦ تكوين ٣١: ٤٨ وع ٣٤ وص ٢٤: ٢٧ تثنية ١٢: ٥ و٦ و١١ و١٢ و١٧ و١٨ و٢٦ و٢٧ تثنية ١٢: ١٣ و١٤

إِلٰهُ ٱلآلِهَةِ ٱلرَّبُّ (ع ٢٢) لفظوا بالعبرانية ثلاثة أسماء للجلالة وهي إيل وإيلوهيم ويهوه وهذه الأسماء الثلاثة هي التي لها احترام خصوصي لفظوها مرة ثانية إشارة إلى إخلاصهم وشدة عواطفهم القلبية.

لاَ تُخَلِّصْنَا هٰذَا ٱلْيَوْمَ (ع ٢٢) أي ليهلكنا الله أي إن كنا نقصد ببنياننا خيانة فليهلكنا الرب.

بُنْيَانُنَا (ع ٢٣) الكلام هنا محذوف منه وتقدير المحذوف «إن كان».

فَٱلرَّبُّ هُوَ يُطَالِبُ أي ينتقم أو يعاقب.

وَإِنْ كُنَّا لَمْ نَفْعَلْ ذٰلِكَ الخ (ع ٢٤) جواب الشرط محذوف تقديره فالرب يطالب كما يدل عليه ما قبله. والمراد أنهم أقاموا ذلك المذبح خوفاً من أن يُدعى أنهم ليسوا من إسرائيل أو من سبب آخر يفصلهم عن شعب الله.

قَدْ جَعَلَ ٱلرَّبُّ تُخُماً بَيْن… ٱلأُرْدُنُّ (ع ٢٥). عمق وادي الأردن عن الجبال التي على جانبيه من ٣٠٠٠ قدم إلى ٤٠٠٠ والنزول إلى الوادي والطلوع منه متعبان جداً ولا سيما في أيام الحر الشديد. فكان صعوبات عظيمة في سبيل المعاشرات والاتحاد بين القسمين أي شرقي الأردن وغربيه. وقولهم أنه يظن أنه من الرب أي تخم طبيعي لا يتجاوز.

لَيْسَ لَكُمْ قِسْمٌ فِي ٱلرَّبِّ (ع ٢٥ و٢٧) أي لا علاقة لكم بالرب فهو لنا وليس لكم منه شيء من البركات والامتيازات التي منحنا إياها. وحينئذ يخشى أن تلتظى الحرب بين الفريقين ويُقتل كثيرون كما كان من أمر أفرايم والجلعاديين (انظر قضاة ١٢: ٤ – ٦).

اُنْظُرُوا شِبْهَ مَذْبَحِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي عَمِلَ آبَاؤُنَا، لاَ لِلْمُحْرَقَةِ وَلاَ لِلذَّبِيحَةِ (ع ٢٨) تكلم الآباء هنا بلسان الأبناء الذين لم يكونوا قد خلقوا. ومعنى القصد ظاهر وهو كونهم من شعب الله ودفع الانقسام في الزمن الآتي. وكان المذبح الذي عملوه شبه مذبح الرب وليس شبه مذابح الوثنيين (خروج ٢٠: ٢٤ – ٢٦) وكان ذلك برهاناً على أنهم لم يقصدوا ترك عبادة الرب.

بقي أن جواب السبطين ونصف السبط كان لطيفاً يشف عن المحبة وحسن النية وحفظ وحدة الشعب شعب الله فلم يبق شيئاً من الغيظ في نفوس وكلاء الأسباط الذين في غربي الأردن. فالجواب الليّن يصرف الغضب.

٣٠ «فَسَمِعَ فِينَحَاسُ ٱلْكَاهِنُ وَرُؤَسَاءُ ٱلْجَمَاعَةِ وَرُؤُوسُ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ مَعَهُ ٱلْكَلاَمَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَبَنُو مَنَسَّى، فَحَسُنَ فِي أَعْيُنِهِمْ».

فِينَحَاسُ ٱلْكَاهِنُ وَرُؤَسَاءُ ٱلْجَمَاعَةِ وَرُؤُوسُ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ ظاهر العبارة أنهم كانوا أكثر من أحد عشر والذي عُرف آنفاً أنهم أحد عشر فينحاس وعشرة رؤساء من كل سبط واحد (ع ١٣ و١٤). والحقيقة أنهم ليسوا أكثر من أحد عشر فينحاس ورؤساء الجماعة العشرة «ورؤوس ألوف إسرائيل» عطف تفسير «لرؤساء الجماعة» كما يُفهم من قوله في الآية الرابعة عشرة «كل واحد رئيس بيت آبائهم في ألوف إسرائيل». والمراد بيان أن هؤلاء الأحد عشر كانوا بمنزلة كل الأسباط الذين في غربي الأردن لأنهم رؤساء الشعب ونوابه فالذي يحكمون به يحكم كل الشعب به.

حَسُنَ فِي أَعْيُنِهِمْ لأنهم رأوا ما حسبوه علّة للانشقاق علّة لبقاء الاتحاد.

٣١ «فَقَالَ فِينَحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنِ لِبَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ وَبَنِي مَنَسَّى: ٱلْيَوْمَ عَلِمْنَا أَنَّ ٱلرَّبَّ بَيْنَنَا لأَنَّكُمْ لَمْ تَخُونُوا ٱلرَّبَّ بِهٰذِهِ ٱلْخِيَانَةِ. فَٱلآنَ قَدْ أَنْقَذْتُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ».

لاويين ٢٦: ١١ و١٢ و٢أيام ١٥: ٢

عَلِمْنَا أَنَّ ٱلرَّبَّ بَيْنَنَا أي لم يتركنا ولم يسخط علينا كما كنا نخاف كما سخط علينا لسجود بعضنا لبعل فغور وخيانة عخان (انظر ع ١٧ و١٨ و٢٠ والتفسير).

إن آية الرب مع الناس قداستهم ومشابهتهم لله أي كونهم على صورته ومثاله لأنه «إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي ٱلظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ ٱلْحَقَّ. وَلٰكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي ٱلنُّورِ كَمَا هُوَ فِي ٱلنُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ» (١يوحنا ١: ٦ و٧).

٣٢ – ٣٤ «٣٢ ثُمَّ رَجَعَ فِينَحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنِ وَٱلرُّؤَسَاءُ مِنْ عِنْدِ بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ مِنْ أَرْضِ جِلْعَادَ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ خَبَراً. ٣٣ فَحَسُنَ ٱلأَمْرُ فِي أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَارَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱللّٰهَ، وَلَمْ يَفْتَكِرُوا بِٱلصُّعُودِ إِلَيْهِمْ لِلْحَرْبِ وَتَخْرِيبِ ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي كَانَ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ سَاكِنِينَ بِهَا. ٣٤ وَسَمَّى بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ ٱلْمَذْبَحَ «عِيداً» لأَنَّهُ شَاهِدٌ بَيْنَنَا أَنَّ ٱلرَّبَّ هُوَ ٱللّٰهُ».

١أيام ٢٩: ٢٠ ونحميا ٨: ٦ ودانيال ٢: ١٩ ولوقا ٢: ٢٨ تكوين ٣١: ٤٧ وص ٢٤: ٢٧

رَجَعَ… مِنْ عِنْدِ بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ (ع ٣٢) أي وبني منسى ولم يذكرهم هنا اعتماداً على القرينة وطلباً للاختصار ولأن العمدة الاثنان المذكوران لأنهما سبطان كاملان بخلاف منسى فإنه نصف سبط.

رَدُّوا عَلَيْهِمْ خَبَراً أي أنباؤهم بما كان بعد الفحص والتحقيق.

عِيداً أي شهادة والاسم عبراني (ص ٢٤: ٢٧ وتكوين ٣١: ٤٧).

أَنَّ ٱلرَّبَّ هُوَ ٱللّٰهُ أي أن الأزلي الواجب الوجود هو المعبود بحق ولا إله غيره.

يظهر لك من الآية الثالثة عشرة إلى آخر هذا الأصحاح أن اتحاد المؤمنين أمر جوهري ذو شأن لأنه شهادة قوية بصحة الدين عند الأمم الخارجة. ومن هنا يتبين لك أن انقسام المسيحيين ضربة شر من ضربات بني إسرائيل فهو عثرة لسائر الملل والنحَل فإنهم يتوهمون حالاً أن الخلاف في الدين برهان على عدم صحته مع أن كثيرين اختلفوا في الحق الواحد وبقي الحق حقاً. ولكن ليس كل الناس فلاسفة حتى يدركوا هذا الإدراك.

فوائد

  1. إن الله يجزي على العمل الصالح خيراً وإن كان من واجبات الإنسان (ع ١ – ٧) وهذا على وفق قول المسيح «مَنْ سَقَى أَحَدَ هٰؤُلاَءِ ٱلصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِٱسْمِ تِلْمِيذٍ… لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ» (متّى ١٠: ٤١).
  2. إن جزاء المحسن يكون في الدنيا وفي الآخرة (ع ٨) وهذا على وفق قول المسيح (مرقس ١٠: ٢٨ و٢٩).
  3. إنه يجب علينا أن نجتهد في حفظ الوحدة المسيحية ونأتي في الحاضر ما يضمنها لنا في المستقبل (ع ١٠ قابله بما في ع ٢١ – ٢٩) وهذا على وفق العهد الجديد (انظر يوحنا ١١: ٥٢ و١٧: ١١ وغلاطية ٣: ٢٨ و١بطرس ٣: ٨).
  4. إنه يجب علينا أن نحرص على طهارة الدين و نقاوته ولا نتساهل بشيء من البدع (ع ١٢).
  5. إنه يجب علينا أن ننظر في الأمر قبل المقاومة لأجله لئلا نسيء ونحن نقصد الإحسان (ع ١٣ – ٢٠).
  6. إنه يجب علينا أن ندفع الإشكال ونزيل الغضب بالجواب الليّن وإن أظهر المعترض الغضب (ع ٢١ – ٢٩).
  7. معاملة المخالفين في الاعتقاد (١) يجب التمييز بين العرضي والجوهري. فإن الجوهري هو الإيمان بالرب يسوع المسيح (١يوحنا ٤: ١ – ٣ و٧ و٨ و١٥) والأمور الباقية عرضية. (٢) يجب أن نحترز من الظنون والأقوال والأخبار غير المثبتة. (٣) يجب أن نستعمل وسائط حبيّة وأدبية فقط لهدائهم وأن لا نجبر الناس على الاعتراف بما نظنه الاعتقاد الحق. (٤) إذا تُحقق أنهم أنكروا المسيح بالإيمان وبالسلوك يجب قطعهم من عضوية الكنيسة والاشتراك في العشاء الربيّ لأن الحق ألزم من الاتحاد وطهارة الكنيسة أهمّ من كثرة أعضائها. (٥) يجب التواضع والمحبة والصبر والصلاة من أجل الجميع.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى